الرئيسية ستارت أب من هيئة الخدمات الصحية البريطانية إلى مخيمات اللاجئين: كيف تمنح Rhazes AI الأطباء فسحة راحةٍ في لبنان؟

من هيئة الخدمات الصحية البريطانية إلى مخيمات اللاجئين: كيف تمنح Rhazes AI الأطباء فسحة راحةٍ في لبنان؟

أجرت "عربية.Inc" حواراً مع الدكتور زايد الفقيه، الشريك المؤسّس لشركة الرازي، للحديث عن كيف تحوّل مستشفى للاجئين في لبنان إلى ميدانٍ تجريبيٍّ لتطبيق الذكاء الاصطناعيّ في أنظمة الرعاية الصحيّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

يقع مستشفى الهمشري بالقرب من عين الحلوة، أكبر مخيّمٍ للّاجئين الفلسطينيّين في لبنان، وقد يبدو للوهلة الأولى مكاناً غير متوقّعٍ لاحتضان أحدث التّقنيات الطّبيّة. ومع ذلك، ففي شهر أغسطس الماضي، أطلقت شركة "الرازي للذكاء الاصطناعي" (Rhazes AI) -وهي شركةٌ ناشئةٌ في مجال التّكنولوجيا الصّحيّة المعزّزة بالذّكاء الاصطناعيّ، تتّخذ من المملكة المتّحدة وقطر مقرّين لها- مشروعاً تجريبيّاً هو الأوّل من نوعه، يهدف إلى إدخال حلولٍ طبيّةٍ متقدّمةٍ قائمةٍ على الذّكاء الاصطناعيّ إلى واحدةٍ من أكثر البيئات الصّحيّة افتقاراً للموارد في المنطقة.

يُستبعد اللّاجئون الفلسطينيّّون في لبنان في الغالب من نظام الرّعاية الصّحيّة الوطنيّ، ما يضع عبئاً مضاعفاً على مستشفياتٍ مثل الهمشري، الّتي تتولّى إدارتها "جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ" (Palestine Red Crescent Society) بموارد محدودةٍ ودعمٍ دوليٍّ متواضعٍ.

من هيئة الخدمات الصحية البريطانية إلى مخيمات اللاجئين: كيف تمنح Rhazes AI الأطباء فسحة راحةٍ في لبنان؟

ورغم أنّ المستشفى لا يضم أكثر من 80 سريراً، ويعمل فيه 56 طبيباً و31 ممرضةً فقط، إلّا أنّه يستقبل ما يزيد على 4 آلاف مريض شهريّاً، ويُجري أكثر من 400 عمليّةٍ جراحيّةٍ خلال فترات الأزمات. كما يحتضن المستشفى وحدة غسيل الكلى الوحيدة في المنطقة، الّتي باتت مؤخّراً تتحمّل أيضاً عبء الوافدين الجدد من اللّاجئين الفلسطينيّين القادمين من غزة.

بهذا، يجد مستشفى الهمشري نفسه في قلب معادلةٍ صعبةٍ تجمع بين محدوديّة الموارد وتزايد الحاجة، ليغدو نموذجاً حيّاً على تحدّيات الرّعاية الصّحيّة في البيئات الهشّة، حيث يصبح كلّ إنجازٍ طبيٍّ خطوةً استثنائيّةً نحو الصّمود الإنسانيّ.

يمتدّ البرنامج التّجريبيّ الّذي تنفّذه شركة "الرازي للذكاء الاصطناعي" على مدى 3 أشهر حتّى شهر نوفمبر، ويهدف إلى مساندة الطّواقم الطّبيّة في مستشفى الهمشري  من خلال نظامها المتكامل للمساعدة السّريريّة المعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ. ويعمل هذا النّظام ككاتبٍ طبيٍّ ذكيٍّ يساعد الأطباء في تدوين الملاحظات وتلخيص الحالات، وفي الوقت نفسه كأداةٍ داعمةٍ لاتّخاذ القرارات السّريريّة الدّقيقة.

ويجري تنفيذ التّجربة ضمن بيئةٍ خاضعةٍ للمتابعة الدّقيقة، لقياس مدى قدرة الذّكاء الاصطناعيّ على تخفيف الأعباء الإداريّة الثّقيلة التّي يتحمّلها الأطباء العاملون في الصّفوف الأولى، لا سيما في أقسام الطّوارئ والعيادات الخارجيّة، حيث يواجهون ضغطاً متواصلاً ونقصاً مزمناً في الموارد.

ويقول الدكتور زيد الفقيه، المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "الرازي للذكاء الاصطناعي"، في حديثه إلى "عربيةInc. ": "البيئة هنا محدودة الموارد إلى حدٍّ كبيرٍ، ولهذا فهي المكان الأمثل لاختبار ما إذا كان الذّكاء الاصطناعيّ قادراً فعلاً على إحداث فارقٍ ملموسٍ في الأماكن الّتي تشتدّ فيها الحاجة إليه".

كما أسّس الدكتور زيد الفقي، الّذي كان طبيباً سابقاً في هيئة الخدمات الصّحية الوطنيّة البريطانيّة (NHS)، شركة "الرازي للذكاء الاصطناعي"عام 2023، برفقة فريقٍ من خبراء التّكنولوجيا والرّعاية الصّحيّة. صُممت المنصّة لتقديم حلولٍ ذكيّةٍ تدعم الأطبّاء في مهامهمّ اليوميّة، حيث تستطيع تسجيل الاستشارات الطّبيّة وتحويلها إلى نصوصٍ في الوقت الفعليّ، والمساعدة في التّحليل التّشخيصيّ، وتوليد خطط العلاج، وأتمتة التّوثيق السّريريّ بشكلٍ كاملٍ.

من هيئة الخدمات الصحية البريطانية إلى مخيمات اللاجئين: كيف تمنح Rhazes AI الأطباء فسحة راحةٍ في لبنان؟

وقد وُجّه تصميم المنصّة للتّعامل مع تحدّياتٍ حقيقيّةٍ عاشها الفقيه شخصيّاً: الحدّ من الإرهاق المهنيّ، وتقليل الأخطاء الطّبيّة، وتحسين جودة الرّعاية المقدّمة للمرضى، لتصبح أداةً عمليّةً تسعى لرفع كفاءة النّظام الصّحيّ في أصعب البيئات الطّبيّة.

يؤكّد الدكتور زيد الفقيه أنّ العاملين في القطّاع الصّحيّ يعيشون ضغطاً هائلاً: يعالجون عشرات المرضى يوميّاً بينما يغرقون في كمٍّ هائلٍ من الأعمال الورقيّة، ويزداد هذا الضّغط مع تقدّم الأعمار في دولٍ مثل المملكة المتّحدة، والولايات المتّحدة، والإمارات. تتسبّب هذه الضّغوط في الإرهاق والاحتراق المهنيّ، وتؤدّي إلى أخطاءٍ كان بالإمكان تفاديها لو لم يكن الأطباء مثقلين بهذه الأعباء. ويشير إلى أنّ واحداً من كلّ 10 أشخاصٍ يموت بسبب خطأ تشخيصيٍّ، وأنّ كلّ ساعةٍ يقضيها الطّبيب مع مريض، يقضي ساعتين على الأقلّ في الأعمال الورقيّة. هذه المشكلات ليست مجرّد أرقامٍ، بل تكشف عن تكلفةٍ هائلةٍ تصل إلى تريليونات الدّولارات عالميّاً، وتعكس كذلك تجربته الشّخصيّة كطبيبٍ ضمن هيئة الخدمات الصّحيّة الوطنيّة البريطانيّة، وهي التّجربة الّتي كانت الشّرارة الأولى لتأسيس شركة "الرازي للذكاء الاصطناعي".

بعد أن لاحظ كيف يسهم الذّكاء الاصطناعيّ في تمكين الأطباء من تحقيق اختراقاتٍ طبيّةٍ، وتسريع اكتشاف اللّقاحات، والكشف المبكّر عن مخاطر السّرطان، اكتسب الدكتور زيد الفقيه رؤيةً شاملةً لمجالات التّأثير المحتملة للذّكاء الاصطناعيّ على نطاقٍ واسعٍ. إلى جانب ذلك، مكّنته خبرته في نظم الرّعاية الصّحيّة من فهم كيفيّة تجسّد هذه التّحدّيات على صعيد السّياسات والإدارة. ويشير الفقيه إلى أنّ "الذّكاء الاصطناعيّ في الوقت الحاليّ يقتصر غالباً على حلولٍ جزئيّةٍ، مثل الكتّاب الآليّين الّّذين يقتصر عملهم على نسخ المحادثات، أو أدوات التّصوير الّتي تخدم حالاتٍ طبيّةٍ محدّدةٍ للغاية. لذا ابتكرنا حلّاً شاملاً يعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ لمساندة الأطباء، يمنحهم دعماً متخصّصاً في اتّخاذ القرارات السّريريّة، ويعمل ككاتبٍ ذكيٍّ يتولى كلّ مهامّ التّوثيق والإدارة".

أُطلِق مشروع "الرازي للذكاء الاصطناعي" في المملكة المتّحدة عام 2023، ومنذ ذلك الحين بدأ في التّوسّع داخل دول مجلس التّعاون الخليجيّ عبر تأسيس قاعدةٍ له في الدّوحة، قطر. وحين سُئل الدكتور زيد الفقيه عن سبب اختيار هذا الاسم لشركته، أجاب: " Rhazes  هو النّسخة اللّاتينيّة من اسم الرّازي، العالم الفارسيّ الشّامل الّذي يُعدّ من أكثر الأطباء تأثيراً في العالم الإسلاميّ. لقد قدّم أوّل وصفٍ سريريٍّ مفصّلٍ للحصبة، وأسهمت كتاباته في تشكيل الطّبّ عبر القارات. لكنّه لم يكن طبيباً فحسب، بل كان فيلسوفاً وعالماً وكيميائيّاً أيضاً. واخترنا اسمه لأنّه يجسّد الابتكار والتّنوّع، وكما فعل الرازي، نطمح إلى دفع حدود الطّب، وابتكار أدواتٍ تدعم الأطباء بطرقٍ متعدّدةٍ، لتخفيف أعباء عملهم وتحسين جودة رعاية المرضى".

مع وضع هذا الهدف في الاعتبار، يصبح من الواضح لماذا يعتبر الدكتور زيد الفقيه تأثير شركة "الرازي للذكاء الاصطناعي" على مستشفى الهمشري "تحويليّاً"؛ فقد أتاح استخدام الحلول الّتي توفّرها الشّركة للأطباء في أقسام العيادات الخارجيّة والطّوارئ وقتاً ثميناً، ممّا مكّن الفرق المرهقة من تقديم رعايةٍ أفضل في ظلّ ضغطٍ شديدٍ، رغم التّحدّيات العديدة الّتي واجهتهم. ويوضّح الدّكتور الفقيه: "كان كلّ طابق في المستشفى يضمّ جهاز حاسوبٍ واحداً فقط، وما زال جزءٌ كبيرٌ من الأعمال الإداريّة يتم بالقلم والورقة. وكان التّحدّي الأوّل يتمثّل في تمكين الأطباء من إعداد الملاحظات السّريريّة بسرعةٍ تكفي لمواكبة كثافة المرضى؛ فبرنامجنا صُمّم ليعمل مع أيّ نظامٍ للسّجلات الصّحيّة الإلكترونيّة، لكنّنا قمنا أيضاً بتكييفه للاستخدام عبر الهواتف المحمولة، بتثبيته مباشرةً على هواتف الأطباء الشّخصيّة. هذه المرونة سمحت لنا بتجاوز قيود البنية التّحتيّة وضمان وصول الأدوات إلى المستخدمين بشكلٍ فوريٍّ وفعّالٍ".

استجاب الأطباء في مستشفى الهمشري بشكلٍ إيجابيٍّ لمنصة "الرازي للذكاء الاصطناعي"، إذ أصبح اعتمادها سهلاً بمجرّد أن أدركوا مقدار الوقت الّذي توفّره لهم. ويوضّح الدكتور زايد: نرى بالفعل تأثيراً ملموساً على رعاية المرضى في الهمشري، فهذه الأدوات تقلّل مئات السّاعات أسبوعيّاً، ما يتيح مزيداً من الوقت للاستشارات المباشرة مع المرضى. ونحن نرصد مكاسب الكفاءة في عمليّات مثل ملخصّات المرضى، ملاحظات القبول، ترميز الفواتير، واستخلاص البيانات من السّجلّات. كما نجمع تقييماتٍ نوعيّةٍ عبر استبياناتٍ بعد التّجربة لفهم وجهات نظر الأطباء حول سهولة الاستخدام وأثر المنصة. وإذا أثبت هذا النّموذج نجاحه، يمكن تعميمه على مستشفيات اللّاجئين الأخرى، والمنظّمات غير الحكوميّة، وحتّى نظم الرّعاية الصّحيّة الوطنيّة".

كما يشير الدّكتور زايد الفقيه إلى أنّ مفتاح تحويل رؤية "الرازي للذكاء الاصطناعي" إلى واقعٍ كان يتمثّل في الحصول على دعم المستثمرين المؤسّسيين لتعزيز نموّ الشّركة. ويضيف: "نحن مدعومون حاليّاً بتمويل رأسمالي مغامر من بنك قطر للتّنمية (Qatar Development Bank – QDB)، وبرنامج "ستارت أب قطر للاستثمار" (Startup Qatar Investment Program)، إضافةً إلى شركات رأس المال المغامر الأخرى. وقد اجتزنا عمليّةً دقيقةً للحصول على هذا الدّعم، الّذي كان حاسماً في تعزيز نموّنا. ونحن ممتنّون بشكلٍ خاصٍّ للسّيدة شيخة الرميحي، رئيسة قسم الاستثمار في رأس المال المغامر بـ QDB، وفريقها على دورهم الفاعل في تمكيننا من تحقيق هذا الإنجاز".

ويكشف الدكتور زايد الفقيه أنّ "الرازي للذكاء الاصطناعي" تركّز خلال الاثني عشر شهراً المقبلة على تحقيق نموٍّ قويٍّ، إضافةً إلى تأمين شراكاتٍ استراتيجيّةٍ أوسع مع أنظمة الرّعاية الصّحيّة وموزّعي الأجهزة الطّبيّة في قطر وعلى المستوى الدّوليّ. ويؤكّد: "حتّى الشّركات الّتي تعمل بدافع مهمّتها تحتاج إلى نماذج أعمال مستدامةٍ؛ فالرّبحيّة تضمن قدرتنا على النّموّ بثباتٍ والوصول إلى مزيدٍ من أنظمة الرّعاية الصّحيّة. وما يهمّ هو أن نظلّ ملتزمين بالتّحدّي العالميّ الّذي انطلقنا لحلّه".

ويبرز هذا النّهج بوضوحٍ عند حديث الدكتور الفقيه عن إطلاق "الرازي للذكاء الاصطناعي" في مستشفى الحمشري، حيث يقول: "عملنا في مخيم عين الحلوة ليس برّاقاً أو مربحاً للغاية، لكنّه ينقذ الأرواح".

من هيئة الخدمات الصحية البريطانية إلى مخيمات اللاجئين: كيف تمنح Rhazes AI الأطباء فسحة راحةٍ في لبنان؟

يتطلّع الدّكتور زايد الفقيه إلى المستقبل بأمل أن يصبح برنامج "الرازي للذكاء الاصطناعي" التّجريبيّ في مستشفى الحمشري نموذجاً يُحتذى به في منظومة الرّعاية الصّحيّة، خصوصاً للمؤسّسات الّتي تواجه تحدّياتٍ مشابهةٍ؛ فيقول: "بينما تركّز معظم تقييمات الذّكاء الاصطناعيّ على البيئات الصّحيّة ذات الموارد العالية، يوفّر الهمشري فرصةً نادرةً لقياس التّأثير في بيئة محدودة الموارد وتحت ضغطٍ شديدٍ".

أمّا الهدف طويل الأمد، فهو طموحٌ وواسعٌ. ويضيف الدكتور الفقيه: "رؤيتنا بسيطةٌ لكنّها طموحةٌ: وضع "الرازي للذكاء الاصطناعي" في أيدي كلّ طبيبٍ، عبر كلّ التّخصّصات، وفي كلّ زاوية من العالم. ومن خلال توجيه قراراتٍ أفضل، وتوفير الوقت، وتحسين النّتائج، نهدف إلى دعم المرضى، والأطباء، والمستشفيات، والمجتمع ككلٍّ".

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 9 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: