رحلة تشارلي رايت في هيومانترا: ازرع بصمت، واحصد بثبات!
مسيرةٌ انطلقت برؤيةٍ واضحةٍ وخطواتٍ محسوبةٍ، جمعت بين التّدرج الواعي والثّقة، لتصنع حضوراً عالميّاً وتأثيراً حقيقيّاً يتجاوز الحدود والصّوت المرتفع

لم يبدأ تشارلي رايت، مؤسّس "هيومانترا" (Humantra)، رحلته في تأسيس علامة تجارية في دبي تستهدف العالميّة، انطلاقاً من هاجس التّوسّع أو الطّموح العدديّ، بل من رؤيةٍ محدّدة المعالم، واضحة الهدف؛ فقد كانت البدايات قائمةً على وعيٍ متأنٍّ، شمل ماهيّة المنتج، وموقعه في السّوق، والشّرائح الّتي يخاطبها.
وقد بدت دبي آنذاك أرضاً مثلى للتّجريب والاختبار؛ مدينةٌ تنبض بسرعة الإيقاع، وتطلّ على جمهورٍ دوليٍّ متنوّع التوجّهات، يشكّل مرآةً للعالم في موضعٍ واحدٍ. فيقول رايت: "دبي منصّة انطلاقٍ فريدةٍ؛ صغيرةٌ في حجمها، عابرةٌ في تنوّعها حدود الجغرافيا". ومنذ لحظتها الأولى، وُلدت "هيومانترا" بهويّةٍ تتخطّى الحدود، ولسانٍ يفهمه العالم، أيّاً كانت لغته تخاطب المستهلك من أقاصي الشّرق إلى أقصى الغرب، في سوقٍ واحدةٍ تحاكي الجميع.
وقد أتاح له هذا التّأسيس في بيئةٍ عالية التّسارع أن يتقدّم في ساحة التّجربة تحت وقع نبض السّوق المباشر، حيث توالت ردود الفعل الحيّة، فمهّدت له السّبيل لصياغة ملامح التّوسّع القادمة. حيث أضاف رايت: "غرسنا جذور الثّقة قبل أن نبني آفاق التّوسّع، فتجلّت بصمتنا في رحاب النّوادي المرموقة، ومراكز العناية بالصّحّة، وواجهات البيع المترفة. اعتنقها المدرّبون، وزكّتها الشّهادات، وظهرت في أعين العملاء بين أيدٍ موثوقةٍ. لم نكفّ عن التّجريب، وإذا بان لنا من النّجاح معلمٌ، ضاعفنا السّعي نحوه، ورممّنا حوله ما قد يعيق. اخترنا التّعمّق لا التّوسّع العشوائي، وجعلنا لصدى الرّضى أن يسبق صوتنا، ولشهادات الغير أن تفصح عمّا كنّا نعمل في صمتٍ وجدارة".
وقد أثمرت تلك الرّؤية الثّاقبة كما يثمر الغرس إذا وضع في التّراب الصّالح؛ فغدت "هيومانترا" واحدةً من أكثر المكمّلات مبيعاً على منصّتي "أمازون" (Amazon) و"ديليفرو" (Deliveroo) في الإمارات، ثمّ لم تلبث أن خطت بثباتٍ إلى السّوق البريطانيّة، عام 2023، عبر بوّابة شراكةٍ لافتةٍ مع دار الأزياء "ريبرزنت"، في تحالفٍ جمع العافية بالأناقة، والمنتج الجادّ بالذّوق المعاصر.
وفي العام التّالي، نالت العلامة دفعةً استراتيجيّةً نوعيّةً، حين حظيت بدعم صندوق "جامجار للاستثمارات" (JamJar Investments)، الّذي أسّسه الفريق ذاته الّذي أطلق علامة "إينوسنت درينكس" (Innocent Drinks) الشّهيرة، تلك الّتي استحوذت عليها "كوكاكولا" (Coca-Cola) في صفقةٍ تجاوزت قيمتها 700 مليون دولارٍ أمريكيٍ.
وبفضل هذا الزّخم الماليّ والفكريّ، دشّنت "هيومانترا" انطلاقتها الكبرى في المملكة المتّحدة، عبر توزيعٍ واسعٍ شمل أكثر من 1,200 فرعٍ من سلسلة "بوتس" (Boots)، أعرق سلاسل الصّيدلة والصّحّة والجمال في البلاد. وعندما سُئل رايت عن سرّ هذه الانطلاقة الّتي جمعت بين الثّقة والسّرعة، خاطب روّاد الأعمال في المنطقة قائلاً: "لست في حاجةٍ إلى خزائن متخمةٍ بالمال، ولا إلى جيوشٍ من الموظّفين؛ ما تحتاجه فعلاً هو يقينٌ لا يتزعزع، وبصيرةٌ لا تغشاها الشّكوك، وسرعةٌ تسبق التّردّد".
ويضيف: "سلكنا الدّرب بخفّةٍ محسوبةٍ، كمن يجيد التّكيّف ويحسن الإصغاء لإيقاع السّوق، وكلّما لاحت لنا بارقةٌ، شددنا إليها الرّحال. لم تكن غايتنا الانتشار، بل أن يثمر الفعل أثراً لا ينسى. ولم نرفع أصواتنا، بل تركنا للنّاس أن يتحدّثوا عنّا بملء أفواههم".
ويختم حديثه بما لا يشبه شعارات النّجاح الجوفاء، بل بحكمةٍ تقطر صدقاً وبساطةً: "دع عنك التّحليل المفرط، وابدأ ما دمت ترى الخطوة الأولى واضحةً أمامك. ازرع بصمتٍ، واحصد بثباتٍ، وكن في ساحة العمل كما يكون الصّدق في الكلمة؛ حاضراً، فعّالاً، بعيداً عن الادّعاء، قريباً من الأثر".