الرئيسية ستارت أب لماذا سيكون "اليونيكورن" السعودي القادم على الأرجح شركة تكنولوجيا مالية مبنية على نموذج الخدمات المصرفية؟

لماذا سيكون "اليونيكورن" السعودي القادم على الأرجح شركة تكنولوجيا مالية مبنية على نموذج الخدمات المصرفية؟

حين تتّجه منظومة التكنولوجيا المالية في المملكة نحو مستويات نضجٍ أعمق، تبرز البنية التحتية المصرفية كخدمة (BaaS) كسكّةٍ استراتيجيّةٍ تمهّد لظهور شركاتٍ عملاقةٍ قادرةٍ على التّوسّع بسرعةٍ وثقةٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

يشكّل تقدّم التكنولوجيا المالية في المملكة العربية السعودية جزءاً من الإيقاع اليومي للبلاد اليوم، والأرقام التي تعكس ذلك باتت لافتة بوضوح. إذ يفيد البنك المركزي السعودي "ساما" (SAMA) بأن المدفوعات الإلكترونية شكّلت 79% من معاملات التجزئة في عام 2024، مرتفعة من 70% في عام 2023، مع وصول المدفوعات غير النقدية إلى 12.6 مليار عملية خلال العام. وقد ارتفع عدد شركات التكنولوجيا المالية إلى نحو 261 شركة بحلول نهاية 2024، مما يعكس عمقاً متزايداً في مجتمع البنّاءين (builders).

وفي الوقت نفسه، يواصل "المختبر التنظيمي" (Regulatory Sandbox) التابع لـ "ساما" عمله كمسار تجاري حي، مع وجود 25 شركة في مرحلة الاختبار تحت الإشراف، وما يقرب من 50 شركة تم السماح لها بالمرور عبره منذ إطلاقه عام 2018. وبالنظر إلى الصورة العامة، فإن هذه الأرقام تصف سوقاً اكتسبت قوة فعلية وتتحرك بسرعة واضحة.

ومع تسارع هذا الزخم، يتحوّل السؤال من "ما هي الخدمات التي يتبنّاها المستهلكون؟" إلى "أين سيتم خلق القيمة المستدامة؟" و"أي نوع من الشركات هو الأقرب للوصول إلى نطاق مؤثر في هذا المشهد؟". فهناك قصة ثانية تجري بالتوازي مع قصة تبنّي المستهلك، وهذه القصة تقع في طبقة أعمق من بنية السوق، وغالباً ما تظهر الشركات التي تعيد تشكيل السوق من تلك الطبقة العميقة.

في عالم التكنولوجيا المالية، تكمن هذه الطبقة العميقة في البنية التحتية. فهي تحدد مدى سرعة بناء المنتجات الجديدة، ومدى أمان اختبارها، ومدى قدرة الشركات على التوسع بثقة. وكل منظومة تكنولوجيا مالية تصل إلى لحظة تصبح فيها "السكك" الموجودة تحت السطح مهمة تماماً بقدر أهمية التجارب الظاهرة فوقها. وعندما تحين تلك اللحظة، فإن الشركات الأكثر ترجيحًا للتحوّل إلى شركات يونيكورن هي تلك التي تبني على أسس مصرفية جديدة تجعل الابتكار أسرع وأسهل داخل النظام.

وتبيّن التجربة العالمية للتكنولوجيا المالية ذلك بوضوح. إذ تقود الموجات الأولى عادةً منتجاتٌ استهلاكية واضحة لأنها سهلة الفهم ومرتبطة بعادات جديدة. وبمرور الوقت، تنتقل القيمة إلى الأسفل نحو البنية التحتية، لأن الشركات الأكثر استدامة هي تلك التي تبسّط الأجزاء الصعبة من الخدمات المالية للجميع. فقد نمت "سترايب" (Stripe) لتصبح عملاقاً بعدما جعلت المدفوعات شيئاً يمكن للمطورين دمجه بسرعة وبموثوقية. وأصبحت "بلَيد" (Plaid) ركيزة صامتة لازدهار التكنولوجيا المالية في الولايات المتحدة من خلال توفير وصول آمن لبيانات البنوك. بينما توسّعت "سولاريس" (Solaris) في أوروبا عبر تقديم طبقة مصرفية منظمة تتيح للشركات الأخرى إطلاق منتجات دون الحاجة إلى أن تصبح بنوكًا بحد ذاتها. لقد بُنيت هذه الشركات حول فكرة أن تكون مفيدة للبنّاءين الآخرين؛ وقد تضاعفت قيمتها بمرور الوقت نتيجة لذلك.

وتدخل المملكة العربية السعودية الآن المرحلة التي يمكن لهذا النمط أن يتكرر فيها؛ فالتمويل الرقمي أصبح سائداً، والاستخدام بلغ مستويات مرتفعة، والسياسات كانت مستقرة بما يكفي ليخطط المؤسسون بثقة. وتدعم التحركات العملية مثل توسيع قبول المحافظ الرقمية والمدفوعات الاتجاه العام نحو نظام مالي حديث. أما التطور الأكثر أهمية فهو أنّ بناء منتجات التكنولوجيا المالية في المملكة أصبح أسهل هيكليّاً. فمسارات المختبر التنظيمي تمنح الفرق طريقاً أكثر أماناً ووضوحاً للتحقق من المنتجات مبكراً. وتمنح قواعد الحوسبة السحابية وضوحاً حول كيفية تصميم حلول قابلة للتوسع منذ اليوم الأول. هذا الوضوح يزيل الاحتكاك الذي كان يبطئ المؤسسين سابقاً، خصوصاً فيما يتعلق بالوصول، والجداول الزمنية، والمخاطر الأولية.

وهنا يظهر دور الخدمات المصرفية كخدمة (Banking-as-a-Service — BaaS) كميزة عملية. إذ تمكّن الـ BaaS الشركات الناشئة من تقديم خدمات مصرفية منظمة عبر واجهات برمجة التطبيقات (APIs) مع الاعتماد على مؤسسات مرخصة وبنية متوافقة تعمل في الخلفية. تصبح الحسابات، المحافظ، المدفوعات، الإقراض، وغيرها من الخدمات وحدات جاهزة يمكن للفِرَق دمجها واختبارها وتحسينها بسرعة. والنتيجة أن التكنولوجيا المالية تبدأ في العمل بشكل يشبه بناء البرمجيات، مع نماذج أولية أسرع ومسارات امتثال أوضح. وفي السعودية، حيث النظام المصرفي قوي ولكنه كان تقليديّاً ثقيلاً أمام الداخلين الجدد، تقلّل الـ BaaS العوائق المبكرة وتقصّر المسافة بين الفكرة الجيدة والإطلاق الفعلي.

ويمكن رؤية هذه المرحلة من البنية التحتية تتشكل عبر منصات مصممة ليستخدمها العديد من المؤسسين، وليس فريق واحد فقط؛ فالبيئة التجريبية الجديدة التي كشفت عنها "جيل" (Jeel) -الذراع الابتكارية الرقمية لـ "بنك الرياض" (Riyad Bank)- تمثل مؤشراً مهماً. فهي توفر بيئة مشتركة تستطيع فيها شركات التكنولوجيا المالية التحقّق من منتجاتها بأمان، بدءاً من اختبار واجهات الـ APIs ووصولاً إلى قدرات المحافظ كخدمة، ومع مرور الوقت قدرات كاملة للخدمات المصرفية كخدمة.

وتعتمد المنصة على بنية سحابية أصلية وقابلة للتكوين (composable) متوافقة مع لوائح السحابة السعودية، كما أن شراكتها مع "مامبو" (Mambu) -منصة الخدمات المصرفية السحابية العالمية الأصلية التي يقودها في الشرق الأوسط "هارچيت كانغ" (Harjit Kang)- تجلب طبقة مصرفية معيارية متكاملة إلى هذه البيئة. لكن ما ينبغي ملاحظته حقاً هو ما تسمح به هذه البنية التحتية المشتركة للسوق. فعندما تنضغط المسافة بين البناء الأولي للمؤسس وبين الإطلاق المتوافق، تصبح السرعة ميزة تنافسية متاحة لعدد أكبر من الفرق، والأسواق التي يصبح فيها الاختبار أرخص عادةً ما تنتج الشركات التي تعيد تشكيل الفئات.

إذن، كيف يمكن أن يبدو "اليونيكورن السعودي التالي"؟ على الأرجح سيكون شركة يقودها مؤسسون يعاملون سكك الـ BaaS كنقطة انطلاق، ويستخدمون هذا التقدم لحل مشكلة بحجم السوق السعودي بسرعة. الفرص واضحة إذا تابعت اتجاه الاقتصاد الوطني: التمويل المضمّن داخل قطاعات تتوسع بسرعة مثل اللوجستيات، السياحة، والعقارات؛ خدمات الشركات الصغيرة والمتوسطة المبنية حول أنماط التدفق النقدي المحلية بدل النماذج المستوردة؛ حلول عبر الحدود مرتبطة بممرات التجارة والتنقل التي تعززها المملكة؛ والتمويل الإسلامي الرقمي الذي يحافظ على مبادئه مع تقديم تجربة حديثة وبسيطة. هذه طموحات كبيرة، لكنها تصبح أكثر قابلية للتحقق عندما تكون السكك التحتية مشتركة ومتوافقة وجاهزة للتوسع.

تظهر شركات اليونيكورن عندما تُجمع شروط التوسع الفائق بشكل جيد. وتقوم السعودية بذلك عبر تنظيم أوضح، ومسار تجربة ثابت عبر المختبر التنظيمي، ومنصات متوافقة مع السحابة، وأسس مصرفية معيارية يمكن للمؤسسين البناء عليها بدل إعادة بنائها. ومع استقرار هذه العناصر، يرى المستثمرون مسارات أوضح للتوسع، ويرى أصحاب المواهب تحديات تستحق العمل عليها، ويبدأ المؤسسون من نقطة أعلى في منحنى التقدّم.

وستستمر المملكة في إنتاج منتجات تكنولوجيا مالية استهلاكية قوية، وسيستفيد السوق منها. لكن الشركات التي ستحدد العقد المقبل ستكون على الأرجح تلك التي تأتي من الطبقة الأعمق التي تجعل تلك المنتجات ممكنة؛ لأن الميزة المتراكمة تعيش في تلك الطبقة. وتصبح الخدمات المصرفية كخدمة جزءاً من تلك الطبقة في المملكة. وإذا كانت التجربة العالمية للتكنولوجيا المالية دليلاً، فإن هذه اللحظة غالباً ما تسبق ظهور أول شركة يونيكورن بقيادة البنية التحتية في السوق، مدعومة بمؤسسين يبنون على السكك مبكراً ثم يتوسعون بثقة.

حول الكاتب

"هارچيت كانغ" (Harjit Kang) هو رئيس منطقة الشرق الأوسط لدى "مامبو" (Mambu)، المنصة السحابية المصرفية الوحيدة الحقيقية بنموذج البرمجيات كخدمة (SaaS). يقود كانغ حضور "مامبو" في الشرق الأوسط، مشرفاً على العروض التجارية ودعم العملاء والتوسع الإقليمي. ومع ما يقرب من 10 سنوات من الخبرة في تقنيات الحوسبة السحابية، يمتلك سجلاً قويّاً في بناء وتوسيع حلول مصممة خصيصاً للشرق الأوسط ومنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 7 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: