شركات تميزت بدمج الطبيعة في بيئة العمل: إبداع بلا حدود!
حين تنتقل المكاتب إلى قلب الطبيعة، يتحوّل العمل من روتينٍ خانق إلى تجربةٍ مفعمةٍ بالطاقة والإبداع. فهل نُبدّل الجدران بالأشجار؟

بدلاً من العمل بين الجدران المغلقة، بدأت بعض الشركات في نقل مكاتبها إلى أماكن مفتوحةٍ تحيط بها الطّبيعة، هذه التّجربة كشفت أنّ الهواء الطّلق ليس فقط مكاناً للاسترخاء، بل بيئةٌ خصبةٌ للإبداع، شركة باتاغونيا، على سبيل المثال، اعتمدت هذه الفكرة منذ سنوات، حيث تشجّع موظفيها على العمل في الحدائق أو الجبال، والنّتيجة؟ أفكارٌ جديدةٌ وطاقةٌ متجددة، فهل تكون الطّبيعة أداةً فعّالةً لتحفيز الإبداع بدلاً من مجرّد ديكور؟
أيهما أفضل: العمل في المكتب أم في الهواء الطّلق؟
من أبرز جوانب العمل في الهواء الطّلق هو أنّه يوفّر إحساساً مختلفاً بالإنجاز مقارنةً بالوظائف التّقليديّة التّي تؤدى داخل المكاتب، لا يعني ذلك أنّ إحدى الوظائف أفضل من الأخرى، ولكنّ هناك العديد من الفوائد الصحيّة للعمل في الخارج مقارنةً بالعمل في بيئةٍ مكتبيّة مغلقة.
إحدى أبرز العوامل السلبيّة للعمل في المكاتب هي الوقت الطّويل الذي نقصيه في الجلوس، غالباً ما يظلّ الموظّفون جالسين لفتراتٍ طويلة، ممّا يؤثّر سلباً على الدورة الدمويّة، حيث يوصي الأطباء بالوقوف لمدة 15 دقيقةً على الأقل بعد كلّ ساعةٍ من العمل، كما أنّ الجلوس لفتراتٍ طويلة يؤدي إلى وضعيّةٍ جسديّةٍ غير صحّيّة، ممّا قد يتسبّب في آلامٍ في الظهر وتوترٍ في العضلات، خاصةً عند الانحناء لاستخدام الكمبيوتر.
من جهةٍ أخرى، يقلل العمل في الهواء الطّلق من بعض الأعراض الشّائعة التّي ترافق العمل أمام شاشات الحاسوب طوال اليوم، مثل مشاكل الرّؤيّة ومتلازمة النّفق الرسغي.
في الواقع، يعدّ قضاء المزيد من الوقت في الهواء الطّلق أفضل لصحّتنا النّفسيّة والبدنيّة، خاصةً في فصل الشّتاء عندما تنخفض مستويات فيتامين "د" نتيجة قلّة التّعرض لأشعة الشّمس، وقد أظهرت بعض الدّراسات أنّ الأطباء يوصون بزيادة الوقت الّذي نقصيه في الخارج لتعزيز صحّتنا النّفسيّة، يبدو أنّ العمل في الهواء الطّلق يجمع بين الفوائد المهنيّة والرّاحة التّي توفّرها الطّبيعة.
إليك خمس فوائد علميّة للعمل في الهواء الطّلق [1] [2]:
تعزيز السّعادة
ترتبط حالتّنا المزاجيّة بمحيطنا، وبالتّالي فإنّ قضاء الوقت في الخارج يمكن أن يحسن مزاجنا، ويخفّف من أعراض الاكتئاب والتّوتّر، أو يقلّل من مخاطرهما.
تقليل الألم
يساعد العمل في الهواء الطّلق على تقليل الألم النّاتج عن الالتهابات في الجسم، بما في ذلك آلام الظّهر والعضلات.
زيادة الطّاقة
البيئة التّي نعمل فيها تؤثّر بشكلٍ كبير على مستويات طاقتنا، لذا فإنّ العمل خارج المكتب يجعلنا أكثر نشاطاً وحيويّة.
التّخفيف من التّوتّر
الفوائد الناتجة عن قضاء الوقت في الخارج تشبه تلك التّي نحصل عليها من التّأمّل، يساعد ذلك على تقليل مستويات التّوتر، ما ينعكس إيجاباً على الدّماغ والجسم، ويقلّل من ضغط الدّم ومعدّل ضربات القلب.
تحسين الصحة العامة
يعزّز قضاء الوقت في الطّبيعة صحّتنا العقليّة والبدنيّة بشكلٍ عام، ممّا يعزّز قدرة الجسم على مواجهة التّحدّيات اليوميّة.
في دراسةٍ حديثةٍ أجريت لدى L.L. Bean عام 2018 في استطلاع "العمل والهواء الطّلق"، سئل العاملون في المكاتب عن رأيهم في تحويل بيئة عملهم إلى مكانٍ في الهواء الطّلق، أظهرت النّتائج أنّ حوالي 87% من هؤلاء الموظّفين يفضّلون العمل في الهواء الطّلق، وإنّ أكثر من نصفهم، أي 57%، يقضون أقلّ من 30 دقيقة في الخارج خلال ساعات العمل [1].
أصبح ربط الموظّفين بالّطبيعة أمراً ذا أهمّيّة متزايدة في السنوات الماضيّة للعديد من الشركات، حتى شركات التّكنولوجيا الكبرى مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت تسعى إلى تعديل بيئات العمل لديها لتشمل بعض فوائد العمل في الهواء الطّلق، ولهذا السبب، تبنّت العديد من الشركات تصاميم "بيوفيليكيّة" في مكاتبها الحديثة، وهي تصاميم تهدّف إلى دمج عناصر الطّبيعة في بيئة العمل.
أهميّة البيئة الطّبيعيّة في تحفيز الإبداع
التّعرض للطبيعة يعزّز بالاسترخاء، استرخاء ويجعلنا أكثر تركيزاً على اللحظة الحاليّة بعيداً عن الأفكار المجهدة المتعلّقة بالماضي أو المستقبل، كما يتيح لنا شعوراً بالاتصال بالله، حيث نتمكن من التّركيز على جمال الطّبيعة بعيداً عن تشويش التّكنولوجيا أو الآخرين، مما يساعدنا على إيجاد السلام الداخلي [3].
تحسين الأداء العقلي
حتّى عندما نكون في أماكن مغلقة، مثل المكاتب أو المنزل، نحن محاطون بالطّبيعة، فالنّباتات المنزليّة والأشجار والأعشاب الخارجيّة تمنحنا طاقةً إيجابيّة، ومع قلة الوقت الّذي نخصّصه للهواء الطّلق، يمكننا الاستفادة من الأنشطة البسيطة مثل المشي في الحيّ أو زيارة الحديقة، تحسّن هذه التّجارب الوظائف العقليّة مثل الانتباه والذّاكرة، ممّا يعزز القدرة على التّركيز والإبداع.
تقليل التّعب العقلي
تساهم البيئات الحضريّة والعالم الرّقمي في زيادة التّعب العقلي بسبب التّحفيز المستمر، بينما توفّر الطّبيعة تجربةً أكثر هدوءاً وأقل تطلباً، ممّا يساعد على تقليل الإرهاق العقلي وتوفر المساحة اللازمة لتوليد أفكار جديدة.
الإلهام والابتكار
تعدّ الطّبيعة مصدراً غنيّاً للإلهام، الألوان والأشكال والأنماط الطّبيعيّة تشجّع على التّفكير الإبداعيّ، خاصّةً لدى المصمّمين والفنانين، كما يمكن للمشي أو قضاء بعض الوقت في الهواء الطّلق أن يساعد في إيجاد أفكار جديدة وتخفيف التّوتر المرتبط بالعمل.
التّأمّل والانعزالتّ
وفّر الطّبيعة أوقاتاً للانعزال والتّأمّل، وهي لحظات تساعد على التّفكير العميق وتوليد أفكار مبتكرة بعيداً عن الانشغالات اليوميّة، الانفراد في الطّبيعة يمكن أن يكون تجربة إيجابيّة، تعزّز من قدرتنا على التّفكير النّقديّ والابتكار.
تدفّق الأفكار والإبداع
يحدث الإبداع أحياناً بشكلٍ غير متوقّعٍ، وهو غالباً ما يكون نتيجةً لتفكير غير واعٍ، توفّر الطّبيعة بيئةً مثاليّة لهذه المرحلة من الإبداع، حيث يتجوّل العقل بحريّة، ممّا يساعد في توليد الأفكار الجديدة دون جهد مقصود.
يشمل التّأثير الإيجابي للطبيعة على الإبداع جوانب نفسيّة، عقليّة، وعاطفيّة، وبينما لا تضمن الطّبيعة بالضرورة اكتشافات إبداعيّة فوريّة، فإنّها توفّر بيئةً داعمةً تعزّز التّفكير، تقلل التّوتر، وتشجّع على التّفكير المبتكر، لذلك، يعتبر دمج الوقت في الطّبيعة، سواء من خلال الأنشطة الخارجيّة أو حتّى العمل في بيئات طبيعيّة، خطوة مفيدة لتحفيز الإبداع.
شركات نجحت في تحويل بيئات العمل إلى الطّبيعة
في ظلّ التّوجّه المتزايد نحو تحسين بيئات العمل، أصبحت العديد من الشركات تدرك أهميّة دمج الطّبيعة في مساحات العمل، من باتاغونيا إلى جوجل، نقدّم أمثلة على شركات نجحت في تحويل مكاتبها إلى بيئات طبيعيّة تعزّز الإبداع والصحّة النّفسيّة للموظّفين.
باتاغونيا: العمل في الطّبيعة جزء من ثقافة الشركة
تعتبر شركة باتاغونيا من الرّوّاد في دمج الطّبيعة ضمن بيئة العمل، فقد شجّعت موظفيها على العمل في أماكن مفتوحة تحيط بها الطّبيعة، من الحدائق إلى الجبال، ممّا يعزّز الإبداع والتّفكير الابتكاري، كما أنّ مكاتب الشركة تصمّم لتكون متناغمة مع البيئة، ما يساهم في تحسين رفاهيّة الموظّفين وزيادة إنتاجيّتهم.
جوجل: تصاميم بيئيّة تعزّز الرّاحة والإبداع
تسعى شركة جوجل إلى دمج الطّبيعة في بيئات العمل من خلال تصاميم مبتكرة، مكاتبها تحتوي على حدائق داخليّة وممرات خضراء، بالإضافة إلى مساحات مفتوحات تتيح للموظّفين التّفاعل مع الطّبيعة، هذا التّوجّه يساعد في تحفيز الأفكار الجديدة وتحقيق توازن بين العمل والاسترخاء.
أمازون: مكاتب تحيط بها المساحات الخضراء
أدخلت شركة أمازون مفهوم الطّبيعة في تصميم مكاتبها الحديثة، حيث إنّ العديد من مراكزها تتمركز في مناطق مليئة بالمساحات الخضراء، هذه البيئة الطّبيعيّة تشجّع الموظّفين على الخروج للهواء الطّلق أثناء فترات الرّاحة، ممّا يساهم في تحسين الصحّة النّفسيّة والبدنيّة، ويزيد من إنتاجيّة الفريق.
نويبل: مكاتب في قلب الطّبيعة
شركة نويبل (Noybel) هي مثال آخر على شركات تفضّل تحويل بيئات العمل إلى الطّبيعة، مكاتبها مبنيّة في مناطق تحيط بها الغابات، ما يوفّر للموظّفين فرصة الانغماس في الطّبيعة خلال ساعات العمل، وهو ما يعزّز التّفاعل الإبداعي، ويخفّف من التّوتّر المرتبط بالبيئات الحضريّة.
هذه الشركات تظهر أن بيئات العمل التّي تحتضن الطّبيعة ليست مجرّد رفاهيّة، بل استراتيجيّة فعّالة لتحسين الأداء الإبداعي والنّفسي للموظّفين.
دمج الطّبيعة في بيئات العمل يعزّز الإبداع ويخفّف التّوتّر، حيث توفّر مساحات العمل الطّبيعيّة بيئةً مثاليّة لتحفيز الأفكار الجديدة. الطّبيعة ليست فقط مكاناً للاسترخاء، بل مصدر دائماً للإلهام والابتكار، دعونا نفكّر في كيفيّة إدخال هذه العناصر إلى أماكن عملنا لنحقّق توازناً أفضل وإبداعاً مستمراً. الطّبيعة ليست مجرّد استراحة، بل هي المفتاح لفتح أبواب الإبداع والنّجاح.