الرئيسية تكنولوجيا مكاسب الذكاء الاصطناعي: لماذا تتأخر الشركات الصغيرة عن الكبرى؟

مكاسب الذكاء الاصطناعي: لماذا تتأخر الشركات الصغيرة عن الكبرى؟

بينما تُظهر تحليلات الإنتاجيّة تبايناً في قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة العمل، تؤكّد المؤسّسات الصغيرة أن خفض أعداد الموظفين لا يروي القصّة الحقيقيّة وراء تأثير هذه التّقنية على بيئة عملها ونموّها

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تتحرّك الشّركات في مختلف أنحاء العالم، كبيرةً كانت أم صغيرةً، بخطى متسارعةٍ نحو تعظيم إنتاجيّتها عبر دمج تطبيقات الذّكاء الاصطناعيّ في أنظمتها، ساعيةً إلى أتمتة المهامّ الّتي اعتاد الموظّفون القيام بها يدويّاً. ومع ذٰلك، تتباين التّقارير الحديثة تبايناً واسعاً في تقدير الأثر الحقيقيّ لهٰذه التّكنولوجيا على الإنسان، إذ ينقسم الخبراء حول ما إذا كانت المؤسّسات الكبرى تحصد ثمار الذّكاء الاصطناعيّ أسرع وأعمق من نظيراتها الصّغيرة، أم أنّ الفجوة بين الطّرفين لا تزال محدودةً.

في جوهر هٰذا الجدل، يكمن الاختلاف حول سرعة وحدود استبدال الإنسان بالآلة داخل بيئات العمل، وحول ما إذا كانت زيادة اعتماد الشّركات على الأتمتة تصبّ فعلاً في مصلحة الإنتاجيّة والجودة، أم أنّها مجرّد وسيلةٍ لرفع الأرقام الماليّة على الورق.

وقد جاءت إحدى أبرز الدّراسات في هٰذا المجال من كبير محلّلي الأسهم في بنك (Wells Fargo)، أوه سونغ كوان، الّذي قارن العائدات المحقّقة لكلّ موظّفٍ في شركات مؤشّر (S&P 500) مع تلك المسجلة في شركات مؤشّر (Russell 2000)، وهو ما أظهر تبايناً واضحاً بين الطّرفين منذ ظهور أداة (ChatGPT) عام 2022. فقد بيّنت نتائج تحليله أنّ الشّركات الكبرى، بفضل قدرتها على التّوسّع السّريع وتبنّي التّكنولوجيا الحديثة على نطاقٍ واسعٍ، استطاعت تعزيز إنتاجيّة موظّفيها وزيادة عائداتها بشكلٍ ملموسٍ، بينما شهدت الشّركات الصّغيرة في المقابل تراجعاً في إنتاجيّتها خلال الفترة نفسها.

وقد كتب كوان في مذكرته الأخيرة لعملائه، الّتي نقلتها قناة (CNBC)، قائلاً: "ارتفعت إنتاجيّة شركات (S&P 500) بنسبة 5.5% منذ إطلاق (ChatGPT)، في حين انخفضت إنتاجيّة شركات (Russell 2000) بنسبة 12.3%، وهو اتّجاهٌ متكرّرٌ نلاحظه في قطاعات الاستهلاك والصّناعة والتّمويل".

ولٰكنّ هٰذا الارتفاع الظّاهريّ في الإنتاجيّة لدى الشّركات الكبرى لا يخلو من الجدل، إذ يرجّح أنّ جزءاً كبيراً منه يعود إلى تقليص عدد الموظّفين وليس إلى زيادةٍ حقيقيّةٍ في الكفاءة. فعندما تستبدل فرق العمل البشريّة بالأنظمة الذّكيّة، قد يبقى حجم الإنتاج ثابتاً أو حتّى ينخفض قليلاً، غير أنّ تقليص عدد العاملين وخفض النّفقات التّشغيليّة يؤدّيان ميكانيكيّاً إلى رفع مؤشّرات الإنتاجيّة لكلّ موظّفٍ. وهنا يظهر الوجه الآخر للمعادلة: الرّبح الماليّ السّريع مقابل خسارة الوظائف على نطاقٍ واسعٍ.

ويأتي المثال الأبرز على ذٰلك من شركة (Amazon)، الّتي أعلنت مؤخّراً تسريح 14,000 موظّفٍ من كوادرها الإداريّة في الوقت الّذي تتوسّع فيه في استخدام الذّكاء الاصطناعيّ داخل أنظمتها التّشغيليّة. وعلى خطاها، سارعت شركاتٌ عملاقةٌ أخرى مثل (Meta) و(UPS) و(Starbucks) و(Oracle) و(Microsoft) و(Google) إلى تنفيذ خططٍ مشابهةٍ لتقليص القوى العاملة واستبدالها بالحلول التّكنولوجيّة، في محاولةٍ لتقليل التّكاليف ورفع الإنتاجيّة المجمّعة.

ويبدو أنّ استعداد هٰذه الشّركات للتّضحية بالوظائف البشريّة في سبيل خفض التّكاليف وتعظيم الأرباح هو ما يفسّر استفادتها الأكبر من الذّكاء الاصطناعيّ مقارنةً بالمشاريع الصّغيرة؛ فبينما يستطيع المدير التّنفيذيّ في شركةٍ كبرى اتّخاذ قرارٍ جماعيٍّ بإلغاء آلاف الوظائف بضغطة زرٍّ، يجد رائد الأعمال في شركةٍ صغيرةٍ نفسه أمام معضلةٍ إنسانيّةٍ وأخلاقيّةٍ، إذ يعمل يوميّاً مع فريقه ويعرف كلّ فردٍ فيه شخصيّاً، ممّا يجعل قرار التّسريح أصعب بكثيرٍ.

ينعكس هٰذا التّفاوت في السّلوك المؤسّسيّ أيضاً على أداء الأسواق؛ فبين عامي 2022 و2024، ارتفع مؤشّر (S&P 500) بنسبة 74% بفضل ثقة المستثمرين في الشّركات الكبرى، في حين لم يتجاوز ارتفاع (Russell 2000) نسبة 39%، وهو ما يشير إلى اعتقاد المستثمرين بأنّ مكاسب الذّكاء الاصطناعيّ الكبرى ستتحقّق في المؤسّسات الضّخمة القادرة على تسخير التّكنولوجيا بسرعةٍ وكفاءةٍ.

ومع ذٰلك، لا يعني هٰذا أنّ الشّركات الصّغيرة تتأخّر في تبنّي التّكنولوجيا أو تفوّت فرص الاستفادة منها. إذ أظهر استطلاعٌ حديثٌ أجرته شركة (Intuit QuickBooks) وشمل أصحاب المشاريع الصّغيرة في الولايات المتّحدة وأستراليا وكندا والمملكة المتّحدة، أنّ نحو 70% من المشاركين يستخدمون أدوات الذّكاء الاصطناعيّ يوميّاً، وأنّ 75% منهم لاحظوا تحسّناً فعليّاً في الإنتاجيّة. والأهمّ أنّ 15% من هٰؤلاء أكّدوا أنّ التّكنولوجيا ساعدتهم على خلق وظائف جديدةٍ بدلاً من إلغائها، مقابل 5% فقط قالوا إنّها أدّت إلى خفض عدد العاملين.

وتدعم نتائج شركة (Deloitte) هٰذه الرّؤية المتوازنة. ففي تقريرها المشهور (Humans x Machines)، أوضحت أنّ النّجاح في تطبيق الذّكاء الاصطناعيّ لا يتحقّق بمجرّد خفض النّفقات أو تقليص العمالة، بل في دمج التّكنولوجيا مع الإنسان بطريقةٍ تكامليّةٍ وواعيةٍ. وكشف التّقرير أنّ نحو 60% من الشّركات الّتي سارعت إلى تطبيق الذّكاء الاصطناعيّ قبل أن تحدّد كيف سيستخدم فعليّاً داخل بيئة العمل كانت أكثر عرضةً لتسجيل عائد استثمارٍ أقلّ من المتوقّع بنسبة 1.6 مرّةٍ مقارنةً بالشّركات الّتي بدأت بتهيئة موظّفيها قبل إدخال التّكنولوجيا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: