الرئيسية تكنولوجيا من دبي إلى العالم: ترميز الأصول يصبح واقعاً مع أول حصان رقمي

من دبي إلى العالم: ترميز الأصول يصبح واقعاً مع أول حصان رقمي

حين تتسارع التحوّلات الاقتصاديّة والمناخيّة، تبرز أدوات التّمويل المستدام كخيارٍ استراتيجيٍّ يوازن بين الرّبحيّة والمسؤوليّة ويعزّز قدرة المؤسّسات على الصّمود في مواجهة الأزمات

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

دفعت جهود دبي لإنشاء سوقٍ منظّمٍ للأصول الرّقميّة إلى إثباتٍ غير متوقَّعٍ من عالم سباقات الخيل، فقد شهد سبتمبر 2025 حدثاً فريداً عندما نفّذت شركة "توك إنفست" (Tokinvest)، النّاشئة في المدينة، بيع أوّل حصان سباقٍ مُرمَّزٍ بالكامل، محقِّقةً بذلك 3.2 مليون دولارٍ أمريكيٍّ، وحاصدةً أوّل رخصةٍ متعدّدة الأصول كاملةٍ من هيئة تنظيم الأصول الافتراضيّة في الإمارة (VARA)،  وهو ما شكّل ثلاثة معالم بارزةٍ تُظهر مدى السّرعة التي تتبلور بها آليات ترميز الأصول المنظّمة في دبي.

أسس "سكوت ثيل" (Scott Thiel) و"ماثيو بلوم" (Matthew Blom) الشّركة في الإمارات عام 2024، لتحتلّ "توك إنفست" موقعاً فريدًا عند تقاطع الماليّة والتّنظيم والتّقنية. ومن مقرّها في دبي، تعمل الشّركة على بناء سوقٍ منظّمٍ يربط بين مُصدّري الأصول الواقعيّة (RWAs) والمستثمرين حول العالم، محوِّلةً مختلف أنواع الأصول، بدءاً من العقارات وصولاً إلى خيول السّباق، إلى رموزٍ رقميّةٍ جزئيّةٍ متاحةٍ للاستثمار من قبل أيّ شخصٍ، ممّا يعكس رؤيةً شاملةً لتمكين المستثمرين العاديين من الوصول إلى فرصٍ كانت حكراً على القلّة.

في مقابلةٍ مع "عربية Inc."، أوضح سكوت، الّذي يشغل أيضاً منصب الرّئيس التّنفيذيّ لشركة "توك إنفست"، أنّ النّجاح المبكّر للشّركة لا ينفصل عن دور دبي الرّياديّ في التّنظيم؛ فقال: "تجمع دبي بين تنظيمٍ مُصمَّمٍ خصيصاً لهذا الغرض -حيث تُعدّ هيئة تنظيم الأصول الافتراضيّة سلطةً مستقلّةً- وإطارٍ موحّدٍ يشمل جميع الأبعاد -دون تفرقةٍ بين فئات الأصول مثل الأمنيّة مقابل الخدماتيّة مقابل السّلعيّة- وإدماج المستثمرين الأفراد -من خلال إتاحة التّرخيص للمستثمرين خارج نطاق المليونيّرات المعتمدين. وأضاف: "والأهمّ من ذلك، أنّ هذا الإطار ينطلق ضمن دفعٍ حكوميٍّ شاملٍ، حيث تُظهر التّجارب الرّائدة مثل تلك التي أطلقتها "دائرة الأراضي والأملاك في دبي" كيف تتحرّك السّجلات والبنى الماليّة على البلوكشين بشكلٍ متكاملٍ".

وبعد تجربته الطّويلة في العمل مع الجهات التّنظيميّة حول العالم، يرى سكوت أنّ دبي والإمارات تتميّزان بوضعٍ فريدٍ جعلهما تحوّلان عمليّة ترميز الأصول من مجرّد مفهومٍ إلى واقعٍ عمليٍّ؛ فقال شارحاً: "استناداً إلى خبرتي في التّعامل مع المنظّمين عالميّاً، تُعدّ دبي المكان الوحيد الّذي يمكن فيه تنفيذ ترميز الأصول بشكلٍ فعليٍّ اليوم. وهنا، انتقل النّقاش من إطار (الإمكانيّة) إلى إطار (التّطبيق العمليّ)، وأعتقد أنّ الإمارات باتت مؤهّلةً لتلعب دوراً مماثلاً في إصدار الأصول المُرمَّزة وتشكيل الأصول العابرة للحدود، كما كانت مراكز الاكتتابات العامّة الأوّليّة تلعبه في الأسواق التّقليديّة. ومع انضمام مزيدٍ من مالكي الأصول والمنصّات والمستثمرين إلى بنيتها التّحتيّة المنظّمة، سيزداد دور دبي عمقاً وتأثيراً".

في هذا السّياق، تعمل "توك إنفست "على تحويل وضوح الأطر التّنظيميّة في دبي إلى نموذجٍ عمليٍّ يتيح للمستثمرين العاديّين الانخراط بفعاليّةٍ في الأسواق؛ فقال: "تتمثّل مهمّتنا في هدفٍ يجمع بين البساطة والطّموح: أن نجعل الاستثمار في الأصول الواقعيّة يسيراً كشراء منتجٍ عبر "أمازون" (Amazon). ويعني ذلك إصدار وتوزيع حصصٍ منظّمةٍ وجزئيّةٍ في أصولٍ عاليّة الجودة، بما يجلب مستوىً مؤسّسيٍّ من الإفصاح والأمان والامتثال إلى أسواقٍ كانت تاريخيّاً مقفلةً أو محدودة السّيولة. وفي نهاية المطاف، نطمح لأن يمتلك المستثمر العادي ما يملكه أصحاب الواحد بالمئة".

قدّم أوّل مشروعٍ لشركة "توك إنفست" -المتمثّل في حصان سباقٍ مُرمَّزٍ أُطلق في أبريل 2025- لمحةً مبكّرةً عمّا يمكن أن يقدمه نموذج الشّركة؛ فقد تعاونت "توكإنفست" مع "إيفولوشن ستابلز" (Evolution Stables) النّاشئة في نيوزيلندا، لتصميم رموزٍ رقميّةٍ تمثّل ملكيّةً جزئيّةً في حصان السّباق، وقد أُصدرت هذه الرّموز على بلوكشين "بوليجون" (Polygon)، الّذي يؤمّن بالفعل أكثر من 1.1 مليار دولارٍ أمريكيٍّ من قيمة الأصول الواقعيّة المُقفلة. وأضاف سكوت: "تم اختيار خيول السّباق لأنّها تشكّل برهاناً مقنعاً على عمليّة ترميز الأصول المنظّمة؛ فاقتصاديّاتها مدفوعةٌ بالشّغف ومرتبطةٌ بالعائد، يصعب الوصول إليها تاريخيّاً، ومثاليّةً للتّجزئة". وبما أنّ كلّ الرّموز بيعت بالكامل خلال شهرٍ واحدٍ، فقد أثبت ذلك أنّ نموذج "توك إنفست" قادرٌ على التّوسّع ليشمل أكثر من فئة أصولٍ واحدةٍ، بدءاً من فئةٍ تجمع بشكلٍ فريدٍ بين الشّغف، والأداء، والتّميّز.

كما أوضح سكوت: "لطالما كان الاستثمار في خيول السباق حكراً على النّخبة والأثرياء". وقد نجحت "توك إنفست" في ابتكار طريقةٍ جديدةٍ تجعل الاستثمار في خيول السباق أكثر يسراً وبأقلّ تكلفةٍ ممكنةٍ، إذ يشتري المستثمر جزءاً من الحصان ويحصل مقابل ذلك على رمزٍ رقميٍّ يمثّل حصّته. والغاية من هذا النّموذج هي تمكين الأفراد من الوصول إلى الأداء الاقتصاديّ للحصان دون الحاجة لامتلاكه بالكامل، ما يفتح آفاقاً أوسع للمشاركة في سوقٍ كان تاريخيّاً حكراً على القلّة".

ورغم سرعة بيع الرّموز بالكامل، إلّا أأنّ المشروع كشف أيضاً عن عمق استراتيجيّة دبي في المشهد الاستثماريّ العالميّ. وأكّد سكوت أنّ الطّلب يتجسّد بمجرّد إزالة حواجز الوصول والتّعقيدات التّنظيميّة، مضيفاً: "تتمتّع دبي بالقدرة على تصدير منتجاتٍ منظّمةٍ على نطاقٍ عالميٍّ؛ فالأصل الأوّل يقع في نيوزيلندا وجذب مستثمرين من ثلاث دولٍ، ومع ذلك أُصدر من دبي تحت إشراف هيئة تنظيم الأصول الافتراضيّة. وهذا يُبرهن على ملاءمة المنتج للسّوق، ويُثبت في الوقت نفسه المكانة الّتي تحتلّها دبي كمركزٍ لتشكيل رأس المال".

لقد شكّلت الرّؤية نفسها -الّتي تجمع بين توسيع الوصول والتّنظيم وبناء الثّقة- التّيار الّذي وجّه جولة التّمويل التّمهيديّة لشركة "توك إنفست" بقيمة 3.2 مليون دولارٍ أمريكيٍّ. وقد جمعت هذه الجولة شركات رأس المال المغامر، والمكاتب العائليّة، والمستثمرين ذوي الملاءة الماليّة العاليّة، من بينهم "ترليڤ هولدينغز" (Triliv Holdings)، المكتب العائليّ المقيم في الإمارات والمتخصّص في إدارة الثّروات عالميّاً والاستثمارات الاستراتيجيّة، و"إكسبونينشال ساينس" (Exponential Science)، المؤسّسة الّتي تقود البحث والابتكار في التّقنيات النّاشئة.

كما أشار سكوت إلى أنّ التّمويل الجديد يمنح "توك إنفست" مساحةً للنّموّ، من خلال تعزيز منصّتها، وتوسيع نطاق التّنظيم الّذي تعمل ضمنه، وإدخال فئات أصولٍ جديدةٍ. وأضاف: "إلى جانب رأس المال، يجلب داعمونا قيمةً استراتيجيّةً بعدّة أبعادٍ -من الوصول إلى الأسواق وخبرة بناء الشّركات وصولاً إلى التّوزيع وإقامة الشّراكات. وهذا المزج من الخبرات يكمّل فريق "توك إنفست" ويعزّزه مع استمرارنا في التّوسع والنّمو".

بعيداً عن مسألة التّوسّع، تركّز "توكإنفست" أيضاً على تنويع عروضها، وبعد إثبات جدوى النّموذج في قطّاع الرّياضة، تتّجه الشّركة الآن نحو العقارات، حيث أوضح سكوت: "يمكن نقل المبادئ الّتي تم تأسيسها حول ترميز خيول السّباق إلى قطّاع العقارات، وكسر الحواجز أمام امتلاك العقارات هنا في الإمارات وحول العالم". وبناءً على ذلك، تخطّط "توك إنفست" قريباً لإطلاق أصولٍ عقاريةٍ مُرمَّزةٍ، مع دعوة المتبنين الأوائل للانضمام إلى قائمة انتظار "السّاعة الذّهبيّة" للحصول على دخولٍ مبكّرٍ وأوّلويّةٍ في التّخصيص، وذلك رهناً بالحصول على الموافقات التّنظيميّة".

فيما يتعلّق بالنّصيحة الّتي يوجّهها سكوت للمؤسّسين الآخرين الّذين ينشطون في مجال الأصول الرّقميّة، يشدّد على أنّ الجاهزيّة التّنظيميّة تأتي أوّلاً في المشهد الحاليّ؛ فقال: "استناداً إلى خبرتي في جمع التّمويل والوصول إلى السّوق، نصيحتي للمؤسّسين في قطّاع الأصول الواقعيّة واضحةٌ: احصلوا على التّرخيص أوّلاً؛ فهذا عملٌ منظّمٌ، ولا يمكنكم العمل دون الإطار التّنظيميّ والتّرخيص اللّازمين، إذ لا توجد طرقٌ مختصرةٌ هنا؛ الموافقة التّنظيميّة هي الشّرط المسبق، وليست مسألةً ثانويّةً".

وبمجرّد تأسيس هذا الأساس، يؤكّد سكوت أنّ التّنفيذ يصبح المحور الرّئيسيّ. وأضاف: "بمجرّد حصولكم على التّرخيص والامتثال الكامل، ركّزوا على إطلاق منتجاتٍ حقيقيّةٍ تقدّم قيمةً ملموسةً؛ فاعتماد السّوق يأتي من العائد الجاذب وتوقع نموّ رأس المال؛ فالتّعليم يلعب دوراً بالطّبع، لكن على أرض الواقع، النّتائج العمليّة دائماً تتفوّق على الشّروحات النّظريّة. وعندما يرى النّاس نتائج ملموسةً، ينمو مستوى الثّقة أسرع بكثيرٍ ممّا يحدث من خلال النّظريّة وحدها؛ فالامتثال ليس مجرّد قيودٍ بيروقراطيّةٍ، بل هو الأساس الذي يمكّنك من بناء الثّقة وتحقيق التّوسع المستدام".

كما شدّد سكوت على أنّ النّجاح طويل المدى لترميز الأصول يعتمد على الشّموليّة الواسعة. وأوضح: "من المهمّ أيضاً تصميم المنتجات لتلبّي احتياجات المستثمرين الأفراد بجانب المؤسّسات. حيثما كان مسموحاً، كما هو الحال في دبي، اجعلوا الوصول ديمقراطيّاً من خلال تجارب مستخدمٍ واضحةٍ، وحقوقٍ شفّافةٍ، ومسارات سيولةٍ محدّدةٍ؛ ففتح الوصول بما يتجاوز القلّة الثّرية هو ما سيحوّل هذا السّوق في النّهاية".

وأخيراً، أكّد سكوت على أهميّة اتّخاذ قراراتٍ متينةٍ فيما يخصّ البنية التّحتيّة؛ فقال: "على مستوى البنية التّحتيّة، اختاروا مساراتٍ قابلةٍ للتّوسّع، وتعاونوا مع سلاسل وشركاء لديهم سجلّات مثبتة في إدارة الأصول الواقعيّة؛ فعلى سبيل المثال، كانت بلوكشين "بوليجون" الأساس الّذي دعم إصدار حصان السّباق الأوّل لشركة "توكإنفست" حتّى لا تضطروا لإعادة اختراع العجلة أو إضافة مخاطر غير ضروريّة".

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 8 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: