الرئيسية الذكاء الاصطناعي هل الذكاء الاصطناعي خطير؟ صراع الأمل والهاجس

هل الذكاء الاصطناعي خطير؟ صراع الأمل والهاجس

بين طموحات الشّركات الكبرى وتحذيرات الباحثين، يشهد الذكاء الاصطناعي لحظةً فارقةً تُعيد رسم الحدود بين الإمكانات التّقنيّة والمسؤوليّة الأخلاقيّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

لقد أذهل التّقدّم السّريع في مجال الذكاء الاصطناعي العالم بأسره، فأشعل شرارة الحماس والإعجاب، وفي الوقت ذاته أطلق صافرة الإنذار. ففي قطّاع الأعمال، ترافق هذا التّطوّر المذهل مع مزيجٍ متشابكٍ من التّفاؤل والحذر، إذ أظهرت أحدث التّقارير السّنويّة أنّ 56% من شركات "فورتشن 500" (Fortune 500) تعتبر الذكاء الاصطناعي تهديداً محتملاً، مقارنةً بنسبة 9% فقط في عام 2022، ممّا يعكس تحوّلاً سريعاً وعميقاً في نظرة المؤسّسات لهذه التّقنية الثّوريّة.

- إذاً هل الذكاء الاصطناعي خطير حقّاً، أم أنّه فرصةٌ ذهبيّةٌ يجب اقتناصها؟

في هذا المقال، الموجّه إلى روّاد الأعمال والمدراء التّنفيذيين، نستعرض بصورةٍ متوازنةٍ أبرز المزايا الّتي يقدّمها الذكاء الاصطناعي للأعمال مقابل المخاطر المحتملة المصاحبة له، مع التّركيز على الجوانب العمليّة الّتي تهمّ قطّاع الشّركات. كما سنجيب عن مجموعةٍ من الأسئلة الشّائعة في ختام المقال حول كيفيّة فهم وإدارة هذه التّقنية الثّورية بأسلوبٍ واضحٍ ومباشرٍ.

انتشار الذكاء الاصطناعي وتأثيره في عالم الأعمال

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرّد فكرةٍ مستقبليّةٍ، بل أصبح واقعاً ملموساً في الشّركات اليوم. تشير الاستطلاعات العالميّة الحديثة إلى أنّ حوالي 78% من المؤسّسات تستخدم الذكاء الاصطناعي فعليّاً في وظيفةٍ واحدةٍ على الأقلّ ضمن عمليّاتها. [1]

كما أن انتشار النّماذج الذّكية الحديثة -لاسيما تطبيقات الذكاء الاصطناعي التّوليدي- بلغ مستوياتٍ غير مسبوقةٍ، إذ تستخدم 71% من الشّركات تقنيات الذكاء التّوليدي (مثل روبوت ChatGPT) بشكلٍ منتظمٍ في قسمٍ أو مجالٍ واحدٍ على الأقلّ. وتشمل أبرز مجالات الاستخدام الحالية التّسويق والمبيعات، وخدمة العملاء، وتطوير المنتجات، وتقنية المعلومات، فهي ميادينٌ تسعى الشّركات فيها إلى تحقيق أكبر قيمةٍ مضافةٍ من تبنّي الذكاء الاصطناعي.

يُبرز هذا الإقبال الواسع كيف انتقل الذكاء الاصطناعي سريعاً من التّجارب المحدودة إلى التّطبيق واسع النّطاق في بيئة الأعمال؛ فمنذ إطلاق واجهة "شات جي بي تي" (ChatGPT) للعامّة -أواخر عام 2022- جذب اهتمام الملايين إلى إمكانات الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي: من خيار تقني إلى ضرورة تنافسية

تسارعت وتيرة الاستثمار في الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي من قِبَل الشّركات النّاشئة والكبيرة على حدٍّ سواء. وقد دخلنا عمليّاً حقبةً يعتبر فيها كثيرٌ من القادة أن تبنّي الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفاً، بل ضرورةً تنافسيّةً، وتأتي هذه الضّرورة مدفوعةً بما يعد به الذكاء الاصطناعي من تحوّلاتٍ جذريّةٍ في نماذج العمل.

تقدّر إحدى دراسات الاستشارات العالميّة أنّ تطبيقات الذكاء الاصطناعي -خاصّةً التّوليديّة- قد تضيف ما بين 2.6 إلى 4.4 تريليون دولار سنويّاً إلى الاقتصاد العالميّ خلال الأعوام المقبلة، كذلك أشارت تحليلاتٌ إقليميّةٌ إلى أنّ هذه التّقنية قد تفتح الباب لابتكار خدمات ونماذج أعمالٍ جديدةٍ تماماً تُغيّر ملامح الأسواق، بحيث قد يكون "عملاق الغد" شركاتٍ ناشئةً لم نسمع بها من قبل تستغلّ قدرات الذكاء الاصطناعي. [2]

باختصارٍ، يدرك رجال الأعمال اليوم أنّهم أمام خيارين: إمّا مواكبة موجة الذكاء الاصطناعي واستثمارها، أو المجازفة بالتّخلّف عن ركب التّطوّر.

فوائد الذكاء الاصطناعي للأعمال

يوفّر دمج الذكاء الاصطناعي في بيئة الأعمال العديد من المزايا الجوهريّة الّتي تفسّر حماسة الشّركات للاستثمار فيه، ومن أبرز هذه المزايا: [3]

زيادة الكفاءة والإنتاجية

يتميّز الذكاء الاصطناعي بقدرته على العمل دون انقطاعٍ على مدار السّاعة، بخلاف البشر الّذين يبلغون ذروة إنتاجيّتهم لبضع ساعاتٍ فقط يوميّاً؛ فأنظمة الذكاء الاصطناعي تستطيع تنفيذ المهامّ بوتيرةٍ أسرع وبدرجة دقّةٍ عاليةٍ، ممّا يُساهم في تسريع دورات الإنتاج، وتحسين جودة المنتجات، وتقليل التّكاليف التّشغيليّة. والنّتيجة هي: إنتاجيّةٌ أعلى وكفاءةٌ أفضل عبر مختلف جوانب العمل، بما في ذلك التّصنيع، والخدمات، والدّعم الفنّي.

أتمتة المهام الروتينية

من بين المزايا الرّئيسيّة الّتي يقدّمها الذكاء الاصطناعي قدرته على أتمتة الأعمال الرّوتينيّة ذات القيمة المضافة المنخفضة، مثل: جمع البيانات، وتنظيمها، ومعالجتها، وهذا يتيح للموظّفين التّركيز على المهامّ الاستراتيجيّة الّتي تتطلّب تفكيراً ناقداً وإبداعاً.

كما أنّ قدرة الأنظمة الذّكيّة على التّعامل مع كميّاتٍ ضخمةٍ من البيانات، واستخلاص أنماطٍ خفيّةٍ منها، تُعزّز من دقّة القرار، وتُسرّع من عمليّة التّخطيط والاستجابة للسّوق، وهذا ما يجعل الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي عنصراً حاسماً في تحوّل الشّركات إلى بيئاتٍ أكثر ذكاءً وكفاءةً.

تحسين تجربة العملاء والتخصيص

تُوظّف العديد من الشّركات حلول الذكاء الاصطناعي للارتقاء بتجربة العملاء. مثلاً، تُتيح روبوتات الدّردشة التّفاعليّة دعماً فوريّاً على مدار السّاعة، وتقلّل من أوقات الانتظار وتُحسّن تجربة المستخدم. كما تُستخدم خوارزميّات التّعلّم الآلي لتقديم توصياتٍ مخصّصةٍ لكلّ عميلٍ بناءً على سلوكه وتفضيلاته، وهو ما يُعزّز من ولاء العملاء ويزيد من معدّلات الشّراء.

وقد بدأت مؤسّساتٌ في قطّاعاتٍ مختلفةٍ، مثل: الرّعاية الصّحيّة والتّسويق، توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء محتوىً إعلانيٍّ ذكيٍّ ومُوجّهٍ بدقّةٍ لفئاتٍ معيّنةٍ من الجمهور، ما يُسهم في رفع كفاءة الحملات التّسويقيّة وتحقيق نتائج أفضل بأقلّ تكلفةً.

المرونة وقابلية التوسع

بفضل التّكنولوجيا الذّكيّة، بات بإمكان الشّركات التّوسّع بخطىً أسرع من أيّ وقتٍ مضى؛ فالأنظمة المؤتمتة يمكنها معالجة آلاف الطّلبات أو استفسارات العملاء في الوقت نفسه، دون أن يؤثّر ذلك على جودة الخدمة. كما يُتيح الذكاء الاصطناعي التّكيّف مع تغيّر السّوق بسرعةٍ، إذ يمكن تعديل خوارزميّاته وموارده الحاسوبيّة بما يتلاءم مع أولويّات العمل المتجدّدة، ممّا يمنح الشّركات مرونةً كبيرةً في التّعامل مع الضّغوط النّاجمة عن تغيّرات العرض والطّلب، أو اضطرابات سلاسل التّوريد، أو حتى تحوّلات سلوك المستهلكين.

المخاطر التقنية والتجارية للذكاء الاصطناعي

على الرّغم من الفرص الكبيرة التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي، تصاحبه مجموعةٌ من المخاطر والتّحدّيات التي يجب على الشّركات التّعامل معها بحذرٍ. وتتراوح هذه المخاطر بين التّقنيّة والتّجاريّة، وتؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على الأداء، والاستراتيجيّة، وحتّى السّمعة والالتزام القانونيّ. [3]

الأعطال والأخطاء التقنية

قد تتعرّض أنظمة الذكاء الاصطناعي كغيرها من البرمجيّات لأعطالٍ أو تنتج مخرجاتٍ غير دقيقةٍ بسبب مشاكل في البيانات أو الخوارزميّات. وفي بعض الحالات، لا يعمل النّظام كما هو مُتوقّعٌ، وقد يُنتج نتائج خاطئةً أو غير منطقيّةٍ نتيجة الاعتماد على بياناتٍ ناقصةٍ أو متحيّزةٍ. وبالتّالي أيّ خللٍ تقنيٍّ في النّماذج قد يترتّب عليه قراراتٌ خاطئةٌ أو أعطالٌ مُكلفةٌ، وهو ما يشكّل خطراً مباشراً على نتائج الأعمال وسمعة الشّركة، خاصّةً في القطّاعات الحسّاسة مثل: الماليّات، أو الصّحّة، أو الأمن.

على سبيل المثال، نبّهت شركة "موتورولا" (Motorola) إلى أنّ الذكاء الاصطناعي قد لا يعمل دائماً كما هو متوقّعٌ، حيث يمكن أن تكون مجموعات البيانات المستخدمة غير كافيةٍ أو متحيّزةٍ أو حتّى مضرّةٍ، ما ينعكس سلباً على نتائج الأعمال وسمعة الشّركة. لذا، فإنّ أيّ خللٍ فنيٍّ في نماذج الذكاء الاصطناعي قد يؤدّي إلى قراراتٍ خاطئةٍ أو أعطالٍ مكلفةٍ. [3]

مخاطر تنافسية واستراتيجية

يواجه صُنّاع القرار في الشّركات تحدّياً متزايداً يتمثّل في خطر التّخلّف عن المنافسين في سباق تبنّي الذكاء الاصطناعي، فالشّركات الّتي تتأخّر في اعتماد هذه التّقنيّة قد تفقد حصّتها في السّوق لصالح منافسين أكثر جرأةً في التّجريب والتّطوير. على سبيل المثال، حذّرت شركة "نتفليكس" (Netflix)  من أن تمكّن منافسيها من توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد يمنحهم أفضليةً تؤثّر على قدرتها التّنافسيّة ونتائج أعمالها سلباً. ما يعني أن تزايد حدّة المنافسة والتّقدّم السّريع للمنافسين في استغلال الذكاء الاصطناعي قد يُضعف قدرة الشّركات على الحفاظ على مركزها السّوقي ويؤثّر سلباً على نتائجها.

التكاليف المالية وعدم اليقين بالعائد

رغم أنّ الذكاء الاصطناعي يَعد بتوفير التّكاليف على المدى الطّويل، إلّا أنّ تطبيقه قد يتطلّب استثماراتٍ كبيرةً ونفقاتٍ تشغيليّةً مستمرّةً، وقد أبلغت بعض الشّركات عن تكاليف متزايدةٍ وغير متوقّعةٍ عند استخدام الأنظمة المعقّدة، بما في ذلك تكاليف البنية التّحتيّة، وتدريب الموظّفين، والصّيانة التّقنيّة. وفي ظلّ عدم اليقين حول العوائد الفوريّة، تصبح هذه الاستثمارات مخاطرةً ماليّةً حقيقيّةً، خاصّةً للشّركات الّتي تعمل بهوامش ربح ضيّقةٍ.

على سبيل المثال، أشارت شركة "سيلزفورس" (Salesforce) إلى أنّ دمج الذكاء الاصطناعي في خدماتها يُثير قضايا أخلاقيّةً ناشئةً ويستوجب استثماراتٍ إضافيّةً، ممّا قد يؤثّر على هوامش أرباحها وسط حالة عدم يقينٍ حول جدوى التّطبيقات النّاشئة، وبالتّالي قد لا تتحقّق العوائد المنشودة من مشاريع الذكاء الاصطناعي بالسّرعة أو الحجم المُتوقّع، ممّا يشكّل مخاطرة ماليّةً.

المخاطر القانونية والتنظيمية

يتطوّر الذكاء الاصطناعي بسرعةٍ تفوق وتيرة التّشريعات والقوانين، وقد تُفاجأ الشّركات بتغيّراتٍ تنظيميّةٍ أو قوانين جديدةٍ تُقيّد استخداماتٍ كانت متاحةً سابقاً. كما أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالاتٍ مثل: التّوظيف، أو تحليل البيانات الشّخصيّة، أو إنتاج المحتوى، قد يعرّض الشّركة لمسؤوليّاتٍ قانونيّةٍ أو غراماتٍ إذا لم يُراعِ الجوانب الأخلاقيّة والخصوصيّة، ومن بينها احتمال ارتكاب تمييزٍ غير مقصودٍ بفعل خوارزميّاتٍ متحيّزةٍ، أو انتهاك سياسات حماية البيانات.

مخاطر أمن المعلومات والخصوصيّة

مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تصبح أنظمة الأمن السيبراني أكثر عرضةً للاختراق، فالمنصّات الذّكيّة قد تكون أهدافاً جذّابة للهجمات الإلكترونيّة، خاصّةً إذا لم تُؤمّن بشكلٍ كافٍ. كما أنّ استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي السّحابيّة قد يتطلّب إرسال بياناتٍ حسّاسةٍ إلى مزوّدي خدمات خارجيّين، ممّا يزيد من احتماليّة تسرّب البيانات أو سوء استخدامها.

وقد نبّهت إحدى شركات الأدوية إلى أنّ استخدام موظّفيها أو مورّديها لحلول ذكاء اصطناعي خارجيّةٍ قد يؤدّي إلى كشف معلوماتٍ سريّةٍ أو حصول وصولٍ غير مصرّحٍ به إلى بياناتٍ شخصيّةٍ للموظّفين والعملاء. علاوةً على ذلك، تُتيح بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي للمهاجمين توليد برمجيّاتٍ خبيثةٍ أو رسائل تصيّدٍ احتياليٍّ على نطاقٍ واسعٍ وبدرجة إقناعٍ أعلى من السّابق، ممّا يزيد من تحدّيات الأمن السيبراني. [3]

المخاطر الأخلاقية والمجتمعية للذكاء الاصطناعي

لا تقتصر التّحدّيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي على الجوانب التّقنيّة والتّجاريّة فقط، بل تمتدّ أيضاً إلى أبعادٍ إنسانيّةٍ واجتماعيّةٍ قد تكون أكثر تعقيداً وتأثيراً على المدى الطّويل. وفيما يلي أبرز هذه المخاطر: [4]

تهديد للوظائف وفرص العمل

يُعدّ تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل من أكثر المواضيع إثارةً للجدل. على المدى القصير، يمكن للتّقنيات الذّكيّة أتمتة بعض الوظائف، لا سيما المهامّ الرّوتينيّة، ممّا قد يُلغي بعض الأدوار التّقليديّة. في المقابل، يُسهم الذكاء الاصطناعي في خلق وظائف جديدةٍ تتطلّب مهاراتٍ مختلفةً، وتشير التّقديرات إلى أنّ حوالي 40% من الوظائف حول العالم معرّضةٌ لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، لكن نصفها فقط قابلٌ للاستبدال الكامل، بينما النّصف الآخر سيكون مُكمِّلاً للعمل البشريّ.لذا من المُتوقّع أن تتطوّر طبيعة الوظائف بدل أن تختفي بالكامل، خاصّةً إذا ركّز الأفراد والشّركات على إعادة التّدريب واكتساب مهاراتٍ تتوافق مع عصر الذكاء الاصطناعي.

اتساع فجوة عدم المساواة

هناك قلقٌ متزايدٌ من أنّ المكاسب الاقتصاديّة النّاجمة عن الذكاء الاصطناعي قد لا تُوزّع بالتّساوي؛ فقد تتركّز هذه العوائد في أيدي الشّركات الكبرى وذوي المهارات التّقنيّة العالية، بينما لا يجني العمّال العاديّون سوى القليل. وقد يُعمّق هذا التّفاوت الفجوة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويؤدّي إلى اختلال التّوازن في الفرص بين الدّول المتقدّمة والنّامية، أو بين الشّركات الكبرى والمشروعات الصّغيرة التي تفتقر إلى الموارد اللّازمة لتبنّي هذه التّقنيّة. وفي هذا السّياق، يُطرح تساؤلٌ جوهريٌّ: من سيستفيد فعلاً من ثورة الذكاء الاصطناعي؟

التحيز وغياب العدالة الخوارزمية

تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على البيانات للتّعلّم واتّخاذ القرارات، وإذا كانت هذه البيانات منحازةً أو غير ممثَّلةٍ بشكلٍ كافٍ، فسينعكس ذلك على نتائج النّظام. وقد ظهرت حالاتٌ قامت فيها خوارزميّات التّوظيف أو الإقراض أو الفلترة بإقصاء فئاتٍ معيّنةٍ، مثل النّساء أو الأقليّات، بسبب انحيازٍ في بيانات التّدريب، ومثل هذه الأخطاء الأخلاقيّة قد تُعرّض الشّركات لمساءلةٍ قانونيّةٍ، وتُلحق ضرراً بسمعتها، لذلك هناك مطالباتٌ متزايدةٌ بأن تلتزم الشّركات بمبادئ العدالة الخوارزميّة، وأن تُراجع نماذجها بانتظامٍ لاكتشاف أيّ انحيازٍ ومعالجته قبل أن يؤثّر على القرارات الحاسمة.

انتشار المعلومات المُضلّلة والتزييف

تُتيح تقنيات التّزييف العميق إنشاء صورٍ وفيديوهاتٍ وتسجيلاتٍ صوتيّةٍ شديدة الواقعيّة يمكن أن تُستخدم في نشر معلوماتٍ مُضلّلةٍ، ممّا يمكن أن يُثير قلقاً خاصّاً في المجالات السّياسيّة والإعلاميّة، حيث قد تُستخدم روبوتات المحادثة الذّكيّة أو الخوارزميّات التّوليديّة لإنتاج محتوىً زائفٍ يُؤثّر على الرّأي العامّ دون أن يُدرك الجمهور حقيقته.

ومن المخاوف أيضاً إمكانيّة استخدام هذه الأدوات للتّأثير في الانتخابات أو التّلاعب بخيارات النّاخبين، استجابةً لذلك، يجري العمل على تطوير آليّات لتمييز المحتوى المُولَّد آليّاً عن المحتوى البشريّ، وهو توجّهٌ يزداد أهميّةً في سياق وضع أطرٍ تنظيميّةٍ عالميّةٍ للذكاء الاصطناعي.

مخاطر وجوديّة محتملة

على الطّرف الأقصى من طيف المخاطر، هناك من يرى أنّ الذكاء الاصطناعي قد يُشكّل تهديداً وجوديّاً للبشريّة إذا تجاوز حدود السّيطرة، تتضمّن هذه المخاوف سيناريوهاتٍ يُفقد فيها البشر السّيطرة على أنظمةٍ فائقة الذّكاء، ممّا قد يؤدّي إلى نتائج كارثيّةٍ تُقارن بالكوارث النّوويّة. ويُحذّر خبراء من سباق تسلّحٍ عالميٍّ في مجال الذكاء الاصطناعي، قد يُؤدّي إلى استخدام نماذج خارجةٍ عن السّيطرة كسلاحٍ بيد جهاتٍ مارقةٍ أو في سياقاتٍ غير إنسانيّةٍ.

ورغم أنّ هذه التّخوّفات تبقى نظريّةً وبعيدة المدى حتّى الآن، إلّا أنّ مجرّد طرحها من قِبل أبرز العلماء والباحثين يُشير إلى ضرورة اتّخاذ تدابير وقائيّةٍ مبكّرةٍ لضمان بقاء هذه التّقنيات تحت إشرافٍ بشريٍّ صارمٍ.

نحو استخدام آمن ومسؤول للذكاء الاصطناعي في الأعمال

لتحقيق أقصى استفادةٍ من الذكاء الاصطناعي وتجنّب مخاطره، ينبغي على الشّركات انتهاج خطواتٍ مدروسةٍ تضمن دمج هذه التّقنيّة بشكلٍ مسؤولٍ ضمن استراتيجيّاتها، ولا يقتصر الأمر على تبنّي أدواتٍ جديدةٍ، بل يتطلّب تغييراً ثقافيّاً ومؤسّسيّاً يراعي القيم، ويُوازن بين الابتكار والمسؤوليّة. [1]

وضع حوكمة وضوابط واضحة

من المهمّ أن تبدأ الشّركات بتأسيس أطر حوكمةٍ داخليّةٍ للذكاء الاصطناعي، تتضمّن سياساتٍ لاستخدامه، وتوزيعاً واضحاً للمسؤوليّات. بات من الشّائع أن تُعيّن بعض المؤسّسات مسؤولين رفيعي المستوى للإشراف على مبادرات الذكاء الاصطناعي، وتشكيل لجانٍ توجيهيّةٍ أو فرقٍ متخصّصةٍ بأخلاقيّات التّقنيّة لضمان مراعاة الأبعاد القانونيّة والإنسانيّة في كلّ مشروعٍ جديدٍ. هذه الحوكمة ليست مجرّد إجراءاتٍ شكليّةٍ، بل هي أداةٌ فعّالةٌ لضبط السّلوك التّقنيّ وضمان اتّساقه مع أهداف الشّركة وقيمها.

مراجعة المخرجات والتأكد من الجودة

لا ينبغي اعتماد قراراتٍ أو محتوىً يولّده الذكاء الاصطناعي دون إشرافٍ بشريٍّ، خاصّةً في المراحل الأولى من الاستخدام، وتُشير التّجارب إلى أنّ نسبةً كبيرةً من المؤسّسات الّتي استخدمت الذكاء الاصطناعي واجهت مشكلاتٍ سلبيّةً مثل: الأخطاء في المعلومات أو انتهاكاتٍ للخصوصيّة. لذلك، تعتمد الكثير من الشّركات على مراجعةٍ صارمةٍ للمخرجات قبل اعتمادها رسميّاً، ممّا يساعد على كشف الأخطاء والانحرافات مبكّراً، وتقليل التّأثيرات السّلبيّة المحتملة.

إدارة المخاطر والالتزام بالأخلاقيّات

ينبغي تحديد أبرز المخاطر النّاجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي مثل: عدم الدّقّة، والاختراقات الأمنيّة، والتّحيّز، وانتهاك حقوق الملكيّة الفكريّة، ووضع خططٍ للتّعامل معها.  يتطلّب ذلك اختبار النّماذج بانتظامٍ للتأكّد من دقّتها وعدالتها، وتأمين البيانات المستخدمة في التّدريب لضمان الخصوصيّة، كما يُستحسن تبنّي مدوّنة سلوكٍ أخلاقيٍّ، تُرشد الفرق التّقنيّة إلى مبادئ النّزاهة والشّفافيّة والمسؤوليّة عند تطوير الخوارزميّات واستخدامها.

تأهيل الموظفين وتطوير المهارات

لا يمكن فصل نجاح الذكاء الاصطناعي عن العنصر البشريّ، حيث يتطلّب إدماجه في بيئة العمل برامج تدريبيّةٍ تُعيد تأهيل الموظّفين وتُطوّر مهاراتهم الرّقميّة، إذ يُتوقّع أن تتغيّر طبيعة العديد من الوظائف، وتظهر وظائف جديدةٌ، ممّا يستدعي جهوداً استباقيّةً في التّدريب وإعادة التّأهيل. بهذا الشّكل، تصبح أدوات الذكاء الاصطناعي وسيلةً لتعزيز الإنتاجيّة لا تهديداً للدّور البشريّ.

المواكبة التنظيمية والتعاون على وضع المعايير

ينبغي للشّركات متابعة التّطوّرات القانونيّة المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي على المستويين المحلّي والدّولي، والتّأكّد من الالتزام بها. في ظلّ اتّجاه العديد من الدّول إلى سنّ تشريعاتٍ شاملةٍ، مثل قوانين وسم المحتوى المُولَّد آليّاً، أصبح من الضّروري ألّا تكتفي الشّركات بالرّقابة الدّاخليّة فقط، بل أن تُشارك في صياغة المعايير الصّناعيّة والتّشريعات من خلال التّعاون مع صنّاع القرار. كما يمكن للشّركات الكبرى أن تلعب دوراً قياديّاً في مشاركة أفضل الممارسات ضمن تحالفات الصّناعة، لضمان تطويرٍ مسؤُولٍ ومستدامٍ للتّقنية على نطاقٍ واسعٍ.

يمثّل الذكاء الاصطناعي تحوّلاً جذريّاً في عالم الأعمال، إذ يجمع بين فرصٍ هائلةٍ للتّطوّر ومخاطر ملموسةٍ تستدعي الحذر. لقد بات من الواضح أنّ تبنّي هذه التّقنيّة لم يعد خياراً ثانويّاً، بل هو ضرورةٌ تنافسيّةٌ تمسّ استدامة المؤسّسات وقدرتها على النّموّ، لكن الاستفادة الحقيقيّة من الذكاء الاصطناعي لا تأتي بمجرّد اقتنائه، بل تتطلّب فهماً عميقاً لأبعاده، ووضع أطر حوكمةٍ فعّالةٍ، والاستثمار في العنصر البشريّ، ومتابعة تطوّراته الأخلاقيّة والقانونيّة.

إنّ الشّركات التي تنجح في التّعامل مع الذكاء الاصطناعي بعقلانيّةٍ وتخطيطٍ مدروسٍ ستكون الأكثر قدرةً على تحقيق التّوازن بين الابتكار والمسؤوليّة، وفي نهاية المطاف، لا يتعلّق مستقبل الأعمال فقط بالتّقنيّة، بل بكيفيّة استخدامها لخدمة الإنسان وتقدّمه.

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى القضاء على الوظائف البشرية؟
    على المدى القصير، قد تؤدّي تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى أتمتة بعض الوظائف، لا سيما المهامّ الرّوتينيّة، ممّا قد يُلغي بعض الأدوار التّقليديّة. ومع ذلك، فهي في الوقت نفسه تخلق وظائف جديدةً وتتطلّب مهاراتٍ مختلفةً. تشير الدّراسات إلى أنّ حوالي 40% من الوظائف الحاليّة قد تتأثر بتقنيات الذكاء الاصطناعي، لكن نصفها فقط معرّضٌ للاستبدال الكامل بينما النّصف الآخر سيكون مُكمِّلاً لعمل البشر.
  2. كيف يمكن للشركات إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي بشكل فعال؟
    يمكن للشّركات اتّباع عدّة ممارساتٍ لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي، ومن أبرزها: وضع سياساتٍ وضوابط واضحةٍ للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي داخل المنظّمة؛ (2) اختبار نماذج الذكاء الاصطناعي بشكلٍ دوريٍّ لمراجعة دقتها وعدالتها وتجنّب التّحيّز، ضمان أمن البيانات وخصوصيتها عند استخدام منصّاتٍ خارجيّةٍ أو عند معالجة بياناتٍ حسّاسةٍ؛ الالتزام بالأنظمة والقوانين ذات الصّلة (مثل قوانين حماية البيانات) عبر استشاراتٍ قانونيّةٍ مستمرّةٍ، وتشكيل فرق عملٍ متعدّدة التّخصصات (تقنية، وقانونية، وإدارية...) لتقييم أيّ مشروع ذكاء اصطناعي جديدٍ بشكلٍ شموليٍّ قبل اعتماده على نطاقٍ واسعٍ.
  3. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخرج عن سيطرة الإنسان؟
    السيناريوهات التي يخرج فيها الذكاء الاصطناعي عن السيطرة تماماً هي فرضيّاتٌ قصوى يناقشها بعض الخبراء، لكنّها غير مرجّحةٍ في المستقبل القريب؛ فالأنظمة الحالية للذكاء الاصطناعي هي أنظمةٌ ضيّقةٌ مخصّصةٌ لمهامٍّ محدّدةٍ، وليس لديها وعي ذاتيّ أو أهداف مستقلّة، وبالتّالي يستطيع المطوّرون إيقافها أو تعديلها عند الحاجة. ومع ذلك، يحذّر خبراء بارزون من أنّه مع التّقدّم السّريع ربّما نصل مستقبلاً إلى أنظمةٍ فائقة الذّكاء قد يكون من الصّعب التّحكّم بها. لذا يُوصى بالاستثمار منذ الآن في أبحاث سلامة الذكاء الاصطناعي ووضع أُطرٍ رقابيّةٍ تحسّباً لذلك السّيناريو البعيد، رغم أنّ تحقّقه قد يستغرق عقوداً من الزّمن.
  4. هل يجب على شركتي الاستثمار في الذكاء الاصطناعي الآن أم الانتظار؟
    القرار يعتمد على مجال عمل شركتك واستراتيجيتها الخاصّة. بشكلٍ عامٍّ، بدأت الكثير من الشّركات الرّائدة بالفعل بدمج حلول الذكاء الاصطناعي في عمليّاتها لجني المكاسب المبكّرة واكتساب ميّزةٍ تنافسيّةٍ. إذا كانت هناك تطبيقاتٌ واضحةٌ للذكاء الاصطناعي يمكن أن تحسّن كفاءة أعمالك أو تجربة عملائك، فقد يكون من الحكمة البدء بشكلٍ تجريبيٍّ ومدروسٍ الآن بدل الانتظار، على أن يتم ذلك مع تقييمٍ دقيقٍ للمخاطر وجاهزيّة البنية التّحتيّة والكوادر. أمّا إذا كان مجال عملك لا يزال بعيداً نسبيّاً عن تأثيرات الذكاء الاصطناعي، فيمكنك مراقبة التّطورات ووضع خطّةٍ للتبنّي التّدريجيّ عند نضوج التّقنية بما يلائم احتياجاتك. في كلّ الأحوال، فإنّ البقاء مطّلعاً على تقدّم تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطوير مهارات فريقك في هذا المجال سيضع شركتك في موقعٍ أفضل للاستفادة منه في الوقت المناسب.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: