الرئيسية الاستدامة العمارة الخضراء: هل تصبح مبانينا صديقة للبيئة؟

العمارة الخضراء: هل تصبح مبانينا صديقة للبيئة؟

تمثّل العمارة الخضراء توجّهاً عالميّاً يعيد تعريف علاقة الإنسان بالبيئة، من خلال مبانٍ مستدامةٍ تقلّل الأثر البيئيّ وتُعزّز جودة الحياة الحضريّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في ظلّ التّغيّرات المناخيّة المتسارعة، والضّغوط المتزايدة على الموارد الطّبيعيّة، لم تعد العمارة مجرّد فنٍّ لتشكيل المساحات، بل أصبحت مسؤوليّةً بيئيّةً واجتماعيّةً. ومن هنا برز مفهوم العمارة الخضراء، أو ما يعرف أيضاً بالبناء المستدام، كأحد التّوجّهات العالميّة الّتي تسعى إلى جعل المباني أكثر توافقاً مع الطّبيعة، وأقلّ تأثيراً على البيئة؛ فهل يمكن أن تتحوّل مبانينا فعلاً إلى كياناتٍ صديقةٍ للبيئة؟ وما الّذي يجعل من مبنى ما أخضر بالفعل؟

مفهوم العمارة الخضراء

تدلّ العمارة الخضراء على أسلوبٍ في التّصميم والإنشاء يعتمد على مبادئ الاستدامة، بهدف تقليل الأثر البيئيّ للمباني على مدى دورة حياتها كاملةً، من التّخطيط والبناء، وصولاً إلى التّشغيل والصّيانة. ويعتمد هٰذا النّهج على دمج مفاهيم عدّةٍ، مثل: التّصميم المستدام، واستخدام موادّ صديقةٍ للبيئة، وتحقيق أعلى درجات كفاءة الطّاقة، وتقليل الإنبعاثات، والتّكامل مع المحيط الطّبيعيّ. وتندرج تحت هٰذا المفهوم مرادفاتٌ مثل: البناء الأخضر، والإنشاءات الذّكيّة، والتّشييد المستدام. [1]

فوائد العمارة الخضراء والمستدامة

لا تقتصر فوائد العمارة الخضراء على البيئة فحسب، بل تتعدّاها لتشمل الجوانب الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ممّا يجعلها خياراً شاملاً للتّطوير العمرانيّ المستدام. وفيما يلي أبرز هٰذه الفوائد: [2]

تقليل استهلاك الطاقة

تعتمد العمارة الخضراء على تطبيق مبادئ التّصميم المستدام، كاستخدام الإضاءة الطّبيعيّة، وتحسين التّهوية، وتعزيز العزل الحراريّ، ممّا يقلّل بشكلٍ كبيرٍ من الاحتياج إلى أجهزة التّبريد والإضاءة الكهربائيّة، ويساهم في تخفيض فواتير الطّاقة، ويرفع من كفاءة الطّاقة المستخدمة في المبنى.

ترشيد استخدام المياه

تشمل مبادئ البناء الأخضر نظماً ذكيّةً لإدارة المياه، مثل: إعادة استخدام مياه الرّيّ، وتركيب صنابير وأجهزةٍ تقلّل من الهدر في المطابخ والحمّامات، ممّا يؤدّي إلى استخدامٍ أكثر فعاليّةً واستدامةً لهٰذه الموارد.

تحسين جودة الهواء الداخلي

تراعي هٰذه المباني اختيار الموادّ الخالية من المركّبات السّامّة، مثل الطّلاءات واللّوح المضغوط، وتستخدم أنظمةً للتّهوية الحديثة تساعد على تجديد الهواء بشكلٍ مستمرٍّ، ممّا يساهم في تقليل مخاطر الأمراض التّنفّسيّة، ويوفّر بيئة صحية وآمنةً للسّكّان.

زيادة العمر الافتراضي للمبنى

لأنّ التّصميم الأخضر يركّز على الجودة والمتانة والكفاية الطّاقويّة، فإنّ الإنشاءات الحديثة الّتي تتّبع معايير العمارة المستدامة تكون أكثر قدرةً على تحمّل عوامل الزّمن، وأقلّ احتياجاً للصّيانة المتكرّرة.

رفع قيمة العقار

أصبحت المباني الخضراء مطلوبةً بشكلٍ متزايدٍ في السّوق العقاريّ، وخصوصاً من قبل الشّركات والمؤسّسات الّتي تسعى لتطبيق سياسات المسؤوليّة الاجتماعيّة والبيئيّة، ممّا يؤدّي إلى زيادة قيمة العقار على المدى البعيد.

تقليل البصمة الكربونية

تساهم العمارة المستدامة في الحدّ من إطلاق الغازات الحراريّة، وذٰلك عبر تقليل الاستهلاك الطّاقويّ، والاعتماد على المصادر المتجدّدة، كالطّاقة الشّمسيّة وطاقة الرّياح، وهٰذا يشكّل خطوةً جادّةً في مواجهة أزمة التّغيّر المناخيّ العالميّ.

الآثار البيئية للمباني التقليدية

تعدّ المباني الحديثة، وبخصوص تلك المشيّدة بالطّرق التّقليديّة، من أكثر القطاعات استهلاكاً للطّاقة على مستوى العالم، وهي تتسبّب في إطلاق نسبٍ كبيرةٍ من الغازات الحراريّة، وفي مقدّمتها غاز ثاني أكسيد الكربون. كما تستنزف كمّيّاتٍ هائلةً من المياه والموارد الطّبيعيّة، وتخلّف كمّيّاتٍ كبيرةً من المخلّفات خلال مراحل البناء والتّشغيل وحتّى في نهاية عمر المبنى عند هدمه.

ويعتمد هٰذا النّوع من الإنشاء على موادّ بناءٍ تحمل أثراً بيئيّاً سلبيّاً، مثل الإسمنت والفولاذ، والّتي يتطلّب إنتاجها كمّيّاتٍ كبيرةً من الوقود الأحفوريّ، ويطلق في المقابل كمّاً ضخماً من الغازات الضّارّة. أمّا أنظمة التّكييف والتّهوية في هٰذه المباني، فغالباً ما تكون غير كفوءةٍ، وتستنفد الطّاقة بشكلٍ مفرطٍ، دون ضوابط تراعي الأثر التّراكميّ على البيئة.

معايير وأسس العمارة الخضراء

ترتكز العمارة الخضراء على جملةٍ من المعايير العلميّة والتّقنيّة، والّتي تهدف إلى تقييم درجة الاستدامة في المباني، وقياس أثرها البيئيّ على المدى القصير والطّويل، ومن أهمّ هٰذه المعايير:

  • اختيار الموقع بعنايةٍ: يفضّل أن يقام المبنى في منطقةٍ لا تسبّب إنشاءاته تلفاً للمساحات الخضراء، ولا تضرّ بالتّنوّع البيولوجيّ المحيط، ويفضّل أيضاً أن يكون قريباً من شبكات النّقل العامّ للتّقليل من الانبعاثات النّاجمة عن السّفر.
  • استخدام مواد بناءٍ مستدامةٍ: وذٰلك مثل الأخشاب المعاد تدويرها، والطّوب المصنّع من الطّين الطّبيعيّ، والموادّ العازلة غير الضّارّة، والّتي تقلّل من التّلوّث وتحافظ على الصّحّة العامّة.
  • الاعتماد على مصادر الطّاقة المتجدّدة: كتركيب الألواح الشّمسيّة لتوليد الكهرباء، والاستفادة من طاقة الرّياح أو الكتلة الحيويّة، للتّقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوريّ.
  • التّصميم الذّكيّ للمبنى: ويشمل ذٰلك توجيه النّوافذ للاستفادة من الإضاءة الطّبيعيّة، وفتح المساحات لتسهيل التّهوية، ممّا يقلّل الحاجة للتّكييف والإنارة الكهربائيّة.
  • إدارة النّفايات بفعاليّةٍ: من خلال أنظمة فرزٍ وتدويرٍ للمخلّفات أثناء مراحل البناء، وكذٰلك بعد وضع المبنى في الخدمة، ممّا يساعد على التّقليل من التّلوّث وترشيد الموارد.

تحديات تواجه تطبيق العمارة الخضراء

على الرّغم ممّا تقدّمه العمارة الخضراء من فوائد متعدّدةٍ، إلّا أنّ تطبيقها يصطدم بجملةٍ من التّحدّيات الّتي تحول دون نشرها على نطاقٍ واسعٍ، ومن أبرز هٰذه التّحدّيات: [1]

  • ارتفاع التّكاليف الأوّليّة: إذ تحتاج الإنشاءات المستدامة إلى استثماراتٍ أعلى في البداية، خاصّةً في مجال التّقنيات والموادّ، رغم أنّها تؤدّي في النّهاية إلى تقليل التّكلفة التّشغيليّة.
  • ضعف التّوعية المجتمعيّة: فكثيرٌ من المطوّرين والمستهلكين لا يمتلكون معرفةً كافيةً بفوائد العمارة المستدامة، ممّا يؤثّر على حجم الطّلب عليها.
  • نقص الكوادر المتخصّصة: يتطلّب تطبيق مفاهيم التّصميم الأخضر مهاراتٍ متقدّمةً في الهندسة والتّخطيط، وهٰذا ما لا يوفّره سوق العمل في بعض البلاد بالشّكل المنشود.
  • غياب التّشريعات الرّادعة: في كثيرٍ من الدّول، لا توجد قوانين تلزم المستثمرين أو المقاولين بتبنّي معايير البناء الأخضر، ومن ثمّ لا تكون هناك حافزاتٌ كافيةٌ لتغيير نهج البناء التّقليديّ.

الخلاصة

ليست العمارة الخضراء مجرّد صدىً لتطوّرٍ هندسيٍّ معاصرٍ، بل ضرورةٌ وجوديّةٌ في زمنٍ تتفاقم فيه التّهديدات البيئيّة، ويختلّ فيه ميزان الحياة على الكوكب؛ فهي رؤيةٌ واعيةٌ تُجسّد تناغماً فريداً بين الجمال والمسؤوليّة، وتُعيد رسم العلاقة بين الإنسان ومحيطه، بما يوفّق بين التّمدّن والحفاظ على الموارد. وإذا ما غدت هذه الرّؤية جزءاً أصيلاً من سياسات الإسكان، والتّخطيط الحضريّ، والتّعليم الهندسيّ، فإنّ مدن الغد ستكون بلا ريبٍ أكثر اخضراراً، أعمق إنسانيّةً، وأوفى لمستقبل الأرض والإنسان.

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل العمارة الخضراء مناسبة لجميع أنواع المباني؟
    نعم، يمكن تطبيق مبادئ العمارة الخضراء على المباني السّكنيّة والتّجاريّة والتّعليميّة والصّناعيّة.
  2. هل تؤثر العمارة الخضراء على الشكل الجمالي للمبنى؟
    لا، بل تعزّز الجمال المعماريّ من خلال دمج الطّبيعة والضّوء والتّصميم الذّكيّ.
  3. ما الفرق بين العمارة الخضراء والعمارة الذكية؟
    تركّز العمارة الخضراء على البيئة والاستدامة، بينما العمارة الذكية تعتمد على التّكنولوجيا والأنظمة الذّكيّة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: