رهان جديد يهزّ أسهم Nvidia وPalantir وسط طفرة الذكاء الاصطناعي... ما القصة؟
تراجع أسهم كبرى شركات الذكاء الاصطناعي يعيد الجدل حول احتمال تشكّل فقاعةٍ جديدةٍ في الأسواق، وسط رهاناتٍ متزايدةٍ على هبوط القطّاع
تراجع هذا الصّباح سهمان من أبرز الشّركات العاملة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، هما: "إنفيديا" (Nvidia) و"" (بالانتير)، إذ انخفض سهم «إنفيديا» بأكثر من 2.2%، بينما هبط سهم «بالانتير» بما يزيد على 6%. وقد أثار هٰذا التراجع المتزامن موجةً جديدةً من التّساؤلات في الأوساط الماليّة، خصوصاً مع تزايد المخاوف من أنّ الطّفرة الحاضرة في قطاع الذّكاء الاصطناعيّ بدأت تتحوّل إلى فقّاعةٍ اقتصاديّةٍ تشابه تلك الّتي ضربت شركات الإنترنت في أواخر التّسعينيّات وبداية الألفيّة الجديدة.
وبينما تتصاعد هٰذه المخاوف في الأسواق، بدأ عددٌ متزايدٌ من المستثمرين يراهنون ضدّ أسهم الشّركات المستفيدة من طفرة الذّكاء الاصطناعيّ، خشية أن تكون الأسعار الحاليّة مبالغاً فيها. ومن أبرز هٰؤلاء المستثمرين مايكل بيري، الرّجل الّذي اشتهر عالميّاً بعد أن توقّع انهيار سوق العقارات الأميركيّ قبل أزمة عام 2008 وحقّق من ذٰلك أرباحاً طائلةً.
مايكل بيري يراهن ضد إنفيديا وبالانتير
حقّق بيري قبل الأزمة الماليّة العالميّة مكاسب ضخمةً حين راهن على سقوط سوق العقارات بعد أن لاحظ مؤشّرات الانهيار الّتي تجاهلها معظم المحلّلين آنذاك. وقد خلّدت قصّته في فيلم The Big Short الحائز على جائزة الأوسكار عام 2015، حيث جسّد الممثّل كريستيان بيل شخصيّته. ومنذ ذٰلك الحين، أصبح بيري مرجعاً معروفاً في عالم الاستثمار، إذ تتابع الأسواق تحرّكاته بدقّةٍ لما تحمله من إشاراتٍ قويّةٍ على اتّجاهات السّوق المستقبليّة.
وفي أحدث خطواته، كشف بيري عن رهانٍ جديدٍ ضدّ اثنتين من أكبر شركات الذّكاء الاصطناعيّ، Nvidia وPalantir. ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن وكالة بلومبيرغ (Bloomberg)، أظهرت تقارير شركته في بيانٍ تنظيميٍّ (13F) أنّها اشترت عقود خيار بيعٍ (Put Options) على أسهم الشّركتين، وهو ما يعني أنّه يراهن على انخفاض قيمتها خلال الفترة المقبلة. ولم يكن هٰذا التّحرّك مفاجئاً تماماً، إذ نشر بيري قبل أيّامٍ قليلةٍ من ذٰلك، تغريدةً غامضةً على منصّة X (تويتر سابقاً) قال فيها: "في بعض الأحيان نُدرك ظهور الفقاعات، وأحياناً نستطيع التّدخّل لكبحها، لكن أحياناً أخرى يكون الخيار الأذكى هو البقاء على الهامش".
وأرفق التّغريدة بصورةٍ لشخصيّته في فيلم The Big Short، في إشارةٍ رمزيّةٍ إلى أنّه يرى تشابهاً بين فقّاعة العقارات السّابقة والطّفرة الحاليّة في قطاع الذّكاء الاصطناعيّ. وقد أثارت هٰذه الخطوة ردود فعلٍ واسعةً في عالم الأعمال، إذ علّق ألكس كارب، الرّئيس التّنفيذيّ لشركة Palantir، خلال مقابلةٍ مع شبكة CNBC، قائلاً: "إنّ الشّركات الّتي يراهن بيري ضدّها هي نفسها الّتي تحقّق الأرباح فعلاً"، وأضاف أنّ "فكرة المراهنة ضدّ شركات الرّقائق والبرمجيّات أمرٌ غير منطقيٍّ على الإطلاق". ومع ذٰلك، لا يمكن تجاهل أنّ كثيرين اعتبروا بيري مجنوناً أيضاً حين راهن ضدّ السّوق العقاريّ قبل عام 2008، قبل أن يثبت التّاريخ دقّته.
هل نعيش فقاعة ذكاء اصطناعي جديدة؟
تأتي تحرّكات بيري في وقتٍ يتزايد فيه القلق من أنّ الاستثمارات الهائلة في قطاع الذّكاء الاصطناعيّ قد تجاوزت حدود الواقعيّة. فقد أظهر استطلاعٌ لبنك Bank of America في أكتوبر أنّ 54% من المستثمرين يرون أنّ أسهم الذّكاء الاصطناعيّ باتت داخل فقّاعةٍ حقيقيّةٍ. ورغم هٰذه التّحذيرات، لا تزال الشّركات الكبرى في المجال تحافظ على قيمٍ سوقيّةٍ ضخمةٍ، تعبّر عن الاستمرار في الحماس تجاه مستقبل التّقنيّة. وعلى الرّغم من الانعكاس السّلبيّ الحاليّ، يبقى هٰذا التّراجع طفيفاً مقارنةً بالارتفاعات القياسيّة الّتي حقّقتها هٰذه الأسهم خلال العامين الأخيرين. فمنذ بداية عام 2025، ارتفع سهم Nvidia بأكثر من 50%، في حين قفز سهم Palantir بأكثر من 150%. وعلى مدى الاثني عشر شهراً الماضية فقط، زادت قيمة سهم إنفيديا بـ 48%، بينما حقّق سهم بالانتير ارتفاعاً مذهلاً تجاوز 350%.
وتأتي هٰذه الأرقام بعد إعلان Palantir عن نتائج ماليّةٍ قويّةٍ للرّبع الثّالث من العام، أظهرت زيادةً في الإيرادات بـ 63% مقارنةً بالفترة نفسها من العام السّابق، ممّا جعلها ضمن أسرع الشّركات نموّاً في عام 2025. ومع ذٰلك، يرى بعض المستثمرين أنّ هٰذا النّموّ قد يكون مبالغاً فيه، وأنّ القطاع يمرّ بمرحلة «حماسٍ مفرطٍ» قد تنتهي بتصحيحٍ قاسٍ في الأسعار.
في الختام: وبينما يواصل مايكل بيري رهاناته الجريئة ضدّ عمالقة الذّكاء الاصطناعيّ، يرى محلّلون آخرون أنّ Nvidia وPalantir تمثّلان مستقبل التّقنيّة، وأنّ المقارنة بين طفرة الذّكاء الاصطناعيّ الحاليّة وفقّاعة الإنترنت القديمة غير دقيقةٍ تماماً، نظراً لاختلاف السّياقين الاقتصاديّ والتّقنيّ. ومع ذٰلك، تبقى الأسئلة معلّقةً: هل ما نشهده اليوم مجرّد تصحيحٍ مؤقّتٍ في الأسعار؟ أم أنّنا نقف على أعتاب فقّاعة ذكاء اصطناعيٍّ جديدةٍ قد تزعزع الأسواق العالميّة من جديدٍ؟
ومهما يكن الجواب، فإنّ ما يحدث في الأسواق اليوم يؤكّد أنّ الثّقة في الذّكاء الاصطناعيّ باتت تجمع بين الإعجاب والقلق، وأنّ كلّ رهانٍ كبيرٍ يحمل في طيّاته مغامرةً لا تقلّ خطورةً عن تلك الّتي خاضها مايكل بيري قبل أكثر من عقدين.