الرئيسية التنمية لماذا يجب أن يتصدّر الذكاء الاصطناعي الوكيل جدول أعمال كلّ مجلس إدارة؟

لماذا يجب أن يتصدّر الذكاء الاصطناعي الوكيل جدول أعمال كلّ مجلس إدارة؟

حين ينتقل الذكاء الاصطناعي الوكيل من التّجريب إلى قلب الاستراتيجيّة، يصبح عنصراً حاسماً في قرارات مجالس الإدارة وصياغة التّنافسيّة المستقبليّة للشّركات

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في عالم الأعمال، غالباً ما يكون عامل التوقيت هو الفاصل بين من يتقدّم الصفوف ومن يتأخّر عنها، وفي هذه المرحلة تحديدًا، تبدو وتيرة التغيير لافتة للنظر. ومن بين أكثر التحوّلات إلحاحاً اليوم، يبرز الصعود المتسارع لما يُعرف بالذكاء الاصطناعي الوكيلي (Agentic AI).

ما بدأ كتجارب محدودة على أطراف المؤسسات، أصبح اليوم جزءاً محورياً من صميم عمليات الشركات الكبرى، بل وأخذ يشكّل بالفعل عنصراً حاسماً في بناء الميزة التنافسية داخل مجالس الإدارات. وكما أعادت الحوسبة السحابية في السابق تعريف كيفية توسّع الشركات وإدارتها لأعمالها، يأتي الذكاء الاصطناعي الوكيل اليوم ليعيد رسم ملامح كيفية إنجاز العمل نفسه. فما كان مفهوماً عاماً وفضفاضاً قبل وقت قصير، تطوّر بسرعة ليصبح أدوات ناضجة يجري اعتمادها على مستوى المؤسسات الكبرى.

لم يعد صعود الذكاء الاصطناعي الوكيل  مجرّد موضوع للنقاش أو التنظير بالنسبة لقادة الأعمال، بل بات لحظة فارقة تفرض انتقال أحاديث مجالس الإدارة من مرحلة الوعي إلى مرحلة بناء الاستراتيجية. إذ يتعيّن على التنفيذيين التفكير بجدية في المجالات التي يمكن للذكاء الاصطناعي الوكيل أن يحقق فيها أثراً فورياً، وفي كيفية اختباره بشكل مسؤول، وفي الكيفية التي تُمكّن مؤسساتهم من توسيع نطاق استخدامه بصورة تدريجية ومستدامة.

فهم الذكاء الاصطناعي الوكيلي ولماذا يُعد مهماً؟

يتجاوز الذكاء الاصطناعي الوكيل مجرّد الاستجابة للأوامر أو المحفزات. فهذه الأنظمة قادرة على تنفيذ المهام، واستباق الاحتياجات، وربط مسارات العمل عبر منصات متعددة بأدنى حد من التدخل البشري، وذلك ضمن أطر واضحة للحوكمة والضبط. وهذا المستوى من الاستقلالية هو ما يجعل هذه التقنية قفزة نوعية حقيقية.

خلال العام الماضي، شهد الذكاء الاصطناعي الوكيل انتشاراً متسارعاً لافتاً، حيث بدأت شركات من مختلف القطاعات اختبار أدواته، وغالباً ما جاءت النتائج مفاجئة حتى لفرق العمل نفسها. وقد أشار تقرير حديث إلى أن 77% من التنفيذيين في مجال تقنية المعلومات باتوا مستعدين للاستثمار في الذكاء الاصطناعي الوكيل خلال هذا العام. وفي ظل الضغوط المتزايدة على الشركات لتحقيق المزيد بموارد أقل، يبرز الذكاء الاصطناعي الوكيلي كفرصة لا يمكن تجاهلها.

وبالنسبة للإدارة العليا، تبدو الرسالة واضحة: إذا لم تبدأ الفرق بتجربة حالات استخدام الذكاء الاصطناعي الوكيل، فإنها تخاطر بالتخلّف عن منافسين بادروا بالفعل إلى ذلك. فالتشجيع على الاستكشاف اليوم لا يتعلق بالجِدة بقدر ما يرتبط ببناء قدرة مؤسسية على الصمود والمرونة في المستقبل.

لماذا تستفيد الأقسام المختلفة؟

أحد أكثر الأسباب إقناعاً لوضع الذكاء الاصطناعي الوكيلي في صدارة الأولويات هو مرونته العالية. فعلى عكس الأدوات التي تخدم أقساماً محددة فقط، يُحدث الذكاء الاصطناعي الوكيل تحولاً في طريقة عمل جميع الفرق داخل المؤسسة؛ فالعمليات التي كانت تتطلب في السابق إشرافاً يدوياً وتدخلاً مستمراً، يمكنها اليوم أن تعمل بشكل شبه ذاتي. وبهذا، تتمكن الفرق من تقديم خدمات أسرع وأكثر استجابة، مع تقليل الموارد اللازمة للحفاظ على معايير الجودة.

هذه القابلية للتطبيق على نطاق واسع تغيّر طبيعة الحوار الاستراتيجي داخل المؤسسات؛ فالاستثمارات التقنية التقليدية كانت غالباً ما تفيد قسماً واحداً في كلّ مرّةٍ، وتحتاج إلى دراسات جدوى منفصلةٍ وجداول تنفيذ مختلفةٍ. أما الذكاء الاصطناعي الوكيل، فيخلق قيمة متزامنة عبر وظائف متعددة، بدءاً من العمليات الموجّهة للعملاء وصولاً إلى العمليات الداخلية. وهذا الأثر العابر للأقسام يفسّر لماذا انتقلت نقاشات مجالس الإدارة من قرارات تقنية تخص أقساماً بعينها إلى تخطيط شامل لتحوّل مؤسسي متكامل.

يتحقق الأثر الحقيقي عندما تزول الحواجز التنظيمية بين الأقسام. فالمؤسسات بحاجة إلى أنظمة توحّد بيانات الأمن، والمؤشرات التشغيلية، ومقاييس الأداء التجاري ضمن قاعدة موثوقة واحدة. وبدون هذا الترابط، لا يمكن للذكاء الاصطناعي الوكيلي اتخاذ قرارات موثوقة أو مسؤولة على نطاق واسع. لذلك، ينبغي على قادة الأعمال التخطيط لنشر هذه التقنيات على مستوى الشركة بأكملها، بدلاً من حصر التجارب في قسم واحد فقط. والنتيجة هي مزايا تنافسية تتراكم آثارها الإيجابية عبر جميع أجزاء المؤسسة.

العائد بالنسبة للإدارة العليا

تبدو جاذبية الذكاء الاصطناعي الوكيل للإدارة العليا واضحة وبسيطة: تسريع اتخاذ القرار، وتحسين توزيع الموارد، وبناء عمليات أكثر مرونة واستدامة، وهي جميعها قضايا تتصدر جدول أعمال مجالس الإدارة. إذ يعد الذكاء الاصطناعي الوكيلي بتحقيق هذا التحوّل بكفاءة وسرعة؛ فعندما تتولى الوكلاء الذكيون المهام المتكررة، تستعيد الفرق وقتها وتركيزها، ما يتيح لها توجيه طاقتها نحو المشاريع والمهام التي تدفع النمو والنجاح على المدى الطويل.

وهناك أيضاً البُعد التنافسي الذي لا يمكن إغفاله؛ فالشركات التي تنجح في دمج الذكاء الاصطناعي الوكيل بفاعلية ستحقق مكاسب ملموسة في دورات الابتكار، وسرعة الوصول إلى السوق، ومستويات رضا العملاء. وهذه النتائج لا تدعم مؤشرات الأداء الرئيسية للأقسام فحسب، بل تنعكس كذلك على المؤشرات الشاملة التي تهم القيادة العليا، من نمو الإيرادات إلى ثقة المساهمين. وهنا يتحوّل سؤال التنفيذيين من “هل نستخدم هذه التقنية؟” إلى “متى نبدأ بجني ثمارها؟”.

غير أن الحوكمة لا يمكن أن تكون فكرة لاحقة. فالاستقلالية من دون مساءلة تفتح الباب أمام المخاطر. لذلك، يجب على القادة وضع أطر وضوابط واضحة توازن بين الابتكار وإدارة المخاطر. كما تُعدّ الامتثال والشفافية في كيفية تصرّف الوكلاء الذكيين عناصر أساسية لتمكين الفرق من الابتكار بثقة. ويشمل ذلك ضمان الالتزام بالأنظمة المعمول بها في المناطق المختلفة، ووضع هياكل مساءلة تحمي المؤسسة وعملاءها على حد سواء؛ فالشركات التي تبادر إلى إرساء أطر حوكمة مبكرة ستكون أقدر على التحرك بسرعة وثقة، بينما قد تجد تلك التي تتأخر نفسها مقيدة بقرارات حذرة مفرطة.

المستقبل هو الذكاء الوكيل

لم يعد الذكاء الاصطناعي الوكيل رهاناً مستقبلياً، بل فرصة قائمة بالفعل تستثمر فيها المؤسسات ذات الرؤية الاستباقية. وينبغي أن يكون بندًا دائمًا على جدول أعمال كل مجلس إدارة، لأنه يوفّر ميزة تنافسية فورية، وفي الوقت نفسه يعزّز القدرة على التكيّف التي ستحتاجها الشركات في المستقبل. إن تشجيع الفرق على التجربة، وتحديد حالات الاستخدام العملية، ودمج الذكاء الاصطناعي الوكيلي في العمليات اليومية، كفيل بمساعدة المؤسسات على البقاء في صدارة المشهد. فالمنافسون يتحرّكون بسرعة، والمؤسسات التي تبادر إلى التحرك الآن، مدعومة بأسس تقنية متينة وحوكمة شفافة، هي من ستحدّد إيقاع المرحلة المقبلة.

نبذة عن الكاتب

فيليب دوبلوا هو نائب الرئيس العالمي لهندسة الحلول في شركة "دايناتريس" (Dynatrace)، وهي شركة تكنولوجيا أمريكية متعددة الجنسيات.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: