الرئيسية التنمية الإرث يحكم الماضي: كيف يرسم مستقبل الشركات العائلية؟

الإرث يحكم الماضي: كيف يرسم مستقبل الشركات العائلية؟

في زمن التّحوّل الرّقميّ، تثبت الشّركات العائليّة في الشّرق الأوسط أنّ الحفاظ على الإرث لا يعني الجمود، بل تطوير القيم الأصيلة لتصبح محرّكاً مستداماً للابتكار والنّموّ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في عالمنا المعاصر، حيث يختلط الاضطراب الرّقميّ بإعادة تشكيل بيئات العمل، يُساء في كثيرٍ من الأحيان فهم معنى كلمة «الإرث». إذ يُنظر إليه بوصفه ثقلاً أو مفهوماً تجاوزه الزّمن. غير أنّ المؤسّسات العائليّة العريقة لا ترى في الإرث عبئاً، بل وقوداً يحرّك عجلة التّقدّم؛ فحين يكون الإرث رائداً في جوهره، يتحوّل إلى المحرّك الّذي يدفع نحو المستقبل.

المؤسّسة العريقة ليست مجرّد كيانٍ صمد أمام اختبار الزّمن؛ إنّها كيان يحمل قيماً متجذّرة، تتخلّل طريقة رسم الاستراتيجيّات واتّخاذ القرارات وبناء العلاقات. وفي منطقتنا العربية، يرتبط الإرث ارتباطاً وثيقاً بالتّاريخ، والتّقاليد العائليّة، والفهم الثّقافيّ، والابتكار، وباحترامٍ عميقٍ للهويّة والأصل.

ولكي تنجح الشّركات العائليّة اليوم، لا بدّ لها من تحقيق توازنٍ دقيقٍ بين الوفاء للماضي والتّركيز على المستقبل، لتتمكّن من الازدهار في مشهدٍ اقتصاديٍّ دائم التّحوّل؛ فإعادة الابتكار لا تعني التّخلّي عمّا مضى، بل التّطوّر الواعي الهادف. وهذا التّطوّر يقوم على 3 ركائز: احترام الماضي، وإعادة تصوّر المستقبل، وغرس روحٍ رياديّةٍ تُنمّي ثقافة الرّيادة والتّجديد.

احترام الماضي

في المؤسّسات ذات الإرث، لا يكون التّاريخ مجرّد ذكرى، بل تجربة حيّة تُمارس يوميّاً فهو الّذي يصوغ أساليب القيادة والتّعاون والنّموّ. والإرث ليس تكراراً لما كان، بل فهماً لما جعلنا صامدين، واستثمار ذلك الفهم لتوجيه خطواتنا المقبلة.

ومن هذا المنظور، لا تمثّل إعادة الابتكار انقطاعاً عن الأصل، بل امتداداً له. ففي مجموعتي "الغرير" (Al Ghurair)، كانت روح الابتكار الرّياديّة إحدى قيمنا الثّابتة والأكثر دواماً. هي الّتي مكّنتنا من فتح آفاقٍ جديدةٍ في الماضي، وهي الطّاقة ذاتها التي نستخدمها اليوم للتّوسّع في قطّاعاتٍ وأسواقٍ وأساليب عملٍ جديدةٍ؛ فتكريم الإرث يعني حمل جوهر ما أثبت نجاحه، وتطبيقه بجرأةٍ على واقع اليوم.

إعادة تصوّر المستقبل

بالنّسبة للشركات العريقة، البقاء في دائرة الصّلة يعني إعادة تخيّل القادم باستمرارٍ، واستشراف الفرص المقبلة، واستباق التّطوّرات، ومواءمة الثّقافة مع الاستراتيجيّة بحيث تتكيّف المؤسّسة بوعيٍ وغايةٍ واضحةٍ.

وتؤدّي الثّّقافة هنا دوراً محوريّاً؛ فهي ليست حالةً جامدةً، بل كيانٌ يتطوّر ليعكس اتّجاه الشّركة، محافظاً في الوقت ذاته على القيم الجوهريّة. كما أنّ المرونة والابتكار والغاية ليست مفاهيم جديدة، بل هي جزء من هويتنا منذ البداية. ما تغيّر هو الكيفيّة الّتي نفعّلها بها اليوم عبر الفضول، والتّجريب، والمساءلة. فإعادة تصوّر المستقبل تعني اتّخاذ قراراتٍ واعيةٍ تهيّئنا لأسواقٍ وتقنياتٍ وأساليب عملٍ جديدةٍ، دون أن نفقد وحدة الهدف واستقامة المسار.

يمكن قياس قوة الثّقافة في تشكيل المستقبل بشكلٍ ملموسٍ؛ ففي "الغرير" (Al Ghurair)، شكّلت مكانتنا ضمن قائمة أفضل جهات التّوظيف لثلاثة أعوامٍ متتاليةٍ، وحصولنا على شهادة "مكان رائع للعمل" (Great Place to Work®)، دليلاً على ثقافةٍ تؤسّس للثّقة والفخر والانخراط؛ فهذه الإنجازات ليست غاية، بل محطّات على طريقٍ متّصلٍ من التّجدّد والتّطوّر.

قيادة ثقافة ريادية

إذا كانت إعادة تصوّر المستقبل هي فنّ رؤية الإمكانات، فإنّ الثّقافة الرّياديّة هي القدرة على اقتناصها. وهي تتطلّب روحاً رياديّةً تتحدّى المألوف، وتتحرّك بعزمٍ، وتسعى وراء الفرص بثقةٍ ورؤيةٍ واضحةٍ. ولدى المؤسّسات الرّاسخة، يتطلّب ذلك تحوّلاً في الذّهنيّة، من الاتّكاء على نجاحات الماضي إلى اتّخاذ قراراتٍ تستحضر مستقبل الصّلة والفاعليّة.

في الغرير (Al Ghurair)، تتجسّد هذه الرّوح الرّياديّة في أسّس الثّقافة: اعتناق الجديد، والتّعاون من أجل الأثر، والالتزام بالإنجاز. ليست هذه شعاراتٍ نظريّةً، بل سلوكيّات حيّة تُمارس في القيادة والابتكار والتّفاعل مع منظومتنا؛ إنّها الرّوح التي تمكّننا من الازدهار في وجه المجهول، والبناء على إرثنا، وصياغة المستقبل بثقةٍ.

الإرث فعلٌ حيّ

امتلاك الإرث امتيازٌ في ذاته؛ فهو دليلٌ على الصّمود، وعلى القدرة على تجاوز التّحديات والاستمرار في النّموّ. وبالنّسبة للمؤسّسات العريقة، تكمن المسؤوليّة في الحفاظ على الهويّة والجذور، مع السّعيّ إلى التّطوّر وإعادة الابتكار والنّظر قُدُماً. بذلك تبقى القيم حيّةً، ويظلّ النّاس متحفّزين، وتستمرّ المؤسّسة في إحداث الأثر.

فالإرث ليس لحظةً من الماضي، بل قوّة نابضة نحملها معنا إلى الأمام. وأسمى طريقةٍ لتكريمه هي البناء عليه؛ أي تحويل الصّلابة إلى معنىً جديدٍ، وصوغ الحضور المتجدّد للمستقبل.

عن الكاتب
سهرِد شودهوري (Suhrid Chaudhuri) هو الرّئيس المشارك للموارد البشريّة والثّقافة في مجموعة "الغرير" (Al Ghurair)، إحدى أكبر الشّركات العائليّة المتنوّعة في الشّرق الأوسط.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: