رؤية صادقة تصنع الفارق: كيف يقود جوليان بلوزو نهج الاستثمار الواعي؟
في بيئةٍ رياديّةٍ متغيّرةٍ وسريعة الإيقاع، يتجلّى جوهر النّجاح في بناء شركاتٍ أصيلةٍ وقادرةٍ على التّوسّع، حيث تصبح الرّؤية والمرونة أساس التّمويل والنّموّ المستدام
هذا المقال متوفّر باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
جوليان بلوزو (Julien Plouzeau) هو الشّريك الأوّل في شركة "أوراسيا كابيتال" (Oraseya Capital)، الذّراع الاستثماريّ البالغ قيمته 136 مليون دولارٍ أمريكيٍّ لهيئة المناطق الاقتصاديّة المتكاملة في دبي، والّذي يدعم المؤسّسين الّذين يؤسّسون شركاتٍ قابلةً للتّوسّع إقليميًاً وعالميّاً، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإمارات، وتستجيب لمشكلاتٍ جوهريّةٍ يواجهها الأفراد أو الشّركات في المنطقة الأوسع.
يقول بلوزو: " نحن نتعمّد الحياد إزاء القطاعات، إذ نعتقد أنّ الابتكار كثيراً ما يولد عند مفترق التّخصّصات. ومع ذلك، نميل إلى دعم الشّركات الّتي تمتلك أساساتٍ قويّةً في التّكنولوجيا أو المنصّات، وقد بنينا محفظةً متناميّةً تشمل البرمجيّات كخدمة (SaaS) للشّركات، والتّكنولوجيا الماليّة، والذّكاء الاصطناعيّ، والتّعليم التّقنيّ، والتّجارة الإلكترونيّة، وحلول مستقبل العمل. وفي عام 2024، خلال سنتنا الأولى من العمليّات، أتممنا 24 استثماراً".
عادةً ما تستثمر "أوراسيا كابيتال" في المراحل من مرحلة ما قبل التّمويل الأوّليّ وحتى السّلسلة "ب"، ويكشف بلوزو أنّ نحو 80% من صندوقها مخصّصٌ للاستثمارات من مرحلة البذرة وحتّى السّلسلة "ب"، مع أحجامٍ استثماريّةٍ نموذجيّةٍ تتراوح بين 500,000 و3 ملايين دولارٍ أمريكيٍّ. لكن هذا ليس كلّ شيءٍ، إذ يؤكّد أيضاً أنّ "أوراسيا كابيتال" تولي اهتماماً خاصاً بالتّفاعل مع روّاد الأعمال منذ بدايات مسيرتهم عبر برنامج المسرّع "صندوق الرمل" (SANDBOX)، الّذي يُعدّ البرنامج الوحيد في دبي للاستثمار في الشّركات النّاشئة بدعمٍ من رأس المال الاستثماريّ . وفقاً لبلوزو، يمكن لبرنامج "صندوق الرمال" من أوراسيا كابيتال" أن يدعم المؤسّسين في المراحل المبكّرة ضمن بيئةٍ منظّمةٍ تتمحور حول المؤسّس، كما يتيح لها إجراء تقييماتٍ دقيقةٍ وعالية الجودة على نطاقٍ واسعٍ.
كما يقول إنّ مراحل التّمويل في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر مرونةً مقارنةً بالنّسخة النّظريّة الّتي قد تراها في أنظمةٍ بيئيّةٍ أخرى. ويشير إلى أنّه عادةً ما يُتوقع من المؤسّسين تحقيق إنجازاتٍ أكبر من النّاحية القياسيّة مقارنةً بالولايات المتّحدة أو أوروبا في المرحلة نفسها.
ويضيف بلوزو: "مع ذلك، نحاول أن نؤسّس تفكيرنا حول مرحلة التمويل بناءً على جاهزيّة الشّركة، لا مجرّد التّسميّة. ففي مرحلة ما قبل التّمويل الأوّليّ، نبحث عن بصيرةٍ حادّةٍ لدى المؤسّس، وقدرةٍ تقنيّةٍ قويّةٍ، ومؤشّراتٍ مبكّرةٍ على توافق المنتج مع السّوق. وبحلول مرحلة البذرة، ينبغي أن تكون هناك بعض الدّلائل التّجاريّة، وخطةٌ واضحةٌ للوصول إلى السّوق، وفريقٌ بدأ يتطوّر خارج نطاق المؤسّس. وغالبًا ما تتعلّق المرحلة "أ" بإثبات إمكانيّة التّكرار، أي إثبات أنّ النّموّ ليس ممكناً فحسب، بل قابل للتّوسّع. أما المرحلة "ب"، فتتعلّق أكثر بقوّة اقتصاديّات الوحدة، والصّلابة التّشغيليّة، ومسارٍ موثوقٍ نحو القيادة الإقليميّة أو العالميّة في الفئة المعنيّة.
لكن ليست كلّ رحلات النّموّ تتبع هذا التّسلسل المنظّم؛ فيقول بلوزو: "بالطّبع، تتحرّك بعض القطّاعات بوتيرةٍ أسرع. ففي مجالات الذّكاء الاصطناعيّ أو العملات المشفّرة، قد تكون المؤشّرات المبكّرة على الجذب أو القدرة الدّفاعيّة للشّركة تقنية في طبيعتها (أداء النّموذج، وتبنّي البروتوكول، وما شابه)، بدلاً من الاعتماد على مقاييس الإيرادات التّقليدية. وهنا تظهر أهميّة الفروق الدّقيقة وفهم التّفاصيل".
ويضيف أنّ هذا التّباين ينعكس أيضاً في الطّريقة الّتي تُسمّى بها جولات التّمويل في المنطقة؛ فيقول: "تزداد العلامات التّقليديّة للتّمويل ضبابيّةً مع الوقت". ويضيف: "نلتقي أحياناً بشركاتٍ ناشئةٍ تحقّق أكثر من مليون دولارٍ من الإيرادات وتقوم بجولة تمويلٍ بذريّةٍ، في حين تقوم شركاتٌ أخرى بجولة الفئة "أ" بينما لا تزال تبحث عن نموذج تحقيق الإيرادات. في النّهاية، ما يهمّ أكثر من التّسمية هو تقييمنا الفعليّ لنضج الشّركة وملفّ المخاطر الخاصّ بها. هل نتحمّل مخاطر المنتج؟ أم مخاطر الوصول إلى السّوق؟ هل الفريق يتحقّق من توافق المنتج مع السّوق، أم يوسّع نموذجًا مثبتاً؟ كل مرحلةٍ تحمل توقّعاً مختلفاً للعائد مقابل المخاطرة، وهكذا نقرّر استثماراتنا استناداً إلى الجوهر وملفّ المخاطر".
يشير بلوزو أيضاً إلى الجولات التّمويليّة الوسيطة -مثل تمويلات الجسر، والجولات السّابقة للسّلسلة، أو تمديدات السّلسلة- بوصفها آلياتٍ يمكن لروّاد الأعمال في المنطقة الاستفادة منها للحفاظ على مسار شركاتهم. ويشرح قائلاً: "غالباً ما يحتاج المؤسّسون إلى المرونة في جمع التّمويل، مع مواصلة العمل نحو تحقيق معالم تشغيليّةٍ رئيسيّةٍ. تُتيح هذه الجولات تنفيذاً أسرع، وإجراءاتٍ قانونيّةٍ أبسط، ومرونةٍ لاستقطاب مستثمرين جددٍ على نحوٍ متدرّجٍ. وتؤدّي هذه الجولات الوسيطة غرضاً صحيّاً، إذ توائم تدفّق رأس المال مع التّقدّم الملموس بدلاً من الالتزام بجداول زمنيّةٍ اعتباطيّةٍ. ومع ذلك، من المهمّ الاقتراب من الجولة التّالية للتّمويل بالأسهم ذات السّعر المحدّد بنيّةٍ واضحةٍ، سواء من حيث التّوقيت أو تسمية المرحلة، لأنّها تحدّد التّوقّعات بشأن التّقييم، والمؤشّرات الأوّليّة للأداء، واستعداد المستثمرين المستقبليّين".
يؤكّد بلوزو أنّ جمع التّمويل النّاجح يعتمد على العقليّة كما يعتمد على الآليّات. لذلك، ينصح المؤسّسين قائلاً: " العب على المدى البعيد؛ فلا تُوجّه تركيزك نحو الجولة التّمويليّة التّالية، بل نحو بناء شركةٍ صلبةٍ ذات قيمةٍ حقيقيّةٍ، بحيث يكون التّمويل ضمن نطاقٍ معقولٍ (عادةً بين 10% و20%)، ويكفي لتمكين الشّركة من مواصلة الطّريق وتحقيق فرص النّجاح. في هذه المرحلة، يشكّل بدء الطّريق الفعليّ أهمّ من التّمسّك بالملكيّة النّظريّة. وإذا شعر المستثمرون المستقبليون أنّ جدول الملكيّة بحاجةٍ إلى إعادة توازنٍ، فهناك آليّاتٌ واضحةٌ لمعالجة ذلك. وبشكلٍ منهجيٍّ، يجب أن ترتبط كلّ جولةٍ بإنجازٍ رئيسيٍّ، يصاحبها مجموعةٌ جديدةٌ من الأهداف الطّموحة، لضمان توجيه النّموّ نحو مسارٍ مستدامٍ وقابلٍ للقياس".
تمتدّ هذه النّظرة أيضاً إلى الطّريقة الّتي يدير بها روّاد الأعمال نموّ شركاتهم؛ فيقول بلوزو: "ابقَ قريباً من مقاييسك -ليس الماليّة فحسب، بل أيضاً تفاعل المنتج، وردود فعل العملاء، ومعدّلات الاحتفاظ. ففي نهاية المطاف، ما سيحدّد مسارك هو قدرتك على قيادة شركةٍ منضبطةٍ، تتمحور حول العميل".
وبنفس الرّوح، ينصح بلوزو المؤسّسين بالتّفكير استراتيجيّاً حول خطّة ملكيّة أسهم الموظّفين (ESOP). ويشرح قائلاً: "تصبح خطة ESOP الواضحة والمنظّمة جيّداً مهمّةً بشكلٍ خاصٍّ في المراحل المتأخّرة، ليس فقط لجذب المواهب، بل للحفاظ على انسجام الفريق، وتحفيزه، ومكافأته على النّجاح طويل الأمد. لذلك، لا تعاملها كأمرٍ ثانويٍّ، بل فكّر فيها مبكراً وصمّمها بعنايةٍ".
كلّ هذا يقود إلى ما يراه بلوزو الفارق الأهمّ للمؤسّسين اليوم، وهو أن يكونوا صادقين مع أنفسهم؛ فيوضّح قائلاً: "رحلتك، وبصيرتك، وفريقك، كلّها خندقك الدّفاعيّ، إذ لم يطارد أفضل المؤسّسين الّذين دعمناهم الصّيحات، بل انكبّوا على فهم المشكلة بعمقٍ، وبنوا حولها مشروعاً ذا قيمةٍ حقيقيّةٍ، ثم جاء كلّ ما عداها تباعاً".
أخطاء جمع التمويل
يشير جوليان بلوزو إلى أنّ هناك أخطاءٌ شائعةٌ يرتكبها المؤسّسون عند السّعي لجمع رأس المال، ويقدّم توجيهات لتجنّبها؛ فيقول: "أحد أكثر الأخطاء شيوعاً في جمع التّمويل هو عدم القدرة على التّعبير بوضوحٍ عن سبب كونك أنت المناسب، ولماذا الآن هو الوقت المناسب، إذ يحتاج المستثمرون إلى فهمٍ سريعٍ لما يجعلك في موقعٍ فريدٍ لحلّ هذه المشكلة بالذّات، من خلال بصيرتك، وميّزتك التّنافسيّة، وتوقيتك. كثيراً ما يركّز المؤسّسون على المنتج أو على الرّؤية، لكنّهم يغفلون عن السّرد الحادّ الذي يوضّح مدى توافق المؤسّس مع السوق، ولماذا تمثّل هذه المشكلة أهميّةً كبيرةً اليوم، وأكثر أهميّةً غداً".
ويضيف: "خطرٌ آخر يتكرّر كثيراً، ألا وهو التّقليل من أهميّة الشّفافيّة؛ فوجود قاعدة بياناتٍ قويّةٍ ومنظّمةٍ جيّداً، والاستعداد لمشاركة التّحدّيات بصراحةٍ، وليس الإنجازات فقط، يبني الثّقة ويعزّز المصداقيّة. في "أوراسيا كابيتال"، نفضّل الشّراكة مع المؤسّسين الّذين يظهرون الصّراحة. كما أنّنا نثمّن المؤسّسين الّذين يكونون صادقين بلا تحفّظٍ بشأن عروضهم، والّذين لا يقلّلون من شأن منافسيهم".
ويختم قائلاً: "وأخيراً، عدم البدء مبكراً؛ فقد يكون جمع التّمويل أكثر فاعليّةً عندما يكون استمراراً لعلاقةٍ قائمةٍ بالفعل مع المستثمرين، لا مجرّد بدايةٍ جديدةٍ. لذلك، فإنّ أقوى الجولات الّتي نشهدها يقودها مؤسّسون بنوا قناعة المستثمرين لديهم تدريجيّاً عبر الوقت، من خلال مشاركة التقدّم، والتّفاعل المستمرّ، والرّد السّريع، حتّى قبل أن تنشأ الحاجة الفعليّة لرأس المال".