الحساسية الثقافية في الأعمال: دليلك للنجاح عالمياً
التوسّع العالميّ يحتاج أكثر من منتجٍ جيّدٍ… يحتاج فهماً عميقاً لاختلافات السّلوك والعادات حول العالم

تعتبر الحساسيّة الثّقافيّة من الأمور شديدة الأهمّيّة للشّركات الّتي ترغب في التّوسّع دوليّاً. فمع النّموّ الهائل لعدد الشّركات الصّغيرة وسهولة التّواصل والوصول إلى مناطق بعيدةٍ، أصبحت الفرق متعدّدة الجنسيّات أكثر شيوعاً من أيّ وقتٍ مضى، فالصّفقات التّجاريّة والماليّة لم تعد تعترف بالزّمن ولا المسافة، ولكن فقط بالجودة والأسعار.
وترتبط الثّقافة بالسّلوك المقبول كممارسةٍ شائعةٍ على المستوى المهنيّ في مكانٍ معيّنٍ، وما يعتبر مقبولاً في دولةٍ أو منطقةٍ جغرافيّةٍ قد يكون مسيئاً للغاية في مكانٍ آخر.
وإذا رغبت في التّوسّع العالميّ والاستعانة بموارد خارجيّةٍ، بدءاً من المنتجات إلى الموادّ الخامّ، بالإضافة إلى المواهب البشريّة، فيجب أن تأخذ الحذر من الاختلافات الثّقافيّة وتراعيها تماماً. [1]
كيف تؤثّر الاختلافات الثّقافيّة على المفاوضات التّجاريّة الدّوليّة؟
يساعدك فهم وإدراك تأثير الثّقافة على الأعمال التّجاريّة الدّوليّة في تجنّب أيّ سوء فهمٍ بين الشّركاء التّجاريّين أو زملاء العمل من مناطق جغرافيّةٍ مختلفةٍ، ومن أهمّ الجوانب الّتي تتأثّر بالاختلافات الثّقافيّة فيما يتعلّق بالعمل التّجاريّ الدّوليّ: [2]
طرق التّفاوض
تؤثّر الاختلافات الثّقافيّة بشدّةٍ على طرق التّفاوض بين الشّركات في الدّول المختلفة، وكلّ ثقافةٍ لها توقّعاتٌ فريدةٌ، فبعض البلاد يمكن أن تقبل المقايضة وتتفاوض بها، بينما في مناطق أخرى يعتبر الأمر مرفوضاً أو حتّى مسيء. وترفض بعض المناطق مثل أوروبا أيّ مناقشةٍ للأسعار، بينما في دولٍ مثل الصّين، فإنّ محاولة تخفيض الأسعار مقبولةٌ تماماً ومتوقّعةٌ، بل العكس هو الغريب.
كما أن أسلوب التّفاوض ذاته يختلف كذلك، فنجد أنّ هناك أسلوباً يابانيّاً شهيراً يقدّر قوّة الصّمت، ويطلق عليه "هاراجي"، وفي بعض الثّقافات، خصوصاً الشّرق الأوسطيّة، تجري المفاوضات بهدوءٍ وبصوتٍ منخفضٍ، في حين أنّ مناطق أخرى مثل ألمانيا وأمريكا يميلون إلى الصّوت المرتفع.
نصيحة مهمة: إذا لم يفهم كلّ طرفٍ أسلوب الآخر في الحديث، قد يعتبر الأسلوب الأمريكيّ عدوانيّاً، كما قد ينظر إلى الطّريقة اليابانيّة على أنّها تجاهلٌ أو عدم اهتمامٍ.
آداب السلوك
إذا كنت ترغب في العمل دوليّاً، فيجب أن تراعي آداب السّلوك المتّبعة وفقاً للاختلافات الثّقافيّة، فتعرف هل يفضّل الشّركاء التّجاريّون والعملاء المخاطبة بالاسم الأوّل أم بالألقاب، فنجد أن في الصّين يميلون عادةً إلى الاختيار الثّاني (الألقاب)، أما في أمريكا، فإن العادة السّائدة تتمثّل في التّعامل بالأسماء الأولى.
كما أنّ طريقة ارتداء الملابس تؤثّر أيضاً، فهل من المقبول ارتداء ملابس رياضيّةٍ مريحةٍ، أم من الضّروريّ الالتزام بالمظهر الرّسميّ، أم هل يفضّل ارتداء ملابس تدلّ على الخلفيّة الثّقافيّة؟ [3]
مهم: الانتباه لهذه النّقطة يمكن أن يجعلك تتفادى البداية بطريقةٍ خاطئةٍ مع عميلٍ أجنبيٍّ، وتحافظ على الانطباع الأوّل.
طرق التّواصل
يلعب التّواصل دوراً مهمّاً في الأعمال التّجاريّة الدّوليّة، وأحياناً قد يكون هو العلامة الفارقة بين النّجاح والفشل في سوقٍ جديدةٍ، والأمر أعمق بكثيرٍ من مجرّد التّرجمة، ففي الثّقافات الأوروبيّة والأمريكيّة تعتبر المصافحة ضروريّةٌ في العمل، ولكنها قد تكون مستهجنة بشدة في بعض الثقافات الشرق أوسطية.
كما يختلف معنى الإيماءات من بلدٍ لآخر، ففي أجزاءٍ معيّنةٍ من الشّرق الأوسط تحمل إيماءات اليدّ معاني سيّئةً، أما في الهند تعتبر الإيماءات بالرّأس مقبولةٌ كطريقة تواصلٍ.
وفي بعض الأماكن يمكن للزّملاء والشّركاء التّجاريّين تبادل العناق مع قبلٍ على الخدّين بعد إنجاز الصّفقات، بينما في الكثير من الثّقافات الآسيوية يعتبر العناق حميميّاً جدّاً، وبالتّالي مستنكراً بشدّةٍ في بيئة العمل.
المواقف تجاه المخاطر
توجد دائماً في مجال الأعمال مستوياتٌ من المخاطر الاقتصاديّة. مع ذلك، ليست كلّ الثّقافات تتعامل مع تلك المخاطر بالطّريقة نفسها. في بلدانٌ مثل: البرازيل، اليابان، فرنسا، والمكسيك تعتبر متحفّظةً بشدّةٍ تجاه المخاطر، لذا عند إجراء مفاوضاتٍ معهم، يوصى بتركيز الاقتراحات على مستوياتٍ شديدة الارتفاع من الأمان.
في المقابل، شركاتٌ من أمريكا، أستراليا، وبريطانيا قليلاً ما ترفض صفقاتٍ ذات مخاطرٍ عاليةٍ، خصوصاً إذا كانت الأرباح فائقةً.
الرشوة والهدايا
قد تعتقد أنّ كلمة رشوةٍ أو تقديم هديّةٍ مقابل الحصول على تسهيلاتٍ هي من الأمور المستنكرة في كلّ البلاد عند الاتفاق التّجاريّ، ولكنّ الواقع يختلف. إن الأمر يتوقّف على الأسلوب المتّبع وما إذا كان السّلوك مقبولاً أم لا.
- الهديّة: تستخدم عادةً لإظهار الاحترام.
- الرّشوة: ممارسةٌ تفيد الفرد المسؤول فقط، دون أيّ مزايا للشّركة، وقد تسبّب أضراراً.
ولا يعتبر تقديم الهدايا روتينيّاً في الدّول الغربيّة، بل إنّ بعض الصّناعات مثل التّمويل تضع إرشاداتٍ قانونيّةً واضحةً لتقييد قيمة ونوع الهدايا، في حين أنّ تقديم الهدايا متأصّلٌ في الثّقافة الآسيويّة وخاصّةً في اليابان والصّين، وإن كان يحمل دائماً طابعاً رسميّاً مع هيكلةٍ واضحةٍ وإرشاداتٍ محدّدةٍ لتقديم الهدايا بناءً على طول العلاقة التّجاريّة، وعدد الهدايا المتبادلة، وأصول المانح والمتلقّي.
ويمنح اختيار الهدايا كثيراً من الاهتمام، وإن كان يصل أحياناً، خاصّةً في اليابان، إلى المعنى الأقرب للرّشوة. فوجهة النّظر الآسيويّة عن المساءلة تختلف إلى حدٍّ ما عن نظيرتها في الغرب، وإن كانت هذه الثّقافة قد بدأت في التّغيّر لتوجيه المزيد من الشّفافيّة في منح العقود التّجاريّة العالميّة.
شاهد أيضاً: استراتيجيات التمويل المثلى للمشروعات الريادية
استغلال العلاقات الشخصية في العمل
يلجأ الجميع أحياناً إلى العلاقات الشّخصيّة لتعزيز المصالح التّجاريّة، وهذا أمرٌ موجودٌ في معظم بلاد العالم، لكن تختلف الطّرق المتبعة ونظرة كلّ ثقافةٍ إلى هذا السّلوك.
ففي الغرب، يعتبر الأمر مستنكراً علناً، وإن كان يمارس أحياناً في الخفاء، أما في الثّقافات الآسيوية وأمريكا اللّاتينيّة ودول الشّرق الأوسط، يعدّ السّلوك مقبولاً بشكلٍ أكثر.
مثلاً، في الصّين، إذا اكتشف الشخصٌ المسؤولٌ عن العقود الحكومية أنّ صاحب الشّركة التحق بالكلّيّة نفسها الّتي تتطلّع ابنته للدّراسة بها، فقد يطلب مساعدته في الالتحاق بها. ولكن هل يعدّ هذا السّلوك أمراً أخلاقيّاً؟
الأمر يعتبر "رماديّاً" في أخلاقيّات العمل الدّوليّة، فهل إذا رفض صاحب الشّركة الطّلب، أو لم تنجح الابنة في الالتحاق، سيرفض العقد؟ ذلك يعتمد على ظروفٍ متعدّدةٍ.
الخلاصة: في بعض الثّقافات، يمكن للموظّفين اتّباع الطّرق الّتي يرونها في صالح وظائفهم، مهما كانت الطّريقة المتّبعة.
إدارة وجدولة الوقت
لا ينبغي الافتراض أنّ جميع الزّملاء، الشّركاء التّجاريّين، أو المسؤولين الحكوميّين لديهم نفس المفاهيم حول إدارة الوقت. وفي دراسةٍ وصفت تجربة امرأةٍ هولنديّةٍ في الأرجنتين، انتظرت عملاء طويلاً، ثمّ غادرت بعد فقدان الأمل، لتفاجأ أنّهم وصلوا بعد ساعتين مع توقّعهم أن تأتي بعد فترة من الوقت!
إن التّأخّر في المواعيد يعتبر كابوساً في التّعامل مع الشّركات الألمانيّة، ممّا يؤدّي إلى سوء تفاهمٍ إذا لم يدرك الطّرف الآخر أهمّيّة الدّقّة.
كما أن مواعيد الاتّصال أيضاً تختلف. ويعتبر تمديد وقت الاجتماع حتّى بعد 15 دقيقةً من نهاية اليوم العمليّ عدم تهذيبٍ في بعض المناطق، ولكن في الولايات المتحدة، يقبل العمل طوال اليوم دون كثيرٍ من المراعاة للتّوازن بين العمل والحياة. وفي ثقافاتٍ أخرى، يتوقّف العمل في وسط النّهار لتناول الغداء والقيلولة.
الخلاصة: فهم اختلافات إدارة الوقت يؤثّر على الإنتاجيّة والتّصوّرات حول العمل في مناطق مختلفةٍ.
طريقة حلّ النّزاعات
يلعب السّياق الثّقافيّ دوراً مهمّاً في تفسير الصّوت المرتفع أو العاطفة الزّائدة خلال حلّ النّزاعات، ففي الولايات المتحدة، يعتبر استدعاء محامٍ أو وسيطٍ أمراً شائعاً. أما في ثقافاتٍ أخرى، يتمّ النّظر إلى الوسيط بطريقةٍ سلبيّةٍ، ممّا يوحي بأنّ الشّريك لا يستطيع إدارة شؤونه التّجاريّة بمفرده.
الملكيّة الفكريّة وخصوصيّة البيانات
تؤثر المفاهيم الثّقافيّة على طريقة التّعامل مع الملكيّة الفكريّة والبيانات، ففي بعض الثّقافات، يعتبر التّكتّم على الأفكار دون تصريحٍ علنيٍّ بها أمر بديهي لتجنّب سرقتها. أمّا في أخرى، فيعتمد الأمر على احترامٍ تامٍّ للملكيّة الفكريّة في بلد الشّريك.
النّصيحة: الانتباه للتّفاصيل الثّقافيّة حول الملكيّة الفكريّة يجنّبك سوء الفهم أو الخسائر التّجاريّة.
كيف تتأقلم مع الاختلافات الثّقافيّة في الأعمال التّجاريّة؟
إنّ تبنّي وفهم الاختلافات الثّقافيّة في الأعمال التّجاريّة يمكّنك من كسب المزيد من العملاء والتّفاعل معهم بطريقةٍ أفضل، إضافةً إلى تحسين المنتجات والخدمات المقدّمة لجمهورٍ عالميٍّ متسعٍ، ويساعد على الاستفادة من المنافسين الدّوليّين. ولذا السّبب، من الضّروريّ معرفة كيف تتأقلم مع تلك الاختلافات وأفضل طرق التّعامل معها: [4]
- الوعي الثّقافيّ والتّعليم: لا تفترض أنّ ثقافتك مقبولةٌ تماماً في أماكن أخرى من العالم. تعرّف على مناطق التّعارض لتتفادى الصّدمات، ولاحظ استجابة من حولك لأسلوب اتّصالك.
- التّدرّب على الثّقافات الأخرى: يقلّل ذلك من الاعتماد على الصّور النّمطيّة، ويزيد الوعي بشأن التّعامل في مكان العمل ودرجات التّفاعل المقبولة.
- القدرة على التّكيّف: قد لا تتقبّل بعض الأمور الغريبة، ولكن كن منفتحاً قدر الإمكان. فالمرونة تخلق علاقات عملٍ أكثر دفئاً، وقد تستفيد من التّجارب الجديدة بأكثر ممّا تتوقّع، ما لم يخالف الأمر قيمك الأساسيّة.
- الشّراكات المحلّيّة: إذا كان المجتمع جديداً عليك تماماً، يفيدك كثيراً التّفاعل مع المنظّمات المحلّيّة وحضور فعاليّاتها لإظهار الاهتمام بعملائك من هذا المجتمع.
- الامتثال القانونيّ والأخلاقيّ: تأكّد أنّ ممارساتك التّجاريّة تلتزم بالقوانين المحلّيّة، فمن خلالها تستكشف عادةً ما هو أخلاقيٌّ وملائمٌ للطّبيعة الثّقافيّة لشركائك الجدد.
- اطرح أسئلةً مباشرةً: لا مانع على الإطلاق من طرح سؤالٍ مباشرٍ، خاصّةً إذا تعمّقت العلاقات بينك وبين شريكك ذو الخلفيّة الثّقافيّة المختلفة. فهذا يظهر اهتمامك بالتّقارب، وسيقدّر الطّرف الآخر هذه الجهود.
إنّ التّدريب على الوعي الثّقافيّ، والقدرة على التّكيّف، والتّنقّل بين التّعقيدات الثّقافيّة المتنوّعة أصبح جزءاً لا يتجزّأ من التّطوير المهنيّ. ومن شأن ذلك أن يضمن النّجاح التّجاريّ على مدى طويلٍ مع تحقيق أرباحٍ أكبر بكثيرٍ ممّا تتوقّع إذا تجاهلت الاختلافات الثّقافيّة.