الرئيسية الذكاء الاصطناعي هل بدأت روبوتات الدردشة تأخذ مكان محرّكات البحث؟

هل بدأت روبوتات الدردشة تأخذ مكان محرّكات البحث؟

إن كانت روبوتات الدردشة قد غيّرت قواعد اللّعبة... فهل عليك أن تلحق زبائنك إليها وتهتمّ بها أكثر من محركات البحث التّقليديّة؟

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في خضمّ التّغيّر السّريع الذي تقوده أدوات الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ، لم يعد السّؤال "ما الجديد؟"، بل "ما الذي يتبدّل من تحت أقدامنا؟". إنّ طرق البحث على الإنترنت لم تعد كما كانت، وسلوك المستخدم الرّقميّ يشهد تحوّلاً جذريّاً. لم يعد كثيرٌ من الناس يكتبون كلماتٍ مفتاحيّةً في محرك البحث، بل يخاطبون روبوتات دردشةٍ ذكيةٍ تجيبهم فوراً، بأسلوبٍ شخصيٍّ ومباشرٍ.

إنّه تحوّلٌ لا يطرق الأبواب بل يقتلعها. والمفارقة؟ كثيرٌ من الشّركات ما زالت تراقب من بعيدٍ، غافلةً عن تغيّر منافذ الوصول إلى جمهورها.

السّؤال الآن ليس: "هل ستتفوّق روبوتات الدّردشة على محرّكات البحث؟"، بل: متى ستغيّر المعادلة؟، وكيف ستتوزّع حركة الزّيارات الإلكترونيّة بين المنصّات؟. هذا التقرير لا يقدّم أرقاماً باردةً، بل يضع يدك على النبض الحقيقيّ لتغيّر سلوك البحث، استناداً إلى دراسةٍ موسّعةٍ أجرتها شركة OneLittleWeb بالاعتماد على بياناتٍ دقيقةٍ من منصّة Semrush، قارنت بين أداء ChatGPT وأقرانه من روبوتات الذّكاء الاصطناعيّ، مقابل عمالقة البحث التقليديّ مثل Google وBing.

ما ستقرؤه ليس مجرّد استعراضٍ لإحصاءاتٍ، بل خارطة طريقٍ لأصحاب الأعمال الذين لا يريدون أن يفاجؤوا حين يتقدّم المستخدم إلى واجهةٍ لم تستعدّ له شركتهم بعد.

الفجوة الرّقميّة: لا تنخدع بالأرقام وحدها

صحيحٌ أنّ الفارق بين الطّرفين لا يزال كبيراً، ولكن خلف كلّ رقمٍ هناك منحنًى يتحرّك. فخلال الفترة من أبريل 2024 إلى مارس 2025، استقطبت أكبر 10 روبوتات دردشةٍ نحو 55.2 مليار زيارةٍ، في حين استحوذت أكبر 10 محرّكات بحثٍ على 1.86 تريليون زيارةٍ.

لكن لنتأمّل هذه النّسبة: 2.96% فقط من حركة الويب كانت من نصيب روبوتات الدّردشة. تبدو ضئيلةً؟ نعم، ولكنّها تضاعفت خلال سنةٍ واحدةٍ بنسبةٍ تفوق 80%، في حين لم تشهد محرّكات البحث إلّا تراجعاً طفيفاً بلغ 0.51%. هذا يعني أنّ الاتّجاه واضحٌ، وإن كان بطيئاً: المستهلك بدأ يبدّل عاداته، وإن بهدوءٍ.

عند النّظر إلى الاستخدام اليوميّ، تظهر المقارنة في مارس 2025 أنّ متوسّط الزّيارات اليوميّة لمحرّكات البحث بلغ 5.5 مليار زيارةٍ، مقابل 233.1 مليون زيارةٍ فقط لروبوتات الدّردشة – أي بفارقٍ يقارب 24 ضعفاً. لكن إن قورنت هذه النّسبة بنسب العام السّابق، نجد أنّ وتيرة التّغيير تتسارع، لا تتراجع. [1]

هل بدأت روبوتات الدردشة تأخذ مكان محرّكات البحث؟

منصّات تربّي عاداتٍ جديدةً

من الأخطاء الشّائعة أن نقارن بين Google وChatGPT وكأنّ أحدهما سينقرض لصالح الآخر. الصّواب هو أنّ المستخدم يستخدم المنصّتين لغرضين مختلفين. لكنّ الخطير – والمثير – هو أنّ هذه الأغراض بدأت تتقاطع.

محرّك Google ما يزال يستحوذ على نحو 87.6% من حركة البحث، لكنّ روبوت ChatGPT من OpenAI بات يمثّل 86% من زيارات جميع روبوتات الدّردشة، ما يجعله مرآةً واضحةً لسلوك المستهلك الجديد. هذا السّلوك لا يعبّر عن تخلٍّ عن محرّكات البحث بقدر ما يعبّر عن تجريبٍ مكثّفٍ لبديلٍ تفاعليٍّ أكثر سلاسةً. [1]

لذلك، فإنّ المنصّات الذّكيّة لا تهدّد Google مباشرةً، ولكنّها تسحب من تحته اهتماماً متزايداً من الجمهور الأصغر سنًّا والأكثر ادماجاً في أدوات التّفاعل التّوليديّ. [2]

صعود الوعي لا الأرقام فقط

ربّما لا يبدو عدد زيارات ChatGPT ضخماً بالمقارنة بـ Google، لكنّه يمثّل شيئاً أعمق من مجرّد زياراتٍ: إنّه يمثّل بداية تكوّن عادةٍ جديدةٍ. المستهلك بدأ يجرّب البحث بأسلوب المحادثة، لا الكلمات المفتاحيّة. بدأ يطلب “الشّرح” بدل “الرّابط”. يطلب “الرّأي المختصر” بدل “النّتائج المتعدّدة”.

هذه العادة الجديدة تعادل، من وجهة نظرٍ استراتيجيّةٍ، أرضاً خصبةً يجب على الشّركات أن تسبق المنافسين إليها. لأنّ من يفهم هذه اللّحظة الآن، يمكنه أن يزرع حضوره داخلها قبل أن تغدو سلوكاً سائداً.

لماذا لا تزال محرّكات البحث في الصّدارة... حتّى الآن؟

قد يبدو سؤال "من المتفوّق؟" محسوماً حين نقرأ أنّ Google وحده استحوذ على 1.63 تريليون زيارةٍ خلال سنةٍ واحدةٍ. هذا الرّقم وحده يكفي ليبقي أيّ صاحب عملٍ مطمئنّاً إلى أنّ محرّكات البحث ما زالت سيّدة المشهد. لكنّ الحقيقة الأهمّ هي: هل هذا التّفوّق مضمونٌ في السّنوات القادمة؟ الإجابة تبدأ من فهم لماذا لا تزال محرّكات البحث تتقدّم.

1. عاداتٌ متجذّرةٌ وسلوكٌ مستخدمٌ لا يتغيّر بسهولةٍ

الإنترنت كما نعرفه اليوم، بني على محرّكات البحث. معظم المستخدمين اعتادوا – لأكثر من عقدين – على أن يكتبوا الكلمات المفتاحيّة، ويختاروا من قائمةٍ روابط، ويتنقّلوا بين المواقع. هذه العادة راسخةٌ لدرجةٍ أنّ تغييرها يتطلّب وقتاً طويلاً، أو قفزةً نوعيّةً في التّجربة.

وبينما تقدّم روبوتات الدّردشة إجاباتٍ سريعةً وجاهزةً، يظلّ جزءٌ كبيرٌ من المستخدمين – خاصّةً أصحاب القرار، والمستخدمين الأكبر سنّاً، وقطاعات الأعمال – يفضّلون رؤية خياراتٍ متعدّدةٍ، ومصادر موثوقةٍ، وروابط يمكن التّحقّق منها. البحث لا يزال بالنّسبة لهؤلاء "نافذةٌ على الويب"، بينما الدّردشة "مساعدٌ ذكيٌّ" محدودٌ بقدراته الحالية.

2. دمج الذّكاء الاصطناعيّ في قلب محرّكات البحث

هنا يأتي العامل الّذي يبرّد مخاوف Google ويدقّ ناقوس الإنذار لأصحاب المواقع: محرّكات البحث نفسها بدت تقلّد روبوتات الدّردشة.

Google، على سبيل المثال، أطلق ميزاتٍ مدعومةً بالذّكاء الاصطناعي مثل Search Generative Experience (SGE)، والّتي تعرض للمستخدم ملخصاتٍ جاهزةً، وإجاباتٍ ذكيّةً أعلى نتائج البحث. لم يعد البحث مجرّد قائمة روابط؛ بل بات تجربةً توليديّةً هجيناً تحاكي ما تقدّمه ChatGPT – ولكن داخل واجهةٍ مألوفةٍ.

Bing أيضاً دمج نموذج GPT مباشرةً في نتائج البحث، وبدأ بتقديم محادثاتٍ مباشرةٍ داخل محرّكه، وهو ما ساهم بارتفاع زياراته بنسبةٍ 27.8%. هذه الحركات تشير إلى أنّ محرّكات البحث لا تنتظر لتباد، بل تقاتل بإضافة التّجربة الّتي سلبتها روبوتات الدّردشة.

3. التّنوّع، المصادر، والرّوابط... ما زالت نقطة قوّة

أحد الفروق البنيويّة بين الطّرفين هو أنّ محرّكات البحث تعيد المستخدم إلى العالم المفتوح: آلاف النّتائج، مواقع موثوقةٌ، خياراتٌ للمقارنة، تحديثاتٌ لحظيّةٌ. أمّا روبوتات الدردشة، فغالباً ما تقدّم إجابةً واحدةً، لا ترتبط دائماً بمصدرٍ يمكن التّحقّق منه، أو لا تظهره أساساً.

وهنا تكمن الخطورة على العلامات التّجارية: إذا انتقل الجمهور من منصّةٍ تظهرك إلى منصّةٍ تحتكر الإجابة دون ذكر اسمك، فأنت تختفي.

لهذا، فإنّ الرّهان على محرّكات البحث لا يزال منطقيّاً، خاصّةً للقطاعات التي تعتمد على الظّهور في نتائج متعدّدةٍ، أو تحتاج إلى بناء الثّقة من خلال الرّوابط، والمراجعات، والمحتوى المتخصّص.

4. الثّقة والشّفافية: أين أضع قراري؟

رغم تزايد الاعتماد على الذّكاء الاصطناعيّ، تظهر الدّراسة أنّ الكثير من المستخدمين لا يزالون يتوجّسون من دقّة المعلومات التي تقدّمها روبوتات الدّردشة. "الهلوسة الاصطناعيّة" – أي تقديم معلوماتٍ خاطئةٍ بثقةٍ – هي سمةٌ معروفةٌ لهذه الأدوات، وتضعف ثقة المستخدم.

في المقابل، محرّكات البحث قد تعطيك نتائج ضعيفةً أحياناً، ولكنّها لا تؤلّف الإجابة من فراغٍ. وهذا ما يجعلها – حتى الآن – أكثر أماناً للمستخدم الذي يبحث عن حقائق، لا اقتراحاتٍ.

المستخدمون يتغيّرون... والمشهد يتشكّل من جديدٍ

من المهمّ ألا نقرأ الفجوة بين Google وChatGPT كدليل استقرارٍ. بل يجب أن نقرأها كـ تحوّلٍ زلزاليٍّ في طور التشكلّ. هناك فئةٌ كاملةٌ من المستخدمين – خاصّةً الأصغر سنّاً، والأكثر راحةً مع أدوات الذكاء الاصطناعيّ – باتت تبدأ أسئلتها داخل واجهات روبوتات الدردشة لا محرّكات البحث. وهذا التبدّل في نقطة الانطلاق يعني تغيّراً عميقاً في كيفية تفكير المستهلك، وتوقّعاته، وسلوكه الرقميّ.

منصّاتٌ تتصدّر ومنصّاتٌ تتراجع: لماذا يجب أن تهتمّ؟

في ميدان محرّكات البحث، لا تزال Google في موقع "السوبرنوفا" الرقميّ – 1.63 تريليون زيارة في عامٍ واحدٍ. يليها Bing بنموٍّ مهمٍّ وصل إلى 60.1 مليار زيارة (+27.8%)، ثمّ Yandex بحوالي 41.5 مليار زيارة (+32.6%)، متفوّقاً على Yahoo الّذي تراجعت زياراته إلى 41.3 مليار (-22.5%).

أمّا في ساحة روبوتات الدردشة، فالصّورة مختلفةٌ تماماً:

ChatGPT يتسيّد بـ 47.7 مليار زيارة سنويّاً (+67%)، مستحوذاً على 86% من إجماليّ زيارات هذا القطاع. [3]

خلفه مباشرةً يأتي كلٌّ من:

  • DeepSeek: ~1.7 مليار
  • Gemini (Google Bard سابقاً): ~1.7 مليار
  • Perplexity AI: ~1.3 مليار
  • Claude: ~1.2 مليار
  • Microsoft Copilot: ~0.92 مليار

هذه الأرقام لا تشير فقط إلى أداء المنصّات، بل تظهر أين يجلس جمهورك الجديد فعلاً. والمفارقة؟ حتّى أقرب منافسٍ لـChatGPT لم يتجاوز 3% فقط من زياراته. أيّ أنّ هذه المنصّة – عمليًّا – أصبحت واجهة البحث التّفاعليّ الأولى.

الرّسالة لأصحاب الأعمال: أين أنت من هذه الشّاشة؟

التّحوّلات الرّقميّة لا تقاس فقط بالمليارات، بل تقاس أيضاً بـ اللّحظة الّتي تغيّر فيها المستخدم عاداته. حين يصبح من الطّبيعيّ أن يسأل المستخدم ChatGPT عن منتجٍ، أو يقارن أسعار خدمةٍ عبر Claude، أو يطلب مراجعاتٍ مباشرةً من Gemini... فهذه لحظةٌ حرجةٌ تستحقّ الاستعداد.

والسّؤال هنا:

هل يراك المستخدم عندما يسأل الرّوبوت؟

إذا كانت إجابتك "لا"، فأنت تختفي من نصف مشهد البحث القادم. لأنّ هذه المنصّات لا تظهر روابط مثل Google، بل تقدّم إجابةً واحدةً فقط – وغالباً من مصادرها الخاصّة أو من قواعد بياناتها الدّاخليّة.

منظومةٌ مزدوجةٌ: ليس "بديلاً"، بل "إضافةٌ" يجب أن تسبق إليها

الدّراسة توضّح أنّ روبوتات الدّردشة لا تحلّ مكان محرّكات البحث، بل تكمّلها. وبالتّالي، فإنّ إستراتيجيّتك الرّقميّة يجب أن تكون هجينةً:

استمرّ في تحسين ظهورك عبر SEO التّقليديّ على Google وBing. [2]

وفي الوقت نفسه، ابدأ في بناء وجودك داخل بيئة الذّكاء الاصطناعيّ: عبر تدريب محتواك ليظهر في إجابات ChatGPT، وتحسين هيكل مقالاتك لتكون قابلةً للتّضمين في الرّدود التّوليديّة، والعمل على التّفاعل مع هذه النّماذج بطرقٍ ذكيّةٍ.

الاستثمار الآن في هذه الواجهات الذّكيّة يشبه الاستثمار في المواقع الإلكترونيّة قبل 10 سنواتٍ. التّأخّر يعني أنّك ستلتحق بعد أن تقسّم الكعكة.

آخر تحديث:
تاريخ النشر: