الرئيسية التنمية قياس الأداء الخاطئ: كيف تدمر الأنظمة قدرات الموظفين؟

قياس الأداء الخاطئ: كيف تدمر الأنظمة قدرات الموظفين؟

حين يُصمَّم نظام قياس الأداء بوعيٍ يوازن بين الدقّة والمرونة، ويُراعي الفروق الفرديّة، ويُشرك الموظّفين في وضع المؤشّرات، تُصان بيئة العمل من التوتّر وتزدهر بالإنتاجيّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يُعدّ قياس الأداء أحد أعمدة إدارة المؤسّسات الحديثة غير أنّ تطبيقه التّقليديّ غالباً ما يقودُ إلى نتائج عكسيّةٍ، حيث يُضعف قدرات الموظفين ويحدّ من إبداعهم، وتعتمد معظم الأنظمة التقليدية على مؤشّراتٍ كميّةٍ جامدة وتُقاس وفق جداول زمنية محددة دون مراعاة بيئة العمل أو طبيعة المهام المتغيرة، وينتج عن ذلك إحباطٌ مهنيٌّ يقلّل من الحافز ويحوّل الموظّف من عنصرٍ فاعلٍ إلى متلقٍ سلبيٍّ للأوامرِ، ممّا يخلق فجوةً كبيرةً بين طموحات الموظّف وقيود النّظام.

تتفاقم المشكلة عندما يُركز المدير على النّتائج العددية فقط دون النّظر إلى جودة العمل أو مستوى التّعاون، ويفرض هذا التّوجه قيوداً على الابتكار، ويجعل الموظف يركّز على تحقيق الهدف السّريع بدلاً من التّفكير الاستراتيجيّ طويل المدى، وهو ما يضرّ بالاستدامة المؤسّسيّة على المدى البعيد.

أساليب قياس الأداء الخاطئ

تدمّر الأنظمة التّقليديّة لقياس الأداء قدرات الموظفين بعدّة طرقٍ أساسيّةٍ، ويمكن تلخيصها كما يلي:

  • التّركيز على الأرقام فقط دون الجودة: تعتمد هذه الأنظمة على مؤشّراتٍ كميّةٍ جامدةٍ مثل عدد المهام أو ساعات العمل، دون النّظر إلى جودة العمل أو مستوى الابتكار؛ فهذا يُضعف القدرة على التّفكير الإبداعيّ، ويجعل الموظّف يركّز على إنجاز المطلوب بسرعةٍ دون تطوير مهاراتٍ جديدةٍ.

  • المكافآت قصيرة المدى: يشجّع ربط المكافآت بالنّتائج اللّحظيّة على تحقيق الأهداف بأقصر الطّرق، متجاهلاً التّطوير المستدام للمهارات، ما يقلّل من التّعلّم المستمر والابتكار الشّخصيّ.

  • تقييم الأداء الفرديّ على حساب الفريق: يزيد ضعف التّركيز على الفريق المنافسة غير الصّحيّة، ويحدّ من تبادل المعرفة والابتكار الجماعيّ، ما يضرّ بالإنتاجيّة الطويلة المدى.

  • التّركيز على العيوب بدل القدرات: تحليل الأخطاء ونقاط الضّعف فقط دون تقدير الإنجازات والمهارات الكامنة يخلق شعوراً بالإحباط، ويقلّل من الدّافعيّة لتطوير النّفس أو المخاطرة في تقديم أفكارٍ جديدةٍ.
  • الأثر النّفسيّ السّلبيّ: يؤدّي هذا النّهج إلى شعور الموظّف بعدم الأمان الوظيفيّ وزيادة الضّغط النّفسيّ وتراجع الرّضا الوظيفيّ، ممّا يضعف الثّقة بالقيادة ويزيد معدل دوران الموظّفين.

الفرد أم الفريق: أيهما أفضل لقياس الأداء؟

تُثير مقارنة الأداء الفردي والجماعي جدلاً واسعاً بين الباحثين والمديرين في المؤسّسات الحديثة، إذ يُعدّ اختيار النّهج الأمثل أساساً لتحقيق الإنتاجيّة والابتكار والاستدامة المؤسّسيّة، ويركّز الأداء الفردي على تقييم مهارات وإنجازات كلّ موظّفٍ على حدة، بينما يولي الأداء الجماعيّ الاهتمام بالتّعاون بين أعضاء الفريق ونجاح المجموعة ككلٍّ.

أداء الفرد: مزايا وقيود

يتيح تقييم الأداء الفرديّ معرفة نقاط القوة والضّعف لكلّ موظّفٍ، ويُشجّع على المبادرة الشّخصيّة وتحقيق الإنجازات الفرديّة، إذ تُظهر دراسةٌ نشرتها "هارفارد بيزنس" (Harvard Business Review) أنّ التّركيز على الأداء الفرديّ يعزّز الالتزام الشّخصيّ بالمواعيد والأهداف المحدّدة، ويزيد من الإنتاجيّة قصيرة المدى بنسبةٍ تصل إلى 15% في الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة. ويواجه الأداء الفرديّ قيوداً كبيرةً أبرزها:

  • تقليص روح التّعاون داخل المؤسّسة.
  • ويضعف التّركيز على الفرد الابتكار الجماعيّ.
  • ويزيد المنافسة غير الصّحيّة.

الأداء الجماعي: قوة التعاون والإبداع

يُعزز الأداء الجماعي روح التّعاون والتّفاعل بين الموظّفين، ويُتيح للفرق تطوير حلولٍ مبتكرةٍ لمشكلاتٍ معقّدةٍ؛ فقد أظهرت دراسةٌ أُجريت في شركاتٍ تقنيّةٍ كبرى أنّ الفرق التي تعتمد مؤشّرات تقييمٍ جماعيٍّ تحقّق زيادة الإنتاجيّة بنسبة 25% مقارنةً بالفرق الّتي تُقيّم أداء أفرادها فقط بحسب "فوربس" (Forbes)، ويُظهر الأداء الجماعيّ قدرات الموظفين على التّعلّم المشترك وتبادل المعرفة، ويُشجّع على تطوير مهارات القيادة والتّواصل ضمن الفريق، ويعزّز هذا النّهج الثّقة المتبادلة بين الأعضاء ويخلق بيئة عملٍ أكثر استقراراً واستدامةً.

التوازن بين الفرد والفريق

تشير الدّراسات الحديثة إلى أنّ الجمع بين الأداء الفرديّ والجماعيّ يوفّر أفضل النّتائج، وفقاً لدراسة "ماكنزي" (McKinsey & Company) أنّ المؤسّسات الّتي تستخدم نظام تقييمٍ مزدوجٍ يُقيّم مهارات الفرد وإنجازاته الشّخصيّة مع نتائج الفريق الجماعيّة شهدت زيادةً بنسبة 30% في الابتكار وحفظ معدّل دوران الموظّفين منخفضاً، ويعتمد هذا التّوازن على وضع أهدافٍ فرديّةٍ قابلةٍ للقياس جنباً إلى جنبٍ مع مؤشّرات أداءٍ جماعيّةٍ، بحيث يتم تقدير الإنجازات الفرديّة من دون إهمال أهميّة التّعاون ويخلق هذا الأسلوب ثقافةً مؤسسيّةً مرنةً تحفّز على الابتكار، وتضمن استدامة الأداء على المدى الطّويل.

كيف تتجنب آثار قياس الأداء الخاطئ على بيئة العمل؟

لتجنّب آثار قياس الأداء الخاطئ على بيئة العمل، ينبغي أوّلاً تحديد مؤشّرات أداءٍ واقعيّةً تعكس أهداف المؤسّسة بدقّةٍ، مع مراعاة الفروق الفرديّة بين الموظّفين لضمان العدالة والتّحفيز الحقيقيّ. كما يجب اعتماد أدوات تقييم موضوعيّةٍ تعتمد على بياناتٍ واضحةٍ لا على الانطباعات الشّخصيّة، ممّا يعزّز الثّقة ويحدّ من التّوتر التّنظيميّ. ويُستحسن إشراك الموظّفين في صياغة معايير القياس ليشعروا بالمسؤوليّة والانتماء تجاه النّتائج. إضافةً إلى ذلك، فإنّ مراجعة أنظمة التّقييم بشكلٍ دوريٍّ تساعد على تصحيح الانحرافات وتحسين الكفاءة. وبهذا التّوازن بين الدّقّة والمرونة تُصان بيئة العمل من الآثار السّلبيّة ويترسّخ مناخٌ من الإنصاف والإنتاجيّة المستدامة.

الخاتمة

تُظهر التّجربة العمليّة والدّراسات الحديثة أنّ الأنظمة التّقليديّة لقياس الأداء غالباً ما تُحدّ من قدرات الموظّفين وتؤثّر في نفسيّتهمُ، بينما النّظم الدّيناميكيّة الّتي توازن بين الإبداع والعمل الجماعيّ والتّطوير الشّخصيّ تحقّق أداءً أعلى واستدامةً أكبر.

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل يؤثر حجم الفريق على فعالية الأداء الجماعي؟
    نعم، يلعب حجم الفريق دوراً كبيراً في فعالية الأداء الجماعي؛ فالفرق الصغيرة عادةً ما تتميّز بمرونةٍ أكبر وتواصلٍ أسرع، ما يعزّز الابتكار واتّخاذ القرار بسرعة. أمّا الفرق الكبيرة، فقد تواجه صعوباتٍ في التّنسيق وتوزيع المهامّ، وقد يقلّ مستوى المشاركة الفرديّة، ممّا يتطلّب استراتيجيّاتٍ تنظيميّةً متقدّمةً لضمان إنتاجيّةٍ عاليةٍ.
  2. كيف يمكن قياس الابتكار داخل الفرق بشكل فعّال؟
    يمكن قياس الابتكار داخل الفرق من خلال مؤشّراتٍ نوعيّةٍ وكميّةٍ معاً، مثل عدد الأفكار الجديدة المطروحة، ومعدّل تنفيذ الحلول المبتكرة، ورضا العملاء أو جودة المنتج النّهائيّ. كما يُعتبر تقييم التّعاون بين أعضاء الفريق وتبادل المعرفة مؤشّراً رئيسيّاً لمدى نجاح الفريق في الابتكار المستدام.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: