كيف يؤثر التسكّع السيبراني على الإنتاجية والأداء الوظيفي؟
حين نقضي ساعاتٍ في التّجوال بين الشّاشات دون هدفٍ، لا نُدرك أنّنا نمنح انتباهنا لعالمٍ رقميٍّ يلتهم الوقت والطّاقة، ويضعف الأداء والإبداع في العمل

في عصرنا الرّقميّ الحاليّ، أصبح الإنترنت عنصراً أساسيّاً في حياتنا اليوميّة، حيث نستخدمه للتّواصل، والتّعلّم، والعمل، والتّرفيه. ومع تزايد استخدامنا للتّقنيّات الحديثة، ظهرت ظاهرةٌ جديدةٌ تعرف باسم "التّسكّع السّيبرانيّ"، وهي سلوكٌ يتمثّل في التّصفّح العشوائيّ للمواقع الإلكترونيّة والانتقال بين المنصّات الرّقميّة دون هدفٍ واضحٍ. رغم أنّ هذه الظّاهرة قد تكون ممتعةً أو تبدو بريئةً في البداية، إلّا أنّها تحمل تأثيراتٍ سلبيّةً كبيرةً على الإنتاجيّة والأداء الوظيفيّ.
ما هو التسكع السيبراني؟
التّسكّع السّيبرانيّ هو مصطحٌ يصف سلوك التّصفّح غير الهادف عبر الإنترنت، حيث يقضي الأفراد وقتاً طويلاً في تصفّح مواقع الويب أو التّفاعل مع المنصّات الاجتماعيّة دون غرضٍ محدّدٍ. يمكن أن يشمل هذا التّفاعل تصفّح منصّات التّواصل الاجتماعيّ، قراءة المقالات العشوائيّة، أو مشاهدة مقاطع الفيديو التّرفيهيّة. رغم أنّ هذه الأنشطة قد تكون مسلّيةً أو مريحةً، إلّا أنّها قد تقود إلى تشتّت الانتباه وقلّة التّركيز، ممّا يؤثّر سلبيّاً على الأداء الوظيفيّ. [1]
التأثيرات السلبية للتسكع السيبراني على الإنتاجية
من المعروف أنّ التّسكّع السّيبرانيّ قد يظهر عليه أنّه وقتٌ للاستراحة أو التّرفيه، لكنّه في الحقيقة يحمل آثاراً سلبيّةً كبيرةً على الأداء الوظيفيّ. يمكن تلخيص أبرز التّأثيرات السّلبيّة للتّسكّع السّيبرانيّ في النّقاط التّالية:
فقد التركيز
من أبرز تأثيرات التّسكّع السّيبرانيّ على الإنتاجيّة هو فقد التّركيز. في بيئة العمل الحادثة، تتطلّب المهامّ الانتباه الكامل والقدرة على التّركيز على التّفاصيل. التّشتّت النّاتج عن التّنقّل العشوائيّ عبر الإنترنت يؤدّي إلى انخفاضٍ حادٍّ في الأداء، ممّا يجعل من الصّعب إنجاز المهامّ في الوقت المحدّد. في بعض الأحيان، يضيّع الفرد وقتاً طويلاً دون أن يدرك ذلك، ما يتركه في النّهاية مع مهامٍّ غير مكملةٍ أو أدائها غير جيّدٍ. هذا التّشتّت المستمرّ يمكن أن يتسبّب في تأخيراتٍ على المدى الطّويل ويؤثّر على نوعيّة العمل الّذي ينتج.
تأثيرات نفسية سلبية
لا يقتصر التّسكّع السّيبرانيّ تأثيره على الإنتاجيّة فقط، بل يمتدّ ليشمل تأثيراتٍ نفسيّةٍ سلبيّةٍ أيضاً. يشعر العديد من الأفراد بالذّنب أو النّدم بعد قضاء وقتٍ طويلٍ في الأنشطة غير المنتجة عبر الإنترنت. هذه المشاعر من الإحساس بالعجز أو التّراخي يمكن أن تؤدّي إلى زيادة مستويات التّوتّر والضّغط النّفسيّ. مع تزايد القلق النّاتج عن عدم إتمام الأعمال كما هو متوقّعٌ، يمكن أن تتراكم الضّغوط الدّاخليّة وتؤثّر بشكلٍ غير مباشرٍ على القدرة على التّركيز في المهامّ المهنيّة الأخرى.
تدهور جودة العمل
إضاعة الوقت في الأنشطة الإلكترونيّة غير المفيدة تؤدّي إلى انخفاضٍ في جودة العمل. قد يفتقر الموظّفون إلى الدّقّة في تنفيذ المهامّ أو المواعيد النّهائيّة، ممّا يؤثّر على سمعة الشّركة وجودتها العامّة. الشّركات الّتي تعاني من تأخيرٍ أو انخفاضٍ في مستوى الأداء بسبب التّسكّع السّيبرانيّ يمكن أن تواجه تراجعاً في رضا العملاء وزيادةً في الشّكوى. هذا التّدهور في الأداء يمكن أن يتجلّى في الإنتاجيّة الفرديّة والجماعيّة على حدٍّ سواءٍ، حيث يساهم في خلق بيئةٍ غير فعّالةٍ تؤثّر على الفريق بشكلٍ عامٍّ.
زيادة الإحساس بالإرهاق
قد يظهر التّسكّع السّيبرانيّ كأنّه استراحةٌ عقليّةٌ قصيرةٌ، ولكن على المدى الطّويل، يمكن أن يؤدّي إلى زيادة الإحساس بالإرهاق العقليّ. الانغماس المستمرّ في التّفاعل مع المعلومات المتدفّقة عبر الإنترنت يستهلك الطّاقة العقليّة بشكلٍ كبيرٍ، ممّا يؤدّي إلى تراجع القدرة على التّركيز والإبداع في العمل. وعلى الرّغم من أنّ الأشخاص قد يعتقدون أنّهم يحصلون على فترة راحةٍ ذهنيّةٍ، إلّا أنّ التّفاعل المستمرّ مع المدخلات الإلكترونيّة يؤدّي إلى إجهادٍ غير مرئيٍّ للعقل، ممّا يجعل العودة إلى العمل أصعب ويقلّل من فعّاليّة الأداء. [2]
كيفية التغلب على التسكع السيبراني لتحسين الأداء الوظيفي؟
لتجاوز تأثيرات التّسكّع السّيبرانيّ وتحقيق تحسينٍ فعّالٍ في الأداء الوظيفيّ، من الضّروريّ تبنّي استراتيجيّاتٍ منظّمةٍ تساعد على إدارة الوقت بشكلٍ أفضل وتعزيز التّركيز، ممّا يسهم في رفع الإنتاجيّة وتقليل التّشتّت في بيئة العمل.
- إدارة الوقت بشكلٍ فعّالٍ: يجب على الموظّفين تخصيص فتراتٍ محدّدةٍ للاستراحة واستخدام الإنترنت للتّسلّي، مع تجنّب التّصفّح العشوائيّ أثناء ساعات العمل. تطبيق تقنيّاتٍ مثل "تقنيّة بومودورو" يمكن أن يساعد في تخصيص فتراتٍ للتّركيز والعمل، تليها استراحاتٌ قصيرةٌ.
- استخدام أدوات الحظر الرّقميّ: من خلال هذه الأدوات، يمكن تقليل التّصفّح المفرط لمنصّات التّواصل الاجتماعيّ أو مواقع الإنترنت غير الضّروريّة، ممّا يعزّز التّركيز ويساعد على إنجاز المهامّ في الوقت المحدّد.
- تعزيز الوعي الذّاتيّ: من الممتحن أن يطوّر الأفراد الوعي الذّاتيّ حول كيفيّة تأثير التّصفّح العشوائيّ على حياتهم اليوميّة. يمكن أن يساعد تدوين الوقت الّذي يقضونه على الإنترنت في تحديد ما إذا كان هذا التّصفّح يؤثّر على إنتاجيّتهم.
- إنشاء بيئة عملٍ خاليةٍ من المشتّتات: التّأكّد من أن يكون مكان العمل خاليّاً من المشتّتات الإلكترونيّة يمكن أن يحسّن الأداء بشكلٍ كبيرٍ. تنظيم أدوات العمل، والحدّ من الإشعارات المستمرّة، وتخصيص أوقاتٍ محدّدةٍ للتّفاعل مع الإنترنت خارج ساعات العمل، كلّها أساليب فعّالةٌ في تقليل التّسكّع السّيبرانيّ.
الخاتمة
في الختام، التّسكّع السّيبرانيّ هو ظاهرةٌ قد تكون مدمّرةً للإنتاجيّة إذا لم يتمّ التّحكّم فيها بشكلٍ جيّدٍ. يؤثّر التّصفّح العشوائيّ عبر الإنترنت على التّركيز والأداء الوظيفيّ، ممّا يؤدّي إلى تداهور جودة العمل وزيادة الإحساس بالتّوتّر والإرهاق. مع ذلك، يمكن التّغلّب على هذه الظّاهرة من خلال إدارة الوقت بفعّاليّةٍ، واستخدام الأدوات الّتي تساعد على تقليل المشتّتات، وتعزيز الوعي الذّاتيّ.
-
الأسئلة الشائعة
- كيف يساعد الوعي الذاتي في تحسين الأداء الوظيفي؟ يمكن أن يساعد الوعي الذاتي الأفراد في تحديد الوقت الذي يقضونه في التّصفح العشوائيّ وكيف يؤثّر ذلك على إنتاجيّتهم، ممّا يشجّعهم على تخصيص وقتٍ أكثر فعاليّةً للعمل.
- هل يمكن للبيئة الخالية من المشتتات أن تحسن الإنتاجية؟ نعم، إنشاء بيئة خالية من المشتّتات الإلكترونيّة، مثل تقليل الإشعارات وتنظيم أدوات العمل، يمكن أن يعزّز التّركيز ويسهم في تحسين الأداء والإنتاجيّة في بيئة العمل.