القواعد الأساسية لتوسيع العلامات التجارية العالمية في الشرق الأوسط
يبدأ النّجاح المستدام في الشرق الأوسط من فهم التوطين العميق وبناء الثّقة، إذ تعتمد استمراريّة العلامات التجارية على شراكاتٍ محليّةٍ قويّةٍ تُجيد التّكيّف مع خصوصيّة كلّ سوقٍ
هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
حقّقت العديد من العلامات التّجاريّة العالميّة نجاحاً ملحوظاً في الشّرق الأوسط، إلّا أنّ العلامات الّتي تصمد وتستمرّ عادةً ما تتقن عنصرين أساسيّين: التّوطين الفعّال، واختيار الشّركاء بعنايةٍ، إذ يرتبط هذان العنصران ارتباطاً وثيقاً ويحدّدان قدرة العلامة على الاندماج والنّموّ في الأسواق المحليّة.
ولكلّ سوقٍ خليجيٍّ إيقاعه الخاصّ، وسلطنة عُمان مثالٌ واضحٌ على ذلك، حيث يتّسم تعداد السّكان بالاعتدال ويتوزّع على مساحةٍ جغرافيةٍ واسعةٍ. وفي هذه البيئة، لا يكمن التّحدّي في الطّلب على المنتجات، بل في التّكلفة العالية لإنشاء شبكة توزيعٍ مستدامةٍ والحفاظ عليها، ما يجعل التّخطيط المسبق والبناء التّدريجيّ أمراً حتميّاً لضمان نجاح العمليّات.
على مر السّنوات، برزت حقيقةٌ واضحةٌ: غالباً ما تقلّل الفرق العالميّة من أهميّة التّرابط العميق بين التّوزيع وبناء الثّقة، إذ يركّز التّجّار والهيئات التّنظيميّة انتباههم على هويّة من يتواجد على الأرض، وعمق خبرته، وأساليب إدارته للأعمال، لتصبح هذه العلاقات عنصراً جوهريّاً يحدّد سرعة إدراج المنتجات، وكفاءة معالجة المشكلات، واستمراريّة العلامة التّجاريّة في ذهن المستهلكين.
كيف يعلمك التوزيع معنى المصداقية؟
في دولٍ مثل عُمان، ترتبط شبكات التّوزيع ارتباطاً وثيقاً بسمعة العلامة التّجاريّة، بحيث يصبح الانتشار والاعتماديّة وجهين لعملةٍ واحدةٍ؛ فحين تظهر المنتجات بوضوحٍ في المدن الثّانويّة، وتحظى بخدمةٍ متواصلةٍ، ويُقدّم الدّعم عند وقوع أيّ خللٍ، يلتفت النّاس إليها باهتمامٍ، ومع دوام هذا المستوى من الثّبات على مدى سنواتٍ وليس أشهرٍ، يتحوّل إلى جزءٍ أساسيٍّ من الصّورة الذّهنيّة الّتي يحملها الجمهور عن العلامة التّجاريّة.
يسعى التّجّار إلى الوضوح، ويحرص المنظّمون على المحاسبة والمساءلة، بينما يطمح المستهلكون إلى الاطمئنان إلى أنّ المنتج الّذي وثقوا به العام الماضي سيظل حاضراً في العام التّالي. وبالنّسبة للعلامات التّجاريّة العالميّة، فإنّ بناء هذا النّوع من المصداقيّة من الخارج أمرٌ ليس بالسّهل، أمّا عندما يمتلك الشّريك الإقليميّ الثّقة مسبقاً، تنتقل المصداقيّة بوتيرةٍ أسرع وتصبح قاعدةً صلبةً لاستمرار العلامة في السّوق.
الشركاء الإقليميون: من مجرد منفذ إلى شريك استراتيجي
لقد مضى زمنٌ كان يُنظر فيه إلى الشّركاء المحليّين على أنّهم مجرد منفّذين لمهامّ التّخزين والشّحن. أمّا اليوم، فهم يتبوأون موقعاً فاعلاً منذ لحظة الانطلاق، مشاركين في كلّ مراحل العمل، من تحديد كيفيّة ظهور العلامات التّجاريّة وتسعيرها، إلى الطّريقة الّتي تُختبر بها المنتجات داخل المتاجر وعلى المنصّات الرّقميّة، مستندين إلى فهمٍ عميقٍ للسّياق المحلّيّ وظروف السّوق.
ولكي ينجح الشّريك في أداء هذا الدّور، لا بدّ أن يمتلك فهماً عميقاً لأساليب تسوّق المستهلكين، وطريقة تفكير التّجار، وآليّات اتّخاذ القرار المتعلّقة بالمنتجات في الواقع اليوميّ، إلى جانب وضوحٍ كاملٍ في العمليّات التّشغيليّة. لهذا السّبب، باتت العديد من العلامات التّجاريّة العالميّة تُشركنا منذ المراحل الأولى في إطلاق متاجرها و وتصميم نماذج البيع بالتّجزئة، بل وتوكل إلينا أحياناً قيادة هذه النّقاشات بشكلٍ كاملٍ.
وقد نشأت هذه الشّراكات من بناء الثّقة على مر الزّمن؛ فبعض شركائنا الأساسيين رافقونا لعقودٍ، ولا تُعزى ديمومة هذه العلاقات إلى الولاء فحسب، بل إلى التّعلّم المشترك المستمرّ الّذي يعزّز الخبرة ويضمن استدامة النّجاح.
كيف تصاغ الإرشادات العالمية لتنجح في الأسواق المحلية؟
غالبًا ما تنطلق التّغيّيرات النّاجحة في المنتجات من ملاحظاتٍ صغيرةٍ، تتحوّل مع الوقت إلى متطلّباتٍ أساسيّةٍ للّسوق. خذ على سبيل المثال العمل الّذي تقوم به شركتي "كيمجي رامداس" (Khimji Ramdas) مع العلامات التّجاريّة العالميّة الّتي تربطنا بها شراكاتٌ طويلة الأمد. ففي حالة عملاق السّلع الاستهلاكيّة "بروكتر آند غامبل" (Procter & Gamble)، ساعدنا في إعادة صياغة المنظّفات لتؤدّي أداءً أفضل مع المياه المحلّاة، تعديلٌ نشأ من ملاحظات المستهلكين وردود أفعالهم العمليّة. أمّا مع صانع السّاعات السّويسريّ الفاخر "رولكس" (Rolex)، فقد ساهمنا في توجيه إدخال واجهات ساعاتٍ مخصّصةٍ تعكس أذواق العملاء ذوي الثّروات العالية في سلطنة عُمان. وبالمثل، غيّرت سلسلة التّجزئة العالميّة "سبار" (SPAR) تصميم المتاجر، واللّافتات، والبرامج المجتمعيّة لتواكب طريقة تفاعل الأسر مع محلّات السّوبرماركت في أسواقنا.
قد تبدو هذه الأمثلة متباعدةً، لكنّها جميعاً تتبع نمطاً واحداً: حُدّدت الحاجة بدقّةٍ، وأبدت العلامة التّجاريّة استعدادها للتّكيّف، وكان للشّريك المحليّ القدرة والخبرة لتنفيذ التّغيير بنجاحٍ.
إذن، فإنّ التّوطين في هذه المنطقة ليس مجرّد قائمةٍ تُحقَّق، بل عمليّة متكاملة تشمل المنتج، والتّجزئة، وسلسلة التّوريد، والثّقافة المحليّة. ويحقّق أفضل نتائجه حين تسود الثّقة بما يكفي لتمكين شخصٍ متواجدٍ على الأرض من القول بصراحةٍ: "هذا يحتاج إلى تعديلٍ."
الشركات الكبرى: يبدأ النجاح المستدام من سوق واحد
تسعى بعض العلامات التّجاريّة العالميّة لدخول 5 أو 6 أسواقٍ إقليميّةٍ دفعةً واحدةً، بينما تعتمد أخرى على مؤشّراتٍ مثل النّاتج المحليّ الإجماليّ أو حجم السّكان لتحديد مسارها مباشرةً. ولكن، ما أظهرته التّجارب على أرض الواقع أنّ النّموّ الأكثر ثباتاً وصموداً يتّبع مساراً مختلفاً، ألا وهو: تبدأ العلامة التّجاريّة في سوقٍ محدّدٍ، تبني أساساً متيناً، ثم تتوسّع بعد وضوح كيفيّة ترجمة نقاط قوّتها إلى أسواقٍ أخرى.
لقد اتّخذنا نحن نفس النّهج في توسعنا عبر دول الخليج. فقد تحرّكنا تدريجيّاً، مع اختيار الأسواق بناءً على القرب الجغرافيّ، والألفة الثّقافيّة، وتوافر الكفاءات المناسبة لقيادة المشروع، كما حدث عند إدخال علامة الحقائب العالمية "سامسونيت" (Samsonite) إلى المملكة العربيّة السّعوديّة. وفي المقابل، امتنعت شركتنا عن التّوسّع حين لم تكن الظّروف مواتيةً. قد يبدو هذا الإيقاع بطيئاً للوهلة الأولى، لكنّه يقلّل المخاطر ويضمن أن يكون ما يُبنى متيناً ومستداماً على المدى الطّويل.
كيف يصبح الحضور ميزة تنافسية للعلامات التجارية؟
في هذه المنطقة، لا ينسى النّاس الطّريقة الّتي دخلت بها العلامة التّجاريّة السّوق، ومن كان وراء تقديمها، وكيف تمّ التّعامل مع المشكلات حين ظهرت. وتستمرّ هذه الذّكريات لتشكل طريقة تفاعلهم مع العلامة بعد سنواتٍ طويلةٍ.
ولا يقتصر ذلك على المستهلكين، بل يمتدّ إلى التّجّار، والهيئات التّنظيميّة، والنّظام البيئيّ ككلٍّ. فالعلامات الّتي تظهر بشكلٍ متقطّعٍ أو تعتمد فرقاً محليّةً متغيّرةً سرعان ما تفقد حضورها وتأثيرها. أمّا العلامات التّجاريّة الّتي تنجح في ترسيخ حضورٍ موثوقٍ ومستمرٍّ، لا تكتفي بمجرّد الوجود في السّوق، بل تبني مع مرور الوقت علاقةً متينةً مع المستهلكين، فتغدو جزءاً من النّسيج التّجاريّ والاجتماعيّ. هذا النّوع من الحضور لا يُصطنَع ولا يُقلََّد، بل يُبنى بالصّبر والالتزام والاستمراريّة.
وتُخطئ الشّركات العالميّة إذا اعتقدت أنّ الأمر مجرّد مسألة تواصلٍ أو تسويقٍ، فالغالبيّة العظمى تتعلّق بالعمليّات التّشغيليّة: كيفية إدارة الأسعار أثناء التّضخم، وطريقة معالجة المرتجعات، ومن يجيب على الهاتف عند حدوث تأخيرٍ. تبدو هذه التفاصيل بسيطةً، لكنّها تصنع الفارق وتظلّ في ذاكرة النّاس، مؤثّرةً في صورة العلامة التّجاريّة على المدى الطّويل.
التطور المستدام للحفاظ على حضور العلامة التجارية
تتسارع وتيرة التّكنولوجيا وتتنامى التّوقّعات، ويطوّر المستهلكون الشّباب علاقةً جديدةً بالهويّة التّجاريّة تختلف عن تلك الّتي تربّوا عليها من آبائهم. ومع هذا التّغير، تظلّ بعض الأسس ثابتةً لا تتبدّل: الثّقة هي الجوهر، والعلاقات تحدّد القدرة على التّوسع، والتّنفيذ هو الفيصل الّذي يحدّد مدى وصول العلامة التّجاريّة ونجاحها. فقد نجحت الشّركات الكبرى في الحفاظ على مكانتها لأنّها تكيّفت حيث كانت الحاجة ملحّةً؛ فحدّثت أساليب عملها، ورقّمت عمليّاتها، واستثمرت في قياداتٍ شابّةٍ قادرةٍ على الابتكار. وفي الوقت نفسه، حافظت على الرّكائز الأساسيّة الّتي تجعل التّوسّع ممكناً ومستداماً: حوكمةٌ قويّةٌ، واعتماديّةٌ عاليةٌ، وقربٌ من مركز اتّخاذ القرار، لتظلّ حاضراً وفاعلاً في سوقٍ متغيّرٍ باستمرارٍ.
عن المؤلف
نايلش كيمجي (Nailesh Khimji) مديرةٌ في مجموعة "كيمجي رامداس" (Khimji Ramdas)، الّتي تمتدّ جذورها في عالم الأعمال لأكثر من 150 عاماً، حاملةً شعار التّميّز عبر قطّاعاتٍ متنوّعةٍ تشمل أسلوب الحياة، والسّلع الاستهلاكيّة، والمشروعات، والخدمات اللّوجستيّة، والبنية التّحتيّة. ولها حضورٌ عالميٌّ يشمل الإمارات وسلطنة عُمان والمملكة العربيّة السعودية، إضافةً إلى شراكاتٍ استراتيجيّةٍ في الهند مع عمالقة الصّناعة مثل: "بروكتر آند غامبل" ((Procter & Gamble)، و"رولكس" (Rolex)، و" كيلوغز" (Kellogg's)، ما جعل اسم كيمجي رامداس مرادفاً للثّقة والجودة والابتكار. وفي الإمارات، تدير المجموعة أعمال توزيع السّلع الأساسيّة منذ 4 عقودٍ، وتوسّعت مؤخّراً لتشمل خدمات الشّحن وإعادة التّوطين، موسّعةً بذلك نطاق خبرتها وقدرتها على تقديم حلولٍ متكاملة ٍفي المنطقة.
