الرئيسية تكنولوجيا مستقبل التقنية في الشرق الأوسط مهدّد بنقص الكفاءات الرقمية!

مستقبل التقنية في الشرق الأوسط مهدّد بنقص الكفاءات الرقمية!

رغم الاستثمارات الرّقميّة الجريئة في دول الخليج، تواجه المنطقة تحديّاً خطيراً يتمثّل في نقص المواهب التّقنية، ممّا يتطلّب من الشّركات إعادة هيكلة الوظائف وتبنّي أتمتةٍ ذكيّةٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

بكلّ ما تحمله التّكنولوجيا من وعودٍ هائلةٍ لتعزيز الإنتاجيّة وبثّ روح الابتكار في حياة ملايين البشر، تبقى مفارقةٌ صارخةٌ تلوح في الأفق: اتّساع الفجوة في المواهب التّقنية يوماً بعد يومٍ، كأنّما هذا التّقدّم المتسارع يجرُّ خلفه ظلاً ثقيلاً من التّحدّي.

ففي قلب الشرق الأوسط، تُنذر تقديرات شركة "ماكينزي" (McKinsey) بأنّ دول مجلس التعاون الخليجي مقبلةٌ على عجزٍ رقميٍ قد يبلغ مليون متخصّصٍ بحلول نهاية العقد الجاريّ. ولا تقف هذه الأزمة عند حدود المنطقة، بل تنسحب على المشهد العالميّ بأسره، إذ يُرجّح تقرير "كورن فيري" (Korn Ferry) أن يظلّ نحو 85 مليون منصبٍ شاغراً بحلول عام 2030، لا لندرة الفرص، بل لشحّ الكفاءات المؤهّلة لاقتناصها.

ومع ذلك، يلوح الأمل في الأفق، إذ تنفّذ حكومات دول الخليج استثماراتٍ رقميّةً جريئةً وتدشّن استراتيجيّاتٍ وطنيّةً تهدف إلى تعزيز الابتكار؛ فمن الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوكشين إلى المدن الذّكية والذكاء الاصطناعي التوليدي، تعمل المنطقة على بناء البنية التّحتيّة الّتي تمكّنها من قيادة المشهد التّكنولوجيّ العالميّ.

غير أنّ هذا الطّموح، في غياب الكفاءات المناسبة، يظلّ أمنيةً معلّقةً لا تجد سبيلها إلى التّحقّق. ومن هنا، لا مفرّ أمام الشّركات من أن تبادر بنفسها لسدّ هذه الفجوة، عبر تفعيل القيمة الكامنة في هياكلها، وإعادة هندسة الوظائف، وتوظيف التّقنيات المتقدّمة بذكاءٍ واستبصارٍ. وفي هذا الإطار، يقدّم تقرير "آفاق المهارات" (Skills Outlook) الصادر عن "بيرسون" (Pearson) خارطة طريقٍ دقيقةً، مستندةً إلى البيانات، تُمكّن المؤسّسات من تحقيق هذا التّحوّل بكفاءةٍ وفعاليّةٍ.

يوم عمل كامل أسبوعياً

يركّز التّقرير على خمسة أدوارٍ تقنيةٍ أساسيّةٍ، هي: مطوّرو البرمجيات، ومحلّلو البيانات، وخبراء الأمن السيبراني، واختصاصيو دعم تكنولوجيا المعلومات، ومهندسو الشّبكات. على سبيل المثال، في الولايات المتّحدة، يُظهر التّقرير أنّ المهنيّين في هذه الوظائف يمكنهم توفير ما بين 5.8 إلى 8.8 ساعاتٍ أسبوعيّاً من خلال تقنياتٍ مثل: روبوتات المحادثة القائمة على النّماذج اللّغويّة الضّخمة (LLMs) وأتمتة العمليّات الرّوبوتيّة (RPA). وبحلول عام 2029، قد يتمكّن العاملون في هذه الوظائف من توفير يوم عمل أسبوعيّاً بفضل استخدامهم الفعّال للتّقنيات الجديدة.

من بين 34 تقنيةً تم تحليلها، تُعدّ روبوتات المحادثة القائمة على النّماذج اللّغوية الضّخمة وتقنيات الأتمتة الروبوتية الأكثر قدرةً على تبسيط المهامّ؛ فبينما تتعامل LLMs مع المحادثات المعقّدة بطريقةٍ تشبه البشر، تؤتمت RPA العمليّات المتكرّرة المعتمدة على القواعد. على سبيل المثال، يمكن لمبرمجي الحاسوب توفير حتّى 7.7 ساعاتٍ أسبوعيّاً من خلال أتمتة مهام البرمجة الرّوتينيّة والتّحديثات، في حين يمكن لمهندسي الشّبكات المعماريّة توفير 8.8 ساعاتٍ عبر أتمتة صيانة الأنظمة والنّسخ الاحتياطيّ.

إعادة تعريف الوظائف

في حين تُغيّر الأتمتة طريقة تنفيذ المهامّ، فإنّها لا تلغي الحاجة إلى التّدخّل البشريّ، إذ تبقى الأنشطة التّعاونيّة -مثل: حلّ المشكلات، والإرشاد، والتّخطيط- ضروريّةً بطبيعتها، وما يتغيّر هو مكان إنفاق الوقت. على سبيل المثال:

  • سيقضي المبرمجون وقتاً أقلّ في كتابة الأكواد التّكراريّة، وسيركّزون أكثر على مراجعة الكود الّذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
  • قد يتحوّل مهندسو الشّبكات من صيانة الشّبكات إلى التّخطيط لتعزيز الأمن السيبراني.
  • سينتقل محللو الأنظمة من تقديم الدّعم الأساسيّ إلى تحسين العمليّات المتقدّمة والتّخطيط الاستراتيجيّ.
  • سيقوم مطوّرو أنظمة البرمجيّات بدورٍ أوسع يشمل التّصميم المعماريّ والتّعاون بين الفرق المختلفة.

توفّر هذه التحولات فرصةً لتعزيز الابتكار والمرونة، مع تعظيم الاستفادة من القدرات الحاليّة.

زيادة القدرة الإنتاجية دون تقليص الموظفين

واحدةٌ من أهمّ الرّؤى الّتي يقدّمها تقرير بيرسون هي أنّ الهدف ليس تقليص عدد الموظّفين، بل زيادة القدرة والإنتاجيّة للفِرَق الحاليّة. على سبيل المثال، يمكن لفريقٍ من 15 مهندساً ينفّذ حالياً 20 مشروعاً سنويّاً أن يضاعف هذا الرّقم ليصل إلى 40 مشروعاً بفضل الأتمتة وإعادة هيكلة سير العمل.

وفي منطقةٍ تشهد طلباً متزايداً على التّحوّل الرّقميّ مقابل عرضٍ محدودٍ من الكفاءات، تُعدّ هذه المقاربة حاسمةً؛ فالحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي تستثمر بشكلٍ كبيرٍ في التّكنولوجيا -بواقع 24.7 مليار دولارٍ أمريكيٍّ بحلول عام 2030- لكن إن استمرّت الشّركات في الاعتماد على استراتيجيّات التّوظيف التّقليديّة، فإنّها تواجه خطر الإخفاق. لذا، فإنّ تدريب وإعادة توظيف الموظفين الحاليّين هو الحلّ الأسرع والأذكى، ومن خلال إعادة تصميم الوظائف على مستوى المهامّ، ثم توفير تدريبٍ مخصّصٍ لتطوير المهارات في المجالات الحرجة، ممّا يحرّر قدراً هائلاً من القيمة داخل القوى العاملة الحاليّة.

فرصة إنتاجية هائلة

أشار تقريرٌ صادرٌ عن المنتدى الاقتصاديّ العالميّ إلى أنّ 59 من كلّ 100 موظّفٍ حول العالم سيحتاجون إلى التّدريب أو إعادة التّأهيل المهنيّ بحلول عام 2030. ومع ارتفاع تكلفة وتعقيد التّوظيف الخارجيّ، أصبحت جدوى الاستثمار في تطوير الكفاءات الدّاخليّة أقوى من أيّ وقتٍ مضى.

وفي الشرق الأوسط، يتردّد هذا الشّعور بوضوحٍ، إذ كشف استطلاع "الآمال والمخاوف لدى القوى العاملة في الشرق الأوسط" الّذي أجرته PwC أنّ 63% من الموظّفين يتوقعّون أن تؤثر تقنياتٌ -مثل:الذكاء الاصطناعي والرّوبوتات والأتمتة- على وظائفهم خلال السّنوات الثّلاث القادمة؛ فالنّاس يدركون أنّ التّغيير قادمٌ، وهم فقط بحاجةٍ إلى الدّعم للاستعداد له.

إن تطوير مهارات الموظفين الحاليّين لا يسدّ فقط فجوة المواهب، بل يعزّز أيضاً الرّوح المعنويّة، والاحتفاظ بالكفاءات، والقدرة على التّكيّف. كما أنه يمكّن الشّركات من تحقيق أهدافها الرّقميّة الطّموحة ويقلّل من مقاومة التّغيير.

توصيات عملية

لمعالجة النّقص في المواهب التّقنية، يجب على الشّركات إعادة التّفكير في هيكلة الوظائف، وأتمتة المهامّ المتكرّرة، والاستثمار الجادّ في مبادرات إعادة التّأهيل المهنيّ. كما أنّ من الضّروري تطبيق تخطيطٍ استراتيجيٍّ للقوى العاملة، وبناء ثقافةٍ حيث يصبح التّعلّم المستمرّ جزءاً من الحياة المهنيّة. ومن خلال ذلك، يمكن للمؤسّسات الاستفادة من المواهب المتاحة لديها، وتكوين فرق عملٍ جاهزةٍ للمستقبل دون التّكاليف والتّأخيرات المرتبطة بالتّوظيف الخارجيّ.

ومنذ عام 2017، أصدرت بيرسون أكثر من مليون شارة تعلّمٍ مرتبطةٍ بالذكاء الاصطناعي. وللشّركات الّتي تسعى لفهم مستقبل العمل -خاصّةً في منطقة الشرق الأوسط الّتي تشهد تحوّلاً سريعاً- فإنّ هذه الرّسالة واضحةٌ: حلّ مشكلة نقص المواهب التّقنية قد يكون موجوداً بالفعل داخل المؤسّسة. ويُظهر تقرير آفاق المهارات أنّه من خلال الاستراتيجيّة الصّحيحة، يمكن للشّركات إعادة تخيّل الوظائف، وتحرير الإنتاجيّة، وتمكين الفِرَق من التألّق في عالمٍ تقوده التكنولوجيا.

حول الكاتب

مستقبل التقنية في الشرق الأوسط مهدّد بنقص الكفاءات الرقمية!

أوليفر لاثام، المدير الإقليميّ للمبيعات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بشركة "بيرسون" (Pearson)، الشّركة الرّائدة عالميّاً في مجال التّعليم.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: