الرئيسية الريادة من الإنتاجية إلى الإرهاق: فهم مخاطر الإنتاجية السامة

من الإنتاجية إلى الإرهاق: فهم مخاطر الإنتاجية السامة

لا تتوقّف مخاطر الإنتاجيّة السّامّة عند حدود الضّغط المؤقّت أو الشّعور العابر بالتّعب، بل تمتدّ لتترك آثاراً عميقةً تمسّ صحّة الموظّف الجسديّة والنّفسيّة، وتؤثّر في جودة العمل

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تسعى المؤسّسات دائماً إلى رفع مستويات الأداء وتحقيق أفضل النّتائج، غير أنّ التّركيز المفرط على العمل دون مراعاة التّوازن بين الجهد والرّاحة يقود في كثيرٍ من الأحيان إلى ما يسمّى مخاطر الإنتاجيّة السّامّة؛ فهٰذا المفهوم يعبّر عن الحالة الّتي تتحوّل فيها الرّغبة الطّبيعيّة في الإنجاز إلى ضغوطٍ مدمّرةٍ تؤدّي إلى الإرهاق النّفسيّ والجسديّ، وتفقد الموظّفين دافعهم الإيجابيّ. وعندما تسود ثقافة العمل المفرط داخل المؤسّسات، تتحوّل الإنتاجيّة من وسيلةٍ للتّطوّر إلى سلاحٍ ذي حدّين يقود في النّهاية إلى نتائج عكسيّةٍ.

ما المقصود بالإنتاجية السامة؟

تعني الإنتاجيّة السّامّة حالةً يطغى فيها العمل على جميع جوانب الحياة الأخرى، بحيث يقاس الموظّف بعدد السّاعات الّتي يقضيها في مكتبه أو بعدد المهامّ الّتي ينجزها، دون اعتبارٍ لقيمتها أو أثرها الفعليّ. ولا تقتصر هٰذه الظّاهرة على الشّركات الكبرى، بل تمتدّ أيضاً إلى المؤسّسات الصّغيرة وحتّى الأعمال الحرّة. ومع غياب الحدود بين الحياة المهنيّة والشّخصيّة، يشعر الموظّف بضغطٍ دائمٍ يولّد بيئةً غير صحّيّةٍ تؤدّي به إلى إرهاقٍ مهنيٍّ متواصلٍ. [1]

النتائج السلبية للإنتاجية السامة

لا تتوقّف مخاطر الإنتاجيّة السّامّة عند حدود الضّغط المؤقّت أو الشّعور العابر بالتّعب، بل تمتدّ لتترك آثاراً عميقةً تمسّ صحّة الموظّف الجسديّة والنّفسيّة، وتؤثّر في جودة العمل، وتضعف الولاء، وتخنق الإبداع. وحين تتراكم هٰذه النّتائج، تجد المؤسّسة نفسها أمام خسائر مباشرةٍ وغير مباشرةٍ قد تهدّد استقرارها على المدى الطّويل.

الإرهاق الجسدي والنفسي

يعدّ الإرهاق أبرز نتائج الإنتاجيّة السّامّة وأكثرها خطورةً، لأنّه يصيب الموظّف في عمق طاقته وقدرته على الاستمرار. ومع استمرار الضّغوط، يفقد الموظّف تركيزه ويعجز عن الإبداع، بينما يتحوّل الإرهاق النّفسيّ إلى قلقٍ مزمنٍ أو اكتئابٍ يعطّل استقراره العاطفيّ. وفي الوقت نفسه، يتجلّى الإرهاق الجسديّ في صداعٍ متكرّرٍ واضطرابات نومٍ وضعفٍ في المناعة. ونتيجةً لذٰلك، تتراجع قدرته على العمل الفعّال، ويزداد معدل الغياب عن العمل بشكلٍ طبيعيٍّ ومتوقّعٍ. [1]

انخفاض جودة العمل

وعلى الرّغم من أنّ الهدف الأساسيّ للإنتاجيّة هو تحسين الأداء، إلّا أنّ الإفراط فيها يقود إلى نتيجةٍ معاكسةٍ؛ فالموظّف الّذي يعمل تحت ضغطٍ مستمرٍّ يفقد دقّته، ويرتكب الأخطاء بسهولةٍ، ويعجز عن متابعة التّفاصيل الصّغيرة الّتي تضمن جودة المخرجات. ومع مرور الوقت، تنعكس هٰذه الأخطاء على سمعة المؤسّسة أمام العملاء والشّركاء، فتتراجع الثّقة بها. وهكذا تتحوّل الإنتاجيّة من أداةٍ لتحقيق النّجاح إلى عبءٍ يقوّض الأهداف الأساسيّة.

فقدان الحافز والولاء

وحين يشعر الموظّف أنّه يستنزف دون تقديرٍ ملموسٍ، يتراجع حماسه تدريجيّاً. ومع غياب الاعتراف بالجهود، يضعف الانتماء ويتلاشى الولاء للمؤسّسة. حيث يظهر هٰذا الانفصال النّفسيّ سريعاً في انخفاض الالتزام وارتفاع معدل البحث عن فرصٍ بديلةٍ في بيئات عملٍ أكثر توازناً. وفي النّهاية، تتحمّل المؤسّسة تكلفةً باهظةً نتيجة دوران العمالة المستمرّ، سواءٌ في فقدان الكفاءات أو في تكلفة توظيف وتدريب موظّفين جددٍ.

ضعف الإبداع والابتكار

أمّا على مستوى الإبداع، تمثّل بيئة الإنتاجيّة السّامّة القاتل الأوّل للأفكار الجديدة. إذ لا يزهر الإبداع تحت ضغطٍ متواصلٍ، بل يحتاج إلى فسحةٍ للتّفكير وحرّيّةٍ في طرح التّساؤلات. وحين يسود الخوف من الفشل، ينكمش الخيال وتذبل القدرة على ابتكار حلولٍ مبتكرةٍ. وبهٰذا تخسر المؤسّسة ميزةً تنافسيّةً أساسيّةً، وتجد نفسها محاصرةً في دائرة الرّوتين بينما تتقدّم المؤسّسات المنافسة الّتي تعطي موظّفيها مساحةً للإبداع. [2]

عوامل تؤدي إلى الإنتاجية السامة

قبل أن تتجلّى مخاطر الإنتاجيّة السّامّة في صورة إرهاقٍ وضعف أداءٍ، تقف وراءها عوامل عميقةٌ تصوغ بيئة العمل وتحدّد ملامحها. ومن أبرز هٰذه العوامل: [2]

  • ثقافة الشّركة غير الصّحّيّة: تلعب ثقافة الشّركة دوراً محوريّاً في تشكيل سلوك الموظّفين؛ فعندما تركّز الإدارة على المظاهر مثل الحضور الطّويل أو سرعة الرّدّ في أيّ وقتٍ، فإنّها تعزّز ثقافة الانشغال الوهميّ بدلاً من الإنجاز الحقيقيّ.
  • غياب التّوازن بين العمل والحياة: يساهم غياب الحدود بين الحياة الخاصّة والعمل في تضخيم الضّغوط؛ فالموظّف المطلوب منه أن يكون متاحاً على مدار السّاعة يفقد تدريجيّاً قدرته على الاسترخاء واستعادة طاقته. ومع مرور الوقت، يتحوّل هٰذا الضّغط إلى إجهادٍ مزمنٍ ينعكس سلباً على أدائه وصحّته الجسديّة والنّفسيّة.
  • ضعف القيادة الإيجابيّة: عندما يغيب القائد القادر على توجيه الفريق بمرونةٍ، تتحوّل بيئة العمل إلى ساحة ضغطٍ خانقةٍ؛ فالقادة الّذين يركّزون على السّيطرة بدلاً من التّحفيز يساهمون في تعزيز ثقافة العمل المرهق، ممّا يضاعف من احتمالات الإرهاق المهنيّ ويزيد من معدّلات الاستقالات.
  • التّكنولوجيّا وسيفها ذو الحدّين: وعلى الرّغم من أنّ التّكنولوجيّا صمّمت لتسهيل العمل، إلّا أنّها ساهمت في تكريس ثقافة التّوافر الدّائم؛ فالموظّف الّذي يتلقّى إشعارات البريد الإلكترونيّ والرّسائل الفوريّة باستمرارٍ يشعر أنّه ملزمٌ بالاستجابة الفوريّة حتّى خارج أوقات العمل، ممّا يزيد الضّغط النّفسيّ ويغذّي ثقافة العمل المفرط.

الخاتمة

يتّضح أنّ السّعي وراء الإنتاجيّة من دون توازنٍ يقود حتماً إلى مخاطر الإنتاجيّة السّامّة، الّتي لا تضرّ الموظّف وحده بل تضرب المؤسّسة بأكملها. فالإرهاق، وانخفاض الجودة، وتراجع الولاء، وفقدان الإبداع، كلّها نتائج تهدّد استدامة النّجاح. ومن خلال بناء ثقافةٍ صحّيّةٍ، واعتماد قيادةٍ مرنةٍ، وتعزيز التّوازن بين العمل والحياة، تستطيع المؤسّسات أن تحافظ على إنتاجيّةٍ مستدامةٍ تحقّق أهدافها دون أن تدفع ثمناً باهظاً. وهكذا يصبح الوعي بهٰذه المخاطر خطوةً جوهريّةً نحو بناء بيئات عملٍ أكثر إنسانيّةً وإبداعاً.

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل الإنتاجية السامة مرتبطة فقط بالعمل المكتبي؟
    لا تقتصر الإنتاجية السامة على المكاتب، بل تظهر أيضاً في الأعمال الحرّة والميدانيّة؛ فالفكرة ليست في مكان العمل بل في ثقافة الضّغط المفرط التي تفرض إنجازاً متواصلاً دون توازنٍ أو راحةٍ.
  2. كيف تؤثر مخاطر الإنتاجية السامة على علاقات الموظف الاجتماعية؟
    عندما يطغى العمل على حياة الفرد، تقلّ تفاعلاته مع العائلة والأصدقاء، وتضعف الرّوابط الاجتماعيّة، ممّا يؤدّي إلى شعورٍ بالوحدة يزيد من القلق ويضاعف الآثار النّفسيّة السّلبيّة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: