الرئيسية الريادة من التحدّي إلى الإبداع: قوّة العقلية المعمّرة في العمل

من التحدّي إلى الإبداع: قوّة العقلية المعمّرة في العمل

حين يشيخ كلّ شيءٍ من حولنا إلّا الفضول، تزدهر العقلية المعمّر" كقوّةٍ هادئةٍ تحوّل الخبرة إلى ابتكار، والماضي إلى طاقةٍ نحو المستقبل

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في عالمٍ يتسارع فيه التّغيّر وتتبدّل فيه المهارات بوتيرةٍ غير مسبوقةٍ، تشتدّ الحاجة إلى نمطٍ جديدٍ من التّفكير يوازن بين التّجربة المتراكمة والانفتاح على التّجديد، ويجمع بين الحكمة والإبداع، وبين الماضي والمستقبل. ومن هنا، تتجلّى العقليّة المعمّرة كقوّةٍ ذهنيّةٍ محرّكةٍ للنّجاح في بيئات العمل الحديثة. فهي لا ترتبط بطول الخبرة أو العمر المهنيّ فحسب، بل تمثّل رؤيةً فكريّةً متكاملةً تقوم على الاستمراريّة في التّعلّم، والمرونة في مواجهة التّغيّر، والقدرة على تحويل الخبرة إلى مصدرٍ متجدّدٍ للابتكار. ومع تسارع التّحوّلات الرّقميّة وتغيّر أدوات العمل باستمرارٍ، تتحوّل هذه العقليّة إلى دعامةٍ أساسيّةٍ لبناء مؤسّساتٍ مرنةٍ وقادرةٍ على التّكيّف والبقاء في قلب المنافسة.

ما المقصود بالعقلية المعمرة في العمل؟

تشير العقليّة المعمّرة إلى نمطٍ ذهنيٍّ متوازنٍ يمزج بين الحكمة المتراكمة عبر التّجربة السّابقة والدّافع المستمرّ للتّعلّم والنّموّ؛ فهي لا تقتصر على فئةٍ عمريّةٍ معيّنةٍ، بل تشمل كلّ من يرى في التّغيّر فرصةً لا تهديداً، وفي التّعلّم وسيلةً دائمةً للتّرقّي والارتقاء. لذٰلك، لا ينظر صاحب هذه العقليّة إلى الزّمن كعبءٍ يثقله، بل كأداةٍ لتطوير ذاته وتجديد طاقته. كما يتعامل مع المعرفة باعتبارها تياراً متدفّقاً لا يتوقّف؛ فيحوّل كلّ تجربةٍ إلى مساحةٍ لتوسيع الأفق وإعادة اكتشاف القدرات.

وتنبع أهمّيّة هذه العقليّة من قدرتها على تحقيق توازنٍ دقيقٍ بين الثّبات والتّطوّر؛ فهي تحفظ جوهر التّجربة دون أن تتجمّد داخلها، وتستند إلى الماضي لا لتكراره بل لتجاوزه بخطوةٍ جديدةٍ نحو المستقبل. وبهذا، تتحوّل الخبرة من عبءٍ جامدٍ إلى منبعٍ دائمٍ للإبداع والنّموّ. [1]

كيف تحول العقلية المعمرة التحدي إلى إبداع؟

تمنح العقليّة المعمّرة أصحابها قدرةً مميّزةً على تحويل التّحدّيات إلى فرصٍ للإبداع، لأنّها لا ترى في الصّعوبات نهاية الطّريق، بل بدايةً لمسارٍ جديدٍ نحو التّجديد. فعندما تواجه فرق العمل أزمةً أو عائقاً غير متوقّعٍ، لا تندفع هذه العقليّة نحو الخوف أو الارتباك، بل تبدأ بتحليل الموقف بهدوءٍ واتّزانٍ، معتمدةً على تراكم التّجربات السّابقة من جهةٍ، وعلى استخدام أدواتٍ حديثةٍ في التّفكير والتّحليل من جهةٍ أخرى. وهكذا، يتحوّل العائق إلى فرصةٍ لتوليد فكرةٍ مبتكرةٍ تسهم في تجاوز الأزمة وتطوير أسلوب العمل في الوقت نفسه.

وتتميّز هذه العقليّة بقدرتها على الجمع بين جذور الماضي ورؤية المستقبل. فهي تستفيد من دروس الخبرة دون أن تقيّد نفسها بها، وتتعامل مع التّقنيّات الجديدة بانفتاحٍ وثقةٍ لا بخوفٍ وتردّدٍ. لذٰلك، حين يواجه القائد أو الموظّف تحدّياً مهنيّاً – سواءٌ كان أزمةً تنظيميّةً أو تحوّلاً رقميّاً شاملاً – لا يستسلم للضّغط، بل يوظّف معارفه السّابقة ويضيف إليها إبداعه الشّخصيّ ليبتكر حلولاً واقعيّةً ومواكبةً للعصر. وبهذا، يتحوّل التّحدّي من اختبارٍ للقدرة إلى محفّزٍ للإبداع والتّجديد.

ولا تتجلّى العقليّة المعمّرة في التّصدّي للمشكلات فحسب، بل في طريقة التّعلّم منها أيضاً. فبدلاً من الوقوع في فخّ التّكرار، يعيد أصحابها صياغة التّجارب السّابقة بما يتلاءم مع المتغيّرات الرّاهنة. إنّهم يدركون أنّ كلّ أزمةٍ تحمل في طيّاتها فرصةً خفيّةً للنّموّ، وأنّ الصّبر والتّأمّل أحياناً أكثر فاعليّةً من الاندفاع وردود الفعل السّريعة. ومن هنا، تتحوّل المشكلات من عراقيل تعيق التّقدّم إلى أدواتٍ تصقل الفكر وتوسّع المدارك.

وبينما تتمسّك العقليّات التّقليديّة بما اعتادت عليه، تميل العقليّة المعمّرة إلى اختبار الجديد واستكشاف المجهول بثقةٍ وشغفٍ. فهي تدرك أنّ الإبداع لا يولد من التّكرار، بل من الجرأة على الخروج من المألوف. ولذٰلك، يظهر أصحاب هذه العقليّة أكثر قدرةً على التّكيّف في فترات التّغيير المؤسّسيّ أو التّحوّل المهنيّ، لأنّهم لا يقاومون المجهول، بل يحوّلونه إلى مساحةٍ للتّجربة والتّعلّم والابتكار.

كيف تسهم العقلية المعمرة في مواجهة الشيخوخة المهنية؟

تواجه الكفاءات المهنيّة في كثيرٍ من القطاعات خطر ما يسمّى بالشّيخوخة المهنيّة، وهو التّراجع في الشّغف والقدرة على التّجديد بعد سنواتٍ طويلةٍ من العمل. وهنا تأتي العقليّة المعمّرة كخطّ الدّفاع الأوّل ضدّ هذا التّآكل المهنيّ، لأنّها تبقي جذوة التّعلّم مشتعلةً مهما طال الزّمن. فهي تجدّد الحافز الدّاخليّ من خلال التّطلّع الدّائم لاكتساب معرفةٍ جديدةٍ وتوسيع مجالات الخبرة، ممّا يضفي على العمل روحاً من الحيويّة والاستمراريّة.

ومن خلال اعتماد مبدإ التّعلّم مدى الحياة، تتحوّل الخبرة إلى طاقةٍ خلّاقةٍ بدلاً من أن تصبح عبئاً يثقل الكاهل؛ فالعامل الّذي يتبنّى هذا النّمط من التّفكير لا يكتفي بتكرار ما يعرفه، بل يسعى دوماً إلى تحسين أدائه وتطوير أسلوبه. وبهٰذا، يبقى قادراً على المنافسة حتّى في بيئاتٍ تتغيّر بسرعةٍ مذهلةٍ. كما يلهم الآخرين من حوله، فيتحوّل إلى نموذجٍ يحتذى به للأجيال الجديدة الّتي تبحث عن توازنٍ بين الخبرة والابتكار. [2]

الخاتمة

تكشف العقليّة المعمّرة عن مبدإٍ عميقٍ في فلسفة الإبداع المهنيّ، إذ تحوّل التّحدّيات إلى مساراتٍ للنّموّ، وتحوّل الخبرة إلى مصدرٍ دائمٍ للابتكار والتّطوّر. وفي زمنٍ تتبدّل فيه الأدوات وتتسارع فيه التّغييرات، لا يبقى في السّاحة سوى من يمتلك المرونة الذّهنيّة والرّغبة الصّادقة في التّعلّم؛ فالعقل الّذي يعمر بالفضول والانفتاح لا بالعمر وحده، هو الّذي يقود صاحبه إلى الإبداع الدّائم ويمنحه القدرة على التّكيّف مع كلّ مرحلةٍ جديدةٍ. ومن هنا، تصبح العقليّة المعمّرة ليست مجرّد سلوكٍ مهنيٍّ، بل فلسفة حياةٍ تصنع الفارق بين من يتجدّد مع الزّمن ومن يدع الزّمن يتجاوزه.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما دور العقلية المعمّرة في تطوير بيئة العمل؟
    تسهم العقلية المعمّرة في خلق بيئة عمل ديناميكية تشجع على التعاون والتعلم المستمر؛ فهي تدفع الموظفين لتبادل المعرفة وتوليد الأفكار الجديدة، ممّا يرفع مستوى الإبداع الجماعيّ. كما تساعد على بناء ثقافةٍ مؤسسيّةٍ مرنةٍ قادرةٍ على التّكيّف مع الأزمات والتّغيّرات المفاجئة في السّوق.
  2. كيف يمكن للقيادة تعزيز العقلية المعمّرة داخل الفريق؟
    تعزّز القيادة هذه العقليّة من خلال إتاحة فرص التّعلّم المستمرّ، وتشجيع التّفكير النّقديّ، والاحتفاء بالتّجارب حتى عند الفشل؛ فالقائد الّذي يمنح فريقه مساحةً للابتكار ويشجّع على التّجربة من دون خوفٍ، ويخلق بيئةً آمنةً للنّموّ العقليّ والمهنيّ.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: