3 عادات دماغية لتحسين الكفاءة والإبداع في العمل
العمل بذكاءٍ من خلال التوافق مع إيقاعات الدماغ الطبيعية يمكن أن يعزّز الإنتاجية والإبداع أكثر من الأساليب التّقليدية
يسعى القادة بشكلٍ مستمرٍّ لتحسين كفاءة فرقهم وزيادة إنتاجيّتهم، ويتّجه الكثيرون منهم إلى أساليب تقليديّةٍ مثل تقليص فتراتِ الاستراحة أو تحسين إدارة الاجتماعات. ولكن، هل هذه الحلول هي فعلاً الأكثر فعاليّةً؟ وفقاً لدراسات علم الأعصاب الحديثة، هناك ثلاثُ عاداتٍ دماغيّةٍ يمكنها أن تزيد من كفاءة العمل بشكلٍ كبيرٍ، وتجعل المهامّ أكثر إمتاعاً وتحقّق الإشباع المهنيّ.
تشير الدّكتورة ميثو ستوروني، عالمة الأعصاب والمدرّبة في جامعة كامبريدج، في كتابها "كفاءةٌ فائقةٌ: تحسين عقلك لتغيير طريقة عملك" (Hyperefficient: Optimize Your Brain to Transform the Way You Work)، إلى أنّ الأداء الأفضل ينبع من التّوافق مع الإيقاعات الطّبيعيّة للدّماغ. بدلاً من إجبار الموظّفين على العمل رغم التّعب أو الإرهاق، توصي بتحديد فترات ذروة الأداء المعرفيّ والاستفادة منها في إنجاز المهامّ الأكثر أهمّيّةً.
على سبيل المثال، توضّح ستوروني أنّ أوقات الصّباح المبكّرة هي الأنسب للمهامّ الإبداعيّة؛ ففي هذه الفترة يكون الدّماغ منتعشاً وأكثر قدرةً على توليد أفكارٍ جديدةٍ. لذا، إذا كانت وظيفتك تتطلّب الإبداع أو التّفكير الاستراتيجيّ، فابدأ يومك بهذه المهامّ. أمّا فترة منتصف الصّباح، حوالي السّاعة العاشرة، فتعدّ الأمثل لأداء المهامّ الّتي تتطلّب تركيزاً عميقاً، مثل التّخطيط أو التّحليل.
ولتطبيق هذه الاستراتيجيّات بشكلٍ فعّالٍ، توصي ستوروني بأن يوفّر القادة مرونةً أكبر في جداولِ العمل لفريقهم، ممّا يمكّنهم من الاستفادة الأفضل من هذه الفترات الذّهبيّة. فتحديدُ أوقات العمل بناءً على الحالة الذّهنيّة للموظّف قد يؤدّي إلى تحسين الإنتاجيّة والإبداع بشكلٍ ملحوظٍ.
التّركيز على التّقدّم بدلاً من الإنجاز النّهائيّ
غالباً ما يقاسُ النّجاح في العمل بالانشغالِ وكثرة المهامّ المنجزة، ولكنّ ستوروني تلفّت الانتباهَ إلى أهمّيّة التّركيز على التّقدّم الثّابت بدلاً من النّتائج النّهائيّة فقط. فالتّقدّم المستمرّ يحفّز الدّماغ، ويزيد من الرّضا الوظيفيّ، حيث يشعر الشّخص بتحسّنٍ في مهاراته وأدائه مع مرور الوقت.
وتشير الأبحاث المنشورة في مجلّة "الحدود في علم الأعصاب" (Frontiers in Neuroscience) إلى أنّ ملاحظة التّحسّن التّدريجيّ تولّد شعوراً بالمتعة والإنجاز الذّاتيّ. بناءً على ذلك، يجب على القادة أن يشجّعوا أعضاء فرقهم على مراقبة تقدّمهم بشكلٍ دوريٍّ، بدلاً من التّركيز فقط على الكمّيّة في المهامّ المنجزة. وإذا لم يكن هناك تقدّمٌ واضحٌ، تقترحُ ستوروني إعادة توزيع المهامّ بما يتناسب مع قدرات الفرد ودوافعه.
احتضان التّكرار لتعزيز الإبداع
بينما قد يرى البعض في التّكرار وأوقات التّوقّف عن العمل عائقاً أمام الكفاءة، ترى ستوروني أنّ هذه الفترات قد تكون محفّزاً للإبداع. عندما لا يكون الدّماغ منهمكاً في مهمّةٍ معيّنةٍ، يصبح قادراً على إنشاء روابط جديدةٍ تؤدّي إلى أفكارٍ مبتكرةٍ. هذه اللّحظات من "التّجوال العقليّ" قد تكون مفيدةً بشكلٍ خاصٍّ في إيجاد حلولٍ غير متوقّعةٍ للمشكلات.
تستند ستوروني في ذلك إلى أبحاثٍ نشرت في مجلّة "العلوم النّفسيّة" (Psychological Science) الّتي تؤكّدُ أنَّ الإبداع ينمو في المساحات الّتي يسمح فيها للدّماغ بالتّجوال بحرّيّةٍ. لذا، بدلاً من السّعي المستمرّ للقضاء على كلّ أوقات التّوقّف عن العمل، من الأفضل احتضانُ تلك اللّحظات الّتي قد تبدو غير فعّالةٍ على المدى القصير، لكنّها قد تؤدّي إلى ابتكاراتٍ تعزّز الكفاءة على المدى البعيد.
خلاصة القول
يشير كتاب "كفاءةٌ فائقةٌ" إلى أنّ الكفاءة في عالم اليوم لا تعتمد فقط على زيادة عدد ساعات العمل أو تسريع وتيرته، بل على العمل بذكاءٍ من خلال التّناغم مع الإيقاعات الطّبيعيّة للدّماغ. فتنظيم العمل وفقاً للفترات الّتي يكون فيها الدّماغ في ذروة تركيزه وإبداعه، مع إعطاء الأولويّة للتّقدّم التّدريجيّ واحتضان أوقات التّكرار، يمكن أن يؤدّي إلى تحسيناتٍ كبيرةٍ في جودة العمل والرّضا الشّخصيّ. هذه الرّؤية الجديدة للإنتاجيّة ليست مجرّد دعوةٍ للعمل بجهدٍ أكبر، بل للعمل بشكلٍ أكثر ذكاءً وفعاليّةً.