الرئيسية الريادة القيادة الموقفية: كيف تصبح قائداً يحقق أداءً استثنائياً؟

القيادة الموقفية: كيف تصبح قائداً يحقق أداءً استثنائياً؟

حين يدرك القائد أنّ نجاحه في التّكيّف مع الموقف وتطوير أسلوبه وفق جاهزيّة الفريق، تتحوّل القيادة الموقفيّة إلى فنٍّ يصنع فرقاً مبدعة وأداءً استثنائيّاً

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تتطلّب بيئات العمل الحديثة درجةً عاليةً من المرونة في أساليب القيادة، إذ لم يعد القائد التّقليديّ الّذي يفرض توجيهاته بأسلوبٍ ثابتٍ قادراً على التّكيّف مع فرقٍ متنوّعةٍ ومتغيّرةٍ على نحوٍ دائمٍ. ولهٰذا السّبب تحديداً، برز مفهوم القيادة الموقفيّة باعتباره أحد أكثر الأساليب الإداريّة فاعليّةً في إدارة الأفراد والمؤسّسات، لأنّه يقوم على مبدإ التّكيّف مع الموقف، لا على فرض أسلوبٍ واحدٍ على جميع الحالات.

المفهوم الأساسي للقيادة الموقفية

تقوم القيادة الموقفيّة على فكرةٍ بسيطةٍ في ظاهرها، لكنّها ثوريّةٌ في جوهرها، إذ تؤكّد أنّه لا يوجد أسلوبٌ قياديٌّ واحدٌ يصلح لكلّ الأوضاع أو الأشخاص؛ فالقائد الفعّال هو من يبدّل طريقته بحسب مستوى جاهزيّة الموظّف، وطبيعة المهمّة، والظّروف المحيطة. وقد ابتكر هٰذا النّموذج العالمان بول هيرسي وكين بلانشارد في سبعينيّات القرن العشرين، حين أكّدا أنّ القائد المتمكّن هو من يوازن بين التّوجيه والدّعم تبعاً لطبيعة الموقف.

وعندما يعمل القائد الموقفيّ على تحديد المرحلة الّتي يمرّ بها الموظّف في أدائه المهنيّ — سواءٌ أكان بحاجةٍ إلى توجيهٍ واضحٍ، أم دعمٍ وتحفيزٍ، أم تفويضٍ كاملٍ — يصبح أكثر قدرةً على اختيار الأسلوب الأنسب لتحقيق أقصى إنتاجيّةٍ ممكنةٍ. وبهٰذا المعنى، تتحوّل القيادة الموقفيّة إلى فنٍّ قائمٍ على قراءة البشر والظّروف في الوقت ذاته. [1]

كيف تصبح قائداً يحقق أداء استثنائياً؟

تستند القيادة الموقفيّة إلى مبدإ التّكيّف الذّكيّ مع الأفراد والمواقف، وهي مهارةٌ تكتسب بالممارسة والوعي المتدرّج. ولتحقيق أداءٍ استثنائيٍّ عبر هٰذا النّمط القياديّ، لا بدّ من المرور بعدّة خطواتٍ متشابكةٍ تتكامل معاً، بحيث تبني كلّ خطوةٍ على ما قبلها وتفتح الطّريق لما بعدها.

شخص الموقف بدقة قبل اتخاذ القرار

ينطلق القائد الموقفيّ دائماً من التّشخيص لا من الحدس. فهو يبدأ بتحليل بيئته التّنظيميّة، فيقيّم طبيعة المهمّة، ومستوى جاهزيّة الفريق، ودرجة خبرة الأفراد وحماسهم. ومن غير المنطقيّ أن يستخدم القائد أسلوب التّفويض مع فريقٍ جديدٍ، أو أن يوجّه بتفصيلٍ مملٍّ موظّفاً متمرّساً. لذٰلك، حين يقرأ القائد الموقف بعمقٍ، يتمكّن من اختيار الطّريقة الأكثر انسجاماً معه، فيضمن دقّة القرار ويوفّر الجهد ويمنع التّشتّت. فالتّشخيص السّليم هو البوّابة الّتي تمرّ منها جميع قرارات القيادة الموقفيّة النّاجحة.

حدد مستوى جاهزية الفريق

لا يمكن تطبيق القيادة الموقفيّة بفاعليّةٍ من دون فهمٍ واضحٍ لمدى نضج الفريق. فالقائد الحصيف لا يعامل الجميع بالمعايير نفسها، بل يفرّق بين من يحتاج إلى توجيهٍ مباشرٍ، ومن يحتاج إلى دعمٍ معنويٍّ، ومن يستطيع تحمّل مسؤوليّة القرار. وعليه، يستخدم التّوجيه عندما تكون الكفاءة محدودةً، ويعتمد الإقناع عندما يتوافر الحماس دون الخبرة، ويلتجئ إلى المشاركة عندما يحتاج الفريق إلى تعزيز الثّقة بالنّفس، بينما يمنح التّفويض الكامل لمن بلغ مرحلة النّضج والاستقلاليّة. ومن خلال هٰذا التّوازن بين الحزم والتّمكين، ينجح القائد في إطلاق طاقات فريقه بأعلى كفاءةٍ ممكنةٍ. [1]

اختر الأسلوب القيادي المناسب للموقف

بعد أن يشخّص القائد الموقف ويحدّد جاهزيّة الفريق، ينتقل إلى مرحلة اختيار الأسلوب القياديّ الأنسب. فإذا واجه مهمّةً دقيقةً تحتاج إلى سرعةٍ في الإنجاز، استخدم أسلوب التّوجيه الواضح. أمّا إذا أراد رفع معنويّات فريقٍ متردّدٍ، لجأ إلى الإقناع المقرون بالتّحفيز. وعندما يتعامل مع موظّفين ذوي خبرةٍ عاليةٍ، يفضّل أسلوب المشاركة والتّشاور. وفي المقابل، إذا تميّز الفريق بالنّضج والاستقلاليّة، فإنّ التّفويض الكامل مع المتابعة غير المباشرة يكون الخيار الأمثل. وهٰكذا، تترجم القيادة الموقفيّة إلى مرونةٍ عمليّةٍ تمكّن القائد من تحقيق النّجاح في مختلف البيئات التّنظيميّة.

تواصل بوضوح وصدق مع فريقك

لا تكتمل القيادة الموقفيّة من دون تواصلٍ فعّالٍ، فالكلمات الواضحة تسبق القرارات الصّائبة، وتمهّد لثقةٍ تنمو بين القائد وفريقه. ولذٰلك يجب على القائد أن يوضّح أهدافه بجلاءٍ، ويظهر ثقته بفريقه، ويصغي بعنايةٍ إلى مخاوف أعضائه ومقترحاتهم؛ فالتّواصل لا يقتصر على إصدار التّعليمات، بل يشمل القدرة على الإصغاء العميق، وفهم الإشارات غير اللّفظيّة، والتّعاطف مع التّجارب الفرديّة. وعندما يشعر الموظّفون بأنّ قائدهم يفهمهم، يتفاعلون بإخلاصٍ أكبر، فيصبح التزامهم بالأهداف أمراً طبيعيّاً لا يفرض فرضاً، بل ينبع من قناعةٍ داخليّةٍ. [2]

ابن الثقة ومارس التفويض التدريجي

لا تمارس القيادة الموقفيّة بالسّلطة، بل بالثّقة الّتي تتكوّن بين القائد وفريقه. إذ لا يفرض القائد النّاجح هيبته بالقوّة، بل يزرعها في النّفوس عبر الاحترام المتبادل. يبدأ بتوجيهٍ مباشرٍ حين تقتضي الحاجة، ثمّ يعطي مساحةً أكبر لاتّخاذ القرار، إلى أن يبلغ الفريق مرحلة التّفويض الكامل. هٰذا الانتقال التّدريجيّ يكسب الفريق إحساساً بالمسؤوليّة، ويعزّز ولاءه للمؤسّسة. كما أنّ الثّقة تقلّل من الحاجة إلى الرّقابة المفرطة، وتنشئ ثقافةً قائمةً على المبادرة والالتزام الذّاتيّ، فيعمل كلّ فردٍ بدافعٍ داخليٍّ لا برغبةٍ في إرضاء الرّؤساء.

قدم الملاحظات والتغذية الراجعة بذكاء

لا يكتفي القائد الموقفيّ الحقيقيّ بتوزيع المهامّ، بل يحرص على المتابعة المستمرّة، ويقدّم الملاحظات بطريقةٍ بنّاءةٍ تساعد الفريق على التّطوّر. ويجب أن تكون التّغذية الرّاجعة موجّهةً نحو تحسين الأداء لا انتقاد الأشخاص؛ فحين يخطئ أحد أفراد الفريق، يقدّم القائد نقداً تعليميّاً يساعده على الفهم والتّصحيح، بدلاً من أن يحبطه أو يقلّل من قيمته. ومن خلال هٰذه المتابعة الذّكيّة، يستطيع القائد تعديل أسلوبه بحسب تطوّر أداء الفريق، فيتحوّل من التّوجيه إلى المشاركة، ثمّ إلى التّفويض الكامل عند نضج القدرات.

طور نفسك باستمرار كقائد موقفي

القيادة الموقفيّة ليست مهارةً جامدةً، بل عمليّةً مستمرّةً من التّعلّم والتّكيّف؛ فالمواقف تتغيّر، واحتياجات الأفراد تتبدّل، وتحدّيات السّوق تتضاعف. ومن ثمّ، يجب على القائد أن يطوّر نفسه بانتظامٍ من خلال القراءة، وحضور البرامج القياديّة، والتّأمّل في التّجارب السّابقة. كذٰلك، عليه أن يتقبّل النّقد البنّاء، ويحوّله إلى فرصةٍ للنّموّ، فالقائد الّذي يتعلّم من أخطائه يزرع ثقافة التّطوير في فريقه بأكمله.

واجه الأزمات بالمرونة والاتزان

تتجلّى عظمة القيادة الموقفيّة في أوقات الأزمات، إذ يختبر فيها القائد الحقيقيّ. ففي حينٍ يتصلّب بعض القادة أمام الضّغوط، يبقى القائد الموقفيّ مرناً قادراً على التّحوّل من الحزم إلى الدّعم، ومن التّوجيه إلى المشاركة بحسب الموقف؛ فإذا تطلّبت الأزمة قراراتٍ عاجلةً، تصرّف بحزمٍ، وإذا احتاج الفريق إلى استقرارٍ نفسيٍّ، مارس القيادة التّعاطفيّة الدّاعمة. وبهٰذه القدرة على ضبط الإيقاع وفق المتغيّرات، يحفظ القائد استقرار الأداء حتّى في أحلك الظّروف.

الخاتمة

تمثّل القيادة الموقفيّة اليوم أحد أعمدة الإدارة الحديثة، إذ تجمع بين المرونة والانضباط، وبين الحزم والتّعاطف، لتصنع بيئةً تثمر أداءً استثنائيّاً وإنجازاً متواصلاً. فهي لا تقوم على الأوامر أو السّيطرة، بل على الفهم العميق للمواقف والبشر في آنٍ واحدٍ. وعندما يدرك القائد أنّ نجاحه لا يقاس بما يفرضه من قراراتٍ، بل بما يخلقه من وعيٍ وتحفيزٍ داخل فريقه، يتحوّل من مجرّد مديرٍ إلى مصدر إلهامٍ. وهٰكذا، تصبح القيادة الموقفيّة فنّاً في الإصغاء والتّكيّف والتّأثير، يمكّن القائد من بناء فرقٍ مبدعةٍ قادرةٍ على التّكيّف مع عالمٍ سريع التّحوّل لا يعرف الثّبات.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما الفرق بين القيادة الموقفية والقيادة التقليدية؟
    تعتمد القيادة التقليدية على أسلوبٍ واحدٍ ثابتٍ يطبّقه القائد على جميع المواقف، بينما تقوم القيادة الموقفية على التّكيّف مع الظّروف والأفراد، فتتغيّر طريقة القيادة وفق احتياجات كلّ موقفٍ ومستوى جاهزيّة الفريق، ممّا يجعلها أكثر مرونةً وفعاليّةً في تحقيق النّتائج.
  2. هل تصلح القيادة الموقفية لجميع أنواع المؤسسات؟
    نعم، تصلح القيادة الموقفية في المؤسّسات الكبيرة والصّغيرة على حدٍّ سواء، لأنّها تقوم على مبدأ التّكيف مع طبيعة المهمّة والموظّفين، سواء في بيئات الأعمال أو التّعليم أو القطّاع الحكوميّ، فهي تمنح القائد القدرة على اتّخاذ قراراتٍ تتناسب مع كلّ بيئة عملٍ.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: