الرئيسية الريادة متلازمة الأرض اللزجة: لماذا تبقى النساء والأقليات عالقين في الوظائف الدنيا؟

متلازمة الأرض اللزجة: لماذا تبقى النساء والأقليات عالقين في الوظائف الدنيا؟

حين تترسّخ الحواجز الثّقافيّة والمؤسّسيّة منذ بداية المسار المهنيّ، تبقى النّساء والأقليّات في مواقع دنيا، وتبرز الحاجة إلى سياساتٍ ودعمٍ عمليٍّ لتحقيق العدالة والتّمكين

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تواجه أسواق العمل في مختلف أرجاء العالم ظاهرةً لافتةً تعرف باسم متلازمة الأرض اللّزجة، وهي حالةٌ تبقي النّساء والأقلّيّات عالقين في الوظائف الدّنيا أو في المراتب الإداريّة المتدنّية، رغم امتلاكهم الكفاءات والقدرات الّتي تؤهّلهم للتّرقّي. ويختلف هٰذا العائق الخفيّ عمّا هو معروفٌ بـ "السّقف الزّجاجيّ" الّذي يعيق الوصول إلى المناصب العليا؛ إذ تعمل الأرض اللّزجة كفخٍّ مبكّرٍ يعرقل الصّعود منذ الخطوات الأولى ويثبّت الأفراد في مواقع هامشيّةٍ. ومن هنا يبرز السّؤال الجوهريّ: لماذا تبقى هٰذه الفئات محصورةً في المراتب الدّنيا على الرّغم من تزايد المبادرات الرّامية إلى الإصلاح؟

معنى متلازمة الأرض اللزجة

يعرّف هٰذا المفهوم بأنّه شبكةٌ من القيود الهيكليّة والعوائق غير المرئيّة الّتي تعيق النّساء والأقلّيّات عن التّقدّم الوظيفيّ. وتشبه الأرض اللّزجة في تأثيرها مستنقعاً مهنيّاً يغرق الأفراد في مستوى معيّنٍ ويمنعهم من القفز إلى درجاتٍ أعلى. ولا تكمن المشكلة في نقص الكفاءة أو غياب المهارة، بل في تداخل عوامل ثقافيّةٍ ومؤسّسيّةٍ تنتج حاجزاً مستمرّاً يصعب تجاوزه. [1]

لماذا تبقى النساء والأقليات عالقين في الوظائف الدنيا؟

لا تنشأ هٰذه الظّاهرة من فراغٍ، بل ترسّخها مجموعةٌ من الأسباب المتشابكة الّتي تعمل معاً على إبقاء النّساء والأقلّيّات عالقين في المراتب الدّنيا داخل المؤسّسات.

التحيزات الثقافية والاجتماعية

تسهم الثّقافة المجتمعيّة في ترسيخ صورٍ نمطيّةٍ تحدّد أدوار النّساء والأقلّيّات مسبقاً؛ فينظر إلى المرأة بوصفها الأنسب لمهامّ الرّعاية أو الأعمال الرّوتينيّة، بينما يفترض أنّ الأقلّيّات تفتقر إلى القدرات القياديّة. فلا تبقى هٰذه التّحيّزات اللّاواعية مجرّد أفكارٍ، بل تتحوّل إلى قراراتٍ مؤسّسيّةٍ مثل حصر النّساء في أقسام الدّعم الإداريّ أو حصر الأقلّيّات في وظائف تشغيليّةٍ محدّدةٍ. وبمرور الوقت، يتراجع حضور هٰذه الفئات في المناصب الاستراتيجيّة الّتي تعدّ بوّابةً للتّرقّي.

غياب شبكات الدعم

يلعب الدّعم غير الرّسميّ دوراً محوريّاً في صعود الموظّفين داخل المؤسّسات، إذ تفتح العلاقات القويّة مع المديرين والمرشدين أبواباً للتّدريب والتّرقّي. غير أنّ النّساء والأقلّيّات غالباً ما يتركون خارج هٰذه الدّوائر بسبب ضعف اندماجهم فيها، ممّا يحرمهم من فرصٍ حاسمةٍ. وهٰكذا يتحوّل المسار المهنيّ إلى دائرةٍ مغلقةٍ تعيد إنتاج نفس المواقع المنخفضة جيلاً بعد جيلٍ.

سياسات الموارد البشرية غير العادلة

عندما تصاغ سياسات التّوظيف والتّرقّي دون مراعاةٍ للتّنوّع والمساواة، تعاد إنتاج الفوارق البنيويّة؛ ففي كثيرٍ من الأحيان، يمنح التّفضيل لمن يشبه الإدارة العليا في الخلفيّة أو الثّقافة أو حتّى النّوع الاجتماعيّ، بينما يقصى الآخرون إلى المهامّ المتكرّرة المنخفضة القيمة. هٰذا النّهج لا يضعف العدالة الوظيفيّة فحسب، بل يرسّخ الأرض اللّزجة باعتبارها وضعاً قائماً.

أعباء المسؤوليات العائلية

تتحمّل النّساء عبئاً مضاعفاً يتمثّل في الجمع بين التزامات العمل ورعاية الأسرة. فالمسؤوليّات المنزليّة مثل تربية الأطفال أو رعاية كبار السّنّ تحدّ من قدرتهنّ على قبول مهامٍّ إضافيّةٍ أو المشاركة في تدريباتٍ بعد ساعات الدّوام. نتيجةً لذٰلك، تتّسع الفجوة في الخبرات العمليّة مقارنةً بالرّجال الّذين لا يواجهون الضّغوط ذاتها، ما يؤدّي إلى بطءٍ في التّرقّي وتثبيتٍ في الوظائف الدّنيا. وهنا يظهر جليّاً كيف تصبح متلازمة الأرض اللّزجة انعكاساً مباشراً لاختلال التّوازن بين متطلّبات العمل والحياة الشّخصيّة.

الآثار السلبية لمتلازمة الأرض اللّزجة

لا تقتصر تداعيات هٰذه الظّاهرة على الأفراد وحدهم، بل تمتدّ لتصيب المؤسّسات والاقتصاد ككلٍّ: [2]

  • على المستوى الفرديّ: يعيش الموظّف حالةً من الإحباط والانسداد المهنيّ، فتضعف حافزيّته، وقد يفقد الرّغبة في تطوير نفسه أو يقرّر ترك العمل كلّيّاً. لتتحوّل هٰذه الخسارة الشّخصيّة مع الوقت إلى خسارةٍ مجتمعيّةٍ، لأنّ الكفاءات الّتي يمكن أن تقود الابتكار تهدر بلا جدوى.
  • على مستوى المؤسّسات: تخسر الشّركات مواهب قادرةً على الإبداع لأنّها تبقى محصورةً في أدوارٍ متدنّيةٍ. كما يضعف غياب التّنوّع في المناصب العليا من قدرة المؤسّسة على اتّخاذ قراراتٍ استراتيجيّةٍ مرنةٍ ومبتكرةٍ.
  • على المستوى الاقتصاديّ: يؤدّي تهميش النّساء والأقلّيّات إلى هدر الطّاقات الإنتاجيّة ويضعف النّموّ الشّامل. وقد أثبتت دراساتٌ دوليّةٌ أنّ الاقتصادات الّتي تحقّق تكافؤاً أكبر بين الفئات الاجتماعيّة تحقّق معدّلات نموٍّ أعلى واستقراراً أكبر على المدى الطّويل.

حلول عملية لتجاوز متلازمة الأرض اللزجة

ومع أنّ هٰذه المتلازمة تبدو راسخةً، إلّا أنّ الحلول موجودةٌ وقابلةٌ للتّنفيذ إذا توفّرت الإرادة المؤسّسيّة: [2]

  • تطبيق سياساتٍ شاملةٍ للتّنوّع والمساواة: حين تعتمد سياساتٌ واضحةٌ تكفل تكافؤ الفرص، يفتح الباب أمام الجميع للوصول إلى مستوياتٍ أعلى. وتعدّ برامج التّدريب الموجّهة للنّساء والأقلّيّات خطوةً فعّالةً لكسر الحواجز المهنيّة.
  • إنشاء شبكات دعمٍ وإرشادٍ: تسهم البرامج الإرشاديّة في ربط النّساء والأقلّيّات بالقيادات العليا، ما يتيح فرصاً للتّعلّم والتّقدّم، ويقلّل من أثر العزلة المهنيّة.
  • تغييـر الثّقافة المؤسّسيّة: يتطلّب الأمر تعزيز ثقافةٍ تقوم على الكفاءة بدلاً من الصّور النّمطيّة، وهو ما يتحقّق من خلال تدريب المديرين على مواجهة التّحيّزات اللّاواعية.
  • مرونةٌ في سياسات العمل: تساعد أنظمة العمل المرنة على تمرين النّساء للتّوفيق بين المسؤوليّات العائليّة والمهنيّة، ما يعزّز حضورهنّ في الأدوار القياديّة.
  • قياس الأداء بعدالةٍ: عندما تربط التّرقّيات بالنّتائج الملموسة لا بالتّشابه مع الإدارة أو الولاء الشّخصيّ، تكسر القيود الهيكليّة الّتي تبقي الأفراد عالقين في الأرض اللّزجة.

الخاتمة

تكشف متلازمة الأرض اللّزجة أنّ الحواجز أمام التّرقّي لا تبدأ عند القمّة فحسب، بل تمتدّ جذورها إلى المراحل الأولى من المسار المهنيّ. وهكذا تبقى النّساء والأقلّيّات عالقين في الوظائف الدّنيا نتيجة تحيّزاتٍ ثقافيّةٍ، وسياساتٍ مؤسّسيّةٍ غير عادلةٍ، ومسؤوليّاتٍ عائليّةٍ تثقل كاهلهم، غير أنّ الحلول العمليّة متاحةٌ. تبدأ بسياساتٍ شاملةٍ للتّنوّع والمساواة، وتمرّ بتعريز ثقافةٍ مؤسّسيّةٍ عادلةٍ، وتصل إلى شبكات الدّعم والمرونة في أنظمة العمل. وعندما تفكّك هٰذه العوائق بجدّيّةٍ، يتحقّق التّوازن بين العدالة والكفاءة، ويتاح للأفراد التّحرّر من فخّ الأرض اللّزجة وبناء مساراتٍ مهنيّةٍ أكثر ازدهاراً.

  • الأسئلة الشائعة

  1. كيف يمكن للمديرين المساهمة في كسر متلازمة الأرض اللزجة؟
    يمكن للمدراء المساهمة عبر تبنّي سياساتٍ عادلةٍ للتّرقّي، وتوزيع المشاريع المهمّة بشكلٍ متوازنٍ، وتدريب أنفسهم على تجاوز التّحيّزات اللّاواعية، ودعم الموظّفين من الفئات المهمّشة بفرصٍ واضحةٍ للنّموّ.
  2. ما الخطوات الفردية التي يمكن للموظف اتخاذها لمواجهة متلازمة الأرض اللزجة؟
    يمكن للموظّف بناء شبكة علاقاتٍ مهنيّةٍ واسعةٍ، والبحث عن مرشدين داخل المؤسّسة أو خارجها، والاستثمار في تطوير مهاراتٍ جديدةٍ، والضّغط للمطالبة بحقوقه عبر قنوات الموارد البشريّة أو النّقابات.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: