الرئيسية التنمية مبادرة فاطمة محمد بن زايد: المؤسسة كقوة دافعة للتمكين

مبادرة فاطمة محمد بن زايد: المؤسسة كقوة دافعة للتمكين

تسعى مبادرة FBMI لتمكين الأفراد والمجتمعات عبر العمل المنتج المستدام، مع التّركيز على الاستقلال الماليّ، وتمكين المرأة، وضمان أثرٍ طويل الأمد ومستدام

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

حين أسّست سمو الشيخة "فاطمة بنت محمد بن زايد آل نهيان في دولة الإمارات عام 2010 "مبادرة فاطمة بنت محمد بن زايد" (Fatima bint Mohamed bin Zayed Initiative – FBMI)، قامت هذه المبادرة الخيريّة على فكرةٍ جريئةٍ في جوهرها: لم تُنشأ لتُعطي، بل لتُمكّن.

يقول الرّئيس التّنفيذيّ للمبادرة "مايواند جبارخيل" (Maywand Jabarkhyl) في حديثه إلى "عربيةInc. " كانت الرّؤية، منذ البداية، في غاية البساطة، غير أنّ قلّةً فقط فكّروا بها أو تهيّأوا لتحمّلها: الاستدامة في العمل الخيريّ. تجاوزت رؤيتنا المفهوم التّقليديّ للمساعدات الإنسانيّة، إذ سعينا إلى إرساء نموذجٍٍ تنمويٍّ شاملٍ يضع الإنسان، ولا سيما المرأة، في صميم التّنمية المستدامة، ويدفعها إلى أن تغدو رائدةً اجتماعيّةً. وقد انطلقت المبادرة من هدفٍ واضحٍ: تمكين النّّساء عبر توفير فرص عملٍ كريمةٍ ومستدامة، ورعايةٍ صحيّةٍ مجانيّةٍ، وفرصٍ تعليميةٍ حقيقيّةٍ، بما يعزّز استقلالهنّ، ويقوّي أُسَرَهُنّ، ويُتيح لهنّ المساهمة الفاعلة في اقتصادهنّ المحليّ ومجتمعاتهنّ على حدٍّ سواء.

بدأت رحلة "مبادرة فاطمة بنت محمد بن زايد" في أفغانستان، حيث اختارت المنظّمة صناعة السّجاد اليدويّ التّقليديّ المعقود بخيوطٍ متقنةٍ لتُجسّد من خلالها قناعتها بأنّ النّشاط الاقتصاديّ يمكن أن يتحوّل إلى وسيلةٍ حقيقيةٍ للتّمكين. هذه الصّناعة، الّتي تُعدّ من أبرز صادرات البلاد، تستوعب شريحةً واسعةً من النّساء، ومن خلال توفير فرص عملٍ مستدامةٍ لهنّ إلى جانب إتاحة الخدمات الاجتماعيّة الأساسيّة، تمكّنت المبادرة، بعد خمسة عشر عاماً، من أن تغدو ما تصفه اليوم بفخرٍ: "منظمةٌ رائدةٌ من نوعها، مكتفيةٌ ذاتيّاً، تقوم على منظومةٍ متكاملةٍ من المنتجات والمبادرات الّتي تموّل نفسها من خلال تجارةٍ موجّهةٍ بالغاية".

وهكذا، لم يعد دور المبادرة مقتصراً على تمكين الأفراد في المجتمعات المحليّة، بل تجاوز ذلك إلى أن أصبحت مؤسّسةً يُعتدّ بها، تستشيرها الحكومات والمنظّمات الدّوليّة والهيئات غير الحكوميّة والقطّاع الخاصّ في نموذجها المستدام، وفي إيمانها العميق بأنّ التّجارة الهادفة يمكن أن تكون أداةً أصيلةً للتّمكين والتّقدّم.

تضمّ "مبادرة فاطمة بنت محمد بن زايد" اليوم 5 مؤسّساتٍ اجتماعيّةٍ تحت مظلّتها. وتشمل هذه المؤسّسات علاماتٍ تجاريّةً في قطّاع التّجزئة مثل "زولية" (Zuleya)، الّتي تطرح في الأسواق السّجّاد والمشغولات اليدويّة المنسوجة ضمن مشروعات المبادرة في أفغانستان، و"ميرا" (Mira)، الّتي تسوّق المنتجات الزّراعيّة الّتي تزرعها المزارعات الأفغانيّات.

وفي دولة الإمارات، عقدت المبادرة شراكةً مع "أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية" (Anwar Gargash Diplomatic Academy) لإطلاق "مختبر الدبلوماسية" (Diplomacy Lab)، الّذي يسعى إلى استكشاف حلولٍ مبتكرةٍ لمستقبل العمل الدّبلوماسيّ. كما أسّست "الحيّ الإماراتي" (Emirati District) بالتّعاون مع "الهيئة الاتحاديّة للشّباب" (Federal Youth Authority) بهدف دعم المنتجات والأفكار المحليّة وتعزيز حضورها.

أمّا أحدث مشروعات المبادرة فهو "هانغر" (Hunger)، وهي مؤسّسةٌ اجتماعيّةٌ تُعنى بمكافحة سوء التّغذية في تنزانيا، وتسعى في الوقت نفسه إلى تمكين المزارعين المحليّين هناك. ويُجسّد هذا المشروع الجديد الإيمان الّذي قامت عليه المبادرة منذ نشأتها، ومفاده أنّ التّجارة الهادفة، لا العمل الخيريّ، هي القادرة على إحداث أثرٍ يدوم،أي  قناعةٍ يعترف رئيسها التّنفيذي بأنّ ترسيخها في بدايات الطّريق لم يكن أمراً هيّناً.

يوضّح مايواند أنّ هذا الموضوع يتجلّى في جانبين مترابطين: الجانب الأوّل يكمن في إقناع العملاء، والجانب الثاّني يتعلّق بإقناع المجتمعات المحليّة نفسها. وقد تمثّل التّحدّي الأعظم في إقناع هذه المجتمعات بأنّ الحلول المستدامة لا تنشأ من المساعدات المؤقّتة، بل من العمل المنتج الّذي يخلق قيمةً ويولّد أثراً طويل الأمد. كان من الصّعوبة بمكانٍ إبعاد النّاس عن الاعتماد على الإعانات الّتي اعتادوا الحصول عليها، إلّا أنّ جهود المبادرة، من خلال تكامل العمل الجماعيّ، وتحسين ظروف العمل، وتوفير الرّعاية الصّحيّة المجّانيّة، ومنح العاملين شعوراً حقيقيّاً بالانتماء والمسؤوليّة، أدّت إلى بلوغ مرحلةٍ أصبحت فيها الطّلبات على فرص العمل تفوق قدرة المبادرة على الاستيعاب.

وعندما نتطرّق إلى الجانب التّجاريّ في التّجزئة، بقي تحدّي إقناع العملاء بدفع مبالغ أعلى قائماً دائماً، غير أنّ الاستثمار في التّصميم والبحث والتّطوير، وبناء شراكاتٍ ذات معنى، مكّننا من تقديم عرضٍ فريدٍ يحمل قيمةً حقيقيّةً وغايةً تتجاوز المادّة، ليصبح نموذجاً متماسكاً يجمع بين الاستدامة الاقتصاديّة والاجتماعيّة على حدٍّ سواء.

لصالح "مبادرة فاطمة بنت محمد بن زايد"، أثبت النّموذج الّذي اعتمدته في مساعيها الخيريّة قدرةً استثنائيّةً على الصّمود، في ظلّ بيئةٍ تكافح فيها العديد من المبادرات للبقاء؛ فيقول مايواند: "ما نراه اليوم هو انخفاضٌ حادٌّ على الصّعيد العالميّ في التّمويل الخارجيّ وحسن النّيّة تجاه المبادرات الخيريّة، وما يدهشني أنّ هذا التّراجع لم يأتِ فجأةً، بل كان متوقّعاً منذ فترةٍ طويلةٍ. ورغم أنّنا في موقع يمكّننا من الحصول على التّمويل الخارجيّ، واجهنا عدّة مواقف اضطررنا فيها إلى رفض التّمويل حفاظاً على نموذجنا المستدام.

واليوم، أسّسنا 5 مؤسّساتٍ اجتماعيّةٍ فريدةٍ تموّل كامل مهمّتنا الإنسانيّة، من الرّعاية الصّحيّة إلى التّعليم، وقد تمكّنا من تحقيق ذلك عبر تقديم منتجاتٍ قيّمةٍ وذات معنىً للعملاء، سواء من خلال مؤسّستنا الحرفيّة "زولية" أو فرعنا الزّراعي "ميرا." وأؤمن إيماناً راسخاً بأنّ الاستقلال الماليّ هو الأساس الحقيقيّ لاستمراريّة الأثر ودوامه على المدى الطّويل".

لقد صمد هذا المبدأ عبر الزّمن، ليصبح العمود الفقريّ الّذي تحدّد من خلاله هويّة "مبادرة فاطمة بنت محمد بن زايد". ويوضّح قائلاً: "حين أسترجع مسيرة المبادرة، يمتلئ قلبي بفخرٍ لا يرتبط بالجوائز أو التّكريم، بل بأولئك الّذين لمسنا حياتهم وأحدثنا فيها فرقاً حقيقيّاً. وأفخر بالنّساء اللّواتي جرأن على الحلم، وبالأسر الّتي استعادت كرامتها وأملها، وبالمجتمعات الّتي صارت أكثر قوّةً بفضل الفرص الّتي ساعدنا في توفيرها. فقد كانت أعظم مكافأةٍ يمكن أن نحظى بها هي رؤية الابتسامات تنمو، والثّقة بالنّفس تتعاظم، والاستقلاليّة تتجذّر في أماكنٍ كانت تغصّ سابقاً بالصّعوبات والشّكوك. كما بقيت الرّكيزة الأساسيّة في كلّ خطوةٍ على هذا الطّريق هي الثّبات والتّمسّك بالمهمّة دون انحرافٍ، رغم الإغراءات العديدة الّتي واجهتنا. ويكمن في هذا النّهج أهميّته الاستثنائيّة، إذ يوفّر فرصاً حقيقيّةً للاعتماد على الذّات، ويقلّل من تبعية المجتمعات للمساعدات، ويجعل عمليّة التّنمية أكثر واقعيّةً واستدامةً على المدى الطّويل".

خمسة عشر عاماً من العمل في "مبادرة فاطمة بنت محمد بن زايد" منحَت مايواند فهماً عميقاً لما يُبقي التّغيير قائماً؛ فيقول: "أعظم درسٍ تعلّمته هو أنّ الاستدامة الحقيقيّة تبدأ بالإنسان؛ من خلال تمكينه، وتعليمه، وتزويده بالأدوات الّتي تمكّنه من رسم مستقبله بنفسه، مانحين إيّاه شعور الانتماء والمسؤوليّة".

وتستند هذه الرّؤية بدورها إلى ما يقدّمه مايواند من نصائح لمن يسعون إلى بناء مشاريع موجّهةً بالغاية تجمع بين القدرة على التّوسع والاستدامة. ويضيف قائلاً: "نصيحتي هي أن تظلّ مخلصاً لغايتك، وأن تبني شراكاتٍ ذات معنىً مع الحفاظ على السّيطرة دوماً، والأهمّ من ذلك أن يكون لديك دائماً ما تقدّمه من فرادةٍ وقيمةٍ حقيقيّةٍ".

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: