الرئيسية الاستدامة كيف تحوّل النفايات الإلكترونية إلى أرباح خضراء؟

كيف تحوّل النفايات الإلكترونية إلى أرباح خضراء؟

في ظلّ تسارع التّحوّل الرّقميّ، تمثّل النفايات الإلكترونية تحديّاً بيئيّاً واقتصاديّاً يتطلّب حلولاً مبتكرةً لتحويلها إلى موارد مستدامةٍ تخلق فرصاً استثماريّةً خضراء

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تمثل النفايات الإلكترونية تحديّاً بيئيّاً واقتصاديّاً متنامياً في ظلّ التّحوّل الرّقميّ المتسارع، ما يستوجب التّفكير الجادّ في سبل معالجتها بطرقٍ تتّسم بالاستدامة والكفاءة، إذ لم تعد تلك المخلفات عبئاً يُثقل كاهل البيئة فحسب، بل أضحت مورداً كامناً يمكن، من خلال استراتيجيّات إعادة التّدوير المبتكرة، تحويله إلى فرصةٍ استثماريّةٍ تولّد أرباحاً خضراء وتدعم الاقتصاد الدائري. ويتطلّب هذا التّحوّل وعياً بأهميّة إعادة التدوير ليس فقط من منظورٍ بيئيٍّ، بل من حيث الجدوى الاقتصاديّة التي تترتب عليها، فضلاً عن إدراك التّحديّات التّقنيّة والبنيويّة والتّنظيميّة الّتي قد تعترض طريقه، ممّا يدفع نحو تبنّي حلولٍ متقدّمةٍ قادرةٍ على استخلاص المواد القابلة لإعادة الاستخدام من الأجهزة المهملة بفعاليّةٍ، لتُعاد إلى دورة الإنتاج بقيمةٍ مضافةٍ، ممّا يعزّز من كفاءة الموارد ويُسهم في بناء مستقبلٍ أكثر توازناً بين التّكنولوجيا والبيئة.

مفهوم النفايات الإلكترونية E-Waste

تمثل النفايات الإلكترونية (E-Waste) نتاجاً لتخلّي الأفراد والمؤسّسات عن الأجهزة الكهربائيّة والإلكترونيّة التي فقدت صلاحيّتها أو لم تعد مرغوبةً، وتشمل طيفاً واسعاً من المعدّات المنزليّة والتّجاريّة الّتي تعتمد في تشغيلها على الكهرباء أو البطاريّات، ممّا يجعلها مصدراً متنوّعاً ومعقّداً من المخلّفات. وتندرج هذه الأجهزة ضمن 6 فئاتٍ رئيسيّةٍ تشمل: معدّات التّبريد، والشّاشات، والمصابيح، والمعدّات الكبيرة والصّغيرة، فضلاً عن أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات.

تتباين دورة حياة كلّ فئةٍ من هذه الفئات بما ينعكس على حجم النّفايات النّاتجة عنها، وقيمتها الاقتصاديّة، ومدى تأثيرها على البيئة وصحّة الإنسان. كما أنّ اختلاف طبيعة هذه الأجهزة يستدعي تنوّعاً في تقنيات إعادة التدوير وآليّات الجمع والنّقل، ممّا يضيف تحديّاتٍ متعدّدةً إلى سلسلة المعالجة تتطلّب حلولاً متخصّصةً تراعي الخصائص الفنيّة لكلّ نوعٍ من النّفايات وتوازن بين الكفاءة البيئيّة والعائد الاقتصاديّ. [1]

كيف تحول النفايات الإلكترونية إلى أرباح خضراء؟

يشكّل تحويل النفايات الإلكترونية إلى أرباح خضراء مساراً واعداً يقوم على إعادة تدوير مكوّناتها واستخلاص المعادن الثّمينة الكامنة فيها، كالنّحاس والذّهب والفضّة، حيث تُعاد معالجة هذه المواد لتُوظّف مجدّداً في تصنيع أجهزةٍ جديدةٍ، ممّا يحدّ من الاعتماد على عمليّات التّعدين التّقليديّة ويقلّل من الأثر البيئيّ المصاحب لها. ولا تقتصر مكاسب هذا التّحوّل على البعد البيئيّ فحسب، بل تمتدّ لتفتح آفاقاً اقتصاديّةً واسعةً في مجالات الجمع، والفرز، والمعالجة الصّناعيّة، ممّا يخلق فرص عملٍ جديدةٍ ويعزّز من نموّ قطّاعاتٍ خضراء ناشئةٍ.

وتشهد العديد من الدّول والمبادرات توجّهاً متصاعداً نحو الاستثمار في هذا المجال، إدراكاً لما يحقّقه من توازنٍ بين حماية البيئة وتعظيم العائد الاقتصاديّ، لتغدو المخلّفات التّقنيّة -بعد أن كانت عبئاً متصاعداً- مورداً استراتيجيّاً يحمل قيمةً مضافةً ويخدم أهداف التنمية المستدامة. [2]

طرق إعادة تدوير النفايات الإلكترونية

تعتمد إعادة تدوير النفايات الإلكترونية على سلسلةٍ من العمليّات المنظّمة الّتي تهدف إلى استخلاص المواد المفيدة وتقليل الأثر البيئيّ، وهي كالتّالي: [3]

مرحلة التجميع والنقل المنظم

تنطلق رحلة إعادة التدوير من مراحل الجمع الدّقيقة، حيث تُخصّص نقاط استقبالٍ معتمدةٌ تشمل صناديق إلكترونيّة ذكيّةً أو متاجر إلكترونيّات مرخّصةً، تُراعى فيها الاشتراطات البيئيّة والقانونيّة المعتمدة في كلّ دولةٍ، ممّا يضمن التّعامل الآمن مع هذه النّفايات الحسّاسة. ويُعدّ التّخلص العشوائيّ من الأجهزة الإلكترونيّة ضمن النّفايات العامّة ممارسةً خطيرةً تؤدّي إلى تسّرب مواد سامّةٍ وتفويت فرص استرجاع موارد ثمينةٍ، ما يجعل من الضّروري تسليمها إلى الجهات المختصّة.

ومع تطوّر التّكنولوجيا، باتت بعض الأنظمة الذّكيّة تُمكّن من تتبّع امتلاء الحاويات وتوجيه المواطنين إلى أقرب نقطةٍ فارغةٍ بمرونةٍ وفعاليّةٍ، الأمر الّذي يُحسّن كفاءة الجمع، ويُهيّئ الظّروف المثلى لنقل هذه الأجهزة لاحقاً إلى مرافق معالجةٍ متخصّصةٍ، حيث تبدأ مراحل الفرز والاستخلاص في بيئةٍ تراعي أعلى معايير السلامة والاستدامة.

الفرز والتفكيك الأولي

ما إن تُجمَع النفايات الإلكترونية وتُنقل إلى المرافق المختصّة، حتّى تبدأ مرحلةً دقيقةً من الفرز اليدويّ تهدف إلى استخراج العناصر الحسّاسة الّتي تتطلّب معالجةً خاصّةً، مثل البطاريات والمصابيح، نظراً لاحتوائها على مواد سامّة أو خطرةٍ تستدعي عنايةً استثنائيّةً. وتترافق هذه العمليّة مع تفكيكٍ منهجيٍّ لبعض الأجهزة بهدف استعادة مكوّناتٍ عالية القيمة، كالشّرائح الإلكترونيّة والمعالجات الدّقيقة، الّتي تمثّل مورداً تقنيّاً واقتصاديًا ثمينًا. ويُعدّ هذا الفرز خطوةً محوريّةً في تقليص مستويّات التّلوّث، وضمان عزل المواد الضّارة عن الدّورة البيئيّة، فضلاً عن تهيئة الطّريق أمام إعادة الاستخدام المباشر للمواد القابلة للتّدوير، ممّا يعزّز من كفاءة العمليّة برمّتها ويزيد من فاعليّتها البيئيّة والاقتصاديّة في آنٍ معاً.

المعالجة الميكانيكية

تخضع الأجهزة الإلكترونية بعد فرزها وتفكيكها إلى مرحلة التّفتت باستخدام آلاتٍ متخصّصةٍ تُجزّئها إلى قطعٍ صغيرة الحجم، ممّا يُسهّل لاحقاً تطبيق تقنيات الفصل الدّقيقة الّتي تعتمد على التّميّيز بين مكوّنات المواد المتعدّدة الّتي تحتويها هذه الأجهزة. ويُعتبر تقليل حجم المكوّنات خطوةً جوهريّةً في تسريع عمليّة المعالجة وزيادة فعاليّتها، لا سيما عند فرز المعادن الثّمينة والبلاستيك والمواد الأخرى، إذ يعزّز هذا التّقسيم الدّقيق من كفاءة استخلاص الموارد ويُسهم في تحسين جودة المواد المُعاد تدويرها بما يتوافق مع متطلّبات الصّناعة والبيئة.

فصل المواد بالوسائل الفيزيائية

تتضمّن هذه المرحلة اعتماد تقنياتٍ متقدّمةٍ للفصل تساهم في استخلاص المواد الثّمينة بدقّةٍ وكفاءةٍ، حيث يُستخدم الفصل المغناطيسيّ لعزل المعادن الحديديّة كالحديد والصّلب، فيما تعتمد تقنية التّيارات الدّواميّة على تحفيز فصل المعادن غير الحديديّة، مثل: الذّهب والنّحاس بدقّةٍ عاليةٍ. إلى جانب ذلك، تسهم تقنية الفصل بالماء في فصل البلاستيك عن الزّجاج، ممّا يضمن الاستفادة القصوى من المخلّفات وتقليل الفاقد إلى أدنى حدٍّ ممكنٍ، وهو ما يعزّز من القيمة الاقتصاديّة للمواد المُعادة ويُسهم في تحقيق استدامةٍ بيئيّةٍ حقيقيّةٍ.

مرحلة الاستعادة وإعادة الاستخدام

تتوّج المرحلة الأخيرة بإرسال المواد المفصولة إلى مصانع متخصّصةٍ تقوم بصهر المعادن وإعادة تصنيع البلاستيك، حيث تُعاد معالجة بعض المكوّنات الصّالحة مباشرةً لتُطرح كموادٍ خامٍّ أو تُستخدم في تصنيع أجهزةٍ جديدةٍ، ممّا يسهم في تقليل الاعتماد على الموارد الطّبيعيّة واستنزافها، ويُحقّق عوائد اقتصاديّةٍ ملموسةٍ تعزّز من جدوى وفعاليّة عمليّة تدوير النفايات الإلكترونية، فتتحوّل بذلك المخلّفات إلى رافدٍ مستدامٍ يدعم الصّناعة ويحافظ على البيئة في آنٍ واحدٍ.

أهمية إعادة تدوير النفايات الالكترونية 

تمثل إعادة تدوير النفايات الإلكترونية خطوةً أساسيّةً نحو بناء مستقبلٍ مستدامٍ يحمي البيئة ويصون الصّحّة العامّة، إذ تسهم هذه العمليّة في الحدّ من التّلوّث النّاجم عن المواد السّامة المتواجدة في الأجهزة المهملة، كالمعادن الثّقيلة مثل: الزّئبق والرّصاص. وبديلاً عن تراكم الحواسيب والهواتف القديمة في المكبّات الّتي تهدّد التّربة والمياه، يتم استعادة مكوّناتها القيّمة كالمعادن النّفيسة مثل: الذّهب والنّيكل والألمنيوم، لتُعاد توظيفها في صناعة منتجاتٍ جديدةٍ تقلّل من الحاجة إلى استخراج الموارد الطّبيعيّة المحدودة.

علاوةً على ذلك، تستهلك إعادة التدوير طاقةً أقلّ مقارنةً بعمليّات التّعدين التّقليديّة، وتحدّ من انبعاثات الكربون، مسهمةً بذلك في جهود مكافحة التّغيّر المناخيّ. ولا تقتصر الفوائد على البعد البيئيّ فقط، إذ تدعم المعادن المُعاد تدويرها محليّاً الصّناعات التّحويليّة وتحمي سلاسل الإمداد من الاضطرابات الجيوسياسيّة، ممّا يجعل من تحويل النفايات الإلكترونية إلى موارد عمليّةٍ ضروريّةٍ وملحة على المستويين البيئيّ والاقتصاديّ.

هل تعد عملية استخراج النفايات الإلكترونية مربحة؟

تُعد إعادة تدوير النفايات الإلكترونية مشروعاً واعداً ومربحاً، حيث يمكن أن يحقّق هامش ربحٍ مرتفعاً يصل إلى 90%، ممّا يتيح استرداد رأس المال في فترةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ نسبيّاً، إلّا أنّ تحقيق هذه الرّبحيّة يعتمد على عوامل متعدّدةٍ، من أبرزها: التّوازن الدّقيق بين الإيرادات والنّفقات خلال الأشهر الأولى من التّشغيل. ويُعدّ تقدير العائدات بدقّةٍ في المراحل المبكّرة تحديّاً ملحوظاً، لذا يصبح الاحتفاظ بسجلّاتٍ ماليّةٍ دقيقةٍ للدّخل والمصروفات أمراً حيويّاً لتقييم الأداء بشكلٍ مستمرٍّ، ما يُمكّن من اتّخاذ قراراتٍ استراتيجيّةٍ مدروسةٍ تسهم في تحسين العوائد وضبط الخطط التّشغيليّة عند الحاجة. وفي هذا السّياق، يتطلّب الاستثمار في قطّاع إعادة التدوير تخطيطاً ماليّاً محكماً يضمن استدامة المشروع وتحقيق أرباح مستدامة على المدى الطّويل. [4]

تحديات إعادة تدوير النفايات الإلكترونية

تواجه عمليّة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية العديد من التّحديّات التّقنية والبيئيّة والاقتصاديّة، رغم أهميّتها المتزايدة. وفيما يلي أبرز المعوقات الّتي تُبطئ من تطوّر هذا القطّاع الحيويّ:  

  • تصميم غير ملائم: الأجهزة الحديثة معقّدةٌ وتُصعّب عمليّة التّفكيك وإعادة التدوير. 
  • محدوديّة المواد القابلة للاسترجاع: لا يُستخلص إلا جزءٌ بسيطٌ من العناصر الكيميائيّة الموجودة.
  • مخاطر صحيّة: يُعرّض الفرز اليدويّ العمّال لمواد ضارّةٍ على المدى الطّويل.
  • تكلفة تحديث المعدات: يُثقل التغيّر المستمرّ في التّكنولوجيا كاهل منشآت التّدوير.
  • ضعف التّعاون الصّناعيّ: يثني غياب الحوافز المصنّعين عن تصميم أجهزةٍ قابلة للتدوير.  
  • قلة الوعي والبنية التّحتيّة: نقص الإمكانيّات والوعي المجتمعيّ يعيق جهود التدوير.

في ختام سطورنا، نُذكّر بأنّ النفايات الإلكترونية تمثّل تحديّاً وفرصةً في آنٍ واحدٍ؛ فهي مصدرٌ لمواد قيّمةٍ إذا أُحسن استغلالها، وعبءٌ بيئيٌّ إذا أُهملت. ومن خلال الإدارة الواعية والتّقنيات الحديثة، يمكننا تحويل هذا النّوع من النّفايات إلى موردٍ مستدامٍ يدعم البيئة والاقتصاد معاً.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما هي أكثر المواد قيمة في النفايات الإلكترونية؟
    تحتوي النفايات الإلكترونية على معادن ثمينةٍ، مثل: الذهب والفضة والنحاس، وتُعتبر من أهمّ الموارد القابلة للاسترجاع في عمليّات إعادة التّدوير، ممّا يجعلها مربحةً ومهمّةً اقتصاديّاً.
  2. هل يمكن إعادة تدوير جميع أنواع الأجهزة الإلكترونية؟
    ليست كلّ الأجهزة قابلة لإعادة التدوير بسهولةٍ، فبعضها يحتوي على مكوّناتٍ معقّدةٍ أو غير قابلةٍ للفصل، ولكن معظم الأجهزة تحتوي على مواد يمكن استعادتها باستخدام التّقنيات المناسبة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: