كيف تتفاوض بثقة دون أن تفقد ذاتك الحقيقية؟ إليك 5 طرق فعالة
في خضم التّجربة والمواقف الصّعبة، لا يُقاس النّجاح بحدّة النّبرة أو صلابة الموقف، بل بقدرتنا على الحفاظ على إنسانيّتنا وسط صراعٍ لا يرحم

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
قضيتُ العقد الأوّل من مسيرتي المهنيّة في مدينة نيويورك، وكانت تلك بمثابة تجربةٍ ثقافيّةٍ ثريةٍ لفتاةٍ نشأت في ضواحي بوسطن. ومع مرور الوقت، شعرتُ أنّني استحقّقت لقب "نيويوركية"، بما يحمله من مزيجٍ من الثّقة بالنّفس والجرأة. لكن لم أدرك مدى التّحول الّذي طرأ على شخصيتي حتّى سنواتٍ لاحقةٍ، عندما اصطحبت ابنتيَّ المراهقتين إلى المدينة، فبدأتا بمناداتي بـ"أمي النيويوركية"، ولم يكن ذلك من باب الإطراء.
ومنذ ذلك الحين، بدأتُ أتساءل: هل من الجيّد أن نتمكّن من إظهار نسخٍ مختلفةٍ من أنفسنا لأغراضٍ مختلفةٍ، سواء بوعيٍ أو دون وعيٍ؟ فهل من الضّروريّ في العمل أن يتحوّل الشّخص العادل مع موظّفيه إلى شخصيّةٍ شرسةٍ في مفاوضاتٍ قاسيةٍ؟ أم أنّه من الممكن أن نكون نسخةً واحدةً، حقيقيّةً، في جميع الأوقات؟
جلستُ مؤخّراً مع الأستاذ المخضرم في "كلية الحقوق بجامعة هارفارد" (Harvard Law School) وزميل البحوث الأقدم الحالي، بوب بوردون، للتّعمّق في هذا الموضوع. بوردون، الّذي شارك في تأليف الكتاب الجديد " المرونة في النزاع: التفاوض وسط الخلاف دون التنازل أو الاستسلام"، قضى ما يقرب من 30 عاماً في تدريس وكتابة مفاهيم حلّ النّزاعات والتّفاوض. ويقول إنّ ما يخطئ فيه الكثيرون هو الاعتقاد بأنّ عليك أن تكون نسخةً قاسيةً من نفسك لتحقّق النجاح، إذ قال: "من أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعاً عن المفاوضين النّاجحين هو أنّهم عدائيّون". وبدلاً من ذلك، يقترح الاستراتيجيّة التّالية:
الاستعداد، ثم الاستعداد، ثم الاستعداد
احرص على دخول أيّ مفاوضاتٍ تجاريّةٍ وأنت مسلّحٌ بالحقائق حول الصّفقات المماثلة. وكُن مستعدّاً لإثبات معرفتك بالسّوق، وقدّم حججاً منطقيّةً تبيّن لماذا تستحق صفقتك أكثر من غيرها، حتّى لو بدت مشابهةً.
قاوم الانجذاب
إذا بدأ الطّرف الآخر بطرح عروضٍ متطرّفةٍ، فلا تردّ بعرضٍ مضادٍ. أخبرهم أنّك على استعدادٍ للدّخول في حوارٍ حول عروضٍ معقولةٍ، لكنّك لن تتفاعل مع عروضٍ مبالغٍ في خفضها أو تضخيمها.
تمرّن على الاستماع النشط
بدلاً من تقديم عرضٍ مضادٍّ فور سماعك لما لا يعجبك، خذ خطوةً إلى الوراء واطرح سؤالاً للتّأكّد من فهمك لوجهة نظر الطّرف الآخر؛ فحتّى التّوقّف القصير يمكن أن يساعد على الحفاظ على مسار الحديث؛ لأنّه يُظهر التّعاطف. وإذا بدا الطّرف الآخر متأثّراً عاطفيّاً بشأن نقطةٍ ما، اطرح سؤالاً مفتوحاً يسمح له بشرح نفسه وتفريغ مشاعره. وعندما تفهم وجهة النّظر المقابلة بشكلٍ أفضل، يمكنك صياغة حلٍّ يرضي الجميع.
لا تستعرض
قد يكون من المفيد اصطحاب زميلٍ في العمل إلى جلسة تفاوضٍ إذا كنتما على درايةٍ بقدرات بعضكما، وتعملان بتناغمٍ. ولكن كثيراً ما يرى بوردون أشخاصاً يستحضرون النّسخة الأكثر اندفاعاً من أنفسهم فقط ليُثبتوا لزملائهم أنّهم قادرون على المواجهة.
لا تتسرّع
من خلال سنواته في تعليم التفاوض، لاحظ بوردون أنّ الطّلاب غالباً ما يشعرون بعدم الارتياح في لحظات الخلاف، ما يدفعهم لإنهاء التفاوض بسرعةً بدلاً من السّعي لأفضل نتيجةٍ. لكنّه يرى أنّه من الممكن تحويل النّزاع والتّفاوض إلى فرصةٍ لجمع الناس بدلاً من أن يكون مجرّد مصدرٍ للانقسام؛ فمهارة "الاختلاف الجيّد"، الّتي يسميها بوردون "المرونة في النّزاع"، تمنحك فرصةً ليس فقط للوصول إلى اتّفاقٍ، بل أيضاً للتحرّر من العادات السّيئة التي تُعيق أفضل نسخةٍ من نفسكَ.
ويقرّ بوردون بأنّ التّحلي ببعض الإلحاح والحزم يمكن أن يكون مهارةً مفيدةً في عالم الأعمال. وأنا شخصيّاً نجحت في نيويورك جزئيّاً لأنّني كنت مستعدّةً لأن أكون أكثر جرأةً ممّا اعتدت. كما يدين كثيرٌ من روّاد الأعمال بجزءٍ من نجاحهم لقدرتهم على تحويل أحلامهم إلى واقعٍ، عبر الإصرار وقوّة الإرادة. ولكن من السّهل جدّاً أن تتحوّل تلك الطّريقة إلى نمطٍ دائمٍ، وهي لا تحلّ جميع المشكلات؛ فأن تصبح مفاوضاً بارعاً يعني بنفس القدر أن تتقن إدارة مجمل المحادثة كما هو الأمر في الحصول على أيّ تنازلٍ بعينه. إذ يقول بوردون: "يتّسم المفاوضون الجيّدون بالتّعاطف والإنصات الجيّد، ويعرفون كيف يصيغون الحوار بحيث يصل الطّرفان إلى نتيجةٍ معقولةٍ".
نُشر هذا المقال بقلم كارين ديلون في الأصل على موقع Inc.com.