الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الأسواق: هل نحن أمام فقاعة مالية؟
حين تتسارع الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي وتنتشر تطبيقاته في كلّ القطاعات، تصبح الشّركات مدفوعةً لتعزيز الإنتاجيّة والنّموّ الاقتصاديّ المستدام من خلال الابتكار والتّحوّل الرّقميّ
يعيد الذكاء الاصطناعي (AI) تشكيل الأسواق ويحفّز طفرةً في الاستثمارات الرأسمالية، مع تأثير يتجاوز قطاع التقنية وحده. اليوم، تمثل الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي نحو نصف مؤشر S&P 500، وتشكل حوالي 60% من مكاسب السوق الأمريكية هذا العام. ومع هذا النمو السريع، يطرح السؤال الطبيعي: هل نشهد تكوّن فقاعة تقنية جديدة؟
هذا القلق مشروع، وهو خطر نراقبه عن كثب في بنك J.P. Morgan Private Bank. ومع ذلك، لا نرى حالياً مؤشرات واضحة على وجود فقاعَة؛ فالذكاء الاصطناعي لا يرفع أسعار الأسهم فقط، بل أصبح محركاً أساسياً للاقتصاد الأمريكي ودافعاً أساسياً للإنتاجية طويلة الأجل. ولوضع الأمر في سياقه، فإن النمو الاقتصادي الحقيقي للنصف الأول من 2025 سيكون أقلّ بنحو النصف إذا استُثنيت جميع النفقات على البرمجيات ومعدات تكنولوجيا المعلومات. ومع الأرباح القوية وتوقعات المستقبل المستقرة، يبدو أنّ طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية مدفوعة بحماسة حقيقية وليس بتفاؤل مفرط غير مراقب.
ورغم أنّ وتيرة الإنفاق السريعة قد تتباطأ مستقبلاً، فإنّ التركيز على الذكاء الاصطناعي لا يبدو كاتجاه عابر. على سبيل المثال، افترض تقرير J.P. Morgan Asset Management لعام 2026 حول الافتراضات طويلة الأجل للسوق الرأسمالية أن تبني التكنولوجيا، خصوصاً الذكاء الاصطناعي، سيعطي دفعة قصيرة المدى للأرباح ورفعاً طويلاً الأجل للإنتاجية، مما يساعد الحكومات والشركات على مواجهة التحديات الديموغرافية وقيود القوى العاملة. ونتوقع أن تتجاوز فوائد الذكاء الاصطناعي قطاع التقنية لتعمّ الاقتصاد ككل.
مراحل تطوّر الذكاء الاصطناعي
يتطوّر المشهد سريعاً، مع بقاء الشّركات الخاصّة فترةً أطول وظهور فرص الذكاء الاصطناعي الرائدة. في هذا الإطار، نوصي بمقاربة "الدمبل"، أي موازنة الاستثمارات بين الأسواق العامة والخاصة للاستفادة من الفرص المستقبلية.
شهدت المرحلة الأولى صعود نماذج اللغة الكبيرة التي تقود الذكاء الاصطناعي التوليدي. بينما ركزت المرحلة الثانية على البنية التحتية والأجهزة اللازمة لتشغيل هذه النماذج، ما أبرز شركات تصنيع الرقائق والتقنيات فائقة الحجم. نعتقد أننا ندخل الآن المرحلة الثالثة: ظهور مفهوم "الخدمات كبرمجيات" (Services as a Software).
في هذه المرحلة، تُقدَّم الخدمات التقليدية -مثل المالية والموارد البشرية ودعم العملاء- عبر منصات ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بدل الاعتماد على الاستعانة بالمصادر البشرية أو الاستشارات التقليدية. ومن الأمثلة الحالية على ذلك: الذكاء الاصطناعي يغيّر الخدمات المالية من خلال الاكتتاب الآلي وكشف الاحتيال، ويُعزز الرعاية الصحية عبر التشخيص واكتشاف الأدوية، ويحسّن العمليات الصناعية من خلال الصيانة التنبؤية وإدارة سلسلة التوريد الذكية. وتقدّر الفرصة في "الخدمات كبرمجيات" بين 3 إلى 5 تريليونات دولار أمريكي، مع دور الأسواق الخاصة في منح المستثمرين وصولاً حاسماً إليها.
مع اعترافنا بأن جزءاً كبيراً من نمو "الخدمات كبرمجيات" يحدث في الأسواق الخاصة، نلاحظ قوة الأساسيات بعد تصحيح ما بعد 2022، مع تجدد الزخم في الاستثمارات المغامرة والنمو. يسرّع الذكاء الاصطناعي وقت الوصول إلى الربحية بشكل كبير؛ فقد انخفض متوسط الوقت للوصول إلى 10 ملايين دولار إيرادات من 10 سنوات إلى 12 شهراً فقط، بينما ترتفع صفقات القطاع، خاصة في الذكاء الاصطناعي، مع تجاوز الصفقات في السوق الخاص 140 مليار دولار في 2024. ومع توسع خيارات الخروج واستمرار ندرة رأس المال، تبدو المرحلة مهيأة لنشر رأس المال بشكل مدروس نحو شركات الجيل القادم ذات مسارات واضحة للنمو والسيولة.
مؤشرات رصد فقاعَة الذكاء الاصطناعي
-
اعتماد الذكاء الاصطناعي: لا يزال هناك مجال كبير للنمو. في الولايات المتحدة، ارتفع الاعتماد 60% خلال العام الماضي، لكن أقل من 10% من الشركات تستخدمه فعلياً في الإنتاج. ولا تزال دورة اعتماد الذكاء الاصطناعي في بدايتها، ومن المتوقع أن تتحقق أكبر مكاسب الإنتاجية عندما يتجاوز الذكاء الاصطناعي المستخدمين الأوائل ليصبح محفزاً للتغيير في جميع الصناعات.
-
القوة والأداء: تتصاعد الحاجة للقوة الحاسوبية لتدريب النماذج المتقدمة بسرعة، مع تسارع مكاسب الأداء عبر جانبي المحيط الهادئ. وإذا تطلبت الاختراقات المستقبلية طاقة أقل؛ فقد يتأثر قادة السوق الذين استثمروا بكثافة في البنية التحتية، لكننا نعتقد أن المشاركة الأوسع وتحسين الكفاءة سيزيدان من التبني ويعززان الإنتاجية طويلة الأجل.
-
مسار رأس المال: من المطمئن أن لدى معظم الشركات الكبرى فائض أرباح عن الديون، مع احتفاظها بالنقد الفائض. كما أن نفقات رأس المال منخفضة مقارنة بدورات البناء السابقة، فيما تعمل قيود الشبكة كحد طبيعي للإنفاق، وتخلق فرصاً لمزودي الطاقة والمرافق.
-
التقييمات والمعنويات: تراجعت تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة مقارنة بالسوق والفقاعات السابقة بفضل الأرباح القوية، أما الاكتتابات العامة الأولية الأخيرة، والتي غالباً ما تشير إلى ذروة الحماسة، فلم تظهر أي ارتفاع ملموس.
بالنّظر إلى كل ذلك، تبدو زخم الذكاء الاصطناعي قوياً ومدعوماً جيداً. ورغم أن التاريخ يظهر أحياناً أن الأسواق تتقدم على التقدم التكنولوجي -وقد تكون هذه الدورة استثناءً في المستقبل- فلا نرى مؤشرات فقاعَة في الوقت الحالي. مع استمرار الربحية والكفاءة، يتحول طفرة الذكاء الاصطناعي إلى محرك نمو مستدام وليس فقاعَة عابرة. ومع تطور منصات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تظهر فرص جذابة عبر سلسلة القيمة، عبر القطاعات، وفي الأسواق العامة والخاصة.
عن الكاتب
ماديسون فالير هي خبيرة استثمار عالمية في بنك J.P. Morgan Private Bank.