كيفية التغلب على الوحدة: إليك ترياق بسيط لتعزيز شعور السعادة
حلٌ سحريٌّ لتشجيع التفاعل والتواصل التلقائي، لا بدّ من تطبيقه في بيئات العمل المختلفة لتحقيق الرفاهية والإنتاجية
في عالمٍ أكثر ترابطاً من أيّ وقتٍ مضى، ينتشرُ وباء الوحدة بهدوءٍ، إذ وفقاً لدراسة Cigna في عام 2020، أفاد 61٪ من الأمريكيّين أنّهم يشعرون بالوحدة، ومنظّمة الصّحة العالميّة تعتبر الشّعور بالوحدة مشكلةً صحيّةً كبيرةً، حيث تربطُ الشّعور بالوحدة بحالاتٍ مثل الاكتئاب والقلق وأمراض القلب. ومن بين هذه الإحصائيات المذهلة، حدّد الباحثون في مجال السعادة ترياقاً بسيطاً ومدهشاً، وهو: التّحدّث إلى الغرباء. ولكن إذا كان الأمر سهلاً، فلماذا لا نفعلُ ذلك؟
نشرت دراساتٌ حديثة أجراها عالما النّفس جوليانا شرودر ونيكولاس إيبلي في مجلة علم النّفس التّجريبيّ: العام الحالي، تشرح هذه الظّاهرة. فقد أجروا سلسلةً من التّجارب باستخدام ركّاب قطارات لندن، وأظهرت النّتائج أن أولئك الذين شاركوا في محادثاتٍ مع الغرباء، أبلغوا عن تجارب إيجابيّةً بشكلٍ كبيرٍ مقارنةً بأولئك الذين التزموا الصّمت والوحدة. توقّع المشاركون الذين تحدّثوا إلى الغرباء تجربةً أسوأ ممّا حصلوا عليه بالفعل، وقلّلوا باستمرارٍ من التّأثير الإيجابيّ لهذه التّفاعلات، وهذا الانفصال بين التّوقعات والواقع هو عائقٌ رئيسيٌّ أمام الاستفادة من فوائد التّفاعلات الاجتماعيّة العرضيّة.
ماذا فعل الباحثون؟
في هذه التّجارب، بدأ الباحثون بتعيين الرّكّاب بشكلٍ عشوائيٍّ في واحدةٍ من أصل ثلاث حالاتٍ: التّفاعل في محادثةٍ مع راكبٍ آخر، أو الجلوس في عزلةٍ، أو الجلوس على كرسيٍّ ومتابعة الرّوتين المُعتاد للتّنقل.
تم تشجيع المشاركين في مجموعة المحادثة على بدء حوارٍ مع الغرباء، وتم توجيه المشاركين في المجموعة المعزولة ليكونوا وحدهم في أفكارهم. ومن ناحيةٍ أخرى، كانت مجموعة الضّابطة حرّةً في القيام بما يفعلونه عادةً أثناء الرّحلة. وقد أظهرت النّتائج أنّ أولئك الذين تحدّثوا إلى الغرباء استمتعوا بالسّفر وشعروا بالسّعادة مقارنةً بالمجموعات المعزولة أو الضّابطة، ممّا يُسلّط الضّوء على القيمة -التي تُقلّل من شأنها- لهذه التّفاعلات الاجتماعيّة القصيرة.
دور العمل في الحدِّ من الشعور بالوحدة
التّأثير على مكان العمل عميقٌ. ومع زيادة العمل عن بعد، تتناقص فرص التّفاعل التّلقائيّ، وتواجه العديد من الشّركات الآن التّحديّ المُتمثّل في كيفيّة تعزيز الشّعور بالعمل الجماعي والانتماء بين الموظّفين الذين لا يستطيعون الالتقاء وجهاً لوجه. فما الذي يُمكن عمله؟
أوّلاً، نحن بحاجةٍ إلى التّعرف على قيمة التّفاعلات العرضيّة، ويُمكن للشّركات إنشاء مساحاتٍ افتراضيّةٍ تُحاكي المحادثات الواقعيّة، مثل قنوات الدّردشة غير الرّسميّة واستراحات القهوة الافتراضيّة. ويُمكن لهذه البيئات غير الرّسميّة أن تُشجّع الموظّفين على مشاركة قصصهم واهتماماتهم الشّخصيّة، ممّا يُعزّز الصّداقة الحميمة. ومع ذلك، لا يُمكن للحلول الافتراضيّة محاكاة الفروق الدّقيقة في التّبادلات الشّخصيّة بشكلٍ كاملٍ.
نماذج العمل الهجينة، التي تجمع بين العمل عن بعد وأيّام العمل في المكتب، لديها القدرة على توفير حلٍّ متوازنٍ. إذ يُمكن للشّركات التّرويج للتّجمعات العفويّة التي غالباً ما تؤدّي إلى اتّصالاتٍ ذات مغزى، وهي خلق بيئةٍ يشعر فيها الموظّفون بالرّاحة عند بدء محادثةٍ، من خلال تخصيص أيّامٍ معيّنةٍ للعمل في المكتب.
كما يُمكن أن يلعبَ تصميم المكتب دوراً أيضاً في ذلك، كذلك يُمكن للمساحات المفتوحة والأماكن العامّة والمقاعد الموضوعة بشكلٍ استراتيجيٍّ أنّ تشجّع الموظّفين على التّواصل الاجتماعيّ. إنّ دمج المجالات الاجتماعيّة، حيث يُمكن للأشخاص الاسترخاء والدّردشة دون ضغوط الاجتماعات الرّسميّة، يجعل القوى العاملة أكثر تواصلاً، خاصةً للموظفين العاملين في المواقع النّائيّة، ويمكن للشّركات رعاية مساحات العمل المشتركة المحليّة، ممّا يُوفّر فرصاً للتّفاعل مع الآخرين خارج المشهد المُتغيّر وفقاعة العمل الفوريّة.
تتجاوز فوائد هذه التّفاعلات الرّفاهيّة الشّخصيّة، وتُظهر الأبحاث أنّ الموظفين الذين يشعرون بالارتباط الاجتماعيّ هم أكثر انخراطاً وإنتاجيّةً وأقلّ عرضةً لترك وظائفهم. ويساعد تشجيع التّفاعل الاجتماعيّ في تلاقي وجهات النّظر المتنوّعة بطرقٍ غير متوقّعةٍ، كما يُمكن أن يُعزّز الإبداع وحلّ المشكلات.
التغلب على الخوف
لكن المسؤوليّة لا تقع على عاتق صاحب العمل فقط، إذ يحتاج الأفراد إلى التّغلب على تحفّظاتهم الخاصّة بشأن التّحدث إلى الغرباء. غالباً ما يفوق الخوف من الرّفض أو الإحراج النّتيجة الإيجابيّة المحتملة. وهنا، سيساعد التّغيير في العقليّة، إذ يُمكن لفهم أنّ معظم النّاس يقبلون التّفاعلات الوديّة، أن يُشجّعنا على اتّخاذ الخطوة الأولى.
في المرّة القادمة التي تكون فيها في مكانٍ عامٍّ، فكّر في بدء محادثة، سواء كان ذلك مجرّد كلمة "مرحبا" أو تعليقاً بسيطاً اعتماداً على الطّقس، فإنّ هذه الإيماءات الصّغيرة ممتعةٌ لتلوين يومك ويوم من تتحدّث معه. في حين أنّنا نتنقل في عالمٍ معزولٍ بشكلٍ متزايدٍ، يُمكننا ببساطةٍ أن نعيدُ الاستثمار في المستوى البشريّ، وهو أبسط وأقوى أداةٍ لمكافحة الشّعور بالوحدة".
وفي نهاية المطاف، يتطلّب تعزيز ثقافة الاتّصال جهود كل من المنظّمات والأفراد. ومن خلال خلق بيئةٍ مواتيةٍ للتّفاعل التّلقائيّ وتشجيع نهجٍ أكثر انفتاحاً للتّواصل الاجتماعيّ، إذ يُمكننا بشكلٍ جماعيٍّ تعزيز رفاهيتنا؛ لذا فكّر في الفرق الذي ستحدثه كلمة "مرحبا" مع غريبٍ، ولتكن الخطوة الأولى للتّغيير.