الرئيسية الابتكار الصيف موسم الأفكار: من هدوء المبيعات إلى ثورة الابتكارات

الصيف موسم الأفكار: من هدوء المبيعات إلى ثورة الابتكارات

يحوّل مات توغود، المدير التنفيذي لشركة RAW Coffee، أشهر الصيف في الإمارات من فترة ركودٍ إلى موسمٍ استراتيجيٍّ للابتكار والتّطوير

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقل متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

"لم يعد الصيف موسم الرّكود، بل أصبح مختبرنا للأبحاث والتّطوير".  هكذا يصف الأمر مات توغود، الشّريك المالك والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "رو كوفي كومباني" (RAW Coffee Company)، إحدى الشّركات الرّائدة في مشهد القهوة المتخصّصة في دولة الإمارات، في حوارٍ له مع "عربية .Inc" حول كيف يمكن تحويل الأشهر البطيئة إلى مختبرٍ للابتكار بدلاً من أن تكون موسماً للرّكود.

يمتلك توغود، الّذي راكم خبرةً تمتدّ لأكثر من 15 عاماً في إدارة المقهى والمحمصة الكائنة في دبي، رؤيةً واضحةً مفادها أنّ كثيراً من الشّركات تنظر إلى أشهر الصّيف اللّاهبة في الإمارات باعتبارها زمنّاً يفرّ فيه العملاء، غير أنّ هذا التّراجع في الحركة هو، في جوهره، فرصةٌ نادرةٌ لابتكار الجديد وصقل الكفاءة؛ فيقول: "لو أُتيح لي أن أعود بالزّمن وأجنّب نفسي بعض الدّروس القاسية، لقلت هذا: الصّيف ليس فصل خمولٍ، بل هو موسم تطويرٍ. استثمره لتتحسّن، لا لتكتفي بالبقاء".

ويرى توغود أنّ تحويل الموسم البطيء إلى رافعةٍ للتقدّم هو درسٌ اكتسبه بعد سنواتٍ من الهروب من القيظ، ليكتشف لاحقاً أنّ ذلك الهروب كان يحرمه من فرصٍ واعدةٍ. ويضيف: "في البدايات، حين كانت دبي بعدُ في مرحلة التّأسيس في عالم القهوة المتخصّصة، كنّا نحاكي عملاءنا ونغادر، وكأنّنا نقفز حرفيّاً من المقلاة إلى خارجها. كنّا نُبطئ الإيقاع ونتعامل مع الصّيف كأنّه سباتٌ طويلٌ. لكن بمرور الوقت، ومع نضج السّوق والبلاد، نضجت رؤيتنا نحن أيضاً. بدلًا من ملاحقة إيراداتٍ مفقودةٍ بيأسٍ، احتضنّا الهدوء. ما زلنا نغتنم الفرصة لشحن طاقاتنا، لكن الصيف غدا نافذتنا الاستراتيجيّة الأثمن؛ وقتاً للتّأمل، والمراجعة، والتّخطيط، وشحذ قدراتنا استعداداً للموسم النّشط القادم".

الصيف موسم الأفكار: من هدوء المبيعات إلى ثورة الابتكارات

إذن، كيف تَكَشَّف لتوغود وفريقه أنّ الصيف، بدلاً من أن يكون موسم ركودٍ محتومٍ، يمكن أن يتحوّل في الواقع إلى فرصةٍ ذهبيّةٍ للابتكار والتّأمل في الدّاخل؟ البداية كانت بالعودة إلى دفاتر الحسابات؛ فيقول توغود: "إحدى أذكى الخطوات التي أقدمنا عليها مبكّراً، وتحديداً بحلول عام 2010 تقريباً، كانت إعادة صياغة توقّعاتنا الماليّة على أساس نموذج إيراداتٍ يمتدّ لتسعة أشهرٍ فقط. حينها أدركنا أنّ دورة الموازنة التّقليديّة ذات الإثني عشر شهراً لا تعكس حقيقة الواقع الاقتصاديّ في الإمارات".

وقد قاد هذا الإدراك إلى إعادة هيكلةٍ جذريّةٍ لطريقة إدارة العمل في مواسم النّشاط كما في مواسم الهدوء. ويوضّح توغود: "ما لا يدركه الكثيرون أنّ الصّيف لا يبطّئ المبيعات فحسب، بل يكشف أوجه القصور ويضخّمها؛ فالتكاليف تظلّ مرتفعةً، والإيجارات لا تنخفض، والرّواتب ما تزال تُدفع كما هي؛ لذلك انتقلنا إلى نموذج "النّقديّة أوّلاً"، أي أن نكون في غاية الصّراحة مع أنفسنا بشأن السيولة، وأن نحافظ على احتياطياتٍ ماليّةٍ، وأن نخطّط مسبقاً كي لا نجد أنفسنا في حالة ارتباكٍ عندما يتراجع الإقبال".

كما أنّ انخفاض حركة الزبائن في الصّيف يضاعف أحياناً الضّغط على أصحاب الأعمال لضمان إحكام سير العمليّات على مدار العام. ويضيف توغود: "يظنّ البعض أنّ قلة العملاء تعني بالضّرورة تراجع الضّغط، لكن الأمر لا يسير على هذا النّحو؛ إنّه ضغطٌ من نوعٍ آخر: فرق عملٍ أصغر، وتوقّعات أداءٍ بدوامٍ كاملٍ، وكلّ درهمٍ يُنفق يجب أن يكون محسوباً وذكيّاً. وهنا يصبح الانضباط التّشغيليّ أكثر أهميّةً من أي وقتٍ مضى".

وللحفاظ على هذا الانضباط التّشغيليّ على مدار العام، أصبح توغود مناصراً لفكرة اعتبار الصّيف نافذةً استراتيجيّةً تُتيح له ولفريقه تحقيق توازن دقيق بين الابتكار والكفاءة خلال الأشهر الأقل نشاطاً. وفي كثيرٍ من الأحيان، يعني ذلك إعادة ضبط ساعات العمل، وتجربة خطوط إنتاجٍ جديدةٍ تلائم التّغير في توقّعات العملاء.

يقول: "كان هذا العام درساً متكامل الأركان في استراتيجيّة الصّيف. على مستوى جميع جوانب العمل، من بار الإسبريسو إلى المحمصة وصولاً إلى المبيعات، جلسنا وسألنا أنفسنا بصدقٍ: ما الّذي ينبغي إصلاحه جذريّاً قبل أن نشرع في بناء أيّ جديدٍ؟ كانت الأوّلويّة القصوى واضحةً: تحسين التّواصل وإتاحة المعلومات. قد لا يبدو أمراً مثيراً، لكنّه تحوّلي بحقٍّ. لقد أدركنا أنّنا كنّا نُقاطع بعضنا باستمرارٍ بحثاً عن أشياء أو معلومات. معالجة ذلك استدعت إنشاء أنظمةٍ داخليّةٍ جديدةٍ، وتبسيط العمليّات، ووضع أساليب توثيقٍ أكثر ذكاءً، وكلّ ذلك صُمِّم لتقليل الاحتكاك وتمكين كلّ فرد في الفريق من أداء دوره بسلاسة؛ هكذا نقترب اليوم من الابتكار. لم نعد نلقي منتجاتٍ جديدةً في السّوق على نحوٍ عشوائيٍّ، بل نبدأ بالنّظر إلى الدّاخل، ونختبر أفكاراً بسيطةً، مثل وصفاتٍ جديدةٍ لمشروبات الشّوكولاتة أو أساليب مختلفةٍ لخدمة العملاء، ونشرك الفريق كاملاً دون إنهاكه؛ إنّها عمليّةٌ منظّمةٌ، متدرّجةٌ، ومتماسكةٌ مع أهدافنا بعيدة المدى".

وإلى جانب تحسين العمليّات الدّاخليّة، يرى توغود أنّ الصّيف يمنح الشّركات فرصةً ثمينةً للتّركيز على بناء العلامة التجارية، سواء في الفضاء الرّقميّ أو خارجه. ويشمل ذلك كلّ شيءٍ بدءاً من فنّ رواية القصص وتخصيص الهويّة البصريّة، إلى التّركيز على الشّراكات والتّعاون مع صُنّاع ومجتمعاتٍ تشاركهم الرّؤية والفكر؛ فيقول: "انتقلنا من مجرّد البثّ الإعلانيّ للعلامة التجارية إلى رواية القصص وصناعة محتوىً يتمحور حول الأشخاص. أخبرنا العملاء أنّهم يريدون أن يروا المزيد من الوجوه وراء العمل؛ فبدأنا نظهرهم لهم: الباريستا، المحمّصون، فرق المبيعات، وأولئك الذين يعملون خلف الكواليس؛ هؤلاء ليسوا مجرّد وجوهٍ في صورةٍ، بل هم قلب “رو” النّابض. كذلك ضاعفنا جهودنا في بناء تعاوناتٍ جديدةٍ خلال الصّيف، سواء مع صنّاع محليّين آخرين، أو مجتمعاتٍ رياضيّةٍ، أو مفاهيم شاطئيّةٍ مثل "بيكيرا بيس" (Bikeera Base) التي تدعمها رو. وهذه اللّحظات تبقينا في دائرة الضّوء دون ضجيجٍ، وتبني روابط حقيقيّةً عبر التّواصل، لا بمجرّد التّرويج".

الصيف موسم الأفكار: من هدوء المبيعات إلى ثورة الابتكارات

كما يشير توغود، ونظراً لأنّ رواد المقاهي يميلون إلى التّمهل خلال هذه الأشهر، فإنّ العلامة تستطيع الاستفادة من وتباطؤ وتيرة الصّيف لبناء علاقاتٍ مستدامةٍ وذات مغزىً مع قاعدة عملائها؛ فيقول: "يميل عملاء الصيف إلى البقاء لفترةٍ أطول. لا يمرّون مروراً سريعاً. وهذا يجعل الوقت مثاليّاً للفريق ليبطئ الإيقاع ويتفاعل فعليّاً من خلال المحادثات، ورواية القصص، والضّيافة الحقيقيّة؛ فالحضور في أذهان النّاس لا يُشترى بالإعلانات، بل يُكتسب عبر التّجربة".

وبالنّظر إلى ما يقوم به هو وفريقه في “رو” خلال الصّيف، يحثّ توغود الآن بقيّة أصحاب المقاهي على إعادة النّظر في معنى الموسميّة بالنّسبة لهم ولعملائهم، خصوصاً مع تزايد أعداد الأشخاص الّذين يعملون عن بُعد، ويطلبون عبر الإنترنت، ويتوقّعون الخدمة على مدار السّاعة طوال العام؛ فيقول: " بدأت فكرة "الموسميّة" تتصدّع؛ فالكثير من النّاس يعيشون هنا طوال العام، يسافرون بشكلٍ مختلفٍ، ويطلبون بشكلٍ مختلفٍ. لذلك، يجب أن يكون نموذج عمل المقهى مرناً على الصّعيد الرّقميّ، الميدانيّ، والعاطفيّ".

ولكن لتحقيق ذلك، يحتاج أصحاب المقاهي أوّلاً إلى فهم ما يسعى إليه عملاؤهم بالفعل في تجربة القهوة المختصّة. ويوضّح توغود أنّ الأمر يتجاوز مجرّد الحصول على جرعة كافيين؛ فيقول: "في سوقٍ غنيٍّ بالمقاهي والمفاهيم الجديدة، ما يبحث عنه العملاء ليس مجرّد التّجديد، بل الأصالة والصّدق. كلّنا نتشتّت بالأشياء اللّامعة الّتي تجذب الانتباه، لكن ما يبقى ويؤثّر هو الاتّساق، التّوافق، والقيم الجوهريّة. لهذا السّبب، نعم، نشجّع فريقنا على أخذ إجازاتٍ خلال الصّيف، لكنّنا لا نتخلّى أبداً عن معاييرنا. سواء كان ذلك في 1 يوليو أو 25 ديسمبر، نقدّم المنتج نفسه، وبنفس القيم. لا يتعلّق التّغيير الحقيقيّ بالطّقس، بل بتوقّعات العملاء. إمّا أن تلبّيها على مدار العام، أو تفقد أهميّتك سريعاً".

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: