هل يأخذ الذكاء الاصطناعي مكان الإعلامي؟ زين فيرجي تجيب
بين روبوتات الأخبار واستراتيجيات البيانات، تناقش المذيعة السّابقة في (CNN) كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي مشهد الإعلام ولماذا لا بقاء إلّا للمُتكيّفين

تطرح زين فيرجي المذيعة السّابقة في (CNN) وأحد أعلام الاتّصال العالميّ، تأمّلاتها حول الكيفيّة الّتي ينبغي أن يتكيّف بها أهل الإعلام في زمن الذّكاء الاصطناعيّ.
ترنو منطقة الشّرق الأوسط إلى أن يسهم الذّكاء الاصطناعيّ في 9% من ناتجها المحلّيّ الإجماليّ بحلول عام 2030؛ رهانٌ ضخمٌ يبلغ 150 مليار دولارٍ، يعبّر عن إيمانٍ بقدرة الذّكاء الاصطناعيّ على إعادة تشكيل الاقتصاد والحكم والحياة اليوميّة ذاتها. وتقف "الإمارات" اليوم في طليعة هذا التّحوّل، فقد أضحى تبنّي التّقنية خياراً استراتيجيّاً لا ترفاً.
هنا، يلوح أفقٌ جديدٌ لروّاد السّرد والصّحافة وبناة العلامات؛ فأمامهم فرصةٌ فريدةٌ لإعادة ابتكار أدوارهم. بعد مسيرةٍ بدأت من استوديوهات الإذاعة في نيروبي إلى منصّات الأخبار العالميّة في "سي إن إن" (CNN)، أدركت حقيقةً لا تحتمل التّأويل: وحده من يحسن امتلاك أدوات الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ سيبقى في دائرة الضّوء. أمّا من يعجز عن ذلك، فمصيره أن يندثر، كما اندثرت آلة الفاكس ذات يومٍ.
رأيت "الجزيرة" تطلق "ابتكار"؛ أوّل مذيع أخبارٍ آليٍّ. وقدّمت "العين الإخباريّة" الإماراتيّة "عارف بن تقني"، الرّوبوت الّذي يكتب مقالاتٍ أسبوعيّةً بصياغة الذّكاء الاصطناعيّ وحده. أمّا "كويت نيوز" فكانت سبّاقةً إلى إطلاق "فضّة"، أوّل مذيعةٍ رقميّةٍ في البلاد. وعلى اتّساع السّاحة، تندمج خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ في صلب صناعة المحتوى، وخدمات الدّردشة، وتخصيص الأخبار، والتّنبّؤ الذّكيّ.
يسألني الكثيرون: هل ستموت الصّحافة المتخصّصة؟ إجابتي: لن تموت. الصّحافة ليست مجرّد نقل خبرٍ، بل وعيٌ وصياغةٌ، وإعمالٌ للفطنة والخيال الإنسانيّ – وهي مواهب لا تطالها آلةٌ. تبقى الخبرة النّوعيّة رأس المال الحقيقيّ للصّحفيّ، ولكنّها بحاجةٍ إلى أفقٍ رقميٍّ وأدواتٍ متنوّعةٍ. الذّكاء الاصطناعيّ يتيح محتوًى دقيقاً حسب الجغرافيا أو الاهتمامات أو الانتماء. لهذا فإنّ بناء المعرفة والمهارات في الذّكاء الاصطناعيّ، للصّحفيّ، ولمدراء الاتّصال، وللقادة، صار ضرورةً وجوديّةً. الخبراء بحاجةٍ إلى تدريبٍ نظاميٍّ وتجربةٍ تطبيقيّةٍ في أبجديّات الذّكاء الاصطناعيّ: خصوصيّة البيانات، اختيار النّماذج، هندسة الأوامر، والتّحليل النّقديّ. من خلال عملي على بناء منهجٍ تدريبيٍّ جديدٍ للمواهب في الأسواق النّاشئة، شاهدت كيف تقود الإمارات قاطرة نشر المعرفة التّقنيّة، ولا سيّما عبر مبادراتٍ مثل "آي بي إم سكيل بيلد" (IBM Skill Build) ومع ذلك، يبقى الذّكاء الاصطناعيّ أداة سندٍ لا بديلا. نعم، يتفوّق في جمع البيانات وتشغيل المنصّات الرّقميّة، ولكن الإنسان وحده يضفي الأصالة والتّميّز. علّمتني تجربتي أنّ باستطاعة الذّكاء الاصطناعيّ توليد استراتيجيّاتٍ أو تعريف علامةٍ، ولكنّها غالباً تخلو من الرّوح والتّفرّد، فالنّماذج التّوليديّة تقتات جميعها على المخزون ذاته! تكمن القوّة الفعليّة في مزاوجة براعة الآلة بإبداع الإنسان وتعاطفه وبصيرته.
يرى أخي إرفان فيرجي، مستشار حكومة الإمارات لاستراتيجيّات الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ، أنّ التّحدّي الحقيقيّ في تمكين المؤسّسات من هضم التّقنيات والأفكار الجديدة. يقول: "تنتشر المشاريع التّجريبيّة، ولكن تبنّي الذّكاء الاصطناعيّ في الأعمال الكبرى والحكوميّة، أو على قواعد بياناتٍ خاصّةٍ، ما يزال محدوداً". لكنّه يؤمن أنّ الإمارات مرشّحةٌ لتصبح "سويسرا الجديدة"؛ موطناً لجودة الحياة وصناعة الثّروة وحفظها.
لا تخلو طريق الاتّصال في الإمارات من التّحدّيات، فبرغم سوقها المحلّيّ المحدود (10 ملايين نسمةٍ)، تحمل البلاد طموحاتٍ إعلاميّةٍ عابرةً للحدود، ويصبح الفهم الثّقافيّ شرطاً لا غنى عنه، وهو أمرٌ لا يجيده الذّكاء الاصطناعيّ مهما بلغ شأنه. إنّ تعدّديّة الدّولة سرّ قوّتها، ويجب استثمارها بحصافةٍ.
التّهديد بالتّلاشي عن مسرح الإعلام حقيقيٌّ، ولكنّ تجاوز هذا المصير يبدأ بالتّعلّم المستمرّ، والتّأقلم، والعمل المشترك. كما انتقلنا من رسائل البريد الورقيّ إلى البريد الإلكترونيّ، ومن الأقراص إلى البثّ الرّقميّ، سيعيد الذّكاء الاصطناعيّ رسم أدوار الاتّصال بلا رجعةٍ. أدعوك ألّا تستقبل هذا الزّحف بالخوف، بل بالجرأة وعشق التّعلّم الّذي لا ينتهي.
عن الكاتبة:
زين فيرجي، مذيعةٌ سابقةٌ في "سي إن إن" (CNN)، ورئيسةٌ تنفيذيّةٌ لشركة الاستشارات العالميّة "ذا زد في جي" (theZVG)، والمؤسّسة المشاركة لمنصّة القصص المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ "ذا روندون ستوديو" (The Rundown Studio). وزميلةٌ تنفيذيّةٌ في معهد تصميم البيانات الرّقميّة بجامعة هارفارد.