الرئيسية التنمية الكسل المنتج: سر الإبداع الذي لا يخبرك به أحد

الكسل المنتج: سر الإبداع الذي لا يخبرك به أحد

بينما يلهث الجميع لإنهاء المهام، يقف الكسالى ويبتكرون طرقاً أسرع... وربّما أكثر عبقريّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هل سبق لك أن شعرت بالذّّنب لجلوسك لفترة طويلة على الأريكة، متأمّلاً السّّقف أو تتصفح هاتفك بلا هدف؟ في عالم يعشّق السّّرعة والإنتاجية، أصبح الكسل مرادفاً للفشل والتّّراخي. لكن ماذا لو أخبرتك أن هذه اللّحظات الّتي تبدو بلا جدوى قد تكون في الواقع ضروريّة لعقلك وجسدك؟ نعم، الكسل قد يكون في بعض الأحيان هو المفتاح للإبداع وزيادة الإنتاجيّة! فبينما يتسابق الجميع لإنجاز مهامهم، قد تكون اللّحظات الّتي نأخذ فيها قسطاً من الرّّاحة هي الّتي تجعلنا نحقّق أكثر ممّا نتخيّل، لا تنظر إلى الرّّاحة على أنها ترف، إنّما كضروريّة.

الكسل المنتج: ماذا لو فعلت مثل نيوتن؟

يقدّم مفهوم الكسل المنتج الكسل بطريقة جديدة ومختلفة تماماً عن الصّورة النّمطيّة الرّاسخة لدينا عنه، ففي تلك اللحظات التّي تبدو وكأنّك لا تفعل فيها شيئاً، يقدّم عقلك العمل خلف الكواليس بذكاءٍ مذهل [1].

ذلك أنّك، حين تتوقّف عن الجرْي خلف المهام، وتجلس بلا هدفٍ واضح، يبدأ دماغك في الرّبط بين الأفكار، واستحضار الحلول، وربما حتى اختراع شيءٍ عبْقري وأنت مستلْقٍ على أريكتك، إنّه يشبه نوعاً من السّحر، حيث تكتشف أنّ أوقات "الاسترخاء العميق" يمكن أن تنتج أفكاراً أفضل من ساعاتٍ طويلةٍ من العمل المتواصل، لم لا؟ حتى نيوتن اكتشف الجاذبيّة عندما كان "يتكاسل" تحت شجرة التّفاح تلك!

العلاقة بين الرّاحة والإبداع

يقول عميد كتّاب الخيال العلمي الأميركي، روبرت أ. هاينلاين، إنّ التّقدّم لا يتحقّق من خلال الاستيقاظ المبكّر، إنّما من خلال الرّجال الكسالى الّذين يحاولون إيجاد طرقٍ أسهل للقيام بشيء ما.

قد تثير فكرة أن قائل هذا الكلام من أبرز كتّاب "الخيال العلمي" السّخْرية قليلاً، ماذا لو كان ما يقوله مجرد "خيال علمي"؟ في الحقيقة لا يبدو الأمر كذلك أبداً، حيث تشير دراسة أجرتها مؤسسة "It's Nice That"، يبدو أنّ الكسل ليس بالضّرورة ذلك العدو اللّدود الّذي طالما حذّرونا منه، في الواقع، يذهب التّقرير، الّذي يحمل عنوان "Lazy Report"، إلى أبعد من ذلك ليؤكّد أن الكسل الشديد قد يكون المفتاح السّرّي لتحفيز العقول الإبداعيّة وإطلاق العنان لأفكار مبتكرة [2].

ومن يدري؟ ربما تكون تلك اللّحظات الّتي نسترخي فيها على الأريكة، أو نستمتع بنزهة هادئة مع كلابنا، أو نغوص في كتابٍ بلا هدف سوى الاستمتاع، هي الّتي تمنحنا أفضل الإلهامات.

تشير دراسةٌ نشرتْها مجلة علم النّفْس عام 2014، أن الأطفال والبالغين الّذين يقضون وقتاً أطول في أنشطةٍ كسولةٍ مثل مشاهدة السّينما أو التّلفاز، كذلك في المشي لوقتٍ طويلٍ أو الجلوس بدون فعل شيءٍ، يميلون إلى امتلاك وظائف تنفيذيةٍ أكثر تطوّراً مثل التّخطيط وحلّ المشكلات بطريقةٍ إبداعيةٍ، مقارنةً بنظرائهم من مدمني العمل أو الدّراسة [3].

غالباً فإن السّبب وراء ذلك، هو أن الحصول على فترات من الرّاحة أو الكسل، يمكن أن يكون مفيداً جداً في تجديد الصّحة العقليّة، وتعزيز الفكر الإبداعيّ، بخلاف الانغماس في العمل أو الدّراسة لوقت طويل لدرجة الوصول إلى الاحتراق الوظيفيّ والإجهاد الذّهني.

كدليل واضح على أهمية الكسل لتعزيز الإبداع، لا يمكننا ولا بأي شكل تجاهل قصة شركة غوغل، الّتي أصبحت أيقونة الابتكار بفضل بيئة عملها المليئة بالمزايا الّتي تبدو وكأنها مصمّمة لتشجيع الكسل. 

طعام مجاني؟ موجود، خدمات غسيل الملابس؟ حاضر، صالة ألعاب رياضية؟ بالتّأكيد، بل وحتى غرف قيلولة مخصصة! كل ما قد تراه الشّركات التّقليدية كـ"عائق للإنتاجية" تحول في مكاتب جوجل إلى عوامل دفعت موظفيها نحو تحقيق إنجازات مذهلة، النّتيجة؟ إنتاجية أعلى، وأرباح قياسيّة جعلت من غوغل (أو بالأحرى شركتها الأم، ألفابت) واحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم.

الحقيقة أن جوجل تدرك أمراً جوهرياً: نحن نعيش في اقتصاد قائم على المعرفة، حيث يعتمد نجاح أي شركة على قدرتها على ابتكار أشياء جديدة وتقديمها للسوق، في عالم يتغير بسرعة البرق، الإبداع ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء والتّفوق، وهنا يظهر السّر؛ جوجل لا تعتمد فقط على توظيف أشخاص مبدعين، بل تذهب إلى أبعد من ذلك بتوفير بيئة عمل تحفّز الإبداع من خلال "أنشطة كسولة" مثل القيلولة، الألعاب، وحتى الانزلاق على الشرائح الملونة الّتي تزين مكاتبها [4].

هذا النّهج ليس مجرد رفاهية، بل استراتيجية مدروسة؛ الإبداع يحتاج إلى مساحة للتجول، للتفكير الحر، وللعب! ومن خلال هذه البيئة، تستمرّ جوجل في التّفوق ليس فقط على منافسيها، بل على نفسها أيضاً، لتثبت أن القليل من "الكسل المنتج" قد يكون الوصفة السّحرية للنّجاح.

كيف يمكن للكسل أن يزيد الإنتاجية؟

ينسب إلى مؤسّس شركة مايكروسوفت العملاقة، بيل غيتس، عبارة تقول إنّه يختار شخصاً كسولاً للقيام بعمل شاق، لأنّ هذا الشخص سيجد دائماً طريقة سهلة للقيام بذلك، وعلى الرّغم من تداول العبارة بشكل واسع دون وجود مصدر واضح لها، إلّا أنّها قد تحمل الكثير من الصّواب وفقاً لأبحاث علم النّفس.

يقول معظم علماء النّفس، إنّ أخذ استراحاتٍ قصيرة أو تخصيص وقتٍ للقيام بأنشطة لا تتطلّب مجهوداً ذهنياً كبيراً، مثل المشي أو التّأمل أو حتى "التّحديق في الفراغ"، يمكن أن يساعد في تحسين وظائف الدّماغ، مثل حلّ المشاكل والتّفكير الإبداعي، هذه اللّحظات من "الكسل المنتج" تتيح للدّماغ إعادة شحن طاقته، وترتيب الأفكار، وربط النّقاط التي قد تكون مشتّتة أثناء الانغماس في العمل المتواصل، وبالنّتيجة، يعود الشّخص إلى مهامه بمزيد من الوضوح والإبداع والقدرة على تحقيق نتائج أفضل في وقت أقل.
نعم قد يبدو الأمر وكأنّه تناقض غريب، لكنّ الكسل، إذا أحسن استثماره، يمكن أن يكون أداة قويّة لزيادة الإنتاجيّة، الفكرة ليست في التّوقّف عن العمل تماماً، بل في منح العقل والجسد لحظات من الرّاحة الذّكيّة الّتي تتيح لهما استعادة النّشاط والتّركيز.

وفقاً لدراسة نشرت عام 2015 في مجلة Journal of Health Psychology، يبدو أنّ الأشخاص الذين يميلون إلى قلّة النّشاط البدني قد يكونون في الواقع أكثر ذكاءً من أقرانهم محبّي النّشاط، الباحثون لم يكتفوا بهذا الاكتشاف المثير للجدل، بل صاغوا مصطلحاً أنيقاً لوصف هذه الظاهرة، أطلقوا عليه "الحاجة إلى الإدراك" (Need for Cognition)، الفكرة هنا أنّ هؤلاء الأشخاص ينجذبون إلى أنشطة تتطلب تفكيراً عميقاً وتحليلاً منطقياً، مثل حل الألغاز الذّهنية، أو التّعمق في النّقاشات الفلسفية.

وأظهرت الدّراسة أن الأشخاص ذوي معدل الذّكاء المرتفع يشعرون بالملل بدرجة أقل، ما يدفعهم إلى قضاء وقت أطول في التّفكير والتّأمل بدلاً من النّشاط البدنيّ، في المقابل، الأشخاص الأكثر نشاطاً بدنياً كانوا يجدون صعوبة في الجلوس بهدوء والتّعامل مع أفكارهم المجرّدة، ويفضّلون تحفيز عقولهم من خلال أنشطة حركية مثل الرّياضة، وبالتّالي من المنطقي أنهم أقلّ إنتاجيّة مقارنةً بالأشخاص الذين لا يقومون بأنشطة بدنية أي الكسالى من وجهة نظر المجتمع.

الدّراسة اعتمدت على استبيان لتقييم "الحاجة إلى الإدراك"، حيث قسّم المشاركون إلى مجموعتين: "مفكّرين" و"غير مفكّرين"، وبعدها، طلب منهم ارتداء أجهزة تعقب للنشاط لمدة أسبوع كامل، النّتائج كشفت أن المفكّرين كانوا أقلّ حركة وأكثر انغماساً في عوالمهم الذّهنية، بينما النّشطون بدنياً كانوا أكثر عرضة للملل عندما يضطرّون للجلوس دون نشاط ملموس [5].

ربّما حان الوقت لإعادة التّفكير في "الكسل"، فبينما ينظر إليه تقليديّاً كعيب، قد يكون في بعض الحالات مجرّد استراحة ذهنيّة يلتقط خلالها العقل الذّكي أنفاسه لابتكار أفكار عظيمة!

دعونا نمنح عقولنا فرصة للهدوء، وبدلاً من أن نلوم أنفسنا على لحظات التّوقّف، لنعتبرها استثماراً في جودة أفكارنا ومستقبل إنجازاتنا، أحياناً، أفضل الأفكار لا تأتي عندما نطاردها بلا توقّف، بل عندما نتوقّف عن السّعي، ونعطي لأنفسنا فرصة للتأمّل، وربّما قسطاً من الرّاحة أو الكسل أطلقوا عليه ما شئتم.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: