الرئيسية الريادة من الحماية إلى التمكين: هكذا نصنع جيلاً يقود بثقة

من الحماية إلى التمكين: هكذا نصنع جيلاً يقود بثقة

لا يولد القادة في حضن الرّاحة، بل في ميادين التّجربة؛ فكلّ خطوةٍ مستقلّةٍ يخطوها الطّفل تُعلّمه الثّقة الّتي لا تمنحها أيّ نصيحةٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

الجميع قائدٌ على طريقته. أحياناً يتجلّى ذلك في صورةٍ رسميّةٍ واضحة، كصاحب عملٍ صغيرٍ، أو مديرٍ، أو والدٍ (حتّى وإن لم نرَ في الأبوّة نوعاً من القيادة، فهي كذلك في جوهرها). وأحياناً يتجلّى في صورٍ غير رسميّةٍ، كأن تمدّ يدك لتوجيه الآخرين، أو تدعم من يواجه صعوبةً، أو ترفع صوتك بالحقيقة حين يختار الآخرون الصّمت.

تتبدّل الأدوار والظّروف تتغيّر، لكن الحقيقة تبقى واحدةً؛ فكلّ إنسانٍ يقود، بدرجةٍ أو بأخرى. فكيف نساعد أبناءنا ليصبحوا قادةً أفضل، اليوم وغداً؟ يبدأ الجواب من مكانٍ بسيط: منحهم مساحةً أوسع من الاستقلال والاعتماد على الذّات.

ففي دراسةٍ نُشرت في مجلة "علم النفس التطبيقي" (Journal of Applied Psychology)، قيّم باحثون مهارات القيادة لدى 1500 طالبٍ في المرحلة المتوسّطة، فرصدوا من يتولّى منهم أدواراً قياديّةً في بيئته، ودرسوا مدى ثقته بنفسه واستعداده لتحمّل المسؤوليّة، كما استطلعوا آراء الأقران والمعلّمين والأهل في ما إذا كان يُنظر إلى هؤلاء كقادةٍ فعلاً.

ثم طُلب من المشاركين أن يقيّموا عباراتٍ مثل: «غالباً ما كان والداي يتدخّلان لحلّ مشكلاتي اليومية» و«نشأتُ في بيئةٍ يراقب فيها والداي كلّ تحرّكاتي». وكانت النّتيجة واضحةً: الأبناء الّذين نشأوا في ظلّ رقابةٍ مفرطةٍ كانوا أقلّ استعداداً لتولّي القيادة، وأقلّ ثقةً في قدراتهم، كما رأى الآخرون فيهم مؤهّلاتٍ قياديةً أقلّ. وهكذا تشكّلت دائرةٌ مغلقةٌ قاسيةٌ؛ فحين يراك الآخرون على هذا النّحو، تبدأ أنت بتصديق الصّورة ذاتها، ويتحوّل الإدراك إلى واقعٍ يقيّد السّلوك.

ونُشرت دراسةٌ أخرى في "مجلة التقدّم التربوي" (Progres Pendidikan) كشفت أن نحو ثلثي الأطفال الّذين تربّوا في بيئةٍ مفرطة الحماية يواجهون صعوبةً في مواجهة التّحدّيات، أو خوض المخاطر، أو تطوير مهاراتهم الاجتماعيّة، وهم أكثر عرضةً لانخفاض تقدير الذّات، ممّا يجعلهم أقلّ ميلاً لطلب أدوارٍ قياديّةٍ مستقبلاً.

وفي المقابل، تشير الأبحاث إلى أن الفرق تميل إلى اختيار من يبدو كاريزمياً، منفتحاً، واثقاً بنفسه؛ حتّى وإن لم تكن هذه الصّفات مؤشّراً حقيقيّاً على الكفاءة القياديّة. أمّا من يُنظر إليهم كخجولين أو أقلّ ثقةً، فهم غالباً يُستبعَدون من القيادة، رغم أنّهم قد يبدعون فيها لو أُتيحت لهم الفرصة. وعند جمع هذه النّتائج معاً، نرى أن أبناء الآباء المفرطي الحماية لا يطلبون القيادة، ولا يُختارون لها؛ فيفقدون بذلك فرص التّعلّم والنّموّ الّتي تصنع القادة الحقيقيّين.

الأبناء الذين اعتادوا أن تُحلّ مشاكلهم عنهم، وأن تُدار حياتهم بالتّفويض لا بالتّجربة، يدخلون عالم الكبار بأدواتٍ ناقصةٍ: لا يمتلكون مرونة القرار، ولا ثقة الاستقلال، ولا حسّ المسؤوليّة الذّاتيّة. وكيف لقادرٍ بالكاد على قيادة نفسه أن يطمح إلى قيادة الآخرين؟

لا يقتصر الأمر على تربية الأبناء، بل يمتدّ إلى إدارة فرق العمل؛ فالقائد الذي يفرط في الإشراف، ويغرق في التّفاصيل، يخنق روح المبادرة لدى موظّفيه. وعندما يسارع إلى التّدخّل في كلّ مشكلةٍ صغيرةٍ، يحرمهم من فرصة التّعلّم، ويقيّد قدرتهم على الإبداع. وإذا كان موظفوك يوافقون على عباراتٍ مثل «مديري يتدخّل دوماً لحلّ مشكلاتي» أو «مديري يوجّه كلّ خطوةٍ أقوم بها»، فربّما تمارس نوعاً من القيادة المفرطة الحماية.

صحيحٌ أن هذا الأسلوب قد يتيح حلّ بعض المشكلات بسرعةٍ أكبر، وقد يضمن تنفيذ العمل على طريقتك الدّقيقة، لكنّه في المقابل يقتل الفرصة الأثمن: أن ينضج موظّفوك عبر التّجربة؛ فهم يفقدون حقّهم في الخطأ والتّعلّم، وفي اتّخاذ القرار وتحمل مسؤوليّته، وفي إلهام الآخرين بالثّقة والمبادرة.

باختصار، تحرمهم من أن يصبحوا موظّفين أفضل وقادةً أفضل. لذلك، امنح أبناءك مساحةً للتّجربة، وامنح موظّفيك هامشاً للمحاولة. فبمرور الوقت، ستدرك كم كان هذا القرار صائباً. وسيدركون هم ذلك أيضاً.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: