التنمية المهنية الذاتية: كيف تطور نفسك بدون دعم الشركة؟
تعدّ التنمية المهنية الذاتية من الرّكائز الأساسيّة للنّموّ الشّخصيّ، إذ تمنحك القدرة على التّكيّف مع متطلّبات سوق العمل المتغيّرة، وتظهر التزامك تجاه تطوير نفسك

في واقعٍ لا يثبت على حال، تصنع الفرص فيه لمن يسبق لا لمن يتبع، تصبح القدرة على التّطوّر الذّاتيّ لا ترفاً، بل ضرورةً مهنيّةً لا غنى عنها؛ فكثيرٌ ممّن يسعون للتّقدّم في الحياة المهنيّة، لا يجدون دعماً منظّماً من الشّركات أو المؤسّسات، ومع ذٰلك ينجحون في الرّقيّ بمهاراتهم وتوسيع آفاقهم. وهنا تكمن قيمة التنمية المهنية الذاتية، كخيارٍ ذكيٍّ ومستقلٍّ لمن يريد أن يصنع فرقاً في مساره الوظيفيّ، بغضّ النّظر عن وجود دعمٍ خارجيٍّ أو غيابه.
ما هي التنمية المهنية الذاتية؟
تشير التنمية المهنية الذّاتيّة إلى الجهود الّتي يبذلها الفرد لتطوير مهاراته ومعارفه وخبراته المهنيّة، من دون الاعتماد على برامج التّدريب الرّسميّة الّتي توفّرها الشّركات أو المؤسّسات؛ إنّها شكلٌ من أشكال التّعلّم الذّاتيّ المستمرّ، تهدف إلى تعزيز الأداء الوظيفيّ وفتح آفاقٍ جديدةٍ في المسار المهنيّ. كما تعدّ التنمية المهنية الذاتية من الرّكائز الأساسيّة للنّموّ الشّخصيّ، إذ تمنحك القدرة على التّكيّف مع متطلّبات سوق العمل المتغيّرة، وتظهر الالتزامك تجاه تطوير نفسك، ما يعكّس نضجاً مهنيّاً ويزيد من فرصك في التّرقية أو التّوظّف. [1]
كيف تطور نفسك بدون دعم الشركة؟
لكي تكون التنمية المهنية الذّاتيّة مجديةً، يجب تنفيذها بطريقةٍ منهجيّةٍ ومتدرّجةٍ تضمن لك التّقدّم الفعليّ نحو أهدافك الوظيفيّة. وإليك خطواتٍ فعّالةً تساعدك في بناء مسار تعلّمٍ ذاتيٍّ مستدامٍ:
- أوّلاً، حدّد أهدافك المهنيّة بدقّةٍ. سل نفسك: ما الّذي أريد تحقيقه خلال سنةٍ؟ وماذا بعد خمس سنواتٍ؟ هل أسعى إلى تغيير المجال؟ أم أطمح إلى ترقيةٍ في الوظيفة؟ تساعدك هٰذه الأسئلة على رسم خارطة طريقٍ واضحةٍ، وتحدّد الجهة الّتي ينبغي أن تسير نحوها.
- ثانياً، قيّم مهاراتك الحاليّة وحدّد الفجوات؛ فاكتب قائمةً بالمهارات الّتي تتملّكها، ثمّ قارنها بما تتطلّبه الوظائف الّتي تطمح إليها إذ يمكّنك هٰذا التّمرين من تشخيص الفجوات المهنيّة وتحديد ما يجب تعلّمه أو تطويره.
- ثالثاً، ضع خطّة تعلّمٍ ذاتيّةً واقعيّةً وقابلةً للتّنفيذ، واختر المصادر الّتي تناسب أسلوبك في التّعلّم، سواءً كانت دوراتٍ على منصّاتٍ، مثل: Coursera وUdemy، أو كتباً تخصّصيّةً، أو مقالاتٍ ومجلّاتٍ مهنيّةً، أو حتّى برامج صوتيّةً وقنواتٍ تعليميّةً. ولا تفترض التّنمية المهنيّة الذّاتيّة الحصول على شهاداتٍ، بل تركيزاً على المعرفة التّطبيقيّة.
- رابعاً، خصّص وقتاً منتظماً للتّعلّم؛ فتعامل مع وقت التّطوير الذّاتيّ كموعدٍ ثابتٍ لا يؤجّل. إذ يفضّل الالتزام بساعةٍ يوميّاً، أو عددٍ محدّدٍ من السّاعات أسبوعيّاً، مع الابتعاد عن المشتّتات.
- خامساً، طبّق ما تتعلّمه على الأرض؛ فالمعرفة النّظريّة وحدها لا تكفي، وإنّما تحتاج إلى تجربةٍ عمليّةٍ. لذلك، ابدأ بمشاريع صغيرةٍ، أو اشترك في أعمالٍ تطوّعيّةٍ ضمن مجالك، أو حتّى قدّم خدماتك كمستقلٍّ.
- أخيراً، قيّم تقدّمك وعدّل خطّتك عند الضّرورة. بعد فترةٍ من الالتزام، قف وانظر فيما أنجزته: هل أحرزت تقدّماً في المهارة الّتي كنت تسعى إليها؟ هل أثّر ذٰلك على فرصك الوظيفيّة؟ إن لم تلمس نتائج، قد تكون بحاجةٍ إلى تغيير الاستراتيجيّة أو الاتّجاه نحو مهاراتٍ أخرى أكثر ملاءمةً لهدفك.
لماذا تحتاج إلى تنمية مهنية ذاتية مستقلة عن الشركة؟
في الواقع، لا يمكن لكلّ شخصٍ أن يعتمد على الشّركة أو المؤسّسة الّتي يعمل فيها لتطوير مهاراته أو توسيع آفاقه المهنيّة. ولكن، توفّر لك التنمية المهنية الذّاتيّة حرّيّة التّحكّم الكامل في مسارك، حيث تكون أنت المقرّر فيما يتعلّق بالمهارات الّتي ترغب في اكتسابها، والمواضيع الّتي تريد التّعمّق فيها، دون انتظار خططٍ تدريبيّةٍ من الإدارة أو توجيهٍ مسبقٍ.
فضلاً عن ذٰلك، تمكّنك هٰذه المقاربة الذّاتيّة من الاستعداد للفرص المستقبليّة بما يتناسب مع تطوّر السّوق وتغيّر المتطلّبات. فالوظائف تتجدّد، والمهارات المطلوبة تتطوّر، ومن يواكب هٰذا التّغيّر يحصل على أفضليّةٍ تنافسيّةٍ أمام زملائه. كما أنّ تطوير النّفس بمبادرةٍ شخصيّةٍ يعزّز الثّقة الدّاخليّة، ويرسل رسالةً واضحةً إلى المديرين وأصحاب القرار بأنّك شخصٌ استباقيٌّ وطموحٌ، ممّا يمكّنك من الوصول إلى فرصٍ أفضل في المستقبل. [2]
ولا نغفل أنّ الكثير من الشّركات، وخصوصاً الصّغيرة أو الّتي تعاني من ضعف في الموارد، لا توفّر برامج تدريبيّةً حقيقيّةً، وقد تكون البيئة نفسها عائقاً أمام التّطوّر. في هٰذه الحالة، تصبح التنمية المهنية الذاتية لا مجرّد خيارٍ، بل ضرورةً للاستمرار والنّموّ.
الفرق بين التنمية المهنية والنمو المهني
على الرّغم من التّشابه بين المصطلحين، إلّا أنّ هناك فرقاً جوهريّاً بين التنمية المهنية والنموّ المهني. إذ ترتكز التنمية المهنية على العمليّة المستمرّة الّتي يسعى خلالها الفرد إلى تطوير مهاراته وكفاءاته، سواءً من خلال الدّورات التّدريبيّة، أو القراءة، أو الخبرة العمليّة والتّجربة. أمّا النّموّ المهنيّ، فهو النّتيجة النّهائيّة النّاتجة عن تلك العمليّة، مثل: الحصول على ترقيةٍ، أو الانتقال إلى وظيفةٍ أفضل، أو توسّع شبكة العلاقات المهنيّة. [3]
وبصيغةٍ أخرى، فإنّ التّنمية هي الوسيلة، والنّموّ هو الغاية. وعندما تلتزم بالتنمية المهنية الذاتية، فأنت ترسم لنفسك مساراً يفضي بك إلى نموٍّ حقيقيٍّ في حياتك الوظيفيّة، حتّى في غياب أيّ دعمٍ من الشّركة الّتي تعمل فيها.
في نهاية المطاف، فإنّ التنمية المهنية الذاتية ليست رفاهيّةً، بل ضرورةٌ في عصرٍ يتغيّر فيه كلّ شيءٍ بسرعةٍ؛ فحين تتحمّل مسؤوليّة تطوير نفسك، لا تنتظر التّغيير، بل تصنعه. وكلّ مهارةٍ جديدةٍ تتقنها، وكلّ كتابٍ تنهيه، وكلّ دورةٍ تتابعها، تقرّبك أكثر من أهدافك، وتمنحك مزيداً من الثّقة والجاهزيّة لأيّ تحدٍّ قادمٍ. ابدأ اليوم بخطوةٍ بسيطةٍ، وتذكّر: لا أحد سيهتمّ بنموّك المهنيّ أكثر منك أنت.
-
الأسئلة الشائعة
- هل التنمية المهنية الذاتية مفيدة في حالة العمل بوظيفة مؤقتة أو بعقد جزئي؟ نعم، فهي تساعدك على تطوير مهاراتك وبناء ملفٍّ مهنيٍّ قويٍّ يزيد فرصك في الحصول على وظيفةٍ دائمةٍ أو أفضل مستقبلاً.
- كم من الوقت يجب أن أخصص أسبوعيًا للتنمية المهنية الذاتية؟ من الأفضل تخصيص 5 إلى 7 ساعات أسبوعيّاً، ويمكن توزيعها على أيّام الأسبوع بما يناسب جدولك الشّخصيّ.
- هل يمكن أن تكون التنمية المهنية الذاتية بديلة للدراسة الأكاديمية؟ ليست بديلاً كاملاً، لكنّها مكملّةٌ قويّةٌ، وتكون فعّالةً جداً عند التّركيز على المهارات العمليّة المطلوبة في السّوق.
- ما أفضل طريقة للبقاء ملتزمًا بخطة التعلم الذاتي؟ حدد أهدافاً قصيرة المدى، واحتفل بالإنجازات الصّغيرة، وشارك خطتك مع صديقٍ أو مرشدٍ لتحفيز نفسك على الاستمرار.