حدّد أهدافك بذكاء: كيف تقود نفسك كالقادة الكبار؟
حين يتقاطع طموحك الشّخصيّ مع حاجة من حولك، يصبح السّعي للإنجاز مصدر قوّةٍ وإلهامٍ لا ينضب

عندما كنت أعمل في قاعة الإنتاج، سألني مشرفي إن كُنتُ أرغب في الانضمام إلى قسم ضبط الإنتاج والمساعدة في تطوير آليّةٍ جديدةٍ لتحسين سير العمل في القسم. كُنتُ أحلم بالانتقال إلى مناصب إداريّةٍ مستقبلاً؛ فاغتنمت الفرصة فوراً.
بحسب مارك كوبان، فإنّ هذا النّوع من الطّلبات هو تجسيدٌ حقيقيٌّ للقيادة؛ ففي إحدى حلقات بودكاست "ذا دريموند غرين شو" (The Draymond Green Show) عام 2024، تحدّث كوبان مع نجم كرة السّلّة عن رؤيته للقيادة، موضّحاً أنّ القادة الحقيقيّين يدركون أنّه كلّما أمكن، يجب أن تتماشى أهداف الشّركة مع أهداف الموظّفين.
حيث قال كوبان: "القيادة هي أن تمتلك رؤيةً، وأن تسأل: ما هو هدفي؟ والجزء الثّاني: أن تعرف من يعمل معك، وما هي أهدافهم. أمّا المعنى الحقيقيّ للقيادة، فهو أن تجعل هذين الهدفين يلتقيان". وكان هذا بالضّبط ما فعله مشرفي. كان هدفه هو تحسين إنتاجيّة القسم، بينما كان طموحي أن أثبت كفاءتي تمهيداً للارتقاء نحو التّرقّي الإداريّ. تقاطعت أهدافنا، فخدم كلٌّ منا الآخر. هدفٌ واحدٌ تحقّق على أكثر من مستوى.
ماذا لو لم تكن مديراً، أو لا تملك موظّفين؟ حتّى في هذه الحالة، من المفيد أن تتعامل مع نفسك كما تتعامل مع فريق عملك؛ لأنّك -ببساطةٍ- القائد الأوّل والأهمّ لنفسك. كلّ شخصٍ يؤثّر في الآخرين بطريقةٍ ما، وكلّ قرارٍ تتّخذه يبدأ من داخلك. لهذا، فأفضل الأهداف هي تلك الّتي تخدمك على أكثر من مستوى؛ فهذا النّوع من الأهداف يحفّزك على الاستمرار، ويزيد من احتمال تحقيقها فعلاً.
خذ مثال التّمارين الرّياضيّة: أغلبنا يريد أن يتمتّع بصحّةٍ أفضل، ولكن -مع ازدحام المهامّ اليوميّة- يصعب أن نضع تحسين اللّياقة البدنيّة في قائمة الأولويّات، إلّا إذا نظرنا إلى فوائد أعمق:
- تجعلك التّمارين قائداً أفضل: تشير دراساتٌ تابعةٌ للنّظام الصّحّيّ العسكريّ إلى أنّ التّوتّر المزمن يضعف القادة، ويجعلهم أكثر انعزالاً وأقلّ قدرةً على تحفيز فرقهم.
- تُنشّط التّمارين الدّماغ: وجدت دراسةٌ نُشرت في "مجلّة علم وظائف الأعضاء المقارن" (Journal of Comparative Physiology) أنّ التّمرين يزيد من تدفّق الدّم، ممّا يعزّز مرونة الدّماغ، ويحسّن قدراته الإدراكيّة، بما في ذلك سرعة معالجة المعلومات والانتباه.
- تُحسّن التّمارين المزاج: اكتشف باحثو جامعة فرمونت (Vermont) أنّ 20 دقيقةً فقط من التّمارين الهوائيّة المعتدلة كفيلةٌ بتحسين المزاج لمدّةٍ تصل إلى 12 ساعةً.
- تزيد التّمارين السّعادة: أثبتت دراسةٌ أخرى في "المجلّة الدولية لأبحاث البيئة والصحة العامة" (International Journal of Environmental Research and Public Health) أنّ الأشخاص ذوي النّشاط المتوسّط إلى العالي يشعرون بسعادةٍ أكبر من غيرهم.
باختصارٍ: هدفٌ واحدٌ (التّمرين)، لكن أثره يمتدّ إلى صحّتك، ومزاجك، وقيادتك، وإنتاجيّتك.
تحديد الأهداف بشكل استراتيجي
لنفترض مثالاً أنّك كنت دائماً تحلم بتعلّم لغةٍ جديدةٍ، كالإسبانيّة. غالباً لن تجد الوقت للبدء، إلّا إن تأمّلت الفوائد الأعمق وراء هذا الهدف؛ فتعلّم لغةٍ جديدةٍ يعني:
- تعزيز المهارات الذّهنيّة، مثل: التّركيز، وحلّ المشكلات، والمرونة المعرفيّة.
- تحسين الذّاكرة قصيرة وطويلة المدى.
- تنشيط مناطق متعدّدةً في الدّماغ: السّمع، البصر، الحركة، وغيرها، ويقوّي الرّوابط بين نصفي الدّماغ.
- تطوير التّعاطف والتّفاهم الثّقافيّ.
- المساعدة في حياتك العمليّة؛ فأنا مثالاً، لن أبدو في مواقف العمل كأنّني غريب الأطوار حين أحتاج إلى التّواصل مع المتعهّدين في موقع البناء!
مرّةً أخرى: هدفٌ واحدٌ، وفوائد متنوّعةٌ تُثري حياتك الشّخصيّة والمهنيّة. فكّر في أحد أهدافك المؤجّلة، ثمّ اسأل نفسك: ما الفوائد الخفيّة خلف هذا الهدف؟ ماذا الّذي سأربحه فعلاً إذا أنجزته؟ حين تفعل ذلك، ستكتشف حوافز أكثر عمقاً واستمراريّةً. أي قُد نفسك كما تقود مشروعك.
خذ مثالاً آخر: بناء مشروعٍ تجاريٍّ أكبر: الفائدة الظّاهرة هي زيادة الإيرادات، لكنّها مجرّدة من المعنى العاطفيّ، أمّا إذا تعمّقت في الهدف، ستكتشف فوائد إنسانيّةً ومجتمعيّةً أعمق:
- ضمان رواتب الموظّفين في الأوقات الصّعبة. حين سرت مع جو غيبس في ورشة السّباق الضّخمة الّتي يمتلكها، سألته عمّا يخطر بباله حين ينظر إلى ما أنجزه؛ فقال لي: "أوّل ما يخطر لي هو عدد المرّات الّتي تساءلت فيها: هل سنتمكّن من دفع الرّواتب يوم الجمعة؟"
- بناء مستقبلٍ لموظّفيك وأسرهم؛ فمشروعٌ أكبر يعني فرصاً أكبر للتّعلّم، والنّموّ، والاستقرار الماليّ.
- خدمة العملاء بشكلٍ أفضل، وخدمة عددٍ أكبر منهم.
- رعاية عائلتك بشكلٍ أكرم وأعمق.
حسناً مرّةً أخرى: هدفٌ واحدٌ، لكنّه يغيّر حياة الكثيرين، لا حياتك وحدك.
اختر أهدافاً متعدّدة الأبعاد، واحرص على تحقيقها؛ فحين يرتبط الهدف بأكثر من مصلحةٍ، ويخاطب أكثر من جانبٍ في شخصيّتك، يصبح أعمق معنىً وأكثر إلهاماً. ومع هذا المعنى، تأتي الإرادة الحقيقيّة، والقدرة الفعليّة على الإنجاز.
شاهد أيضاً: أهداف العام الجديد: نصائح فعاّلة لتحقيق رؤيتك