الذكاء الاصطناعي لا يسرق الوظائف: دراسة من جامعة ييل تطمئن العالم!
في زمنٍ تتسارع فيه مخاوف البطالة التّقنيّة، تكشف دراسةٌ جديدةٌ أنّ الذكاء الاصطناعي لم يسرق الوظائف بعد، وأنّ سوق العمل ما زال يحافظ على توازنه ومرونته

أخيراً... خبر مطمئن في زمن الذكاء الاصطناعي.
في الأشهر الماضية، امتلأت العناوين بالأخبار المقلقة حول الذكاء الاصطناعي. تقاريرٌ تتحدّث عن جيلٍ شابٍّ يُحرم من فرص العمل، وتحذيراتٌ من قادة التكنولوجيا بأنّ المستقبل الوظيفيّ للبشر في خطر؛ فقد ذهب الرّئيس التّنفيذيّ لشركة "أنثروبيك" (Anthropic) داريو أمودي إلى حدّ القول إنّ الذكاء الاصطناعي قد يُلغي أكثر من نصف الوظائف الإداريّة للمبتدئين، بينما حذّر أحد روّاد الذكاء الاصطناعي، "يوشوا بنجيو" (Yoshua Bengio)، من أنّ هذه التّقنية قد تؤدّي حتّى إلى انقراض البشر.
لكن وسط هذا السّيل من التّشاؤم، يطلّ خبرٌ يحمل شيئاً من الأمل. فقد كشف بحثٌ جديدٌ أعدّه خبراء اقتصاد من "مختبر ميزانيّة جامعة ييل" (Yale University Budget Lab) و"مؤسسة بروكينغز" (Brookings Institution) المرموقة، أنّ كلّ هذا الهلع سابقٌ لأوانه، وأنّه لا توجد حتّى الآن مؤشّراتٍ حقيقيّةً تدلّ على أنّ الذكاء الاصطناعي يهدّد فرص العمل أو يطيح بالوظائف.
شاهد أيضاً: هل سيقضي الذكاء الاصطناعي على الوظائف؟
يقول التّقرير: "صحيحٌ أنّ تركيبة الوظائف تتغيّر بوتيرةٍ أسرع ممّا كانت عليه في الماضي، لكنّها ليست طفرةً ضخمةً، كما أنّ هذا التّغيّر بدأ حتّى قبل الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في سوق العمل". ويضيف: "حتّى الآن، لا تظهر أيّ علاقةٍ واضحةٍ بين مؤشّرات الأتمتة أو التّعرّض للتّقنيات الجديدة وبين نسب التّوظيف أو البطالة".
ويرصد التّقرير تحوّلات سوق العمل منذ ظهور "شات جي بي تي" (ChatGPT) التّابع لشركة "أوبن أيه آي" (OpenAI) قبل نحو 33 شهراً. وخلال هذه الفترة، لم تُظهر البيانات أيّ اضطراباتٍ كبيرةٍ. ويؤكّد الباحثون أنّ هذا ليس مفاجئاً على الإطلاق، إذ تُظهر التّجربة التّاريخيّة أن التّحوّلات التّكنولوجية الكبرى تحتاج عقوداً لتترك أثرها الحقيقيّ، ليس شهوراً أو سنواتٍ.
وقد جاء في التّقرير: "لم تصبح الحواسيب جزءاً أساسيّاً من المكاتب إلّا بعد نحو عقدٍ من إطلاقها، واستغرق الأمر وقتاً أطول لتغيّر أنماط العمل فعلاً. لذلك، حتّى لو كان الذكاء الاصطناعي سيترك أثراً مماثلاً أو أكبر، من المنطقي أن نتوقّع أن تستغرق نتائجه سنواتٍ طويلةً لتظهر بوضوحٍ".
أمّا عن الادّعاءات بأن الذكاء الاصطناعي هو السّبب في معاناة الخريجين الجدد في العثور على وظائف، فتقول الدراسة إنّ البيانات لا تدعم هذا الرّأي؛ فصحيحٌ أنّ من تخرجوا حديثاً يواجهون صعوبةً أكبر قليلاً في دخول سوق العمل مقارنةً بنظرائهم الأكبر سنّاً، إلّا أنّ الفارق ليس كبيراً كما يُفترض لو كانت التّكنولوجيا هي السّبب. ويرى الباحثون أنّ التّحديات تعود في الغالب إلى تباطؤ سوق العمل نفسه، لا إلى الذكاء الاصطناعي.
ومن المثير أيضاً أنّ القطّاعات التي يُفترض أنها الأكثر عرضة للتّأثر -كالإدارات المكتبيّة، والدّعم الإداريّ، ووظائف التّقنية والرّياضيّات- لم تشهد سوى تغيّيراتٍ طفيفةٍ، بل وحتى المهن في الإدارة والمبيعات ما زالت محافظةً على استقرارها إلى حدٍّ كبيرٍ.
مع ذلك، لا تنفي الدّراسة أنّ الذكاء الاصطناعي قد يكون له أثرٌ أعمق في المستقبل، تماماً كما حدث مع موجات التّكنولوجيا السّابقة، ولكنّها تؤكّد أنّ الوقت لا يزال مبكّراً للحكم. ولهذا يعتزم الباحثون في "جامعة ييل" (Yale University) و"مؤسسة بروكينغز" (Brookings Institution) تحديث بياناتهم شهريّاً لمتابعة أيّ مؤشّراتٍ جديدةٍ على اضطراب محتملٍ في سوق العمل.
ويختتم التّقرير بالقول: "رغم القلق المتزايد من تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، تُظهر بياناتنا أنّ هذه المخاوف لا تزال في نطاق التّكهّن؛ فالصّورة الحاليّة تعكس سوق عملٍ مستقرّةً إلى حدٍّ بعيدٍ، لا مشهداً من الفوضى. وقد يكون الذكاء الاصطناعي التّوليديّ واحداً من أكثر التّقنيات تحوّلاً في التّاريخ، لكن من المبكّر الجزم بمدى عمق تأثيره على الوظائف البشريّة".
هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.