الرئيسية التنمية مناصب بلا مهام… هل أنت عالق في وظيفة وهمية؟

مناصب بلا مهام… هل أنت عالق في وظيفة وهمية؟

حين تتسارع وتيرة التّغيير في أسواق العمل وتشتدّ المنافسة بين الأفراد والمؤسّسات، تتكشف مناصب براقة تخفي فراغاً وظيفيّاً بلا أثرٍ أو قيمةٍ حقيقيّةٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التّغيير داخل أسواق العمل، وتشتد فيه المنافسة بين الأفراد والمؤسّسات، برزت ظاهرةٌ غريبةٌ تُثير الكثير من التّساؤلات: "الوظائف الوهميّة". هذه المناصب الّتي تبدو في ظاهرها وجاهةً اجتماعيّةً واستقراراً ماليّاً، تخفي في جوهرها فراغاً وظيفيّاً لا يقدّم أيّ قيمةٍ حقيقيةٍ. فبينما يسعى البعض إلى إثبات الذّات عبر إنجازاتٍ ملموسةٍ، يجد آخرون أنفسهم عالقين في مواقع شكليةٍ لا تحمل مسؤولياتٍ واضحةٍ ولا تسهم في تحقيق أهداف المؤسّسة. وهنا يثور السّؤال: هل الوظيفة مجرد لقب يُزين بطاقة العمل؟ أم هي فعلٌ وإنتاجٌ يترك بصمةً في الاقتصاد والمجتمع؟

ما هي الوظائف الوهمية؟

يقصد بالوظائف الوهميّة تلك المناصب الّتي تستحدث داخل المؤسّسات دون وجود حاجةٍ فعليّةٍ لها، فتتحوّل إلى مجرّد ألقابٍ شكليّةٍ لا تتجاوز الورق. ويعيّن الموظّف حينها في موقعٍ إداريٍّ أو تنفيذيٍّ لكنّه لا يتلقّى مهامّاً واضحةً ولا يترك أيّ بصمةٍ في إنتاجيّة الشّركة. ومن هنا يختلف هٰذا النّوع عن البطالة المقنّعة، إذ يعمل الشّخص شكليّاً من غير أن يضيف قيمةً ملموسةً. علاوةً على ذٰلك، قد تتجسّد هٰذه الظّاهرة في صورٍ متعدّدةٍ، مثل مناصب استشاريّةٍ غير مفعّلةٍ، أو إداراتٍ خاليةٍ من المشاريع، أو أدوارٍ هامشيّةٍ أنشئت لمجرّد إرضاء هيكلٍ تنظيميٍّ متضخّمٍ أو تلبية مصالح شخصيّةٍ. [1]

كيف تكشف أنك عالق في وظيفة وهمية؟

يستطيع الموظّف أن يكشف وقوعه في وظيفةٍ وهميّةٍ عبر ملاحظة مجموعةٍ من المؤشّرات المتتابعة؛ فأوّل ما يظهر منها هو غياب المهامّ اليوميّة المحدّدة أو الأهداف القابلة للقياس، حيث يقضي الموظّف وقته في الانتظار أو تصفّح البريد الإلكترونيّ من دون أيّ عملٍ جوهريٍّ، فيتحوّل المنصب إلى مجرّد إطارٍ شكليٍّ.

وعلاوةً على ذٰلك، قد يكلّف الموظّف بمهامٍّ روتينيّةٍ سطحيّةٍ لا تضيف قيمةً، مثل نقل الملفّات أو حضور اجتماعاتٍ لا يطلب منه فيها أيّ رأيٍ أو قرارٍ، فيغدو دوره حضوراً جسديّاً فقط. ومن ناحيةٍ أخرى، يتّضح الأمر أكثر عندما يعمل الموظّف خارج أيّ خطّةٍ واضحةٍ، فلا يجد رابطاً بين جهده وأهداف المؤسّسة أو مشاريعها، ممّا يدلّ على انفصال المنصب عن دورة الإنتاج الفعليّة.

إضافةً إلى ذٰلك، يكشف الموظّف أنّه عالقٌ في وظيفةٍ غير حقيقيّةٍ عندما يلاحظ أنّ غيابه لا يؤثّر إطلاقاً على سير العمل، إذ تستمرّ المؤسّسة بالوتيرة نفسها سواء حضر أو تغيّب لفتراتٍ طويلةٍ. وفضلاً عن ذٰلك، يتجلّى الأمر في غياب مسارٍ للتّطوّر الوظيفيّ، حيث يبقى الموظّف لسنواتٍ في الموقع نفسه دون تغييرٍ في المسؤوليّات أو طلبٍ لمهاراتٍ إضافيّةٍ، فيتجمّد الدّور في حالةٍ شكليّةٍ.

ويتعزّز هٰذا الشّعور بوجود مؤشّراتٍ أخرى، منها الإحساس الدّائم بالملل وفقدان الحافز، أو استبعاده من المهامّ الاستراتيجيّة المهمّة في الوقت الّذي يكلّف فيه زملاؤه بأدوارٍ أساسيّةٍ. ونتيجةً لذٰلك يدرك الموظّف أنّ مشاعره ليست أوهاماً بل أدلّةٌ قويّةٌ على أنّ منصبه فارغٌ من المعنى. وعندما تجتمع هٰذه العلامات مجموعةً، يزداد احتمال أن يكون عالقاً في وظيفةٍ وهميّةٍ لا تمنحه ولا مؤسّسته أيّ قيمةٍ حقيقيّةٍ.

كيف تتعامل مع الوظائف الوهمية إذا علقت بها؟

إذا وجد الموظف نفسه عالقاً في منصبٍ بلا مهامٍ حقيقيةٍ، يمكنه اتباع مجموعةٍ من الخطوات العمليّة:

  • تقييم الوضع بصدقٍ: يبدأ الموظّف بمراجعة موقعه الوظيفي وتحديد ما إذا كان بالإمكان تحويل الدّور إلى وظيفةٍ منتجةٍ تضيف قيمةً حقيقيةً للمؤسّسة.
  • اقتراح مهامٍ جديدةٍ: إذا لاحظ الموظّف فرصةً لتطوير مهامٍ إضافيّةٍ، يمكنه المبادرة بتقديم مقترحاتٍ عمليّةٍ تعزز دوره وتربطه بأهداف المؤسّسة.
  • البحث عن بدائل عند انسداد الأفق: عندما يكون الوضع ميؤوساً منه ولا مجال لتحويل الدّور إلى وظيفةٍ حقيقيةٍ، من الأفضل التّفكير في فرصٍ جديدةٍ تتيح خبرةً ملموسةً ومهاراتٍ قابلةٍ للتّطوير.
  • استثمار الوقت في التّعلم والتّطوير: على الموظّف أن يستغل فترة وجوده في الوظّيفة الوهميّة لتعلم مهاراتٍ جديدةٍ أو متابعة دوراتٍ تدريبيةٍ تحافظ على قدرته التّنافسيّة في سوق العمل.
  • إدراك مخاطر الاستمرار: من المهم أن يعي الموظّف أنّ البقاء طويلاً في وظيفةٍ وهميّةٍ، رغم مظهرها المريح، قد يضر بمستقبله المهنيّ ويجعله أقل قدرةً على المنافسة في المستقبل.

هل يمكن القضاء على الوظائف الوهمية نهائياً؟

يصعب القضاء بشكلٍ كاملٍ على الوظائف الوهميّة، لأنّها ترتبط بعوامل سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ واقتصاديّةٍ معقّدةٍ، غير أنّ تقليصها يظلّ ممكناً عبر سياساتٍ صارمةٍ وممارساتٍ مؤسّسيّةٍ رشيدةٍ. فإذا ركّزت الحكومات على خلق وظائف حقيقيّةٍ في قطاعاتٍ إنتاجيّةٍ، واعتمدت الشّركات معايير موضوعيّةً للتّوظيف، فإنّ حجم هٰذه الظّاهرة سيتراجع تدريجيّاً. وفي السّياق ذاته، يلعب الأفراد دوراً جوهريّاً عندما يرفضون البقاء في مناصب شكليّةٍ ويسعون وراء خبراتٍ واقعيّةٍ.

ومع ذٰلك، يمكن تعزيز هٰذه الجهود من خلال إنشاء أنظمةٍ للرّقابة والتّقييم المستمرّ داخل المؤسّسات، تكشف الوظائف غير الفاعلة وتعيد توزيع الموارد بكفاءةٍ. كما ينبغي للحكومات أن تحدّث تشريعات العمل لمنع تضخّم الكوادر على حساب الإنتاجيّة، فضلاً عن الاستثمار في التّعليم والتّدريب لتأهيل الأجيال الجديدة للانتخاط في وظائف حقيقيّةٍ ذات قيمةٍ مضافةٍ. وكلّما تضافرت هٰذه العناصر، اقترب المجتمع من الحدّ من هٰذه الظّاهرة وبناء سوق عملٍ أكثر عدلاً وكفاءةً. [2]

الخاتمة

تكشف ظاهرة الوظائف الوهميّة عن مشكلةٍ هيكليّةٍ تضرب عمق سوق العمل الحديث. فهي لا تضرّ بالموظّف الّذي يفقد دافعه فحسب، بل ترهق المؤسّسة الّتي تستنفذ مواردها، وتضعف الاقتصاد الّذي يتراجع إنتاجه. ورغم أنّ هٰذه المناصب قد تبدو مريحةً على السّطح، إلّا أنّها في الواقع تقتل روح الإنجاز وتضعف المجتمع بأسره. ومن هنا يصبح لزاماً على الفرد أن يمتلك وعياً مبكّراً ليبتعد عن الوقوع في وظيفةٍ وهميّةٍ، وعلى المؤسّسات أن تتحلّى بالشّجاعة لإلغاء المناصب الشّكليّة، وعلى الاقتصاد أن يتبنّى إصلاحاتٍ تقلّل من التّوظيف الصّوريّ. وعند تحقّق ذٰلك فقط، يمكن بناء بيئة عملٍ أكثر عدالةً وإنتاجيّةً، تعيد للعمل مكانته الحقيقيّة كقيمةٍ مضافةٍ لا كديكورٍ إداريٍّ.

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل يمكن أن تتحول الوظيفة الوهمية إلى وظيفة حقيقية؟
    نعم، في بعض الحالات يمكن تحويل الوظيفة الوهمية إلى دورٍ حقيقيٍّ إذا بادر الموظّف باقتراح مهامٍّ عمليّةٍ مرتبطةٍ بأهداف المؤسّسة، أو إذا قرّرت الإدارة إعادة هيكلة الأقسام بما يخلق حاجةً فعليّةً للمنصب.
  2. كيف يحمي الموظف نفسه من الانجراف إلى وظيفة صورية؟
    يحمي الموظّف نفسه عبر تقييم مهامّهٍ بشكلٍ دوريٍّ، والسّعي لاكتساب مهاراتٍ جديدةٍ، والحرص على أن يكون عمله مرتبطاً بنتائج قابلةٍ للقياس. كما يجب أن يبحث دائماً عن فرص عملٍ تضيف خبرةً حقيقيّةً لقيمته المهنيّة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: