الذكاء الاصطناعي بين ضجيج الوعود وحقيقة الأثر الفعلي
تكشف دراسةٌ لمعهد MIT ملياراتٍ أُنفقت على الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن القيمة الحقيقيّة لا تظهر إلّا حين يرتبط الاستثمار بالأثر الملموس في حياة النّاس

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
يهيمن الذكاء الاصطناعي (AI) على نقاشات الاستراتيجيّات المؤسّسيّة، مع استثماراتٍ بمليارات الدّولارات وإعلاناتٍ لا تُحصى. غير أنّ التّجربة اليوميّة للعملاء والموظّفين لا تبدو، في نظر كثيرين، قد تغيّرت تغيّراً ملموساً مع بروز الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gen AI).
يوضح تقرير The Gen AI Divide: State of AI in Business 2025 -الصّادر عن Massachusetts Institute of Technology (MIT)- السّبب، وربّما الأهمّ أنّه يرسم معالم الطّريق إلى الأمام. وبحسب التّقرير، أنفقت المؤسّسات ما بين 30 و40 مليار دولارٍ على الذكاء الاصطناعي التوليدي في عام 2024، غير أنّ 95 في المئة من المشاريع لم تتجاوز مرحلة التّجارب الأوّليّة، فبقي أثرها محدوداً ومرئيّاً بالكاد. ولم يُدفع سوى جزءٌ صغيرٌ منها إلى بيئاتٍ تشغيليّةٍ فعليّةٍ قادرةٍ على إحداث قيمةٍ قابلةٍ للقياس.
قد تبدو هذه الأرقام، للوهلة الأولى، مثبّطةً للعزيمة. غير أنّها في حقيقتها تمثّل خارطةً طريقٍ ثمينةً؛ فالعبرة ليست أنّ الذكاء الاصطناعي أخفق، بل أنّ أسلوب تطبيقه والتّواصل بشأنه يحتاج إلى إعادة نظرٍ. لم يعد كافياً أن تعلن مؤسّسةٌ ما أنّها تستخدم الذكاء الاصطناعي. بل ينبغي أن يتركّز الاهتمام على الكيفيّة الّتي يحسّن بها حياة النّاس، سواء عبر تسريع الخدمات، أو تبسيط الإجراءات، أو تعزيز موثوقيّة النّتائج.
وتُبرز نتائج MIT أيضاً ديناميكيّةً مهمّةً داخل المؤسّسات؛ ففي حين أنّ 40% فقط من الشّركات لديها اشتراكاتٌ رسميّةٌ في أنظمة الذكاء الاصطناعي المؤسّسيّ، فإنّ أكثر من 90% من الموظّفين يستخدمون أدواتٍ شخصيّةً للذكاء الاصطناعي في العمل. وهذا لا يدلّ على مقاومةٍ، بل يكشف حماسةً واضحةً؛ فالأفراد يلجؤون إلى الذكاء الاصطناعي لأنّه يعينهم على أداء مهامّهم بفاعليّةٍ أكبر. وهذا يذكّر القادة بأنّ الخطاب ينبغي أن يعكس التّجربة الفعليّة للنّاس، لا مجرّد ما تأمل المؤسّسات أن تُظهره.
ويكشف التّقرير كذلك أنّّ معظم الموازنات تُوجَّه نحو تجارب تجريبيّةٍ في المبيعات والتسويق. ورغم أنّ هذه المبادرات تحظى بقدرٍ عالٍ من الظّهور، فإنّها لا تترجم دائماً إلى أثرٍ طويل الأمد. أمّا النّتائج الأقوى فتنبع غالباً من مجالاتٍ أقلّ صخباً، مثل: الامتثال، وأتمتة العمليّات الخلفيّة، وتحقيق الكفاءة التّشغيليّة. وهذه قد لا تثير العناوين الرّئيسة، لكنّها تمنح أوضح الأمثلة على القيمة الحقيقيّة للذكاء الاصطناعي.
إعادة حجز رحلة طيرانٍ في 5 دقائق عوضاً عن 40، أو تسوية نزاعٍ مصرفيٍّ في مكالمةٍ واحدةٍ بدلاً من سلسلةٍ طويلةٍ من الاتّصالات، تحمل دلالةً أبلغ من أيّ إعلانٍ عن مشروعٍ تجريبيٍّ. هذه هي التّغييرات الّتي تترك أثراً لدى الجمهور، لأنّها تتّصل مباشرةً بالوقت الموفّر، والإحباط المتفادى، والثّقة المكتسبة؛ فالعملاء نادراً ما يتذكّرون بياناً صحفيّاً عن إطلاق نظامٍ جديدٍ، لكنّهم يتذكّرون بسهولةٍ بساطة حلّ مشكلاتهم بسرعةٍ. والموظفون لا يحتفون كثيراً بإطلاق تجربةٍ جديدةٍ، لكنهم يقدّرون الأدوات التي تُبعد عنهم المهامّ المتكرّرة وتُتيح لهم التّركيز على أعمالٍ أعلى قيمةً.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى تواصلٍ أوضح بشأن الذكاء الاصطناعي؛ فالمسألة ليست في شرح التّكنولوجيا نفسها، بل في ترجمتها إلى خبراتٍ ملموسةٍ يتعرّف عليها النّاس في حياتهم اليوميّة. لذلك، لغة العلاقات العامة لا بد أن تتحوّل من مصطلحات تقنية مثل "large language models" أو "generative capacity"، إلى عبارات بسيطة، موجّهة نحو النّتائج: أسرع، أوضح، أسهل. وعندما يصوغ القادة خطابهم على هذا النّحو، فإنّهم لا يعززون المصداقيّة فحسب، بل يوسّعون أيضاً دائرة القبول المجتمعيّ للتّكنولوجيا.
إنّ تقرير MIT ليس مجرّد تقييمٍ للتّحديّات الرّاهنة، بل هو معلّمٌ على الطّريق نحو المستقبل؛ فهو يبيّن أن الاستثمار ينبغي أن يُربط بالنّتائج، وأنّ التّواصل لا بد أن يُؤسّس على أدلةٍ واقعيّةٍ. والمؤسّسات الّتي ستنجح هي تلك الّتي تثبت أنّها لا تستخدم الذكاء الاصطناعي وحسب، بل أنّه يسهم في تيسير حياة الناس، ويجعلها أسرع وأكثر كفاءةً.
عن الكاتبة
الانقسام في الذكاء الاصطناعي التوليدي: لماذا لم يعد الضّجيج كافياً؟ بقلم لوريدانا ماتاي، المؤسِّسة والمديرة التّنفيذيّة لـ Jensen Matthews PR.