الرئيسية الابتكار الابتكار أم التقليد: أيهما يدفع الشركات نحو النجاح أسرع؟

الابتكار أم التقليد: أيهما يدفع الشركات نحو النجاح أسرع؟

حين تقف الشّركات على مفترق الطّريق بين الابتكار والتّقليد، يصبح القرار بين أن تقود بخطوةٍ جريئةٍ أو تتبع بخطوةٍ آمنةٍ هو ما يحدّد مصير نجاحها

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يشكّل السّؤال عن الفرق بين الابتكار والتّقليد محوراً قديماً متجدّداً في عالم الأعمال، لأنّ كلّ شركةٍ تصل عاجلاً أو آجلاً إلى لحظةٍ حاسمةٍ تجبرها على الاختيار بين أن تبتكر فتقود، أو أن تقلّد فتتبع. ويأتي هٰذا القرار مصحوباً بمزيجٍ من الطّموح والحذر، إذ يعد الابتكار بالتّميّز والتّفرّد والرّيادة، بينما يقدّم التّقليد طريقاً أسعر وأقلّ خطراً نحو النّجاح. ومع ذٰلك، لا يمكن الفصل بين النّهجين بسهولةٍ، لأنّ كليهما يسهم بطريقته في بناء مسار الشّركة واستقرارها. ومن أجل فهم هٰذا التّوازن الدّقيق، ينبغي أن نعمّق النّظر في جوهر الفرق بين الابتكار والتّقليد، وأن نحلّل كيف يؤثّر كلٌّ منهما في الاستراتيجيّات الإداريّة والنّتائج الماليّة وثقة العملاء على المدى البعيد.

الفرق بين الابتكار والتقليد في جوهر الفكرة

يقوم الابتكار على أن تعيد الشّركة خلق ما لم يوجد من قبل، فتبتكر منتجاً أو خدمةً أو نموذجاً فكريّاً يغيّر قواعد السّوق من أساسها. فحين تقرّر الشّركة أن تبتكر، فهي لا تبحث عن مكانٍ داخل المنافسة القائمة، بل تعيد تعريفها بالكامل، وتقدّم حلولاً جديدةً بدلاً من نسخ ما قدّمه الآخرون. أمّا التّقليد، فيقوم على استيعاب التّجارب النّاجحة وإعادة إنتاجها بذكاءٍ، مع تعديلاتٍ تتناسب مع بيئة السّوق المحلّيّة أو مع احتياجات فئةٍ محدّدةٍ من المستهلكين. لذٰلك يسم الابتكار الجرأة والمخاطرة، بينما يسم التّقليد الواقعيّة والحذر.

ومن منظورٍ اقتصاديٍّ، يحدث الابتكار قيمةً مضافةً تولّد ميزةً تنافسيّةً فريدةً يصعب على المنافسين تكرارها، لكنّه يتطلّب استثماراتٍ كبيرةً في البحث والتّطوير، إلى جانب ثقافةٍ مؤسّسيّةٍ تشجّع التّجريب وتقبل الفشل. في المقابل، يسمح التّقليد للشّركات بالدّخول السّريع إلى السّوق بأقلّ تكلفةٍ ممكنةٍ، لأنّه يستند إلى نموذجٍ مثبتٍ مسبقاً. غير أنّ هٰذا الخيار، وإن بدا آمناً في المدى القصير، يبقي الشّركة في موقع التّابع، ويقيّد قدرتها على بناء هويّةٍ فكريّةٍ خاصّةٍ بها. [1]

الابتكار أم التقليد: أيّهما يدفع الشركات نحو النجاح أسرع؟

يثير الجدل حول العلاقة بين الابتكار والتّقليد أسئلةً جوهريّةً تتعلّق بسرعة النّموّ واستدامته. فحين تختار الشّركة الابتكار، فإنّها تغامر لتفتح آفاقاً جديدةً وتعيد رسم ملامح السّوق. تقدّم منتجاً لا يشبه ما سبقه، فتجذب الأنظار وتبني ولاءً حقيقيّاً حول علامتها التّجاريّة. ومع ذٰلك، يحتاج هٰذا الطّريق الشّجاع إلى موارد ضخمةٍ وصبرٍ طويلٍ وثقافةٍ تنظيميّةٍ مرنةٍ قادرةٍ على تحويل الإخفاقات إلى تجربةٍ تعليميّةٍ. لذٰلك تراهن الشّركات المبتكرة على المستقبل، لأنّ نتائجها لا تظهر فوراً، بل تتراكم ببطءٍ حتّى تصنع أثراً يصعب محوه. وحين تنجح، فإنّها تحصد مكانةً قياديّةً طويلة الأمد، يصعب على أيّ منافسٍ أن يزاحمها فيها.

وفي المقابل، يمكّن التّقليد الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة من الوصول إلى السّوق بطريقٍ أقصر وأكثر أماناً، إذ يتيح لها أن تتعلّم من تجارب الآخرين وتتجنّب الأخطاء الّتي وقعوا فيها. فحين تقلّد الشّركة نموذجاً ناجحاً، توفّر الوقت والتّكلفة، وتعيد تقديم المنتج بصيغةٍ تلائم جمهورها المحلّيّ وتلبّي توقّعاتهم بدقّةٍ أكبر. وبذٰلك، يمكّن هٰذا النّهج المؤسّسات النّاشئة من التّواجد السّريع في السّوق وتحقيق أرباحٍ فوريّةٍ بأقلّ كلفةٍ ممكنةٍ. ومع ذٰلك، تأتي هٰذه السّرعة أحياناً على حساب الأصالة، إذ يبقى المقلّد أسير من سبقه، ويخاطر بفقد مكانته عند أوّل ابتكارٍ حقيقيٍّ يغيّر مشهد السّوق ويربك معادلاته. [2]

التوازن بين الابتكار والتقليد: استراتيجية النجاح الذكي

تظهر تجارب الأسواق أنّ الاعتماد على أحد النّهجين وحده لا يكفي لضمان النّجاح والاستمرار. فالشّركات الكبرى لا تنمو لأنّها مبتكرةٌ فقط، ولا تستمرّ لأنّها تقلّد الآخرين فحسب، بل لأنّها تعرف كيف توازن بين الجرأة والحذر. وتبدأ الكثير من المؤسّسات رحلتها بالتّقليد كخطوةٍ أولى تمكّنها من فهم قواعد السّوق وبناء قاعدةٍ صلبةٍ من العملاء، ثمّ تنتقل تدريجيّاً إلى مرحلة الابتكار لترسّخ هويّتها وتفرض مكانتها في المنافسة.

ويعدّ ما يعرف بـ«الابتكار التّكراريّ» نموذجاً مثاليّاً لهٰذا التّوازن، إذ تعمل الشّركة على تقليد منتجٍ موجودٍ ثمّ تضيف إليه تحسيناتٍ ملموسةً تحوّل تجربة المستهلك كلّيّاً. ويجسّد ذٰلك ما فعلته الشّركات التّكنولوجيّة الصّينيّة الّتي بدأت بتقليد الهواتف الغربيّة، ثمّ طوّرت تقنيّات البطّاريّات والكاميرات حتّى أصبحت من روّاد الأسواق العالميّة. وبهٰذه الطّريقة، يتحوّل الفرق بين الابتكار والتّقليد من تناقضٍ إلى تناغمٍ، لأنّ الغاية ليست في الفعل ذاته، بل في الهدف من ورائه: تحقيق التّفوّق عبر الإضافة لا النّسخ، وعبر التّطوّر لا الاستنساخ.

الخاتمة

يتجاوز الفرق بين الابتكار والتّقليد سطح المفهومين ليبلغ عمق الفلسفة الإداريّة الّتي تقوم عليها الشّركات النّاجحة؛ فالابتكار يصنع المستقبل ويفتح آفاقاً جديدةً للنّموّ، بينما يحافظ التّقليد على الحاضر ويحقّق الاستقرار الماليّ. ومع ذٰلك، لا يتجسّد النّجاح الحقيقيّ حين تختار الشّركة أحد المسارين فقط، بل حين تدمج بينهما في معادلةٍ متّزنةٍ تضع الفعل قبل الفكرة، وتجمع بين الجرأة والحكمة. 

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما الفرق الأساسي بين الابتكار والتقليد في عالم الأعمال؟
    يقوم الابتكار على ابتكار أفكارٍ أو منتجاتٍ جديدةٍ تغيّر قواعد السّوق، بينما التقليد يعتمد على إعادة إنتاج أفكارٍ ناجحةٍ سابقةٍ مع تعديلاتٍ محدودةٍ لتناسب سوقاً جديدةً أو جمهوراً مختلفاً. كما أنّ الابتكار يتطلّب الجرأة والمخاطرة، أمّا التّقليد فيعتمد على الحذر والتّجريب الآمن.
  2. ما المخاطر التي تواجه الشركات المبتكرة مقارنة بالمقلدة؟
    تواجه الشّركات المبتكرة خطر فشل الفكرة الجديدة أو ضعف تقبّل السّوق لها، كما تحتاج إلى استثماراتٍ كبيرةٍ في البحث والتّطوير. أمّا الشّركات المقلّدة فتواجه خطر فقدان الهويّة وضعف الولاء، إضافةً إلى احتمال الوقوع في نزاعاتٍ قانونيّةٍ تتعلّق بحقوق الملكيّة الفكريّة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: