الرئيسية الابتكار كيف يصبح طرح الأفكار فناً قائماً على علم النفس؟

كيف يصبح طرح الأفكار فناً قائماً على علم النفس؟

تتعمّق الأفكار حين تُقدَّم بأسلوب يلامس العاطفة قبل المنطق، فصياغة الطّرح بوصفه تجربةً شعوريّةً تدفع المتلقّي إلى إعادة التّفكير، وتمنح الفكرة قوّتها القادرة على خلق التّحوّل

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

لقد أمضيت عقوداً أعمل مع الشركات الناشئة، والمبتكرين داخل المؤسسات، والقادة الذين يدفعون بعجلة التحول. وفي كل تلك البيئات، ظلّ أمرٌ واحد ثابتاً: ليست الفكرة الجيدة وحدها كافية. سواءً كنت تسعى للحصول على التمويل، أو توحيد الرؤى، أو نيل الإذن للمضي قدماً، فإن الطريقة التي تقدّم بها فكرتك غالباً ما تكون أهم من الفكرة نفسها.

وخاصة اليوم. فمع تسارع الابتكار المدفوع بالذكاء الاصطناعي والانفجار في المنتجات والخدمات ونماذج الأعمال الجديدة، أصبح عرض الأفكار مهارة محورية في حقيبة أدوات القائد المعاصر. ولكن ما الذي يميّز العروض التي تترك أثراً عن تلك التي تتبخر بلا صدى؟ إنها النفسية.

علم نفس العرض

تخاطب العروض القوية ما يحرّك الإنسان في أعماقه وكيف يعمل عقله، على المستويين الواعي واللاواعي. وقد ميّز عالم السلوك دانيال كانيمان بين نظامين ذهنيين: "النظام 1" الذي يتسم بالسرعة والعاطفة والحدس، و"النظام 2" الذي يتصف بالبطء والمنطق والتروّي. وعندما يعجز العرض عن إشعال شرارة النظام الأول منذ اللحظة الأولى، قد لا يجد النظام الثاني سبباً للظهور أبداً.

ولهذا تُعدّ "المفاجأة" قوة مؤثرة لا يستهان بها. ففي كتابي الأول "Leapfrogging"، أوضح كيف أن الدماغ مهيّأ بالفطرة للالتفات إلى ما يخرج عن المألوف. فحين نختبر مفاجأة إيجابية، تتصدّع أنماطنا الذهنية الراسخة وندخل تلقائياً في حالة تفاعل. والسؤال الاستفزازي أو الحكاية الفريدة قادران على إحداث هذا الأثر بامتياز.

ويبقى "الانتماء" عنصراً جوهرياً أيضاً. فالناس يميلون إلى احتضان الأفكار حين يشعرون بأنهم جزء من معنى أوسع من ذواتهم. ولذلك ينبغي لعرضك أن يلمّح لا إلى جوهر الفكرة فحسب، بل إلى مَن تُخاطَب بهم، ومن قد يصبحون عليه عندما يمنحونها القبول.

وأخيراً، يظل الإحساس بالإلحاح مفتاحاً لدفع الفعل. فصناعة توتر بنّاء بين ما هو كائن وما يمكن أن يتحقق إذا اتُّخذ القرار فوراً، هي ما يدفع الآخرين للتحرك؛ فالمنصات المشتعلة هي التي تجعل الناس ينهضون.

ابنِ عرضاً نفسياً-مدروساً

كما قلت سابقاً، إن العرض التجاري المتين يشتمل على أساسيات واضحة: فكرة كبيرة، حاجة سوقية ملموسة، حلّ فريد، وكيف تصنع هذه العناصر معاً نموذج عمل رابح. هذه متطلبات أساسية. لكن الفارق الحقيقي يكمن في طريقة تقديمك لها، لأن جوهر التأثير لا ينشأ من العناصر ذاتها بقدر ما يتجلّى في الإيقاع الذي تُطرح به.

ما يميّز عرضاً عادياً عن عرضٍ يبقى في الذاكرة لا يعود إلى المحتوى وحده، بل إلى أثره العاطفي، فالرسالة التي تُلامس الوجدان تمتدّ أبعد مما تبلغه الوقائع المباشرة. وهنا يمنحك علم النفس ميزة حقيقية، إذ يتيح لك الوصول إلى المناطق التي تتشكل فيها الدوافع العميقة والقرارات الخفية.

فعندما تقدم فكرة، أنت لا تنقل معلومات فقط. أنت تقود شخصاً ما خلال تحوّلٍ في المعتقدات -حول المشكلة، والحل، ودوره في صنع التغيير- وكأنك تعيد ترتيب مشهده الداخلي ليُبصر إمكانات جديدة. ولهذا فإن أكثر العروض تأثيراً ليست تلك التي تبني حجة تجارية فحسب، بل تلك التي تستثير المشاعر، وتغيّر القناعات، وتلهم الفعل، فتدفع المتلقي إلى رؤية ذاته في مستقبل مختلف يتشكل بقراره في اللحظة الآنية.

وإليك كيفية فعل ذلك:

  1. افتتح العرض بـ"سؤال خطّاف"

ابدأ عرضك بجذب الانتباه وصنع اهتمام فوري؛ فالسؤال الاستفزازي أحد أبسط الطرق لإثارة الفضول والتواصل العاطفي. جرّب مثلاً: "ماذا لو كان العثور على علبة الكاتشب في متجر البقالة سهلاً كاستخدام خرائط جوجل؟" أو: "ماذا لو كان بإمكانك بناء تطبيق ويب كامل خلال خمس دقائق انطلاقاً من جدول بيانات بسيط؟"

هذه الأسئلة تكسر التفكير التقليدي وتضع إطار الحديث حول مشكلة مهمّة وحلّ غير متوقع.

  1. استخدم قصة لتأطير المشكلة

القصص هي الأداة التي يبني بها العقل فهمه للعالم؛ فحبكتها الموجزة والواضحة تُنشئ رابطاً عاطفياً عميقاً، وتجعل المشكلة ملموسة وقريبة. وقد تكون قصة أمٍّ عاملة تكافح بحثاً عن رعاية لأطفالها، أو مدير توظيف يُنهكه تدفّق السير الذاتية المتشابهة. ويبلغ السرد ذروته حين يتضمّن الراوي ذاته، مستحضراً معاناته وتجربته؛ فكلما ازدادت القصة صدقاً وشخصية، ازدادت قوة وتأثيراً.

فالقصص تُمكّن المتلقي من الإحساس بالألم قبل أن تقدّم له الحلّ المنطقي الذي يبدد ذلك الألم.

  1. اجعل الحل طريقاً نحو "ذات أفضل"

يتغذّى الدافع الإنساني على التماهي مع ما نصبو لأن نكونه؛ ولهذا لا يكفي أن يظلّ العرض محصوراً في معالجة المشكلة، بل ينبغي أن يتخطّاها نحو أفقٍ أوسع، حيث يرى الجمهور ذاته في واقعٍ أرقى يصوغه الحل المطروح. ومهما كان ما يقدّمه الحل -توفيراً للوقت، أو تعزيزاً للثقة، أو بناءً لمجتمع- فإن جوهر مهمتك أن تُبرز الفكرة بوصفها جسراً يمكّن الأفراد من الاقتراب أكثر من النسخة الفضلى من ذواتهم

  1. قدم ما يكفي فقط من الأدلة

لا يقود الإفراط في البيانات سوى إلى إرباك المتلقي، بينما تصنع الكمية المناسبة من الأدلة الثقة المطلوبة. لذلك يُفضَّل التركيز على الأساسيات: أرقام موجزة، أو دراسة حالة ذات صلة، أو تشبيه واضح المعنى. ويمكن التعبير مثلاً بالقول: "نحن بمثابة OpenTable للأنشطة المخصّصة للأطفال". أو: "لقد أثبتنا أن الناس يوفرون أربع ساعات أسبوعياً".

احرص على استخدام نقاط إثبات قصيرة، آسرة، ومتلائمة مع السياق؛ فالغرض أن يلمس جمهورك قابلية الفكرة للتحقق، لا أن يُدفن تحت وطأة التفاصيل

  1. اختم بإحساسٍ بالإلحاح وغرض مشترك

أفضل العروض تُختم دوماً بزخم متصاعد، بحيث يشعر الجمهور بأن لحظةً حاسمةً تجري الآن، وأن لكل فرد منهم دوراً فاعلاً في رسم الخطوة القادمة. ويمكنك أن تقول: "نحن عند نقطة تحول، وما سنفعله في الأشهر الثلاثة المقبلة سيشكّل مسار السنوات الثلاث المقبلة".

حين يقتنع الناس بأهمية المهمة ويشعرون بقدرتهم على التأثير فيها، يزداد التفاعل والدعم بشكل طبيعي، فتتحول المشاركة إلى التزام حقيقي، وتصبح القناعة قوة دافعة نحو العمل

علم نفس التأثير في التطبيق

سواء كنت تعرض شركة ناشئة أمام مستثمرين، أو تقدّم منتجاً جديداً للإدارة، أو تطلق مبادرة على فريقك، فإن مفتاح النجاح يكمن في قدرتك على نسج روابط بين العاطفة والمنطق، بين القصة والاستراتيجية، وبين الإيمان والفعل.

هذه هي الحقيقة الجوهرية وراء العروض القوية؛ فهي لا تكتفي بنقل الأفكار، بل تعيد تشكيل تصور الناس لما هو ممكن، فتدفعهم إلى التحرك واتخاذ القرار. وإذا رغبت في إطار عملي لتطبيق هذه المبادئ، يمكنك الرجوع إلى "فصل الابتكار المتقدم" الذي أقدمه لبناء عروضك بفعالية، أو الانضمام إلى قائمتي البريدية للحصول على رؤى وأدوات وموارد حصرية تساعدك على إتقان فن العرض المؤثر.

هذا الرّأي المتخصص بقلم سورين كابلان، مؤلف كتاب "الذكاء التجريبي"، نُشر في نسخته الأولى على Inc.com.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: