كيف تُغيّر ملخصات الذكاء الاصطناعي مستقبل محركات البحث؟
يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مشهد البحث الرّقميّ عبر تقديم إجاباتٍ فوريّةٍ، ممّا يفرض على العلامات التّجاريّة إعادة صياغة استراتيجيّات المحتوى لتحافظ على الظّهور والموثوقيّة

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
يشتدّ الجدل حول ما إذا كانت نتائج البحث المُولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي تُدمّر مجال تحسين محركات البحث (SEO). هناك الكثير من الهلع، وكمٌّ كبيرٌ من المعلومات المغلوطة، حول طبيعة البحث في عام 2025؛ هذا أمرٌ يمكن تفهّمه. فبعد ما يقرب من 30 عاماً من ترتيب الصّفحات، أقدمت شركة "غوغل" (Google) على تغييراتٍ غير مسبوقةٍ. ما كان في يوم من الأيام محّرك بحثٍ خالصٍ، أصبح إلى حدٍّ كبيرٍ محرّكاً لتقديم الإجابات.
اليوم، تقدّم الإجابات المولدة بالذكاء الاصطناعي ملخّصاتٍ فوريّةً تستندّ إلى بياناتٍ من مواقع الويب، وتعرّضها في مقدّمة نتائج البحث. نتيجةً لذلك، قلّ عدد المستخدمين الذين يمرّرون لأسفل للوصول إلى الرّوابط العضويّة، وأصبح المحتوى الّذي كان يحقّق سابقاً زياراتٍ عاليةً لا يؤدّي كما كان في السّابق.
مع ذلك، تختلف أهميّة هذه الملخّصات الّتي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي للعلامات التجارية، بحسب نوع المحتوى الّذي يتم إنتاجه، والنّتائج المرجوّة والمقاسة. ومن الجدير بالذّكر أنّ ظهور هذه الملخّصات لا يحدث مع كلّ عمليّة بحثٍ، إذ إنّ ظهورها يعتمد على نوع الكلمات المفتاحيّة. حالياً، أكثر من 96% من جميع الملخّصات تعتمد على الكلمات المفتاحيّة المعلوماتيّة. وهذا يعني أنّه من غير المحتمل أن ترى ملخصاً آليّاً لعمليّات البحث المعتمدة على النّوايا الشّرائيّة أو المحليّة.
استناداً إلى كل ما سبق، يستعرض هذا المقال بالتّفصيل كيف تؤثّر الملخّصات الذّكيّة على البحث، وما الذي تعنيه "الموثوقية" في عصر الملخّصات المُنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن للعلامات التجارية التكيّف مع هذه التّغيرات في استراتيجيتها الخاصة بالمحتوى؟
كيف تؤثر الملخصات الذكية على البحث؟
عند كتابة عبارة في محرك بحث غوغل، لم تعد تظهر صفحاتٌ من الرّوابط فقط، بل يظهر في البداية ملخّصٌ ذكيٌّ. هذا الملخصّ، الّذي غالباً ما يكون مستنداً إلى مقالٍ أو عدّة مقالاتٍ، يتراوح طوله في العادة نحو 160 كلمةً.
ورغم أنّ هذا العدد من الكلمات يبدو بسيطاً، فإنّ لهذه الملخصّات تأثيراً كبيراً على شكل صفحة النّتائج، إذ تدفع الرّوابط المتصدّرة سابقاً إلى أسفل بنحو 1500 بيكسلٍ. وهذا يعني فعليّاً حوالي تمريرتين كاملتين على الحاسوب المكتبيّ، وثلاث تمريراتٍ على الهاتف المحمول. وبهذا، فإنّ المحتوى الذي تم إنتاجه بعنايةٍ بات الآن في موضعٍ أقلّ وضوحاً.
وقد أثّر هذا التّطوّر بشكلٍ ملحوظٍ على معدّلات النّقر (CTR)؛ فوفقاً لعدّة تحليلاتٍ مختلفةٍ، هناك إجماعٌ على أنّ هذه الملخصّات قد تسبّبت في انخفاض معدّل النّقر العضويّ بنسبةٍ تتراوح ما بين 18% و64%.
ما يجعل هذا التحوّل صادماً للكثيرين هو سرعة حدوثه. ففي أغسطس 2024، كانت ربع نتائج البحث فقط تحتوي على ملخصٍّ ذكيٍّ. واليوم، باتت النّسبة تقترب من النّصف. وعلى الرّغم من أنّ الجمهور لم يرحّب تماماً بهذا التّغيير (ومن المفارقة أنّ عبارة "إزالة الملخصّ الذّكيّ من بحث غوغل" تحصل على آلاف عمليّات البحث شهريّاً)، إلّا أنّ هذا هو الواقع الّذي يجب على العلامات التجارية والمسوّقين التّكيّف معه بطريقةٍ استراتيجيّةٍ بعيدةٍ عن الذّعر.
ورغم أنّ هذا المقال يركّز على تأثير الملخّصات الذّكيّة الخاصّة بغوغل على SEO، من المهمّ الإشارة إلى أنّ أدوات بحثٍ أخرى مدفوعةٌ بالذكاء الاصطناعي، مثل: "شات جي بي تي" (ChatGPT) و"بيربليكسيتي" (Perplexity)، تلعب دوراً في جذب المستخدمين بعيداً عن غوغل، وإعادة تشكيل كيفيّة العثور على المعلومات والتّفاعل معها. وعلى الرّغم من أنّ هذين المنصّتين تمثلان أقلّ من 1% من إجمالي حركة البحث عالميّاً في الوقت الحاليّ، فإنّ هذا المشهد يتغيّر سريعاً. ومع تزايد اعتمادهما، فإنّهما تشكلان تحديّاً وفرصةً في الوقت نفسه للعلامات التجارية ليتم اكتشافها أو الاستشهاد بها، ما يتطلّب من استراتيجيّات المحتوى أن تتجاوز الاعتماد على محرّكات البحث التّقليديّة فقط.
معنى "الموثوقية" في عصر الملخصات الذكية
لطالما كان تحسين محركات البحث يدور حول "الموثوقية" أي ما إذا كانت غوغل ترى المحتوى الخاصّ بك كمصدرٍ موثوقٍ وجديرٍ بالتّصدر مقارنةً بالمنافسين عند إجراء المستخدمين لعمليّات البحث. لذلك، فإنّ الخطوة الأولى للعلامات التجارية في الاستجابة لهذه التّغيّيرات هي إعادة تعريف ما تعنيه "الموثوقية" في السّياق الجديد.
في عالم الملخصّات الذّكيّة، تتمثّل إحدى الاستراتيجيّات في التّأكّد من أن محتواك يتم الاستشهاد به أو الإشارة إليه في الإجابات الآليّة. هذا من شأنه أن يعزّز من مكانتك كمصدرٍ موثوقٍ؛ لأنّ محرك الذكاء الاصطناعي من غوغل اختارك كمرجع جديرٍ بالثّقة. وإذا تم الاستشهاد بك من قبل الذكاء الاصطناعي كمصدرٍ موثوقٍ، فإنّ ذلك يمكن أن يؤثّر بمرور الوقت على سمعة علامتك التجارية، وقد يدفع المستخدمين للبحث عن محتواك بشكلٍ مباشرٍ في حال أرادوا المزيد من التّفاصيل أو السّياق. وبالمقابل، يمكنك أن تبتكر محتوىً لا يمكن تلخيصه بسهولةٍ، ما يُجبر المستخدم على النّقر على الرّابط لمواصلة القراءة.
كيف يمكن للعلامات التجارية تعديل استراتيجية المحتوى الخاصة بها؟
بات أمام العلامات التجارية فرصةٌ لابتكار محتوىً لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تلخيصه بسهولةٍ، أو محتوىً يدفع المستخدمين لاستكشافه أبعد من مجرّد ملخّصٍ موجزٍ. وتتضمّن الأمثلة على هذا النّوع من المحتوى: تحليلات صناعيّة، قصص شخصيّة، ودراسات حالة تعتمد على بياناتٍ أصليّةٍ، وتفصيلات فريدة للمنتجات أو الخدمات، ومقالات رأي، ومراجعات، ووجهات نظرٍ حصريّةٍ. باختصارٍ، محتوى إنسانيٌّ، فريدٌ، ولا يمكن إلّا لعلامتك التّجاريّة أن تكتبه؛ فعندما تقدّم عمقاً حقيقيّاً وأصالةً برؤيةٍ إنسانيّةٍ مميّزةٍ، ستميّز نفسك عن المنافسين وتقدّم شيئاً لا تستطيع الملخصّات الآليّة تقديمه. وإليك كيفيّة البدء في التّفكير باستراتيجية محتوى SEO في عصر الملخصّات الذّكيّة:
تحسين المحتوى ليظهر في الملخصات الذكية
تكمن أولى الاستراتيجيات الفاعلة في السّعي لظهور محتواك ضمن الملخّصات الذّكيّة الّتي يُولّدها الذكاء الاصطناعي. ولتحقيق ذلك، احرص على بناء هيكلٍ واضحٍ ومتماسكٍ لمحتواك يُسهّل على محرّكات البحث فهمه واستيعابه بدقّةٍ؛ فاكتب بأسلوبٍ واضحٍ ومباشرٍ، وابدأ مقالك بالإجابة عن أبرز الأسئلة الّتي قد تدور في ذهن القارئ. ثم، استبِق تساؤلاته القادمة بالإجابة عنها بانسيابيّةٍ داخل النّص، دون افتعالٍ أو إقحامٍ. فكلّما ازداد محتواك نفعاً وتنظيماً ووضوحاً، تعاظمت فرص اختياره من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي لتلخيصه ضمن نتائج البحث.
ومن اللّافت، أنّ دراسةً حديثةً أظهرت أنّ معدّل النّقرات العضويّة ارتفع من 0.74% إلى 1.02% في المتوسّط حين ظهرت العلامة التجارية داخل المُلخّص الذّكيّ، وهو ما يبرهن على قيمة هذه الاستراتيجيّة في جذب الانتباه وزيادة الوصول.
إنشاء محتوى فريد من نوعه
البديل هو التّركيز على محتوىً يصعب تلخيصه. لذلك، أظهر الخبرة والموثوقيّة من خلال مشاركة رؤىً أصليةٍ، أو بياناتٍ وتحليلاتٍ فريدةٍ لا توجد في مكانٍ آخر. تبقى الأبحاث الأصليّة ذات قيمةٍ عاليةٍ دائماً، وتذكّر أنّ المحتوى الطّويل لا يزال يؤدّي جيداً إذا كان يقدّم معلوماتٍ عالية القيمة.
التفكير خارج حدود غوغل
نوّع مصادر الزّيارات إلى موقعك ببناء حضورٍ فعّالٍ على وسائل التواصل الاجتماعي. إذ يمكنك أيضاً التّفكير في إطلاق نشراتٍ بريديّةٍ، أو بودكاستٍ، أو التّفاعل مع المجتمعات الرّقميّة؛ فهذه القنوات يمكن أن توفّر مصادر أكثر استدامةً واستقلاليّةً للزّيارات بعيداً عن محرّكات البحث التّقليديّة.
تحسين التفاعل داخل الموقع
بمجرّد أن يصل المستخدم إلى موقعك، ركّز على إبقائه متفاعلاً؛ فحسّن تجربة المستخدم بجعل المحتوى سهل التّصفّح، واستخدم الرّبط الدّاخليّ الذّكيّ لتوجيه الزوّار إلى مزيدٍ من الصّفحات داخل موقعك. وبدلاً من التّركيز فقط على حجم الزّيارات، اعمل على تحسين معدّلات التّحويل واتّخاذ المستخدمين لإجراءاتٍ ذات قيمةٍ.
تحسين محركات البحث لن يتوقف عن التطوّر
على مدار العقود الثّلاثة الماضية، شهدنا تغيّيراتٍ كثيرةً في مجال تحسين محركات البحث، بدءاً من تحديثات الخوارزميّات، إلى الأسبقيّة للجوال، إلى نتائج البحث الّتي لا تتطلّب نقراً (zero-click). وفي كلّ مرّةٍ، استطاع المسوّقون الرّائدون التّأقلّم بنجاحٍ. ورغم أنّ البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي يتطوّر بسرعةٍ أكبر من أيّ وقتٍ مضى، إلّا أنّ هناك فرصاً حقيقيّةً للعلامات التجارية الّتي تضع استراتيجيّاتٍ واضحةً.
فالأساس الّذي يستند عليه تحسين محركات البحث لم يتغيّر كثيراً، لا يزال يتعلّق بفهم الجمهور وإنشاء محتوىً ذي قيمةٍ لهم. وبذلك، لم يدمّر الذكاء الاصطناعي مجال تحسين محركات البحث، بل كشف عن العلامات التجارية غير المستعدّة. كما أنّ الأدوات الّتي نستخدمها ستواصل التّغير بوتيرةٍ شبه يوميّةٍ، ولكن إذا حافظت العلامات التجارية على تركيزها في خدمة المستخدم أفضل من أيّ طرفٍ آخر، فإنّها ستحقّق نتائج ملموسةً، بصرف النّظر عن التّغيّيرات الّتي تطرأ اليوم أو غداً.
حول الكاتب
جيجار ساجار (Jigar Sagar) هو رائد أعمالٍ، مستثمرٌ، ومستشارٌ حكوميٌّ، يمتلك أكثر من 31 مشروعاً تقدّر قيمتها الإجماليّة بـ350 مليون دولارٍ أمريكيٍّ. حاصلٌ على شهادة في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكيّة في دبي، وماجستير في الإدارة الماليّة من جامعة ملبورن. بدأ ساجار مسيرته كمديرٍ ماليٍّ في "كرييتف زون" (Creative Zone). ومن مشاريعه: "سيت هاب" (Set Hub) -المعروفة سابقاً باسم "بيزنس إنكوربوريشن زون"- والّتي ساعدت في تأسيس أكثر من 25,000 شركةٍ، من ضمنها: "إي زي إم إس" (EZMS)، "أبيزاب" (Appizap)، "أوكويب" (Ocube)، و"كريو" (Créo). ويُعدّ ساجار من الأصوات البارزة الّتي ساهمت في تشكيل النّظام الرّقميّ الحيويّ في دولة الإمارات، ويُعرف بمشاركاته في المؤتمرات العالميّة وكتاباته في النّشرة الإخباريّة عبر "لينكد إن" تحت عنوان "رؤية رائد الأعمال".