startAD وVentureSouq تطلقان برنامجاً لدعم تكنولوجيا المناخ
مبادرةٌ تجمع 25 من كبار المستثمرين في برنامجٍ مكثّفٍ، لتحفيز الاستثمار المناخيّ وتحويل أبوظبي إلى مركزٍ عالميٍّ لتقنيات المناخ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
في تحرّكٍ استراتيجيٍّ يستهدف دعم التّحوّل نحو الاقتصاد الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أطلقت شركة "ستارت إيه دي" (startAD) الّتي تتّخذ من أبو ظبي مقرّاً لها، بالتّعاون مع صندوق رأس المال الاستثماريّ الإقليميّ "فينتشر سوق" (VentureSouq)، النّسخة الثّالثة من "زمالة المستثمر الواعي" (Conscious Investor Fellowship – CIF 3.0). ويأتي هذا البرنامج الطموح كجهدٍ مشتركٍ لجمع 25 من كبار مختصّي رؤوس الأموال في المنطقة ضمن دورةٍ مكثّفةٍ تمتد على مدى 8 أسابيع، تهدف إلى إعادة هيكلة منظومة الاستثمار في تقنيات المناخ (Climatetech).
وتُقام المبادرة بالتّنسيق مع هيئة البيئة – أبوظبي(EAD)، أكبر الجهات التّنظيميّة البيئية في المنطقة، ما يعكس التّوجهات الاستراتيجيّة لأبو ظبي للفترة 2026–2030، والّتي تضع تمويل المناخ في صلب أولويّاتها.
من أبريل وحتّى يوليو 2025، ستُتاح للمشاركين من التّنفيذيين رفيعي المستوى في صناديق الثّروات السّياديّة، والمكاتب العائليّة، والمؤسّسات الخيريّة، والجهات الحكوميّة، فرصة التعرّف على محتوىً تخصّصيٍّ يشمل ورش عملٍ تقنيّةً، وتبادل الخبرات بين الأقران، والتّفاعل المباشر مع شركاتٍ ناشئةٍ ناشطةٍ في مجال تقنيات المناخ. وستختتم الزمالة فعاليّاتها بالنّسخة التّاسعة من "ملتقى الاستثمار الملائكي" (Angel Rising Investment Symposium)، المنصّة الإقليميّة الرّائدة للحوار حول الاستثمار المؤثّر.
وفي حوارٍ مع مجلة "عربية .Inc"، أوضحت نهال شيخ، المدير المساعد في ستارت إيه دي، ولولا فرنانديز، الشّريكة في "فينتشر سوق"، إنّ النّسخة الثّالثة من الزمالة تمثّل نقطة تحوّلٍ في مسار تمويل تقنيات المناخ في المنطقة.
تقول فرنانديز: "قبل خمس سنواتٍ، لم تكن تقنيات المناخ تُذكّر في المنطقة، أمّا اليوم فالمشهد في ازدهارٍ متسارعٍ، وقد صُمّمت زمالة المستثمر الواعي لمواكبة هذا النّموّ، من خلال تعميق المعرفة التّقنية، وتوسيع شبكات رأس المال، وربط المستثمرين الإقليميّين بالمنصّات العالميّة".
الزمالة، التي انطلقت عام 2020، ركّزت في نسختيها الأوليّين على الاستثمار المؤثّر بشكلٍ عامٍّ، حيث درّبت 57 مشاركاً، واستضافت أكثر من 30 متحدّثاً بارزاً. وقد انعكست تطوّرات المستثمرين الإقليميين في كلّ دورةٍ، ممّا أتاح استخلاص دروسٍ قيّمةٍ حول إعادة توجيه التّدفّقات الاستثماريّة بما يخدم أهداف التّنمية المستدامة.
شاهد أيضاً: تعاونٌ استراتيجيٌّ بين منصة BELBAQY وشركة OPay
وتُضيف فرنانديز: "أحد أهم ما توصّلنا إليه هو التّأثير السّحريّ الّذي يتحقّق عندما نجمع مستثمري المنطقة حول هدف مشترك؛ فقد استضفنا مشاركين من السعودية ومصر والإمارات، وأسّسنا شبكة تفوّقٍ كونها برنامجاً تدريبيّاً". وتتابع: "عندما بدأنا التّركيز على الاستثمار المؤثّر، كانت الأرقام الرّسميّة توحي بضعف الاهتمام الإقليميّ. ولكن الحماس الّذي لمسناه لدى المشاركين أكّد وجود قصّةٍ مغايرةٍ تماماً، قصةٍ مليئةٍ بالحيويّة والرّغبة في صنع التّغيير".
أمّا نهال شيخ، فأكّدت على ضرورة توسيع تعريف "المستثمر" ليشمل الجهات غير التّقليديّة: "أدركنا أنّ اللّاعبين المؤثّرين لا يقتصرون على صناديق رأس المال المغامر أو المستثمرين الملائكيين، بل يشملون أقسام المسؤوليّة المجتمعيّة في الحكومات، والمكاتب العائليّة، ووحدات الابتكار في الشّركات الكبرى، وهم غالباً ما يملكون الدّافع ولكن تنقصهم الأدوات والبيئة الدّاعمة". ومن هنا، جاءت بنية النّسخة الثّالثة من الزمالة، الّتي تعزّز التّواصل الإقليميّ، وتبنّي روابط أعمق بين النّظام البيئيّ المحليّ والدّوليّ، وتضاعف تركيزها على التّعلّم بين الأقران والتّخصّص القطّاعي.
تُوضّح شيخ: "نحن لا نقدّم مجرّد محتوىً نظريٍّ، بل نُمكّن المشاركين من إنشاء تحالفاتٍ استثماريّةٍ، وإطلاق صناديق مخصّصةٍ، وقيادة استراتيجيّاتٍ مناخيّةٍ على مستوى مجالس الإدارة".
وقد تزامن إطلاق الزمالة مع تغيّيراتٍ عميقةٍ في المشهد العالميّ لتقنيات المناخ، حيث شهد عام 2024 تقلّباتٍ في التّمويل، وإفلاساتٍ لشركاتٍ ناشئةٍ، وزيادة حدّة تداعيات التّغير المناخيّ. ولكن في منطقة الشرق الأوسط، كشف هذا الواقع عن فرصٍ كامنةٍ.
كما تُعلّق فرنانديز: "انعقاد مؤتمّر (COP28) في الإمارات كان بمثابة نافذةٍ كبيرةٍ للشّركات الإقليميّة والمكاتب العائليّة على عالم تقنيات المناخ، إذ إنّ كثيراً منهم بدأ بخطواتٍ خجولةٍ في الحاضنات والمسرّعات، واليوم نراهم يضعون استراتيجيّاتٍ استثماريّةٍ واضحةٍ وثابتةٍ".
دفع هذا التّحوّل بالمنطقة نحو تجاوز نموذج التّمويل التّقليديّ، إذ تُوضّح فرنانديز: "نشهد تنوّعاً غير مسبوقٍ في نماذج التّمويل؛ فالشّركات النّاشئة في مجال الأجهزة تحظى بدعمٍ أوّليٍّ من المنح، في حين تستفيد الحلول الرّقميّة من صناديق رأس المال المغامر، أمّا الشّركات في مراحل النّموّ، فتحصل على تمويل مشاريع وهياكل تمويلٍ ممزوجةٍ، ما يخلق بيئةً ماليّةً متطوّرةً تتناسب مع احتياجات الشّركات بدلاً من إجبارها على التّكيّف مع قوالب جاهزةٍ".
وتُضيف شيخ أنّ هذه الدّيناميكيّة تفتح آفاقاً جديدةً للمؤسّسين: "الرسالة واضحةٌ: الحلول المناخيّة النّاجحة يجب أن تكون ذات جدوى اقتصاديّة، مدعومةً بفهمٍ للسّياسات، ومبنيّةٍ على شراكاتٍ متعدّدة الأطراف".
وتأتي النّسخة الجديدة من الزمالة كذلك في إطار شراكةٍ استراتيجيّةٍ مع هيئة البيئة – أبوظبي، وهي خطوةٌ بالغة الأهميّة في نظر فرنانديز: "وجودهم معنا يمنح البرنامج عمقاً تنظيميّاً وواقعيّاً، حيث يجمعون بين هندسة السّياسات وفهم التّحديّات اليوميّة الّتي تواجه التّنفيذ".
وترى شيخ أنّ التّحدي الأكبر هو ترجمة خصوصيّة المنطقة إلى عوائد استثماريّةٍ ملموسةٍ: "تواجه منطقة الشّرق الأوسط تحديّاتٍ مناخيّةً فريدةً، مثل: ندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، والأمن الغذائيّ، والصّحة. وتبتكر شركاتنا النّاشئة لمواجهة هذه التّحديّات، لكنّها لا تزال تفتقر إلى الدّعم الماليّ الكافي". وللتّغلّب على هذه الفجوة، تُركّز الزمالة على تقليل المخاطر في مراحل البحث والتّطوير، وتفعيل التّمويل المختلط، وفتح قنوات المشتريات العامّة.
تُضيف شيخ: "المستثمرون الّذين يدخلون هذا المجال الآن هم من سيحدّدون قواعد اللّعبة مستقبلاً، فلا تنتظروا الصّفقة المثاليّة، بل اسعوا لصنع بيئةٍ تجعل حتّى الصّفقات غير المكتملة قابلةً للاستثمار". ورغم ضخّ المستثمرين في المنطقة 3.6 مليار دولار في تقنيات المناخ العالميّة خلال عام 2024 –أي نحو 6% من إجمالي التّمويل العالميّ– إلّا أنّ الحصّة الّتي تصل إلى الشّركات النّاشئة داخل المنطقة لا تتعدّى 0.2%.
تصف فرنانديز هذا التّفاوت بوادي الموت، حيث تنهار الحلول الواعدة قبل أن تحظى بفرصة النّمو، وتقول: "هدفنا بناء طبقةٍ من المستثمرين القادرين على قراءة المشهد المناخيّ بعيونٍ خبيرةٍ. ونحن نمكّنهم من فهم التّقنيات –من احتجاز الكربون إلى الزّراعة الدّقيقة– ونساعدهم على فكّ شفرة التّمويل المتنوّع في أبو ظبي والمنطقة ككلٍّ".
كما ترى فرنانديز أنّ الطّموح الحقيقيّ هو تحويل المنطقة إلى مركزٍ عالميٍّ لتقنيات المناخ: "خلال خمس سنواتٍ، نريد للشّرق الأوسط أن يكون ليس فقط سوقاً لتطبيق الحلول، بل مصدراً عالميّاً للابتكار المناخيّ ورأس المال المعرفيّ".
وفي الوقت نفسه، تُركّز الزمالة على ردم فجوة التّمويل في المرحلة المبكّرة، الّتي تُعدّ الحلقة المفقودة بحسب شيخ، وتُضيف: "من يدخل هذا المجال اليوم، لن يحقّق فقط عوائد غير متوقّعةٍ، بل سيحفر اسمه كمؤسّسٍ لمنظومةٍ مستدامةٍ". وتختم فرنانديز بالتّأكيد على أنّ النّجاح في تمويل تقنيات المناخ يتطلّب تخصّصاً دقيقاً، وليس الاكتفاء بالنّماذج العامّة: "أفضل المستثمرين الذين رأيتهم هم أولئك الذين يتعمّقون في مجالاتٍ محدّدةٍ، ويمتلكون أدوات تقييمٍ تقنيّةً، وشبكات دعمٍ صناعيّةً".
أمّا النّماذج التّمويليّة المختلطة، الّتي تجمع بين المنح ورأس المال المغامر واستثمارات الشّركات، فتُعتبر الأنجع لتقليل المخاطر دون التّخلّي عن الانضباط التّجاريّ. تقول فرنانديز، لتختم بها رحلةً طموحةً نحو اقتصادٍ أخضرٍ ومزدهرٍ: "المستثمرون الّذين سيشكّلون مستقبل المناخ في منطقتنا لن يكتفوا بكتابة الشّيكات، بل سيبنون المنظومات بأكملها".