العلامات الصغيرة تُنذر بالفشل: هل تلتفت قبل فوات الأوان؟
حين يمرر المرء الأخطاء البسيطة دون مراقبةٍ، تتفاقم سريعاً لتصبح تحديّاتٍ كبيرةً، لذلك يصبح التّدخل المبكّر ضرورةً لا غنى عنها
إحدى الدّروس الجوهريّة الّتي تعلّمتها خلال مسيرتي كمحرّرٍ هي أن أبقي عينَيّ مفتوحتين دائماً على ما لا يبدو صحيحاً. أحياناً يكون ذلك ضئيلاً، مثل علامة ترقيمٍ موضوعةٍ في غير محلّها. وأحياناً، تبدو العناوين مغريةً للنّقر لكنّها تفتقر للمصداقيّة، وتوهم القارئ بما لا يقدّم. وفي أحيانٍ أخرى، قد تظهر القصّة مكتملةً على السّطح، لكنّها تُخفي فجوةً دقيقةً يمكن أن تغيّر مجرى السّرد بأكمله. مهما تبدّلت هذه الإشارات في مظاهرها، فقد اقتنعت بأن تجاهلها يأتي على حسابي، إذ سرعان ما تعود لتطالني لاحقاً، وتكلّفني أكثر ممّا كنت أتصوّر.
ما ألاحظه في التّحرير غالباً ما ينعكس في عالم الأعمال؛ فالعلامة التّجاريّة نادراً ما تنهار بين ليلةٍ وضحاها، إذ تبدأ عادةً بشيءٍ صغيرٍ، قد يكاد يمرّ دون أن يلحظه أحد. ويظهر ذلك، على سبيل المثال، في تراجع المعايير الّذي يُتجاهل أحياناً بسذاجةٍ، أو يُعتبر أمراً غير مهمٍّ. ويتواصل هذا النّمط مع رحيل الموظّفين الأساسيّين، الّذي قد يُبرّر بالصّدفة، بينما الحقيقة تكمن في ثقافة الشّركة نفسها الّتي تدفعهم للرّحيل. وتتضّح خطورة الأمور أكثر حين يبدأ العملاء بفقدان الثّقة، فهذه الإشارة، على عكس سابقتها، تفرض الانتباه الفوريّ، لكنّها أيضاً تترك مساحةً محدودةً للتدارك بمجرد ظهورها، لتصبح بذلك المقياس الحقيقيّ لمصير العلامة التّجاريّة.
المشكلة، كما أرى، تكمن في أنّ هذه الإشارات التّحذيريّة -تماماً مثل الأخطاء الّتي تعلّمت اكتشافها خلال عملي- قد تمرّ مرور الكرام إذا اكتفينا بالتّصرّف بشكلٍ آليٍّ. ففي التّحرير، يمكن لتجاهلها أن يقوّض مكانتك الصّحفيّة تدريجيّاً، بينما في عالم الأعمال، يؤدّي التّغاضي عنها إلى تراجعٍٍ يصعب التّعافي منه لاحقاً. ومع ذلك، لا يكمن الدّرس في الهوس أو الشّكّ، بل في اليقظة والاهتمام الدّقيق. إذ يتعلّق الأمر بملاحظة ما لا يبدو صحيحاً، وطرح الأسئلة الصّعبة قبل أن تفرض الظّروف الإجابات، والتّأكّد من تصحيح المسار ما دام ذلك ممكناً، قبل أن تتراكم الأخطاء الصّغيرة وتتحوّل إلى أزماتٍ كبرى.
شاهد أيضاً: التردّد في القرارات… وصفة للفشل المؤكّد
في نهاية المطاف -سواء في التّحرير أو في عالم الأعمال- لا تختفي المشكلات بمجرّد أن تغفلها أو تتجاهلها، بل غالباً ما تتصلّب وتتحوّل إلى عقباتٍ أعظم صعوبةً في الإصلاح. وهنا يظهر جوهر السّؤال: هل تحاول اكتشاف الشّقوق قبل أن تمتدّ وتتكاثر، أم تنتظر حتّى لا يبقى أمامك أيّ خيارٍ سوى مواجهتها بعد فوات الأوان؟