الرئيسية الابتكار 8 أشكال من الجوع الاستهلاكي لتعزيز تأثير التسويق بشكل فعّال

8 أشكال من الجوع الاستهلاكي لتعزيز تأثير التسويق بشكل فعّال

حين يتجاوز التسويق مجرّد تلبية الاحتياجات الماديّة، يصبح فهم الجوع النّفسيّ للمستهلكين مفتاحاً لتعزيز الولاء وتحفيز سلوك الشّراء

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

ورد عن رالف والدو إمرسون -المعروف بتحفّظه من القوارض- قوله إنّه إذا صمّمت فخّاً أفضل للفئران، فسيسلك العالم طريقه إلى بابك. ورغم أنّه لم يكن على مستوى بيتر دراكر، إلّا أنّه عبّر عن جوهرٍ أساسيٍّ للابتكار، وهو المبدأ الّذي أصبح لاحقاً حجر الأساس للحكمة الرّياديّة، المعروف بـ«اكتشف حاجة ولبّها».

غير أنّ الاكتفاء بتحديد احتياجات المستهلكين لا يكفي. سواء من خلال ابتكار منتجاتٍ جديدةٍ أو إعادة تموضع المنتجات الحاليّة، يجب على المسوّقين أن يتجاوزوا تلبية الاحتياجات العمليّة، الّتي يبرع اقتصادنا الاستهلاكيّ في تلبيتها، إلى إشباع الرّغبات العاطفيّة العميقة والمكبوتة لدى المستهلكين، تلك الّتي تحرّك دوافعهم الدّاخليّة وتخلق ارتباطاً نفسياً بالعلامة التّجاريّة.

وهذا المفهوم يشكّل أساس الإطار الجديد الّذي أقترحه لفهم التسويق في عالم ما بعد وفرة الموارد، حيث يصبح الرضا النفسي للمستهلكين هدفاً جوهريّاً لا يقلّ أهميّةً عن تلبية الاحتياجات الماديّة.

اكتشف جوعاً واشبع الرغبة

الجوع أعمق من الحاجة، فهو نتيجةٌ نفسيّةٌ للرّغبة في التّملّك أو الامتلاك. وينبع هذا الفرق من آليّة عمل أدمغتنا؛ فقد أظهرت أبحاث علم الأعصاب أنّ الاحتياجات ترتبط بالنّقص، بينما الرّغبة تحفّز الدّافع والسّلوك. لذا، فكّر في الدّلالات العميقة لذلك على التسويق؛ فالحاجة الفيزيولوجية للسّعرات الحراريّة لا تحرك سلوك الإنسان بنفس قوّة التّوقّع بالمتعة النّاتجة عن تناول شيءٍ شهيٍ وممتعٍ.

ينبغي على المسوّقين أن يتقنوا قوّة الجوع النّفسيّ والثّقافيّ، بعيداً عن المجال الجامد للفوائد الوظيفيّة ومحفّزات الشّراء العقلانيّة، ليتمكّنوا من خلق تجارب عاطفيّةٍ تشبع رغبات المستهلكين الدّاخليّة. وفيما يلي بعض الأمثلة على العلامات التجارية الّتي نجحت في إشباع هذه الأحقاد النّفسيّة، إلى جانب إطار عملٍ للجوع، ونصائح عمليّةٍ لكيفيّة اكتشاف هذا الجوع وإشباعه.

الجوع للتقدّم اليومي

تُلبّي تطبيقات مثل "دولينغو" (Duolingo)، التّطبيق النّاجح لتعلّم اللّغات، حاجةً واضحةً على السطح، لكن بينما توقّفت منافساتها مثل "روسيتا ستون" (Rosetta Stone) و"بابل" (Babbel) عن التقدّم، أصبح دولينغو ظاهرةً ثقافيّةً يوفّر محتواه لمئة وثلاثة ملايين مستخدم شهريّاً، منهم 32% يستخدمونه يوميّاً.

فما السرّ؟ أدرك دولينغو أنّ النّاس ليس لديهم حاجة ملحّة لتعلّم الإسبانيّة أو الفرنسيّة؛ فلو كانت لديهم، لكانوا أتقنوا اللغة منذ الصفوف الثانوية. وما يتوقّعونه حقّاً هو حلقة التّغذية الرّاجعة اليوميّة للشّعور بالإنجاز، واندفاع الدوبامين النّاتج عن المحافظة على سلسلةٍ يوميّةٍ من التّعلّم، والتّحقّق الاجتماعيّ من التّقدّم المرئيّ.

في الواقع، المستخدمون الذين يحافظون على سلسلة لمدّة سبعة أيام هم أكثر احتمالاً للبقاء ملتزمين على المدى الطّويل بمقدار 3.6 مرات. هكذا، يُشبِع دولينغو الجوع للكفاءة الشّخصيّة وتحقيق الذّات.

جوع Oatly لأن تكون ديفيد

لسنوات، ركّزت "أُوتلي" (Oatly) على تسويق الفوائد العقلانيّة لحليب الشوفان، مثل “خفض الكولسترول” و”غني بالكالسيوم”، ومع ذلك بقيت المبيعات ثابتةً. ولكن، تغيّر الوضع عندما استهدفت الشّركة جمهوراً أوسع يتجاوز النّباتيين، جمهور يشعر برغبةٍ في رفض التسويق الموحد، ويستمتع بالاحتفاء بـ”ديفيد” ومواجهة “جالوت”.

بدأ ذلك بموقفها الجريء وغير التّقليديّ: “إنه يشبه الحليب، لكنّه مصنوع للإنسان”. حتّى التّغليف كان غير مألوفٍ، مع عباراتٍ مثل: “حان الوقت لفتح هذه العبوة وتجربة ما بداخلها”. وكانت مواقعها الإلكترونيّة كذلك، حتىّ أنها وثّقت الفضائح الّتي واجهتها سابقاً: المقاطعات، الصّحافة السّلبيّة، الإهانات على الإنترنت.

الجوع الذي تُلبّيه أُوتلي ليس للجلوكوز أو البروتين أو حتّى إظهار الفضيلة البيئيّة، بل هو الجوع لأن تكون شخصاً يفهم النّكتة، يقدّر الغريب والمختلف، ويكون متقدّماً على التّيار قبل أن يصبح رائجاً.

في حين تدّعي كل العلامات التّجاريّة أنها “أصيلةٌ” و”مستدامةٌ”، تُشبِع أُوتلي الجوع للانتماء الثّقافيّ الأصيل والتّوافق الأخلاقيّ الملتفّ في عباءةٍ من السّخرية الواعيّة بالذّات.

تصنيف عملي للجوع

دولينغو وأُوتلي هما مثالان فقط. ولتسهيل مسيرتك في فهم الجوع البشريّ بعد تلبية الاحتياجات الأساسيّة، هناك تصنيفات أخرى:

  • السّرد، جوع الهويّة: يحتاج النّاس إلى قصّةٍ مختصرةٍ ومُشاركةٍ عن من هم أو من يرغبون أن يكونوا.
  • الكفاءة، جوع التّقدّم: يسعى البشر إلى التّحسّن، وقياس التّقدّم، وكسب شاراتٍ مرئيّةٍ.
  • الحداثة، جوع الاكتشاف: المتعة القويّة النّاتجة عن البحث عن الكنوز والمفاجآت.
  • الانتماء، جوع الطّقوس: الحنين إلى أعمالٍ اجتماعيّةٍ صغيرةٍ ومتكرّرةٍ تُظهر الانتماء.
  • المكانة، جوع التّميّز: الرّغبة في الظّهور والتّميّز، وقد لا تتعلّق بالتّرف التّقليديّ، بل بالإشارة الاستراتيجيّة.
  • السّيطرة، جوع التّحكم: السّعي المستمرّ للشّعور بالقدرة على التّحكم في النّتائج.
  • اللّذة، الجوع الحسّيّ: المتع الحسّيّة الفوريّة والواضحة.
  • الأخلاق، جوع الهدف: الرّغبة في الشّعور بالتّوافق الأخلاقيّ والجدوى.

الجوع ينتظر

يعمل المسوّقون يوميّاً على جمع رؤى المستهلكين عبر الاستطلاعات، ومجموعات التّركيز، والدّراسات الإثنوغرافية، وحتّى فحوصات الدّماغ بالتّصوير بالرّنين المغناطيسيّ الوظيفيّ. كلّ هذا جيّدٌ، لكنّه غالباً يركّز على الحاجة التّقليديّة لإزالة الفئران، وليس على الفراغ الدّاخليّ الّذي يسدّه دولينغو. لذا، نصيحتي هي أن تواصل البحث، لكن بصياغةٍ مختلفةٍ: توقّف عن السّؤال “ما الذي يحتاجه الناس؟”، وابدأ بالسّؤال: “ما الذي يشعر النّاس بالقلق حياله، أو بالنّقص، أو بعدم الكفاية تجاهه؟”

حين تُرسم المسافة بين ما هو عليه الفرد اليوم وما يسعى لأن يكونه، يولد الجوع النّفسيّ الدّافق الّذي يحرّك السّلوك ويستنهض الطّاقات الدّاخليّة. كما أنّ أقوى أشكال هذا الجوع تنشأ من التّوترات الثّقافيّة المحيطة؛ فنجاح دولينغو يكمن في قدرتها على الازدهار في زمنٍ يقدّر التّحسّن الذّاتيّ ويخلق ظروفاً تجعل الحفاظ على التّركيز المستمر تحدّياً شبه مستحيل. هذا الجوع ينبع من الدّاخل لكنّه يتضخّم بفعل المحيط الخارجيّ، ممّا يستلزم يقظة المسوّقين وتحليل ما يُسخر منه ويُحتفى به ويُناقش في ثقافة العصر. وتتجلى براعة أُوتلي في قدرتها على التّقاطع بين الوعي البيئيّ والثّقافة الاستهلاكيّة، حيث يتوق النّاس لأن يكونوا أخلاقيّين ويستمتعوا في الوقت ذاته باللّذة.

والحقيقة التي لم يكن إمرسون ليحسب لها حساباً: نحن نعيش في زمنٍ تعمل فيه جميع فخاخ الفئران بشكلٍ معقول، وهناك دائماً من يتولّى المهمّة بدلاً منك، وما يجذب النّاس حقاً ليس الوظائف العمليّة، بل الطّريقة الّتي تُشبع بها علامتك التّجاريّة جوعهم الدّاخليّ عند تفاعلهم معها.

رأيٌ خبيرٌ قُدّم بواسطة آدم هانفت، الرّئيس التّنفيذي لشركة Hanft Ideas، ونُشر أصلاً على موقع Inc.com.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: