شركة XPANCEO الناشئة تدخل نادي اليونيكورن بعد تمويل ضخم
شركةٌ تقنيةٌ ناشئةٌ تطوّر عدساتٍ لاصقةً ذكيّةً تجمع بين الواقع المعزّز ومراقبة الصّحة لتعزيز تجربة المستخدم وتمهيد طريقٍ جديدٍ لمنصّات الحوسبة المستقبليّة

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
في عالمٍ قد تصبح فيه الحوسبة تجربةً بصريّةً لا تُمسك، بل تُرتدى، تقود شركة "إكسبانسيو" (XPANCEO) النّاشئة من دبي موجةً جديدةً من التكنولوجيا المستقبليّة؛ فقد أعلنت الشّركة المتخصّصة في التّقنيات العميقة عن جمعها تمويلاً بقيمة 250 مليون دولارٍ، ما رفع قيمتها السّوقيّة إلى 1.35 مليار دولارٍ، مانحاً إيّاها صفة "يونيكورن" -أي شركةٌ ناشئةٌ تفوق قيمتها مليار دولارٍ.
جاء التّمويل الأخير بقيادة شركة "أوبورتونيتي فينتشر" (Opportunity Venture) الّتي تتّخذ من هونغ كونغ مقرّاً لها، وهي ذات الجهة الّتي دعمت سابقاً جولة التّمويل التّأسيسيّة للشّركة والّتي بلغت 40 مليون دولارٍ. ومن المقرّر أن يُستخدم رأس المال الجديد في المرحلة النّهائيّة من تطوير العدسة الذّكيّة متعدّدة الوظائف، إلى جانب توسيع الفريق، ودعم المسار التّنظيميّ، والإنتاج المحدود استعداداً لإطلاقٍ تجريبيٍّ بين الشّركات.
تأسّست شركة إكسبانسيو في دولة الإمارات العربية المتّحدة عام 2019 على يد يد فلنتين فولكوف ورومان أكسلرود، وتسعى لابتكار عدسةٍ لاصقةٍ أرقّ من شعرة الإنسان، تضمّ داخلها مجموعةً من التّقنيات المتقدّمة، مثل: الواقع المعزّز (AR)، ومراقبة المؤشّرات الصّحيّة، والرّؤية اللّيليّة، والتّكبير البصريّ، ومعالجة عمى الألوان، وكلّ ذلك في واجهةٍ بصريّةٍ واحدةٍ تُلبس لا تُحمل.
وفي مقابلةٍ أجرتها "عربية .Inc" مع الشّريك المؤسّس والعقل العلميّ للشّركة الدّكتور فولكوف، أشار إلى أنّ دخول شركته نادي اليونيكورن ليس مجرّد إنجازٍ ماليٍّ، بل يعكس صدقيّة المشروع وديناميكيّته، إذ قال: "أنا عالمٌ أوّلاً وقبل كلّ شيءٍ، ولم تكن غايتي يوماً بناء شركة يونيكورن فقط. هذا الإنجاز يتجاوز كل المقاييس الماليّة؛ إنّه تأكيدٌ قويٌّ على أنّ الأفكار الّتي طالما عملنا عليها داخل المختبرات قادرةٌ فعلاً على إعادة تشكيل العالم".
ورأى فولكوف أنّ هذا التّمويل يمثّل نقطة تحوّلٍ فاصلةً، تُخرج المشروع من حيّز التّنظير إلى واقع التّطبيق. وأضاف: "يعزّز تحقيق صفة يونيكورن موقفنا داخليّاً وخارجيّاً؛ إنّه يعزّز قدرتنا على جذب أفضل الكفاءات العالميّة، ويعزّز الثّقة مع الشّركاء والعملاء، ويمنح فريقنا دفعةً قويّةً من الحافز والثّقة".
وتابع قائلاً: "هذا أيضاً تذكيرٌ بأنّ رسالتنا تحمل أهميّةً، وأنّ أنظار العالم موجّهةٌ إلينا. ونحن لا نطلق مجرّد منتجاتٍ، بل نبني منصّاتٍ أساسيّةً ستُبنى عليها تكنولوجيا المستقبل؛ هذا التّمويل يفتح أمامنا أبواباً لأسئلةٍ أكثر طموحاً، ويساعدنا على الاستثمار في البنية التّحتيّة طويلة الأمد وتأمين الملكيّة الفكريّة الأساسيّة في عملنا".
أمّا الشّريك المؤسّس والمدير العام رومان أكسلرود؛ فقد أشار إلى أنّ الرّحلة رغم قصر مدّتها، كانت حافلةً بالتّقدّم السّريع؛ فقال: "لم تمرّ سوى أقلّ من سنتين منذ أن بدأنا العمل الفعليّ عام 2021 بمواردنا الذّاتيّة، ثم جاءت جولة التّمويل الأولى عام 2023. في الوقت الّذي تتسابق فيه الشّركات الكبرى نحو نظّارات الواقع الذّكيّ، نحن نسير خطوةً أبعد، إذ نبتكر العدسات اللّاصقة الذّكيّة لتكون الواجهة الأساسيّة للجيل الجديد من الحوسبة".
ونسب أكسلرود هذا التّقدّم السريع إلى فريقٍ عالي الأداء، وشراكاتٍ أكاديميّةٍ متينةٍ، وتعاوناتٍ استراتيجيّةٍ مع القطّاع الصّناعيّ، مؤكّداً أن بيئة دبي لعبت دوراً محوريّاً في دعم طموحاتهم. وأضاف: "تُشجّع دبي الابتكار عبر إعفاءاتٍ ضريبيّةٍ وبرامج دعمٍ متنوّعةٍ. ونحن نكنّ إعجاباً كبيراً برؤية القيادة الإماراتيّة وطموحاتها التّكنولوجيّة، والّتي تتماشى تماماً مع رسالتنا. هذا المناخ الدّاعم والرّؤية الطّموحة يجعلان من دبي مركزاً مثاليّاً لعملنا الرّياديّ".
لكن أكسلرود لم يُخفِ التّحديات الكبيرة الّتي تواجههم في تطوير منتجٍ بهذا المستوى من التّعقيد، إذ قال موضّحاً: "تتطلّب التّقنيات العميقة استثماراتٍ هائلةً ووقتاً طويلاً؛ فمختبرنا وحده كلّف حتّى الآن نحو 8 ملايين دولارٍ، وسننفق أكثر بكثيرٍ في السّنوات القادمة. لقد طوّرنا بالفعل نماذج أوليّةً لمعظم الخصائص الّتي نطمح إليها، ولكن الطّريق ما زال طويلاً".
بحلول نهاية عام 2026، تسعى الشّركة إلى دمج الوظائف الأساسيّة للعدسة في نموذجٍ أوّليٍ موحّدٍ، يضم تقنيات عرض الصّور، والمراقبة الصّحيّة اللّحظيّة، وتحسين قدرات الرّؤية، مثل: التّصحيح اللّوني والرّؤية اللّيليّة، ضمن جهازٍ واحدٍ متكاملٍ. ومن ثمّ، سيتحوّل التّركيز إلى ضمان الاستقرار الحيويّ للعدسة وملاءمتها للاستخدام الفعليّ في الحياة اليوميّة.
كما يؤكّد أكسلرود أنّ هذا الإنجاز الماليّ ليس هدفاً نهائيّاً، بل خطوةٌ باتّجاه حلمٍ أكبر؛ فيقول: "الوصول إلى هذا التّقييم هو تأكيدٌ أنّنا نسير في الاتّجاه الصّحيح، وهذا شعورٌ مجزٍ للغاية. لقد منحنا لحظةً قصيرةً لنتأمّل ما أنجزناه، قبل أن نعود للعمل الجادّ. لم يكن طموحي يوماً مجرّد تحقيق تقييمٍ ماليٍّ مرتفعٍ، بل أن نبتكر شيئاً قادراً على تغيير العالم".
تتخيّل إكسبانسيو عدستها الذّكيّة كمنصة الحوسبة المقبلة، مدعومةٍ بالذكاء الاصطناعي والواقع الممتدّ (XR)، لتكون واجهةً موحّدةً تُلغي الحاجة إلى الأجهزة القابلة للارتداء الّتي نستخدمها حاليّاً من هواتف وساعاتٍ ونظّاراتٍ. ووفقاً لأكسلرود، فإنّ العدسة ستكون "واجهةً واحدةً تستبدل كل تلك الأجهزة المبعثرة -الهاتف، السّاعة، متتبّع اللّياقة، النّظارات- مضغوطةً في جهازٍ خفيفٍ تنسا أنّك ترتديه".
وبعد تطوير 15 نموذجاً أوّليّاً وظيفيّاً، تدخل الشّركة الآن المرحلة التّالية من المشروع، الّتي تشمل الانتهاء من المنتج، واختبارات التّوافق الحيويّ، ثم الانطلاق في التّجارب السّريريّة؛ فيقول أكسلرود: "إحدى أهمّ الفئات المستهدفة لدينا هم الأشخاص الّذين يعانون من حالاتٍ صحيّةٍ يُمكن أن يستفيدوا كثيراً من المراقبة اللّحظيّة، مثل: مرضى الجلوكوما والسكري. لدينا بالفعل نماذج تعمل لهذا الاستخدام، ونحن حاليّاً في مرحلة اختبار التّوافق الحيويّ. وبمجرّد الانتهاء منها، سنبدأ بالتّجارب السّريريّة على البشر".
ورغم أنّ الموافقة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تُعدّ شرطاً أساسيّاً لأيّ إطلاقٍ تجاريٍّ؛ فقد بدأت الشّركة بالفعل بالعمل مع الجهات التّنظيميّة، وتتبّع المسار التّقليديّ المخصّص للأجهزة الطّبيّة؛ فيضيف أكسلرود: "بدأنا بالتّوافق الحيويّ واختبارات السُميّة الخلويّة، ومن ثم سنتوجّه للتّجارب ما قبل السّريريّة على الحيوانات، قبل أن نصل إلى الفئات البشريّة المستهدفة الّتي يمكنها الاستفادة من تقنيتنا". كما كشف أنّ الشّركة تتوقّع بدء التّجارب بين الشّركات بعد عام 2026، بينما تسعى للدّخول إلى السّوق الاستهلاكيّة في حدود عام 2030.
ومع تطوّر سوق الأجهزة القابلة للارتداء، تتابع إكسبانسيو عن كثب تطوّرات تقنيتي الواقع الممتد (XR) ومراقبة الصّحة، لكنّها ترى الفرصة الحقيقيّة في دمجهما معاً، إذ يقول أكسلرود: "نشهد سباقاً في عالم التّقنية لتطوير نظّارات الواقع الممتد، وفي الوقت ذاته، تظهر أجهزة تعقّبٍ صحيٍّ جديدةٌ. كلا المجالين يتقدّمان، لكن في رأينا، هذا غير كافٍ. بعدساتنا الذّكية، نحن متقدّمون على المنحنى".
وفي الوقت الّذي أقرّ فيه الدكتور فولكوف بصعوبة التّحديّات التّقنية، أشار إلى أنّ التّحدّي الأكبر يكمن في تكامل كلّ هذه الوظائف ضمن عدسةٍ مريحةٍ وآمنةٍ للعين. وقال: "يكمن التّعقيد في تحقيق التّوازن بين التّصغير والسّلامة والوظائف المتعدّدة في آنٍ واحدٍ. نحن بحاجةٍ إلى شاشة عرضٍ دقيقةٍ وواضحةٍ ضمن العدسة دون أن تُسبّب أي انزعاجٍ. كما أنّ نقل البيانات يجب أن يكون سريعاً وآمناً، وباستهلاكٍ منخفضٍ للطّاقة".
لكن العقبة الهندسيّة الأكبر تتمثّل في جمع كل تلك العناصر -الأنظمة البصريّة، والمجسّات، ومصدر الطّاقة، والهوائيّات- داخل عدسةٍ ناعمةٍ وصغيرةٍ، تسمح بالتّنفس الحيويّ ولا تُعيق الرّؤية أو الرّاحة. ويقول: "يجب أن يعمل كل مكوّنٍ بدقّةٍ دون أن يؤثّر على الآخر، ما يتطلّب مواد فائقةً، وتقنيات تصنيعٍ دقيقةً، وهندسة أنظمةٍ متقدّمةً تعمل بتناغمٍ".
ويختم أكسلرود بالإشارة إلى أنّ التّحدي الأكبر أمام إكسبانسيو ليس الطّلب في السّوق، بل التّنفيذ التّقنيّ؛ فيقول: "على عكس نظّارات "Apple Vision Pro"، لن نواجه صعوبةً في إدماج منتجنا في حياة النّاس اليوميّة. من يرتدون العدسات اللّاصقة سيُقبلون على منتجنا بسهولةٍ إذا ما قدّم لهم المزايا المعتادة مع بعض القوى الخارقة. لذا، فإنّ التّحديات لدينا ليست تسويقيّةً، بل تقنية بالدّرجة الأولى".
ولروّاد الأعمال الطّموحين في المنطقة، يقدّم أكسلرود نصيحةً صادقةً: "وجّه بوصلتك نحو إحداث أثرٍ إنسانيٍّ عميقٍ -كلّ شيءٍ آخر سيتّبع ذلك". ويضيف: "حين تعمل على مشروعٍ يعني لك الكثير ويمكنه تغيير الحياة، يصبح من السّهل رسم خارطة طريقٍ واضحةٍ، وجذب المستثمرين المناسبين، والحفاظ على الصّلابة في وجه التّحديّات مهما كان طموح رؤيتك".
ويختم بنصيحةٍ أخيرةٍ: "لا تستهين أبداً بقوة الجمع بين الخبرة التّقنيّة القويّة والرّؤية التّجاريّة المحكمة؛ فهذا التّلاقي هو ما يُحوّل المشاريع البحثيّة إلى منتجاتٍ حقيقيّةٍ -أشياء تُبنى للنّاس، ومن أجلهم، لا مجرّد تجارب علميّةٍ مركونةٍ على رفوف المختبرات".