كيف يحوّل المؤسسون مخاوف الرسوم الجمركية إلى فرص للنجاح؟
في عالمٍ مضطربٍ تسيطر عليه الرّسوم الجمركيّة، تعلّم كيف يحوّل الارتباط الاقتصاديّ الخوف إلى تركيزٍ وإنتاجيّةٍ، ويعزّز قدرة شركتك على النّموّ

أشارك أسبوعيّاً في اجتماعاتٍ مع الشّركات الّتي أدرّبها أو أستثمر فيها -سواءً في أمريكا الشّماليّة أو أوروبا وأستراليا وآسيا- ودائماً ما يتصدّر موضوعٌ واحدٌ النّقاشات: الرّسوم الجمركيّة. وتتشابه المخاوف بين المصنّعين الصّغار والشّركات متعدّدة الجنسيّات:
- كيف سيؤثّر الغموض المرتبط بالرّسوم الجمركيّة على طلب العملاء؟
- ما انعكاساته على سلاسل الإمداد؟
- كم من الوقت ستستمرّ هذه الرّسوم؟
- هل ستتأثّر الوظائف والرّواتب؟
من الطّبيعيّ أن يشعر الموظّفون بالقلق على وظائفهم. وفي الوقت نفسه، يحاول القادة التّعامل مع الكثير من المجهولات، ممّا يجعل الشّركات مهدّدةً بحالةٍ من الجمود، كالمُصاب بالذّهول أمام خطرٍ مفاجئٍ. والمشكلة أنّ الخوف، في مثل هذه اللّحظات، لا يجعل النّاس أكثر ذكاءً.
الاعتماد على الأمل في أن تمرّ العاصفة وحدها ليس خطّةً؛ فالواقع أنّ عملك قد يتأثّر بالفعل، والحلّ الوحيد هو أن تتصرّف، ولكن بذكاء. ولحسن الحظّ، هناك إطار عملٍ مجرّبٍ يمكنك من خلاله أن تتعامل مع حالة عدم اليقين، بل وتحوّل الخوف إلى تركيزٍ وإنتاجيّةٍ؛ هذا الإطار يسمّى: الارتباط الاقتصادي.
ما هو الارتباط الاقتصادي؟
يعني الارتباط الاقتصادي بناء شراكةٍ حقيقيّةٍ بين القيادة والموظّفين، بهدفٍ واحدٍ: خدمة العملاء بشكلٍ مربحٍ معاً. وفي الأوقات المضطربة، يصبح التّوافق بين غايات الموظّفين والهدف الأساسيّ للشّركة ميزةً تنافسيّةً قويّةً. حيث تشير الأبحاث إلى أنّ المؤسّسات ذات الارتباط الاقتصاديّ العالي تحقّق نموّاً أعلى في الأرباح مقارنةً بنظيراتها، وهو أمرٌ ضروريٌّ خصوصاً أثناء فترات الاضطراب الاقتصاديّ.
علاوةً على ذلك، فإنّ هذا النّهج يمنح الموظّفين تركيزاً إيجابيّاً؛ فهم بدلاً من الاستسلام للخوف من العوامل الخارجيّة غير القابلة للتّحكّم، يوجّهون طاقتهم نحو ما يستطيعون التّحكّم فيه: خلق قيمةٍ للعملاء.
المحركات الخمسة لدفع الارتباط الاقتصادي
وفيما يلي 5 أسباب لدفع الارتباط الاقتصادي:
1. التفاعل مع العملاء
الآن هو الوقت المناسب لتعميق علاقاتك مع عملائك؛ فهم أيضاً يواجهون حالة عدم اليقين، ومن المحتمل أنّهم يعيدون ترتيب أولويّاتهم؛ فاغتنم هذه الفرصة للاستماع إليهم:
- ما الّذي تغيّر لديهم؟
- ما التّحدّيات الجديدة الّتي يواجهونها؟
- ما الّذي يقدّرونه أكثر في خدماتك أو منتجاتك؟
- كيف يمكنك مساعدتهم بشكلٍ أفضل؟
ستساعدك الرّؤى الّتي تجمعها من هذه الحوارات على خدمتهم بشكلٍ أكفأ، وستكشف لك عن فرصٍ جديدةٍ لإضافة قيمةٍ. وفوق ذلك، تقوي هذه العمليّة من ولاء العملاء وتدفع نموّ الإحالات والتّوصيات، وفي الوقت نفسه تعطي الموظّفين مهمّةً واضحةً وملهمةً ليلتفّوا حولها.
2. الفهم الاقتصادي
يجب أن يفهم كلّ موظّفٍ كيف تحقّق الشّركة أرباحها، وكيف يساهم عمله في ذلك؛ فعندما يفهم الجميع آليّة خلق القيمة، يصبحون أكثر قدرةً على التّكيّف ودعم العمليّة. مثلاً: إذا كانت شركتك تتابع هامش الرّبح الإجماليّ للمشاريع المنجزة شهريّاً، اطلب من كلّ موظّفٍ أن يقدّم فكرةً واحدةً لتحسين هذه النّسبة خلال الشّهر الجاري. إذ ستطلق بذلك موجةً من الأفكار الإبداعيّة لتعزيز الأرباح. جمّع هذه الأفكار (باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي إن شئت)، وشارك أبرزها مع الفريق، ولا تنس تكريم المسهمين. هكذا، تعزّز الرّوابط بين الجهد الفرديّ ونجاح الشّركة.
3. الشفافية الاقتصادية
قدّم للموظّفين وضوحاً كاملاً حول الأداء الاقتصاديّ للشّركة. في أوقات الأزمات، يحتاج النّاس إلى معلوماتٍ دقيقةٍ وواضحةٍ. لست مطالباً بمشاركة كلّ التّفاصيل الماليّة، ولكن عليك بجعل مؤشرات الأداء الرئيسية واضحةً ومتاحةً للجميع؛ فاعرض النّتائج في أماكن واضحةٍ، وعندما يحقّق الموظّفون تقدّماً، اجعله ملموساً ومرئيّاً. احتفل بالإنجازات الصّغيرة، وشارك تعليقات العملاء، وأبرز أيّ تحسّنٍ في الأداء الماليّ أو جودة الخدمة؛ فعندما يرى النّاس أثر أفعالهم، تنمو ثقتهم ويزيد زخم الإيجابيّة داخل المؤسّسة.
4. التعويض الاقتصادي
اربط المكافآت بالنّتائج. إحدى أكبر المخاوف المرتبطة بالرّسوم الجمركيّة هي فقدان الوظائف. لذلك، يجب أن يكون أول أشكال التّعويض هو توفير وظيفةٍ آمنةٍ ومستقرّةٍ. ولكن لا ينبغي أن تتوقّف هنا: امنح الموظّفين حصّةً في النّجاح. وعندما تحقّق الشّركة نموّاً وتنتج قيمةً أكبر، شارك جزءاً من ذلك النّجاح مع الجميع. يمكن ذلك من خلال برامج مشاركة الأرباح أو مكافآت الأداء. وبهذا الطّريق، تخلق ثقافةً للملكيّة، لا مجرّد علاقة توظيفٍ.
5. مشاركة الموظفين
الأعمال التّجاريّة لعبةٌ جماعيّةٌ. وعندما يشارك كلّ أفراد الفريق -من الخطّ الأماميّ حتّى الفرق الماليّة- في تحسين الأداء، تحدث المعجزات. امنح الجميع فرصةً للتّعبير عن آرائهم، مهما كان دورهم. وازرع بيئةً نفسيّةً آمنةً تشجّع على طرح الأفكار وتنفيذها. شجّعهم على تحسين تجربة العملاء، ورفع كفاءة التّشغيل، ودعم الابتكار. هذا الأمر ليس خطاباً منمّقاً، بل هو ممارسةٌ يوميّةٌ تحوّل الفريق إلى جهازٍ نشيطٍ وملتزمٍ بتحسين النّتائج.
متى يجب عليك تعديل المسار؟
الإجابة واضحةٌ: ابق قريباً من عملائك. ما دامت الشّركة تتواصل مع عملائها بشكلٍ دائمٍ، ستكشف التّغيّرات قبل أن تظهر في الإحصاءات. شجّع الجميع على الحديث مع العملاء، ولا توكل المهمّة لفريق المبيعات وحده. وقدّم لهم دليلاً مبسّطاً لمقابلات العملاء. بالاستمرار في الحديث مع العملاء، ستصبح الشّركة أكثر ترابطاً مع السّوق، ويحلّ الفضول والتّعلّم مكان الخوف والتّجمّد.
ولا تنس، تحدّث مع موظّفيك، واجعلهم يعلمون أنّك تريد سماع كلّ شيءٍ، سواء أكانت أخباراً جيّدةً أو سيّئةً. وعندما يتدفّق الفهم والإلهام من كلّ أركان الشّركة، لن تكون مضطرّاً للقيادة وأنت مغمض العينين.
في الحقيقة، الرّسوم الجمركيّة تشكّل تحدّياً كبيراً. ولكن، ألم يكن الوباء أكثر تحدّياً؟ وكذلك الأزمة الماليّة؟ وكذلك انفجار فقاعة الدوت كوم؟ دائماً هناك تحدٍّ جديدٌ في الأفق. وما يميّز الشّركات القويّة ليس قدرتها على التّنبّؤ بكلّ أزمةٍ، بل مدى مرنتها وسرعة استجابتها. وبالارتباط الاقتصاديّ، تصبح شركتك أكثر رشاقةً وتكيّفاً وانسجاماً. لست بحاجةٍ إلى معرفة ما سيأتي، بل إلى أن تكون دائماً مستعدّاً للرّدّ بشكلٍ أفضل من منافسيك.