الرئيسية الريادة الإدارة الاستهزائية: هل تقضي على حافز الموظفين دون أن تشعر؟

الإدارة الاستهزائية: هل تقضي على حافز الموظفين دون أن تشعر؟

حين تتحوّل القيادة إلى سخرية، تنطفئ الدوافع وتنهار الثّقة، إذ تستبدل الإدارة الاستهزائيّة التقدير بالاستخفاف، فتصنع بيئة عملٍ خائفةً تقتل الإبداع والانتماء

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يشهد عالم الإدارة الحديث تحوّلاتٍ عميقةً تعيد رسم ملامح العلاقة بين القائد وموظّفيه، إذ لم تعد الكفاءة الإداريّة تقاس بقدرة المدير على تحقيق الأهداف فحسب، بل بمدى قدرته على إلهام فريقه وبناء بيئةٍ قائمةٍ على الاحترام والثّقة. ومع تسارع هٰذه التّحوّلات، برزت ظاهرةٌ مقلقةٌ تعرف باسم الإدارة الاستهزائيّة، وهي أسلوبٌ قياديٌّ يعتمد السّخرية والاستخفاف كوسيلةٍ للتّوجيه أو التّحفيز المزعوم. غير أنّ هٰذا النّمط من القيادة، الّذي يختبئ أحياناً خلف قناع «النّقد البنّاء» أو «الصّرامة الإداريّة»، يدمّر روح المبادرة في نفوس الموظّفين، ويقوّض الدّوافع الدّاخليّة لديهم، ويزرع الخوف بدلاً من الحماس من دون أن يدرك القائد خطورة ما يفعل.

ما المقصود بالإدارة الاستهزائية؟

يقوم نمط الإدارة الاستهزائيّة على استخدام لغةٍ حادّةٍ أو نبرةٍ ساخرةٍ تضعف احترام الذّات لدى العاملين، إذ تستبدل كلمات التّشجيع بتعليقاتٍ لاذعةٍ، وتتحوّل الملاحظات إلى وسيلةٍ للإحراج العلنيّ لا إلى أداةٍ للتّطوير. ويظهر هٰذا السّلوك بأشكالٍ متعدّدةٍ، فقد يطلق المدير نكتةً جارحةً أمام الزّملاء، أو يجري مقارنةً مهينةً بين موظّفين بطريقةٍ تظهر أحدهما بمظهرٍ أقلّ كفاءةً، أو يرسل بريداً إلكترونيّاً يحمل بين كلماته سخريةً مبطّنةً تخفي استهزاءً واضحاً.

وغالباً ما يبرّر المدير هٰذا السّلوك بأنّه «دعابةٌ في غير محلّها» أو «طريقةٌ لإيقاظ الهمّة»، لكنّ الحقيقة أبعد من ذٰلك، فهو يمارس شكلاً صريحاً من التّنمّر الإداريّ الّذي يضرب أسس الثّقة ويقوّض التّوازن النّفسيّ داخل الفريق. وليس من الغريب أن يطلق على هٰذا الأسلوب أسماءٌ أخرى مثل «القيادة السّامّة» أو «التّحفيز السّلبيّ» أو «الإدارة القمعيّة»، وهي جميعها تسمياتٌ مختلفةٌ لجوهرٍ واحدٍ يتمثّل في بناء النّفوذ عبر الإهانة لا عبر القدوة. [1]

كيف تؤثر الإدارة الاستهزائية على الموظفين؟

يفقد الموظّف، حين يتعرّض للسّخرية أو الاستخفاف من قبل مديره، إحساسه بالأمان النّفسيّ الّذي يعدّ أساس كلّ بيئة عملٍ ناجحةٍ. ومع تكرار هٰذا النّمط من التّفاعل، يبدأ الحافز الدّاخليّ بالانطفاء شيئاً فشيئاً، إذ يشعر العامل أنّ جهوده تهمل، وأنّ أيّ خطأٍ بسيطٍ سيستغلّ للسّخرية منه لا لتقويمه. ويتحوّل العمل في نظره من مساحةٍ للتّعبير والإنجاز إلى ساحةٍ لتجنّب الإحراج وحماية الذّات من الإهانة.

ولأنّ الإنسان يسعى بطبعه إلى التّقدير والقبول، تحدث الإهانة العلنيّة جرحاً نفسيّاً عميقاً يدفعه نحو الانسحاب العاطفيّ من عمله. ومع مرور الوقت، تتدهور جودة الأداء، ويتزايد الغياب غير المبرّر، وتتفكّك روح الفريق. وفي المقابل، يجد المدير المستهزئ نفسه محاطاً بموظّفين يعملون بدافع الخوف لا بدافع الحماس، وبمؤسّسةٍ تدار بالعقوبة لا بالتّحفيز.

ولا يقف أثر الإدارة الاستهزائيّة عند حدود الحافز الفرديّ، بل يمتدّ إلى نسيج العلاقات داخل الفريق. فحين يسمع الموظّفون سخرية المدير من زميلٍ لهم، ينشأ لديهم خوفٌ خفيٌّ من أن يكونوا الضّحيّة التّالية، فيختارون الصّمت على المشاركة، ويتراجعون عن طرح الأفكار خشية التّهكّم. وبمرور الوقت، تتحوّل الاجتماعات إلى جلساتٍ باردةٍ يغيب عنها الحوار البنّاء، ويتراجع الإبداع ليحلّ مكانه الجمود. وهٰكذا تصاب الطّاقة الجماعيّة بالشّلل، ويستبدل الانفتاح بالتّوجّس، فيضعف النّموّ المهنيّ للمؤسّسة بأكملها. [2]

كيف يمكن معالجة ظاهرة الإدارة الاستهزائية؟

يبدأ الإصلاح بالاعتراف بأنّ المشكلة ليست في «حسّ الدّعابة»، بل في ثقافةٍ مريضةٍ تخلط بين الصّراحة والإهانة. لذا ينبغي أن تضع الإدارة العليا سياساتٍ واضحةً وصارمةً تجرّم أيّ شكلٍ من أشكال السّخرية أو التّقليل من الشّأن في مكان العمل، وأن توفّر قنواتٍ آمنةً تمكّن الموظّفين من الإبلاغ عن تلك السّلوكيّات من دون خوفٍ من الانتقام. فغياب المساءلة يشجّع على تكرار السّلوك المؤذي، بينما الوضوح في القواعد يحمي كرامة الجميع.

وفي الوقت ذاته، يجب أن يدرّب القادة على مهارات التّواصل الإيجابيّ، وعلى استخدام الذّكاء العاطفيّ في التّفاعل مع الآخرين. فالمدير القادر على توجيه النّقد بلباقةٍ هو من يحدث التّغيير الحقيقيّ، إذ يوازن بين الصّراحة والاحترام، وبين التّوجيه والاحتواء. ومن الضّروريّ أيضاً أن يتعلّم القائد فنّ التّغذية الرّاجعة البنّاءة، الّتي تركّز على تطوير الأداء عبر توضيح نقاط التّحسين لا عبر تعيير الأخطاء.

ولكي تستأصل جذور الإدارة الاستهزائيّة، يجب ترسيخ ثقافة التّقدير داخل المؤسّسة، بحيث يتحوّل الثّناء إلى ممارسةٍ يوميّةٍ لا مجاملةٍ استثنائيّةٍ. فحين يشعر الموظّف أنّ جهوده مرئيّةٌ ومقدّرةٌ، تنمو لديه الرّغبة الفطريّة في الإبداع، ويتراجع الخوف الّذي تغذّيه السّخرية. ومع الوقت، يزهر العمل الجماعيّ، وتتحوّل المؤسّسة إلى بيئةٍ قائمةٍ على الثّقة والانتماء.

الخاتمة

تثبت التّجربة أنّ الإدارة الاستهزائيّة لا تنتج سوى مؤسّساتٍ متوتّرةٍ وفرقٍ منهكةٍ وموظّفين فاقدي الشّغف. فالقائد الّذي يسخر من فريقه لا يدرك أنّه يهدم المعنويّات قبل أن يطلب النّتائج، ويزرع الخوف في نفوس من يفترض أن يلهمهم. أمّا القائد الإنسانيّ، فيفهم أنّ الكلمة الطّيّبة تبني ما لا تبنيه السّلطة، وأنّ الاحترام قوّةٌ مضاعفةٌ تعيد تعريف القيادة.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما أبرز العلامات التي تدل على وجود الإدارة الاستهزائية في بيئة العمل؟
    تظهر الإدارة الاستهزائية من خلال التّعليقات السّاخرة المتكرّرة، والاستهزاء بأخطاء الموظفين علناً، والمقارنات المهينة بينهم، وإهمال جهودهم أو التّقليل من شأنهم في الاجتماعات. كما يشعر الفريق بالخوف والجمود بدل الحماس والمبادرة، ممّا يعكس غياب الثّقة والأمان النّفسيّ.
  2. كيف يمكن للموظف التعامل مع مدير يستخدم أسلوب الإدارة الاستهزائية؟
    ينبغي للموظّف أن يحافظ على هدوئه وألّا يرد بالسّخرية، وأن يوثق المواقف المسيئة بشكلٍ مهنيٍّ. ويمكنه أيضاً التّحدّث مع المدير بشكلٍ مباشرٍ في وقتٍ مناسبٍ لإيضاح الأثر النّفسيّ لهذا السّلوك، أو اللّجوء إلى الموارد البشريّة إن استمرّ الوضع دون تحسّنٍ.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: