العامل النسائي في التكنولوجيا المالية: كيف تعيد النساء تشكيل القطاع المالي في السعودية؟
مع تسريع رؤية 2030 لطموحات المملكة في مجال التكنولوجيا المالية، أصبحت النساء لاعبات محوريات في تطور هذا القطاع

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
صعود قطّاع التّكنولوجيا الماليّة في المملكة العربيّة السّعوديّة هو حكاية تحوّلٍ بامتياز. فبفضل الطّموحات الواسعة لرؤية 2030، رسّخت المملكة مكانتها كواحدةٍ من أسرع المراكز نموّاً في مجال التّكنولوجيا الماليّة على مستوى الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تطلّعها بثباتٍ إلى السّاحة العالميّة. وإلى جانب هذا النّموّ اللّافت، يبرز تطوّر آخر لا يقلّ أهميّةً: دخول المزيد من النّساء إلى هذا القطاع، سواءً من خلال قيادة مجالس الإدارة أو إطلاق شركاتٍ ناشئةٍ مبتكرةٍ تدفع حدود التّجديد.
كلّ ذلك يعود إلى الإصلاحات الشّاملة الّتي تقودها المملكة من الأعلى إلى الأسفل، والتي سرّعت من وتيرة مشاركة المرأة في مختلف القطّاعات. فبحسب الهيئة العامّة للإحصاء في السّعوديّة (GASTAT)، قفز معدّل مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 35% خلال الأعوام الأخيرة، وهو رقمٌ تجاوز بالفعل الهدف المحدّد ضمن رؤية 2030. وفي الوقت نفسه، أظهرت أبحاث "إنديفور إنسايت" أنّ النّساء يشكّلن اليوم 28% من القوى العاملة في قطّاع التّكنولوجيا بالمملكة، وهي نسبةٌ تفوق المتوسّط الأوروبيّ البالغ 19%. وإلى جانب ذلك، تعمل جهاتٌ حكوميّةٌ مثل وزارة الموارد البشريّة والتنمية الاجتماعيّة والبنك المركزي السّعودي (ساما) على دفع إصلاحاتٍ تشريعيّةٍ، وبرامج تعليميّةٍ وتوجيهيّةٍ، تعزّز توظيف المرأة وتمكينها قياديّاً، بما يرسّخ مساراً مستداماً لوجودها في مواقع التّأثير.
داخل منظومة التّكنولوجيا الماليّة في المملكة، يبرز زخم التّحوّل بوضوحٍ على أرض الواقع، ليس فقط في الأرقام والإصلاحات، بل في قصص الأفراد أنفسهم. إحدى هذه القصص تجسّدها داليا قمر، رئيسة برامج المستثمرين والشّركات النّاشئة في شركة "تحالف" (Tahaluf) السّعوديّة العالميّة لتنظيم الفعاليّات؛ فقد خاضت قمر التّجربة من كلا الجانبين: بدايةً كمؤسِّسةٍ تسعى إلى جمع رأس المال، ثم كمستثمرةٍ تدعم الشّركات النّاشئة وتفتح لها أبواب الوصول إلى صفقات الأسواق الخاصّة الأكثر تنافسيّةً. واليوم، بعد أن راكمت هذه الخبرات، تقود مبادراتٍ استراتيجيّةً في "تحالف"، وتشرف على أبرز فعاليّاتها، وفي مقدّمتها "موني 20/20 الشّرق الأوسط" (Money20/20) و"ليب" (LEAP). ومن هذا الموقع الّذي يجمع بين خبرة المؤسِّس والمستثمر والمنظّم، ترى قمر أنّ الفرص أمام النّساء في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة لم تعد مجرّد احتمالٍ، بل واقعٌ يتشكّل بسرعةٍ ويزداد رسوخاً يوماً بعد يومٍ.
وفي قراءتها لمشهد التّكنولوجيا الماليّة في المملكة، تؤكّد داليا قمر أنّ النّساء أصبحن شريكاتٍ فاعلاتٍ في صياغة مستقبل هذا القطّاع؛ فتقول: "ثمّة نافذةٌ متّسعةٌ تفتح أبوابها للنّساء في مجال التّكنولوجيا الماليّة هنا في المملكة، ومن يخطون داخلها اليوم يساهمون فعليّاً في تشكيل مستقبل المال". وتُضيف أنّ ما يميّز السّوق السّعودي ليس فقط سرعة تطوّره، بل أيضاً المساحات الواسعة المتاحة للنّموّ والقيادة. وعلى الصّعيد العالميّ، ورغم أنّ النّساء يملكن أو يؤثّرن في أكثر من 80% من القرارات الماليّة الاستهلاكيّة، فإنّ تصميم منتجات التّكنولوجيا الماليّة كان تاريخيّاً موجَّهاً للرّجال. وهنا يبرز دور رائدات الأعمال اللّواتي يلتقطن الثّغرات الّتي طالما أُهملت، ويقدّمن حلولاً تتجاوب مع احتياجات الفئات غير المُخدّمة كما ينبغي.
داليا قمر، رئيسة برامج المستثمرين والشركات الناشئة في Tahaluf
كما ترى داليا قمر أنّ ما تتحدّث عنه ليس مجرّد أفكارٍ نظريّةٍ، بل أنماط واقعيّة رصدتها بنفسها في السّوق، تؤكّدها الأرقام أيضاً؛ فتقول: "شهدنا ذلك في فعاليّة (Fintech24) الّتي أصبحت اليوم موني 20/20 الشّرق الأوسط، حيث شكّلت النّساء 22% من المستثمرين، و20% من مؤسّسات أو شريكات المؤسِّسات في الشّركات النّاشئة". وتتابع: "يُطلق البعض على هؤلاء النّساء وصف التّهديد الثّلاثي: امرأةٌ، تكنولوجيا ماليّةٌ، مؤسّسة شركةٍ. كلّ عنصرٍ قويٌّ بذاته، لكنّ اجتماعها معاً يصنع قوّةً حقيقيّةً."
وتوضّح قمر أنّ الفارق الجوهريّ يكمن في الإدماج المتعمَّد، حيث لا يُكتفى بدعوة النّساء إلى الطّاولة، بل تُصمَّم برامج مخصّصة لهنّ، بدءاً من إشراكهنّ كـشريكاتٍ عامّاتٍ أو محدوداتٍ، وصولاً إلى توفير تمويلٍ موجَّهٍ، وبرامج إرشادٍ، وسياساتٍ داعمةٍ للمنظومة ككلٍّ. وتضيف: "في عملي الشّخصي طالبتُ بمزيدٍ من الشّمول، ورأينا النّتائج واضحةً: جداول رأس مالٍ أكثر تنوّعاً، وابتكار أشدّ حدّة، وتعاطف أعمق مع السّوق. نحن لا نسلّط الضّوء على النّساء لملء حصّةٍ شكليّةٍ، بل لأنّهن يبرعن ويستحققن مكانتهنّ عن جدارةٍ".
لم يعد هذا التّوجّه نحو الإدماج المتعمّد مجرّد مبادرةٍ فرديّةٍ، بل أصبح صدىً يتردّد عبر مختلف أركان صناعة التّكنولوجيا الماليّة. ففي هذا السّياق، تتفق كينغا سڤيدرسكا، رئيسة الإنتاج في شركة تحالف، مع زميلتها داليا قمر، مؤكّدةً على أهميّة بناء منظوماتٍ متكاملةٍ تمكّن النّساء من النّموّ والازدهار. وتقول: "التكنولوجيا الماليّة ليست قطاعاً تقليديّاً، بل حركة عالميّة تعيد تعريف تدفّق المال، وكيف تُبنى الثّقة، وكيف تتوسّع رقعة الوصول إلى الخدمات الماليّة بشكلٍ ديمقراطيٍّ."
وتضيف سڤيدرسكا أنّ رؤية السعودية 2030 تقود تحوّلاً غير مسبوقٍ، حيث تأتي النّساء في قلب هذا التّغيّر. وتوضّح: "في مجال التّكنولوجيا الماليّة تحديداً، أرى فرصاً واسعةً للمرأة، سواء في مواقع القيادة، أو في ريادة الأعمال، أو في ابتكار حلولٍ تقنيّةٍ جديدةٍ. فالنّساء اليوم يطلقن شركاتٍ ناشئةً، ويساهمن في صياغة الأطر التّنظيميّة، ويطوّرن منتجاتٍ تركّز على العملاء وتلبّي احتياجات شرائح متنوّعةً من المجتمع. وعندما تحصل المرأة على دعمٍ هيكليٍّ ونماذج قدوةٍ مرئيّةٍ، فإنّ الأثر يمتدّ كموجاتٍ متلاحقةٍ تُغيّر المشهد بأسره".
النساء على دفة القيادة
رغم أنّ النّساء يحققن تقدّماً ملحوظاً في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة، إلّا أنّ القيادة ما تزال الجبهة الأصعب. فبحسب تقريرٍ صادرٍ عن الأمانة العامّة للاتحاد من أجل المتوسّط (UFM Secretariat)، لا تتجاوز نسبة الشّركات الّتي تقودها نساء في القطاع الماليّ بمنطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا 5%، مقارنةً بمتوسّطٍ عالميٍّ يتراوح بين 23 و26%.
لا يزال الوصول إلى المناصب القياديّة تحدّياً في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة، إلّا أنّ إبراز إنجازات النّساء في هذا المجال أصبح أكثر أهميّةً، خصوصاً اللّواتي يمهّدن الطّريق للجيل القادم. ومن هذا المنطلق، تأتي فعاليّاتٌ مثل موني 20/20 الشّرق الأوسط لتلعب دوراً محوريّاً في تسليط الضّوء على هؤلاء القائدات؛ فتقول كينغا سفيديرسكا موضّحةً: "في موني 20/20 الشّرق الأوسط هذا العام، نفخر بتسليط الضّوء على إنجازات العديد من الرّائدات وقائدات التّكنولوجيا الماليّة، بدءاً من النّقاشات التّحفيزيّة على ثماني منصّاتٍ وصولًا إلى فعاليّات التّشبيك الدّيناميكيّة، حيث ستتصدر القائدات المشهد، مروّجّاتٍ للحوار ومُظهراتٍ لكيفيّة تطوّر القطّاع بشكلٍ شاملٍ".
كينغا سڤيدرسكا، رئيسة قسم الإنتاج في Tahaluf
ورغم أهميّة إبراز دور النّساء في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة، يظهر التّحوّل الأهمّ داخل المنظومة نفسها، حيث تُعيد النّساء صياغة المشهد من الدّاخل. وتجربة هدى الموسى، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة "باي تابس" (PayTabs) في المملكة العربيّة السّعوديّة، تجسّد هذا التّحوّل بوضوحٍ؛ فتقول الموسى: "نحن عند نقطة تحوّلٍ تاريخيّةٍ حقيقيّةٍ. ففي السعودية، لم تعدّ النّساء يشاركن فحسب، بل يقدن المبادرات في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة. لقد فتحت رؤية 2030 الأبواب أمام النّساء في مختلف القطّاعات، ويشكّل قطّاع التّكنولوجيا الماليّة أرضاً خصبةً لذلك، لما يتميّز به من اعتمادٍ على التّفكير الجديد، والفرق المتنوّعة، وعقليّة حلّ المشكلات."
كما تضيف الموسى: "في باي تابس نطبّق هذه المبادئ عمليّاً، حيث نحافظ على توازنٍ بين الجنسين بنسبة 50:50 ونعمل على إزالة أيّ فجواتٍ، لأنّنا نعتبر الإدماج ممارسةً يوميّةً. لقد شهدت بنفسي كيف تساهم برامج الإرشاد، ونماذج العمل المرنة، والقيادات النّسائيّة المرئية في تغيير الواقع؛ فعندما ترى الشّابات نموذجاً يُشبههنّ على الطّاولة، يتغير تصورهنّ لما هو ممكنٌ ويُفتح أمامهنّ أفقٌ جديدٌ من الفرص".
وفقاً لمليكة كارا تانريكولو، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة "إي أند موني" (e& Money)، الذّراع المتخصّصة في التّكنولوجيا الماليّة لمجموعة إي أند الإماراتيّة، يُعدّ هذا التّغيير جزءاً من موجةٍ إقليميّةٍ في هذا المجال؛ فتقول تانريكولو: "يشهد قطّاع التّكنولوجيا الماليّة في السعودية وعبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا (MENAP) نموّاً سريعاً وملحوظاً. وتقدّر شركة "ماكنزي" (McKinsey ) أنّ الإيرادات في المنطقة ستتضاعف تقريباً من 1.5 مليار دولارٍ أمريكيٍّ في 2022 إلى ما بين 3.5 و4.5 مليار دولارٍ بحلول نهاية 2025، وهو اتّجاهٌ يتجلّى بوضوحٍ اليوم. ويأتي هذا النّموّ نتيجة تغير سلوك المستهلكين نحو المدفوعات غير النّقديّة، والمبادرات الحكوميّة الدّاعمة مثل رؤية السعودية 2030، بالإضافة إلى الاهتمام الكبير من المستثمرين بالشّركات النّاشئة، وسرعة تبنّي الخدمات الماليّة الرّقميّة. ومع أوّلويّة الحكومات للتّحوّل الرّقميّ وبناء الجهات التّنظيميّة لأطرٍ داعمةٍ، لم يكن هناك وقتٌ أفضل من الآن لمشاركة النّساء في هذا الزّخم".
يعكس هذا الرّأي أيضاً آخرون في منظومة التّكنولوجيا الماليّة؛ فتقول بريانكا نازير، المديرة التّجاريّة في شركة تحالف: "يشهد قطّاع التّكنولوجيا الماليّة في السعودية والمنطقة الأوسع تطوّراً ملحوظاً وسريعاً، ما يفتح أمام النّساء فرصاً كبيرةً لتولّي أدوارٍ قياديّةٍ وابتكاريّةٍ ورياديّةٍ. وتعدّ هذه الفرص اليوم متعدّدة الأبعاد؛ فمن الجانب الرّياديّ، تدخل النّساء إلى منظومة الشّركات النّاشئة بأعدادٍ قياسيّةٍ، بدعمٍ من برامج الاحتضان والتّسريع، والمبادرات التّمويليّة المدعومة من الحكومة. أمّا من الجانب المهنيّ، فتعمل البنوك والجهات التّنظيميّة وشركات التّكنولوجيا الماليّة على دمج النّساء بنشاطٍ في أدوارٍ قياديّةٍ، معترفةً بقيمة التّنوّع في دفع عجلة الابتكار. ومع وجود جيلٍ شابٍ ومتمرّسٍ في التّقنية، وطلبٍ قويٍّ على الحلول الرّقميّة، يتضّح أنّ الفرص المتاحة للنّساء في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة تتوسّع باستمرارٍ".
تتفّق الدّكتورة سعيدة جعفر، نائبة الرّئيس الأوّل ومديرة مجموعة دول مجلس التّعاون الخليجي في شركة "فيزا" (Visa) الرّائدة عالميّاً في خدمات الدّفع، مع ما أشارت إليه بريانكا نازير حول تطوّراتٍ المنظومة، مشيرةً إلى الدّور الحيويّ للإصلاحات الهيكليّة في الوصول إلى هذا المستوى؛ فتقول الدكتورة جعفر: "الفرص المتاحة للنّساء في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة اليوم أكبر من أيّ وقتٍ مضى. لقد أحدثت رؤية المملكة 2030 تحوّلاً واضحاً في المشهد، حيث ارتفعت نسبة مشاركة النّساء في القوى العاملة من 22% إلى 35% خلال بضع سنواتٍ فقط. ومع انتشار التّحوّل الرّقمي في الخدمات الماليّة، تتولّى النّساء أدواراً جديدةً وتتصدّر مجالاتٍ تحدّد مستقبل قطّاع التّكنولوجيا الماليّة".
الدكتورة سعيدة جعفر، النائبة الأولى للرئيس والمديرة الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي في Visa.
ومن منظورٍ أوسع، تُبرز الدّكتورة بسمة البحيران، المديرة التّنفيذيّة لمركز الثّورة الصّناعيّة الرّابعة (Centre for the Fourth Industrial Revolution – C4IR) في المملكة العربيّة السّعوديّة، الأثر النّظامي طويل الأمد الّذي لاحظته من خلال دورها في المركز البحثيّ؛ فتقول: "لا شكّ أنّ العقد الماضي شهد توسّعاً كبيراً في مشاركة النّساء في القوى العاملة، إلى جانب زيادةٍ ملحوظةٍ في ريادة الأعمال النّسائيّة، وهو ما ينعكس بشكلٍ ملموسٍ على النّساء العاملات في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة. ففي عام 2023، قُدّر أنّ النّساء يقُدن حوالي 45% من الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة في السّعوديّة، العديد منها مدعومٌ بالتّقنية أو قائمٌ على التّكنولوجيا الماليّة. ويعتمد هذا التّحوّل بشكلٍ كبيرٍ على استراتيجيّة التّكنولوجيا الماليّة لرؤية 2030، الّتي تُعدّ حجر الزّاوية في برنامج تطوير القطّاع الماليّ (Financial Sector Development Program). وتهدف الاستراتيجيّة إلى جعل المملكة مركزاً إقليميّاً للتّكنولوجيا الماليّة، مع أهدافٍ طموحةٍ تشمل تأسيس 525 شركة تكنولوجيا مالية بحلول 2030، وزيادة المعاملات غير النّقديّة إلى 70% بحلول 2025. يفتح هذا التّركيز الاستراتيجيّ ثروةً من الفرص أمام النّساء، لا سيما فيما يتعلّق بالحصول على رأس المال والتّمويل، وريادة الأعمال الرّقميّة، والمسارات المهنيّة المتنوّعة في المشهد الماليّ المتطوّر".
وتوافق مليكة كارا تانريكولو، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة " e& موني"، على هذا الرّأي، مشيرةً إلى أنّ قطّاع التّكنولوجيا الماليّة يفتح الأبواب على مستوياتٍ متعدّدةٍ. وتوضّح: "بالنّسبة للمستهلكات، تستفيد النّساء من حلول رقميةٍ آمنةٍ وخاصّةٍ ومصمّمةٍ للهواتف المحمولة، تمنحهنّ استقلاليّةً أكبر في إدارة أموالهنّ. أمّا بالنّسبة لرائدات الأعمال، فأصبحت لديهنّ قدرةٌ متزايدةٌ على الوصول إلى أدوات التّمويل الصّغير الّتي كانت سابقاً بعيدةً عن متناولهنّ". وتضيف تانريكولو مثالاً على ذلك: "يعمل كل من بنك U Microfinance في باكستان وإرادة للتّمويل الأصغر (EradaMicrofinance) في مصر- والّذي يُعدّ جزءاً من المنظومة الأوسع لشركة e&- على توسيع الوصول إلى القروض وحسابات التّوفير وحلول الدّفع الرّقميّة للشّركات الصّغيرة والمتناهية الصّغر، والعديد منها تقودها نساءٌ."
وتتابع: "في الوقت نفسه، تساعد المبادرات في بيئة العمل مثل برامج الإرشاد، وبرامج القيادة، والسّياسات الدّاعمة للعمل المرن، النّساء على التّفوّق داخل القطّاع نفسه. ومع توسّع حجم قطّاع التّكنولوجيا الماليّة في أسواقٍ مثل المملكة العربيّة السّعوديّة، تُشكّل هذه العوامل فرصةً فريدةً للنّساء ليس فقط للمشاركة في تشكيل القطّاع، بل وللاستفادة منه أيضاً".
فتح آفاق التمويل
بعيداً عن تمثيل النّساء في القطّاع، يظلّ الوصول إلى رأس المال أحد أبرز التّحدّيات الّتي تواجه رائدات الأعمال في التّكنولوجيا الماليّة. وتشير الفجوة التّمويليّة إلى تفاوتٍ واضحٍ؛ فقد كشف تقرير "وامدا" (Wamda) الصّادر في يوليو 2025 أنّ الشّركات النّاشئة في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة بمنطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا جمعت 61 مليون دولارٍ أمريكيٍ عبر 11 صفقةً، بينما جمعت الشّركات النّاشئة التي تقودها نساءٌ 3 ملايين دولارٍ فقط عبر ثماني صفقاتٍ. بالمقابل، جمعت الشّركات الّتي أسسها رجالٌ 774.5 مليون دولارٍ عبر 43 صفقةً، فيما حصلت الفرق المختلطة على 5.8 ملايين دولارٍ فقط. هذه الفجوة ليست جديدةً، بل هي اتّجاهٌ مستمرٌ، حيث أشار تقرير وامدا أيضاً إلى أنّه بين يناير وسبتمبر 2022، لم تذهب سوى نسبة 2% من إجمالي 2.4 مليار دولارٍ جُمعت في المنطقة إلى الشّركات النّاشئة الّتي أسّستها نساءٌ.
وتوضّح البيانات العالميّة أنّ معالجة هذا التّفاوت ليست مجرّد مسألة عدالةٍ، بل قرار اقتصاديّ ذكيّ؛ فقد أظهرت تحليلات "فيرست راوند كابيتال" (First Round Capital) لعام 2025 أنّ الشّركات الّتي تضمّ مؤسِسةً واحدةً على الأقل حققّت أداءً أفضل بنسبة 63% مقارنةً بالفرق المؤسِّسة جميعها من الرّجال. وبالمثل، وجد تقريرٌ لشركة الاستشارات ماكنزي أنّ الشّركات الّتي تتمتّع بفرقٍ تنفيذيّةٍ متنوّعةٍ بين الجنسين أكثر احتماليّةً لتحقيق الرّبحيّة بنسبة 39%.
من المشّجع أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة تتّخذ خطواتٍ استراتيجيّةً لسدّ هذه الفجوة. وتشير الدّكتورة بسمة البحيران، المديرة التّنفيذيّة لمركز الثّورة الصّناعيّة الرّابعة (C4IR) السّعوديّة، إلى عدّة أمثلةٍ على هذه الجهود المبذولة لدعم وصول النّساء إلى رأس المال وتمكينهن من المنافسة في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة.
الدكتورة بسمة البحيران، المديرة التنفيذية لـ (C4IR) Saudi Arabia.
تشير الدكتورة بسمة البحيران إلى أنّ المبادرات المستهدفة والشّراكات تمكّن النّساء من التّفوّق في مجالات التّكنولوجيا والابتكار الماليّ. وتوضّح: "على سبيل المثال، يوفّر برنامج "ستاندرد تشارترد للنساء في التكنولوجيا" (Standard Chartered Women in Tech)، بالشّراكة مع "مركز فلك للاستثمار" (Falak Investment Hub)، تمويلاً وإرشاداً وبرامج احتضانٍ للشّركات النّاشئة الّتي تقودها نساءٌ، والعديد من هذه المشاريع تعمل في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة. وبالمثل، كان "بلوسوم أكسليراتور" (Blossom Accelerator)، أوّل مسرّعٍ تكنولوجيٍّ مخصّصٍ للنّساء في السّعودية، عنصراً أساسيّاً في دعم الشّركات النّاشئة النّسائيّة، بما فيها تلك العاملة في التّكنولوجيا الماليّة."
وتضيف هدى الموسى من "باي تابس" (PayTabs) أنّها لاحظت أيضاً تزايد عدد الحاضنات والمسرّعات في المملكة الّتي تعمل على استقطاب مؤسِّساتٍ ومبتكراتٍ في مجال التّكنولوجيا الماليّة، مشيرةً إلى مبادراتٍ مثل معسكرات التّدريب الّتي تنظّمها فينتك السّعوديّة (Fintech Saudi) أو دعم مؤسّسة النّقد العربيّ السّعوديّ (SAMA) للشّركات النّاشئة النّسائيّة في مجال التّكنولوجيا الماليّة.
وتُظهر نتائج هذه البرامج أثراً ملموساً، كما تشهد على ذلك الدكتورة سعيدة جعفر من فيزا، قائلةً: "من المبادرات البارزة هو برنامج (She’s Next)، الّذي دعم منذ أكثر من ثلاث سنواتٍ مؤسِّساتٍ في قطّاعاتٍ مختلفةٍ بالتّمويل والإرشاد والتّغطية الوطنيّة، بالإضافة إلى توفير شبكةٍ من الأقران؛ فمن خلال محاذاة الزّخم السّياسيّ الوطنيّ مع مبادرات القطّاع الخاص مثل (She’s Next)، نبني منظومةً تمكّن النّساء من القيادة بثقةٍ مع تشكيل مستقبل التكنولوجيا المالية."
كما تُعدّ الفعاليات التّجاريّة منصّاتٍ قويّةً للظهور والوصول إلى المستثمرين، فتقول تشير بريانكا نازير من تحالف موضّحةً: تلعب المنصّات الصّناعيّة مثل موني 20/20 الشّرق الأوسط دوراً محوريّاً في هذه المسيرة، إذ تجمع القادة العالميّين والمستثمرين والمبتكرين، مما يتيح للمؤسِّسات والمهنيات الوصول إلى الشّبكات والفرص والرّؤية اللّازمة للازدهار. إنّ مستقبل التّكنولوجيا الماليّة في السعودية والمنطقة بأكملها يتشكّل اليوم من خلال الشّمول والابتكار، ومن المشجّع رؤية الشّركات النّاشئة النّسائيّة في التّكنولوجيا الماليّة تتصدّر هذه الفعاليّات."
الفصل القادم للتّكنولوجيا الماليّة
تظلّ نسبة استخدام النّساء لمنتجات التّكنولوجيا الماليّة منخفضةً، إذ تشير بيانات بنك التّسويات الدّوليّة (Bank for International Settlements) في سويسرا إلى أنّ 21% فقط من النّساء يستخدمن هذه المنتجات مقارنةً بـ29% من الرّجال. ومع ذلك، تظهر مؤشّراتٌ على تقلّص هذه الفجوة تدريجيّاً. ومع تطور المنتجات الماليّة الرّقميّة وابتكار حلولٍ جديدةٍ، أصبح بإمكان النّساء اليوم تشكيل الأسواق وقيادة الاتّجاهات، والمساهمة في دفع الطّلب نحو حلولٍ أكثر شموليّةً واستجابةً لاحتياجات جميع الفئات.
هدى الموسى، رئيسة الشركة في السعودية لدى PayTabs
يُعتبر الذّكاء الاصطناعيّ قوّةً محوريّةً تعيد رسم خريطة قطّاع التّكنولوجيا الماليّة بالكامل، كما تؤكّد هدى الموسى من باي تابس، إذ توّضح قائلةً: "في المملكة العربيّة السّعوديّة، نرى منصّاتٍ -مثل "نفاذ"(Nafath)- تدمج تقنيات التّعرّف على الوجه وبصمات الأصابع ضمن التّطبيقات اليوميّة، ما يجعل التّفاعل الرّقميّ أكثر أماناً وسلاسةً. وعندما يُدمج هذا مع أنظمة كشف الاحتيال المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ، ننتقل من الحماية التّقليديّة إلى ذكاءٍ استباقيٍّ يكتشف المخاطر قبل وقوعها ويعزّز ثقة المستخدمين.
وتضيف الموسى: "لكن ما يثير حماسي ليس التّكنولوجيا فحسب، بل الشّموليّة التي تمكّنها؛ فمن خلال الدّفع الصّوتيّ، والمدفوعات المدمجة، والمعاملات غير المرئيّة، نصمّم مستقبلاً تصبح فيه التّكنولوجيا الماليّة أمراً بديهيّاً وسلساً ومتاحاً للجميع، بغضّ النّظر عن مستوى المعرفة التّقنيّة. هذا، بالنّسبة لي، هو الثّورة الحقيقيّة".
تشير الدّكتورة سعيدة جعفر من شركة فيزا إلى الدّور التّحويليّ للذّكاء الاصطناعيّ، لكنّها تسلّط الضّوء أيضاً على ظهور تقنياتٍ أخرى تشكّل مستقبل التّكنولوجيا الماليّة؛ فتقول: "ما يثير حماسي اليوم هو دور الذّكاء الاصطناعيّ في إعادة تشكيل العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك التّكنولوجيا الماليّة. إنّه يحوّل الطّريقة الّتي نبني بها الخدمات الماليّة لتصبح متاحةً للجميع. ولكن هذا ليس مفهوماً جديداً بالنّسبة لنا؛ فقد استثمرنا أكثر من 3 مليارات دولارٍ في الذكاء الاصطناعي خلال العقد الماضي، وأطلقنا ثلاث حلولٍ جديدةٍ تعمل بالذّكاء الاصطناعيّ لحماية المعاملات الماليّة بشكلٍ شاملٍ."
وتضيف جعفر: "لكن الفصل الجديد يكمن في كيفيّة تجاوز الذّكاء الاصطناعيّ دور الحماية إلى إعادة تعريف تجربة العملاء. ومن أبرز التّحوّلات المثيرة مفهوم التّجارة الذّكيّة، حيث يمكن الوثوق بالذّكاء الاصطناعيّ لشراء أغراض البقالة، أو حجز السّفر، أو حتّى اختيار هديّة عيد ميلادٍ. لم يعد هذا مجرّد خيالٍ علميٍّ، بل يحدث الآن. الابتكار الحقيقيّ ليس في الذّكاء الاصطناعيّ نفسه فحسب، بل في البنية التّحتيّة الّتي تُنشأ لجعل هذه المعاملات سلسةً وآمنةً. وهنا يأتي دور فيزا، لضمان قدرة وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ على الدّفع نيابةً عنك بأمانٍ، ومع وجود ضوابط مناسبةٍ."
مليكة كارا تانريكلو، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة e& Money
كما تسلّط جعفر الضّوء على العملات المستقرّة كتطوّرٍ كبيرٍ آخر؛ فتقول: "تجمع هذه العملات بين استقرار العملات التّقليديّة وسرعة العملات المشفّرة، ممّا يفتح الباب أمام دفعٍ أسرع وأكثر عالميّةً. وتعمل فيزا على بناء البنية التّحتيّة لهذه التّقنية أيضاً، بحيث يمكن للعملات المستقرّة التّحرّك بأمانٍ عبر شبكتنا، وتمكين المحافظ الرّقميّة، وحتّى استخدامها في أيّ مكانٍ تُقبل فيزا فيه.
وبالتّوازي مع صعود الذّكاء الاصطناعيّ، يبرز التّمويل المدمج (Embedded Finance) كأحد الاتّجاهات الثّوريّة الّتي تُعيد تعريف تجربة المستخدم. وتوضّح سڤيدرسكا من تحالف: "نحن ندخل عالماً لم تعد فيه الخدمات الماليّة منتجاتٍ منفصّلةً، بل جزءاً متكاملاً من تفاصيل الحياة اليوميّة، سواء في التّجارة الإلكترونيّة، أو التّنقّل، أو حتّى المنصّات الاجتماعيّة. وبالنّسبة لمنطقة الشّرق الأوسط، ذات السّكّان الشّباب والأجندات الاقتصاديّة الطّموحة، فإنّ هذا الاتّجاه يحمل إمكاناتٍ هائلةً لابتكار نماذج أعمالٍ جديدةٍ وتعزيز الشّمول الماليّ."
وتتفّق الدّكتورة بسمة البحيران من المركز السّعوديّ للثّورة الصّناعيّة الرّابعة (C4IR Saudi Arabia) مع هذا الرّأي، مؤكّدةً على اتّساع نطاق ثورة التّمويل المدمج ودعائمها في المملكة. وتضيف: "إنّ من أبرز التّوجهات الّتي ينبغي مراقبتها اليوم هو التّمويل المدمج، الذّي يدمج خدمات الدّفع والإقراض والتّأمين في المنصّات اليوميّة. وتشير التّقديرات إلى أنّ هذا السّوق قد يبلغ عالميّاً نحو 7.2 تريليون دولارٍ بحلول عام 2030، وما يقارب 37.7 مليار دولارٍ في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا".
وتوضّح الدّكتورة بسمة أنّ المملكة قد أرست منظومةً متكاملةً من السّياسات وآليّات الدّعم لتهيئة مستقبلٍ أكثر ابتكاراً في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة. ففي نوفمبر 2022، أطلق البنك المركزيّ السّعوديّ (SAMA) إطار العمل للمصرفيّة المفتوحة، أعقبه في يناير 2023 تدشين مختبر المصرفيّة المفتوحة. ويضع هذا الإطار التّشريعي والإجرائيّ والمعايير الفنيّة اللّازمة لتنظيم تطوير الخدمات، بينما يوفّر المختبر بيئة عمليّةً تسمح للبنوك وشركات التّكنولوجيا الماليّة بابتكار حلولٍ جديدةٍ، واختبارها، واعتمادها بما يضمن توافقها مع المتطلّبات التّنظيميّة.
ولا يقتصر هذا التّوجّه على مجرّد تسريع وتيرة الابتكار وإطلاق الخدمات الجديدة، بل يتجلّى أثره كذلك في توفير بيئةٍ خصبةٍ لاستقطاب المشاريع الواعدة؛ فمنذ تأسيس صندوق الرّمل التّنظيميّ (Regulatory Sandbox) في عام 2018، وافق البنك المركزيّ على أكثر من 89 شركةً ناشئةً في مجال التّكنولوجيا الماليّة، من أصل ما يزيد على 500 طلبٍ، وهو ما يعكس حجم الزّخم والتّقدّم الّذي يشهده هذا القطّاع في المملكة.
يشهد إدماج الخدمات الماليّة في تفاصيل الحياة اليوميّة تحوّلاً جوهريّاً في المنطقة، حيث لم تعد هذه الخدمات مجرّد أدواتٍ مساندةٍ، بل أصبحت عنصراً أساسيّاً في تمكين الأفراد وتعزيز الشّمول الماليّ. وفي هذا الإطار، توضّح مليكة كارا تانريكولو، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة إي آند موني، الذّراع المتخصّصة بالتّكنولوجيا الماليّة التّابعة لمجموعة "إي آند" الإماراتيّة، قائلةً: "تمنح حلول إي آند موني النّاس القدرة على إرسال الأموال فوراً عبر الحدود، وسداد الفواتير، والتّسوّق ببطاقاتٍ رقميّةٍ آمنةٍ، وحتّى إعادة شحن هواتفهم المحمولة بسهولةٍ ويسرٍ. وتكتسب هذه الخدمات أهميّةً خاصّةً لدى فئات العمالة الوافدة وذوي الدّخل المحدود، الّذين كانوا مستبعدين تاريخيّاً من النّظام المصرفيّ التّقليديّ. واليوم، باتت هذه الأدوات تفتح أمامهم آفاقاً جديدةً وتُعيد صياغة معايير الشّمول الماليّ.
وتلفت مليكة إلى إنجازٍ بارزٍ تمثّل في شراكةٍ إي آند للمال مع وزارة الموارد البشريّة والتّوطين ومصرف الإمارات المركزيّ، بهدف توسيع نطاق حماية الأجور ليشمل العمالة المنزليّة للمرّة الأولى. هذه الخطوة، كما توضح، أتاحت دفع الرّواتب رقميّاً بطريقةٍ أكثر أماناً وموثوقيّةً، لتحلّ محل الدّفع النّقديّ التّقليديّ، وتمنح شريحةً واسعةً من العمّال استقراراً ماليّاً أكبر.
أمّا عن المستقبل، فتشير مليكة إلى حزمةٍ من الخدمات الّتي ستعيد تشكيل المشهد الماليّ، مثل إدارة الأصول الذّهبيّة بشكلٍ رقميٍّ، وتوسيع نطاق الإقراض الصّغير، إضافةً إلى توظيف تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ في عمليّات التّسجيل الرّقميّ للعملاء، وتحسين أدوات تقييم الجدارة الائتمانيّة، والكشف الفوريّ عن محاولات الاحتيال. وتختم مؤكّدةً: "كانت رؤيتنا وستظلّ أن نجعل الخدمات الماليّة متاحةً لكلّ مقيمٍ في دولة الإمارات خلال ثلاثين ثانيةٍ فقط. أمّا جوهر الابتكار الحقيقيّ، فهو أن تتحوّل هذه الأدوات إلى قوّةٍ تحدث فرقاً ملموساً في حياة النّاس اليوميّة".
يتيح فتح أبواب الوصول إلى أسواق رأس المال آفاقاً جديدةً أمام قطّاع التّكنولوجيا الماليّة، كما تشير بريانكا نازير، المديرة التّجاريّة في شركة تحالف، الّتي تؤكّد أنّ أبرز ما يميّز المرحلة الرّاهنة هو صعود الائتمان الخاصّ، والتّمويل القائم على الأصول، وتوسيع قاعدة المشاركة في الأسواق الخاصّة؛ فإتاحة قنوات تمويلٍ بديلةٍ تتجاوز حدود الأسهم التّقليديّة، وفتحها أمام شرائح جديدةٍ من المستثمرين، يرسّخ منظومةً ماليّةً أكثر شمولاً وحيويّةً، ويعيد صياغة معادلة الابتكار: كيف يُمَوَّل، ومن يملك فرصة المشاركة فيه.
وفي السّياق ذاته، ترى زميلتها في تحالف أنّ القيمة الأعمق للتكنولوجيا المالية تكمن في قدرتها على الجمع بين الشمولية وروح التعاون. وتوضح أنّ عملها في قيادة مؤتمر موني 20/20 الشرق الأوسط أتاح لها لقاء شخصيّاتٍ بارزةٍ من منظّمين يضعون ملامح المستقبل، ومؤسّسين يطلقون أفكاراً مبتكرةً، ومستثمرين يسعون إلى اغتنام الفرص، ومؤسّسات ماليّةٍ تتطلّع إلى التّغيير؛ فتقول: "ما يبعث على الحماسة حقّاً هو ذلك التّلاقي بين مختلف الأصوات، حيث يضيف كل طرفٍ لبنةً جديدةً في صرح قصّة التّكنولوجيا الماليّة. ومن خلال هذه الحوارات نصنع منصّاتٍ تتحوّل فيها الأفكار إلى شراكاتٍ حقيقيّةٍ، وهو ما أعدّه أعظم إنجاز."
وتختم مؤكّدةً أنّ التّكنولوجيا الماليّة ليست مجرّد تقنيةٍ أو أداةٍ للاضطراب، بل منظومة للشّمول والإتاحة، قادرة على أن تمكّن شركةً ناشئةً صغيرةً من تغيير أنماط الدّفع في بلداتٍ نائيةٍ، أو أن تفتح عبر الذّكاء الاصطناعيّ والمنصّات الرّقميّة أبواب الخدمات الماليّة أمام من كانوا محرومين منها في السّابق. وهنا يكمن جوهرها: أثرٌ حقيقيٌّ يمسّ حياة النّاس، ويغدو مصدر إلهامٍ دائمٍ يدفع إلى مواصلة الابتكار".
الطريق إلى الأمام
مع تنامي حضور النّساء في قطاع التّكنولوجيا الماليّة، تزداد أهميّة ما تقدّمه القيادات النّسائيّة من إرشادٍ وتوجيهٍ لتمهيد الطّريق أمام الجيل الجديد من المبتكرات. وفي هذا السّياق، تؤكّد الدّكتورة بسمة البحيران، المديرة التّنفيذيّة لمركز الثّورة الصّناعيّة الرّابعة في السّعودية، أنّ مستقبل هذا القطّاع مرهونٌ بتوازنٍ راسخٍ بين الثّقة والقدرة؛ فتقول: "لم تعد النّساء في عالم التّكنولوجيا الماليّة على الهامش، بل أصبحن في صميم منظومة الابتكار والشّمول والتّأثير. إنّ التقاء السّياسات الدّاعمة بالاستثمارات الاستراتيجيّة، إلى جانب المبادرات المجتمعيّة، يصوغ بيئةً خصبةً لتألق النّساء وإطلاق طاقاتهنّ. إنّ بناء الثّقة، والتّحرّر من رهبة الفشل، والقدرة على إعادة المحاولة، عوامل أساسيّةٌ لفتح آفاق ابتكارٍ جديدةٍ. كما أنّ النّجاح اليوم يقوم على تنمية مهاراتٍ جوهريّةٍ مثل الثّقافة الرّقميّة، والبرمجة، والأمن السّيبرانيّ، مع إدراك أنّ هذا القطّاع لم يعد حكراً على خبراء التّمويل وحدهم، بل بات مجالاً رحباً للتّقنيين والمصمّمين والمفكّرين الاستراتيجيّين والمبدعين."
وتضيف الدكتورة بسمة أنّ ضمان الحضور المستدام للمرأة في هذا القطّاع يستلزم انخراطاً فاعلاً في شبكات الدّعم، وبرامج الإرشاد، والمسرّعات التي تصقل الفطنة التّجاريّة وتبنّي علاقاتٍ مؤثّرةٍ. فبهذا النّهج، تستطيع النّساء أن يرسمن بصمتهنّ في تشكيل المشهد الأوسع للتّكنولوجيا الماليّة، مثبتاتٍ أنّ القيادة والتّأثير لم يعودا حكراً على فئةٍ بعينها، بل حقٌّ مشروعٌ في متناول كلّ امرأةٍ طموحةٍ.
وتتوافق بريانكا نازير، المديرة التّجارية في شركة تحالف، مع ما شدّدت عليه الدكتورة بسمة البحيران بشأن دور المجتمع، مؤكّدةً أنّ الانخراط في المنظومة التّعاونيّة للتّكنولوجيا الماليّة مفتاحٌ أساسيٌّ للنّجاح. وتوضّح قائلةً: "نصيحتي باختصارٍ: كوني جريئةً، واظبي على الفضول، تمسّكي بمجتمعك، وآمني بأنّ لكِ مكاناً أصيلاً في هذا القطّاع. كثيرٌ من الفرص الكبرى في عالم التّكنولوجيا الماليّة تولّد من لقاءاتٍ عابرةٍ مع أشخاص ملهمين، أو من إرشاد قادةٍ متمرّسين، أو من حوارات مع أقرانٍ داعمين. لذا، تحلّي بالانفتاح على النّقاشات، واستثمري الفعاليّات إلى أقصى حدٍّ، فهي منصّاتٌ ذهبيّةٌ للتّواصل مع أطياف المنظومة كافّةً. ولا تتردّدي في مدّ يدك لمن تُعجبين بهم؛ ستُدهشين من روح التّعاون والتّرحيب الّتي تميّز هذه الصّناعة. وعبر انضمامكِ إلى عالم التّكنولوجيا الماليّة، فإنّكِ لا تبنين قصتكِ الخاصّة فحسب، بل تسهمين أيضاً في صياغة نظامٍ ماليٍّ أكثر قوةً وشموليّةً للجميع."
أمّا بريانكا، من تحالف للفعاليّات، فتركّز على قيمة المبادرة وأهميّة الذّهنيّة العمليّة في هذا القطّاع المتسارع؛ فتقول: "ادخلي السّاحة ولا تنتظري دعوةً، فالتّكنولوجيا الماليّة فضاءٌ مفتوحٌ يتسارع إيقاعه ويكافئ أصحاب الرّؤية والإصرار. اعتبري شبكتك المهنيّة رصيداً استراتيجيّاً لا يقدّر بثمنٍ، وابحثي عن مرشدين وأعوانٍ يقفون إلى جانبك في رحلتك. ولا تنسي أنّ الاستهانة بك قد تتحوّل إلى مصدر قوّةٍ استثنائيّةٍ متى أحسنتِ توظيفها. نحن بحاجة إلى مزيدٍ من النّساء لا ليستخدمن الأدوات الماليّة فحسب، بل ليصبحن في طليعة من يصوغ مستقبلها".
بريانكا نذير، المديرة التجارية في Tahaluf
وبالمنحى ذاته، تحثّ هدى الموسى رائدات الأعمال الطّموحات في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة على الشروع بخطواتٍ عمليّةٍ ومدروسةٍ منذ البداية. وتوضّح قائلةً: "ابدأن مبكّراً ولكن بذكاء؛ لا تنتظرن اللّحظة المثاليّة، بل ركزن على بناء نموذجٍ أوّليٍّ يحقّق قيمةً حقيقيّةً وقابلٍ للتّجربة والاختبار. اجمعن الملاحظات سريعاً، وتكيّفن مع التّغيرات، ولا تخشين التّكرار والتّحسين. ثانياً، أحطن أنفسكنّ بمن يشارككن الرّؤية والدّافع، فالمؤسّس أو القائد لا ينجح وحده. ابحثن عن المرشدين، وابنين مجتمعاً من الدّاعمين، واستفدن من خبرات من سبقكنّ. وأخيراً، امتلكن مساحتكنّ بثقةٍ؛ فالتّكنولوجيا الماليّة ليست حكراً على المبرمجين أو المصرفيّين، بل هي أيضاً مجال للمبتكرين، والمصمّمين، والاستراتيجيّين، والحالميّن. سواء كنتِ تبنين تطبيقاً، أو تصممين محفظةً رقميّةً، أو تطلقين مشروعاً تجاريّاً اجتماعيّاً، فإنّ رؤيتك الفريدة هي مصدر قوّتك."
وتضيف الدكتورة سعيدة إلى ما قالته الموسى، مؤكّدةً أنّ النّجاح يتطلّب صموداً ومساندةً متبادلةً؛ فتقول: "رسالتي للنّساء في هذا المجال أن يؤمنّ بقدراتهنّ، حتّى في البيئات الّتي قد تبدو غريبةً في البداية. هذه صناعةٌ سريعة الإيقاع، ولا يحقّق النّجاح فيها إلّا من يتحلّى بالفضول، والمرونة، والرّغبة المستمرّة في التّعلّم. وما أن تجدن شغفكنّ، تمسكن به، ولا تترددن في طرح الأسئلة خلال رحلتكنّ. واعلمن أنّ العمل الجادّ لا بديل عنه، لكن تذكّرن أيضاً أنّ النّجاح ليس رحلةً فرديّةً؛ أحطن أنفسكن بأشخاصٍ يدعمونكن، ويتحدّونكن، ويوجّهونكن في مراحل مختلفةٍ. فكلّ محطّةٍ في المسار تحتاج إلى من يمدكن بالبصيرة. وأخيراً، اجعلن العطاء جزءاً من رحلتكنّ، عبر الإرشاد ومساندة الأخريات، فبهذا وحده يتحقّق النّموّ الحقيقيّ لكنّ أنتنّ، وللأجيال اللّواتي سيسرن على خطاكنّ."
بالنّسبة لإبراهيم عيد تكمن قوّة التّكنولوجيا الماليّة في تأثيرها المباشر على حياة النّاس اليوميّة، وهنا يبرز الدّور الحاسم للمنظور النّسائيّ؛ فتقول كارا تانريكولو: "سواء كان ذلك لمساعدة صاحب متجرٍ على قبول المدفوعات الرّقميّة، أو تمكين عاملٍ من إرسال الأموال إلى منزله بطريقةٍ ميسورةٍ، فإنّ التّكنولوجيا الماليّة تقوم على الإدماج والتّأثير. وتضفي النّساء رؤىً وأفكاراً قيّمةً لا غنى عنها لتطوير هذه الحلول. كونوا منفتحين على التّعلّم، وابحثوا عن مرشدين، ولا تخافوا من مواجهة التّحدّيات الّتي تدفعكم إلى الأمام. ومع التّوسّع السّريع لقطّاع التّكنولوجيا الماليّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان ودعم الحكومات الفعّال للإدماج، لم يكن هناك وقتٌ أكثر ملاءمةً لدخول النّساء هذا المجال وترك بصمتهنّ."
وفي الوقت ذاته، تؤكد كينغا على أنّ العقليّة الصّحيحة تمكّن النّساء من الازدهار في هذا القطّاع سريع التّطوّر؛ فتقول: "تزدهر التّكنولوجيا الماليّة عند معالجة المشكلات الحقيقيّة، والأصوات المتنوّعة هي ما يجعل الحلول مبتكرةً وشاملةً بحقٍّ. لذك، استمروا في التّعلّم، فالقطّاع يتطوّر بسرعةٍ، والفضول هو أعظم أصولكم.