شراكة DHL مع AJEX: خطوة استراتيجية تعيد رسم لوجستيات السعودية
حين تتقاطع الرّؤية المحليّة مع الخبرة العالميّة، تولد شراكاتٌ استراتيجيّةٌ تُعيد رسم ملامح قطّاع الخدمات اللّوجستيّة وتدفع التّجارة الإلكترونيّة إلى آفاقٍ أوسع

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
أتمّت "دي إتش إل إي-كوميرس" (DHL eCommerce)، الذّراع المتخصّصة في الخدمات اللّوجستيّة للتّجارة الإلكترونيّة التّابعة لمجموعة دي إتش إل العالميّة، استحواذها على حصّةٍ أقليّةٍ في شركة "ايجكس للخدمات اللوجستية" (AJEX Logistics Services)، وهي شركةٌ سعوديّةٌ مقرّها الرياض مملوكة لمجموعة "عجلان وإخوانه" القابضة.
تمثّل هذه الصّفقة دخولاً رسميّاً لـ "دي إتش إل" إلى سوق الطّرود سريع النّموّ في المملكة العربيّة السّعوديّة، في الوقت الّذي تدعم فيه خطط "ايجكس" للتّوسّع في أسواق الشّرق الأوسط. وتسعى الشّركتان معاً إلى الاستفادة من النّموّ المزدوج الرّقم المتوقّع لقطّاع التجارة الإلكترونية في المملكة، باعتباره ركناً محوريّاً من "رؤية السعودية 2030".
تأسّست "ايجكس" عام 2021 عبر شراكةٍ بين مجموعة "عجلان وإخوانه" وشركة "إس إف إكسبريس" الصّينيّة للخدمات اللّوجستيّة، وتدير اليوم أكثر من 60 منشأةً، وتملك أسطولاً يضمّ 1,200 مركبةٍ، ويعمل بها نحو 2,000 موظّفٍ في مختلف أنحاء المنطقة. في المقابل، تختصّ "دي إتش إل إي-كوميرس" في الخدمات اللّوجستيّة للطرود محليّاً وعبر الحدود، بما يشمل الشّحن والتّسليم والإرجاع، إضافةً إلى حلولٍ تقنيّةٍ متقدّمةٍ موجّهةٍ للشّركات ذات أحجام الشّحن الكبيرة. وبموجب الاتفاقيّة، ستنال "دي إتش إل إي-كوميرس" تمثيلاً في مجلس إدارة "ايجكس"، مع خيار رفع حصّتها مستقبلاً إلى أغلبيّةٍ.
وفي مقابلةٍ مع "عربية .Inc"، قال بابلو سيانو، الرّئيس التّنفيذيّ لـ "دي إتش إل إي-كوميرس"، إنّ الاستحواذ يعكس حجم الفرص المتاحة في السعودية. وأضاف: "نرى فرصاً كبيرةً في سوق الخدمات اللّوجستيّة للتّجارة الإلكترونيّة بالمملكة، خصوصاً مع النّموّ السّريع للتّسوق عبر الإنترنت والإطار التّنظيميّ الدّاعم الّذي أرسَته رؤية السعودية 2030. الطّلب المتزايد من المستهلكين على خدمات تسليمٍ سريعةٍ وموثوقةٍ يضع "دي إتش إل" في موقعٍ متميّزٍ لتوسيع عمليّاتها وتعزيز حضورها في السّوق. كما أنّ الموقع الجغرافيّ الاستراتيجيّ للمملكة عند ملتقى أوروبا وآسيا وأفريقيا يجعلها مركزاً لوجستيّاً مثاليّاً".
وأشار سيانو إلى أنّ اختيار الشّريك المحليّ المناسب كان أمراً حاسماً لتحقيق طموحات "دي إتش إل" في المملكة، قائلاً: "برزت ايجكس كشريكٍ مثاليٍّ بفضل نهجها المبتكر في خدمات التّوصيل للمرحلة الأخيرة، والتزامها بالاعتماد على التّكنولوجيا لرفع كفاءة التّشغيل. إنّ فهمهم الدّيناميكيّة المحليّة واحتياجات العملاء يتماشى تماماً مع استراتيجيّة دي إتش إل الهادفة إلى تعزيز جودة الخدمات عبر الابتكار. لا تكمّل هذه الشّراكة قدراتنا فحسب، بل تدعم استراتيجيّتنا للتّوسّع الإقليميّ من خلال الاستفادة من خبرات ايجكس وبنيتها التّحتيّة".
من منظور "ايجكس"، تمثل هذه الشراكة فصلاً جديداً في مسيرة نمو الشركة. إذ أكد محمد البياتي، الرئيس التنفيذي لـ "ايجكس"، أن التعاون كان دائماً ركيزة لنجاح الشركة منذ تأسيسها: "منذ انطلاقنا عام 2021، شكّلت الشراكات حجر الأساس لنمونا. ففي غضون سنوات قليلة، نجحنا في التوسع إلى أكثر من 60 منشأة، وبناء أسطول يضم 1,200 مركبة، وفريق يضم 2,000 موظف في أنحاء الشرق الأوسط. وقد ساعدتنا التحالفات الاستراتيجية في إطلاق منتجات وخدمات جديدة، وتطوير حلول مبتكرة، إلى جانب الاستثمار في تطوير كوادرنا. واليوم يمثل انضمام دي إتش إل إي-كوميرس إلينا قفزة جديدة في هذه الرحلة".
ورغم أنّ استثمار "دي إتش إل" يعد محطة بارزة في مسيرة "ايجكس"، إلّا أن البياتي شدّد على أنّ القيمة الحقيقيّة تكمن في كيفيّة بناء هذه التّحالفات: "أفضل الشّراكات هي تلك الّتي تُبنى على قيمٍ مشتركةٍ وغايةٍ استراتيجيّةٍ واضحةٍ؛ فالهدف لا ينبغي أن يكون الاستثمار لذاته، بل إيجاد الشّريك المناسب الّذي يضيف قدرات مكمّلةً ويشارك رؤيةً طويلة المدى. في السعودية ودول مجلس التّعاون الخليجيّ، نحن نعيش لحظة تحوّلٍ ستحدّد فيها الشّراكات ملامح مرحلة النّموّ المقبلة، خاصّةً في قطّاع الخدمات اللّوجستيّة. ومع تسارع وتيرة التّطوّر التّكنولوجيّ، وارتفاع توقّعات العملاء، وتزايد حدّة المنافسة، لم يعد العمل الفرديّ خياراً إذا أرادت الشّركات الحفاظ على ميّزةٍ تنافسيّةٍ".
كما أبرز البياتي كيف تعزّز الشّراكة مع "دي إتش إل" من التزام "ايجكس" بمهمّتها المستلهمة من "رؤية 2030"، قائلاً: "بصفتنا شركةً سعوديّة النشأة مستوحاةً من رؤية 2030، لطالما كانت طموحاتنا تتمثّل في تقديم حلولٍ لوجستيّةٍ استثنائيّةٍ تربط المملكة والشرق الأوسط بالعالم. ومن خلال الجمع بين خبرة ايجكس المحليّة، وجذورها العميقة في المنطقة، وبنيتها التّشغيليّة القويّة، مع شبكة دي إتش إل العالميّة وتقنياتها المتقدّمة وخبرتها الممتدّة لعقودٍ في مجال التجارة الإلكترونية، فإنّ هذه الشّراكة تمنحنا الأفضل من العالمين".
ويتوقّع البياتي أن ترفع هذه الشّراكة مع "دي إتش إل" مستوى المنافسة في السّوق اللّوجستيّة السّعودية؛ فقال: "ما يميّز ايجكس ودي إتش إل هو القيم المشتركة القائمة على التّركيز على العملاء، والابتكار، والعمل الجماعيّ. ومع الطّفرة الّتي يشهدها قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة والشّرق الأوسط الأوسع، نحن هنا لنضع معايير جديدةً للكفاءة والموثوقيّة والتّميّز في الخدمة، بما يدعم القطّاعات عالية النّموّ ويغذي تطوير الصّناعة الأوسع بما يتماشى مع رؤية 2030. في هذا السّياق، تبقى السّرعة والتّكلفة عناصر مهمّةً، لكنّها لم تعد كافيةً للتّميّز في هذا السّوق. من اعتماد التّقنيات المتقدمة إلى تطوير ممارساتٍ أكثر استدامةً، ستتيح لنا شراكتنا الاستراتيجيّة مع دي إتش إل إي-كوميرس تلبية احتياجات العملاء المستقبليّة، لا الحاضرة فقط".
وبالنّظر إلى ما وراء صفقة "ايجكس"، تستعدّ "دي إتش إل" بالفعل لتوسيع حضورها الإقليميّ، حيث أشار سيانو قائلاً: "في إطار استراتيجيّتنا 2030 الهادفة إلى تسريع النّموّ المستدام، تستثمر مجموعة دي إتش إل نحو 500 مليون يورو في أسواقٍ عالية الإمكانات مثل السعودية. ونحن نستكشف بالفعل فرصاً إضافيّةً للاستثمار والاستحواذ في شركاتٍ محليّةٍ عبر المنطقة؛ فالتّعاون مع الكيانات المحليّة يعدّ أساسيّاً لفهم خصوصيّات السّوق وتقديم حلولٍ لوجستيّةٍ مصمّمةٍ خصيصاً لتلبية تطلّعات العملاء".
شاهد أيضاً: شراكة بين G42 و Nvidia لتعزيز تكنولوجيا المناخ
ومن جانبه، يرى البياتي أنّ الشّراكات الاستراتيجيّة مثل التّحالف مع "دي إتش إل" تمثّل مفتاحاً ليس لنموّ الشّركة فقط، بل لإطلاق الإمكانات الأوسع لقطّاع الخدمات اللّوجستيّة في المنطقة. وقال: "تمنح التّحالفات الاستراتيجيّة الشّركات القدرة على التّوسّع بسرعةٍ، والوصول إلى قدراتٍ جديدةٍ، وخلق قيمةٍ لا تقتصر على أعمالها فقط، بل تمتدّ إلى الصّناعة والاقتصاد الوطنيّ. بالنّسبة لأيجكس، تعني الشّراكة مع دي إتش إل الجمع بين أفضل الممارسات العالميّة والخبرة المحليّة لفتح آفاقٍ جديدةً لعملائنا وموظّفينا والمنظومة اللّوجستيّة بأكملها".
وعند سؤاله عن الدّروس الّتي يمكن أن تستفيد منها الشّركات المحلية من صفقة "دي إتش إل – ايجكس"، أوضح سيانو أنّ ما يهم أكثر هو التّركيز على الابتكار والتّكنولوجيا: "أنصح الشّركات المحليّة الرّاغبة في شراكاتٍ مع كياناتٍ عالميّةٍ مثل دي إتش إل بأن تجعل الابتكار واعتماد التّقنيات الحديثة محوراً رئيسيّاً، فهي عوامل أساسيّةً للتّميّز في قطّاع الخدمات اللّوجستيّة. كما أنّ الالتزام بالمعايير والممارسات الدّوليّة يعزّز من جاذبيّة الشّركات كشركاء. وأخيراً، فإنّ بناء علاقاتٍ قويّةٍ داخل القطّاع وإظهار التزامٍ حقيقيٍّ بحلولٍ تتمحور حول العملاء سيفتح الباب لمزيد من الفرص للشّراكة والاستثمار".