الرئيسية تكنولوجيا ذكاء اصطناعي يُخطئ والبنك يعتذر: البشر ما زالوا ضرورة!

ذكاء اصطناعي يُخطئ والبنك يعتذر: البشر ما زالوا ضرورة!

حين تُعلَن الوعود بخفض الجهد وتبسيط المسار عبر الخوارزميات، تُعيد الأخطاء المتلاحقة تذكير المؤسّسات أنّ الابتكار لا يكتمل من دون البصمة البشرية

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذ المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة هنا.

في الشّهر الماضي، كان المشهد في بنك الكومنولث الأسترالي (CBA) مألوفاً إلى حدٍّ كبيرٍ، إذ وجد نحو 45 موظّفاً من العاملين في خدمة العملاء أنفسهم خارج وظائفهم، بعدما قرّرت المؤسّسة الماليّة أن تتحوّل إلى الاعتماد على حلٍّ تقنيٍّ قائمٍ على الذكاء الاصطناعي.

ولم يمرّ وقتٌ طويلٌ حتى شرع البنك في التّباهي بما اعتبره إنجازاً باهراً لنظامه الصّوتيّ الذّكيّ، معلناً أنّه نجح في تقليص حجم الاتصالات الواردة بمعدّل ألفي اتّصالٍ أسبوعيّاً. غير أنّ ما وقع لاحقاً كان حدثاً نادراً بكلّ المقاييس، إذ اضطُر البنك إلى أن يطلب من الموظّفين الّذين سرّحهم أن يعودوا إلى مواقع عملهم، بعد أن تبيّن له أن الذكاء الاصطناعي لم يكن قادراً على الاضطلاع بالمهامّ المنوطة به. وقد أصدر البنك اعتذاراً رسميّاً للموظّفين المتأثّرين، مقترناً بعرضٍ صريحٍ للعودة إلى أعمالهم، مع التّأكيد في الوقت نفسه على الالتزام بدفع التّعويضات الموعودة لأولئك الّذين يفضّلون المضيّ في خيار المغادرة.

لكنّ النّقابة الممثّلة للعاملين المسرّحين كشفت أن ما أعلنه البنك من نجاحٍ لم يكن سوى محض ادّعاءٍ؛ فقد رفعت القضية إلى لجنة العمل العادل الأستراليّة، الّتي تُعَدّ بمثابة النّظير المؤسّسيّ للجنة تكافؤ فرص العمل في الولايات المتّحدة، وهي الجهة المخوّلة بفرض قوانين مكافحة التّمييز في بيئة العمل. وجاء في بيان النّقابة: "لقد أكّد لنا أعضاؤنا أنّ الادّعاء بتقليص حجم المكالمات لم يكن سوى كذبةٍ صريحةٍ لا تعكس الواقع الفعليّ لما كان يحدث في إدارة الخدمات المصرفيّة المباشرة؛ فقد كانت المكالمات في الواقع آخذةً في الازدياد، وكان البنك يهرع إلى معالجة الأزمة عبر عرض العمل الإضافيّ على الموظّفين، بل وتكليف قادة الفرق أنفسهم بالرّدّ على الاتّصالات".

وفي تصريحٍ موجّهٍ إلى وكالة بلومبرغ، أقرّ البنك بأنّ قراره القاضي بالاستغناء عن موظّفي خدمة العملاء لم يراعِ بصورةٍ كافيةٍ جميع الاعتبارات التّجاريّة ذات الصّلة، وأنّ هذا الخطأ قاد إلى نتيجةٍ مفادها أنّ تلك الوظائف لم تكن "زائدةً عن الحاجة" على النّحو الّذي صُوّر به الأمر.

ولا يُعَدّ بنك الكومنولث الأسترالي أوّل مؤسّسةٍ ترتمي في أحضان الذكاء الاصطناعي لإحلال الآلة محلّ الإنسان، لتكتشف لاحقاً أنّ اليد البشريّة ما تزال عصباً لا غنى عنه. فمنذ عامين، أعلن سيباستيان سييمياتكوفسكي، الرّئيس التّنفيذيّ لشركة كلارنا، أنّه يرغب في أن تكون شركته "أرنب التّجارب المفضّل" لدى OpenAI، ماضياً في تجميد التّوظيف، وساعياً إلى استبدال أكبر عددٍ ممكنٍ من الموظّفين بأنظمةٍ ذكيّةٍ مؤتمتةٍ.

غير أنّ الشّركة، وإن ظلّت مستمرّةً في استثماراتها التّقنيّة، أعادت النّظر في مقاربتها تجاه العنصر البشريّ. ففي مايو الماضي، أعلنت نيتها الشّروع في حملة توظيفٍ واسعةٍ، مؤكّدةً أنّ عملاءها سيظلّون دوماً قادرين على التّحدّث إلى ممثّلٍ بشريٍّ مباشرٍ كلّما رغبوا في ذلك.

وفي الاتّجاه نفسه، أعلنت Duolingo في مطلع هذا العام تحوّلها إلى سياسة "الأوّلويّة للذكاء الاصطناعي"، مؤكّدةً أنّها ستتوقف عن الاستعانة بالمتعاقدين الخارجيّين في المهامّ الّتي يمكن للآلة إنجازها، وأنّها لن تزيد عدد موظّفيها إلّا عندما تكون فرق العمل قد استنفدت جميع إمكانات الأتمتة الممكنة. غير أنّ هذه الخطوة قوبلت بعاصفةٍ من الانتقادات على منصّات التّواصل الاجتماعيّ. وأوضحت الشّركة أنّ معظم تلك الانتقادات صدرت عن أشخاصٍ لم يدركوا المعنى الحقيقيّ لمفهوم "الأوّلويّة للذكاء الاصطناعي". ومع ذلك، وجدت نفسها مضطرّةً إلى الاستمرار في محاولات احتواء ردود الفعل السّلبيّة حتّى مطلع هذا الشّهر، حين أكّد الرّئيس التّنفيذيّ للشّركة أنّ التّقنية لن تكون بديلاً عن القوى البشريّة.

وعلى نحوٍ موازٍ، كشف تقريرٌ صدر مؤخّراً عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أنّ ما نسبته 95% من المشاريع التّجريبيّة للذّكاء الاصطناعيّ داخل الشّركات قد باءت بالفشل حتّى الآن، من دون أن تحقّق أيّ أثرٍ ملموسٍ على مستويات الأرباح أو الخسائر.

ورغم كل هذه المؤشّرات، فإنّ التّوقعات ما تزال تشير إلى أنّ الذكاء الاصطناعي سيترك أثراً دراماتيكيّاً على سوق العمل العالميّ؛ فقد حذّر أرافيند سرينيفاس، الرّئيس التّنفيذيّ لشركة Perplexity، في يوليو الماضي من أنّ التّكنولوجيا قد تتمكّن من استبدال موظّفي التّوظيف والمساعدين الإداريّين في غضون 6 أشهرٍ فقط. وفي مايو، دقّ داريو أمودي، الرّئيس التّنفيذيّ لشركة Anthropic، ناقوس الخطر قائلاً إنّ الذكاء الاصطناعي قد يقضي على ما يقرب من 50% من وظائف المبتدئين في المهن المكتبيّة خلال خمس سنواتٍ مقبلةٍ، الأمر الّذي قد يدفع بمعدّلات البطالة إلى 10% و20%.

وأوضح أمودي أنّ تحذيره موجّهٌ بالدّرجة الأولى إلى المشرّعين وزملائه من روّاد صناعة الذكاء الاصطناعي، مضيفاً: "لا يدرك معظمهم أنّ هذا الأمر بات وشيك الحدوث. قد يبدو القول ضرباً من الجنون، وكثيرون لا يصدّقونه... غير أنّنا، نحن القائمين على إنتاج هذه التّكنولوجيا، نقف أمام واجبٍ أخلاقيٍّ ومسؤوليّةٍ حقيقيّةٍ تفرض علينا أن نكون صادقين في إيضاح ما ينتظر العالم".

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: