الرئيسية تكنولوجيا Meta تنتصر في معركة الاحتكار وتتجنب تفكيك خدماتها

Meta تنتصر في معركة الاحتكار وتتجنب تفكيك خدماتها

يُجسّد انتصار ميتا على لجنة التجارة الفيدرالية تحوّل مشهد التّواصل الاجتماعيّ، مؤكّداً أنّ المنافسة الرّقميّة باتت مفتوحةً ومتجدّدةً وليست احتكاراً

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

انتصرت شركة "ميتا" (Meta) على أحد أخطر التّحدّيات القانونيّة في تاريخها الحديث، بعد أن واجهت تهديداً وجوديّاً كان من شأنه أن يجبرها على فصل تطبيقي إنستغرام وواتساب عن الشّركة الأمّ. وجاء هٰذا الانتصار بعد أن قضت محكمةٌ اتحاديّةٌ أمريكيّةٌ بأنّ ميتا لا تحتكر سوق شبكات التّواصل الاجتماعيّ، لتنهي بذٰلك فصلاً قضائيّاً استمرّ لسنواتٍ وأثار اهتماماً واسعاً في أوساط التّقنيّة والقانون.

أصدر القاضي الفيدراليّ جيمس بوازبيرغ حكمه الحاسم يوم الثّلاثاء، بعد أن اختتمت المحكمة في أواخر مايو الماضي المحاكمة التّاريخيّة في قضيّة الاحتكار المرفوعة ضدّ الشّركة. وقد شكّل قراره مفارقةً واضحةً مقارنةً بحكمين سابقين أدانا شركة غوغل باعتبارها تحتكر مجالي البحث والإعلانات الرّقميّة، في ضربةٍ قاسيةٍ لصناعة التّقنيّة الّتي اعتادت نموّاً متسارعاً بلا قيودٍ تنظيميّةٍ تذكر.

وأوضح القاضي في نصّ الحكم أنّ لجنة التّجارة الفيدراليّة ما زالت تصرّ على أنّ ميتا تنافس الخصوم أنفسهم الّذين واجهتهم منذ عقدٍ من الزّمن، وأنّها تحافظ على احتكارها من خلال استحواذاتٍ غير تنافسيّةٍ. لكنّه أضاف قائلاً: إنّه حتّى لو تمتّعت ميتا بقوّةٍ احتكاريّةٍ في الماضي، فإنّ اللّجنة مطالبةٌ بإثبات أنّ هٰذه القوّة ما زالت قائمةً اليوم، وهو ما فشلت في تحقيقه وفقاً لما خلصت إليه المحكمة. وهكذا، أسقط الحكم الدّعوى الّتي سعت لإثبات أنّ الشّركة ما زالت تهيمن على سوق التّواصل الاجتماعيّ بطريقةٍ غير قانونيّةٍ.

وقد استندت اللّجنة في ادعاءاتها إلى مقولةٍ شهيرةٍ أطلقها الرّئيس التّنفيذيّ مارك زوكربيرغ عام 2008 حين قال: "من الأفضل الشّراء على المنافسة". واستشهدت بذٰلك لتؤكّد أنّ فيسبوك تبنّت نهجاً قائماً على مراقبة المنافسين المحتملين وشراء الشّركات النّاشئة الّتي قد تشكّل تهديداً مستقبليّاً لها. ومع ذٰلك، رفضت المحكمة هٰذا المنطق لأنّ القاعدة القانونيّة لا تحاسب على النّوايا السّابقة بل على الأفعال الحاليّة، ولأنّ الواقع السّوقيّ تغيّر بصورةٍ جذريّةٍ منذ ذٰلك الوقت.

وخلال جلسات الاستماع في أبريل الماضي، دافع زوكربيرغ بقوّةٍ عن قرارات شركته، مؤكّداً أنّ صفقة إنستغرام لم تكن تهدف إلى تحييد منافسٍ بل إلى تطوير تجربة المستخدم وتنويع منتجات الشّركة. وخلال الاستجواب، قدّم محامو لجنة التّجارة الفيدراليّة رسائل إلكترونيّةً قديمةً كتبها زوكربيرغ ومساعدوه قبل وبعد صفقة الاستحواذ، لكنّ الأخير أوضح أنّ تلك الرّسائل كتبت في بدايات المفاوضات ولا تعكس الصّورة الكاملة للصّفقة، مؤكّداً أنّ اهتمامه كان تقنيّاً واستراتيجيّاً أكثر من كونه تنافسيّاً.

وبيّن القاضي في حكمه أنّ القضيّة لا تتعلّق بصفقتي إنستغرام وواتساب اللّتين وافقت عليهما اللّجنة نفسها قبل أكثر من عشر سنواتٍ، بل بالوضع الحاليّ في السّوق، وما إذا كانت ميتا اليوم تحتكر فعلاً المجال الرّقميّ. وأوضح أنّ المدّعين لم يقدّموا دليلاً على وجود انتهاكٍ قانونيٍّ راهنٍ أو وشيكٍ، وهو الشّرط الجوهريّ لإدانة الشّركة في مثل هٰذه القضايا.

كما أشارت اللّجنة في شكواها إلى أنّ فيسبوك تبنّت سياساتٍ أعاقت دخول المنافسين الصّغار للسّوق، وسعت إلى تحييد التّهديدات المحتملة، خصوصاً في المرحلة الّتي انتقل فيها العالم من الحواسيب المكتبيّة إلى الهواتف الذّكيّة. غير أنّ دفاع ميتا رأى أنّ تلك السّياسات كانت تنظيميّةً مشروعةً تهدف إلى حماية المستخدمين وضمان جودة الخدمات، لا إلى خنف المنافسة.

وبعد صدور الحكم، أصدرت ميتا بياناً رحّبت فيه بالقرار، مؤكّدةً أنّه يقرّ بأنّ ميتا تواجه منافسةً شرسةً في سوقٍ سريع التّغيّر. وقالت جينيفر نيوستيد، كبيرة المسؤولين القانونيّين في الشّركة، إنّ منتجات ميتا تساهم في خدمة النّاس والشّركات على حدٍّ سواءٍ، وتجسّد روح الابتكار والنّموّ الاقتصاديّ الأمريكيّ، مضيفةً أنّ الشّركة تتطلّع إلى تعزيز تعاونها مع الجهات الحكوميّة والاستمرار في الاستثمار داخل الولايات المتّحدة.

وفي تبريرٍ موسّعٍ للحكم، أشار القاضي بوازبيرغ إلى أنّ المشهد الرّقميّ تغيّر جذريّاً منذ رفعت لجنة التّجارة الفيدراليّة الدّعوى عام 2020، موضّحاً أنّ كلّ مراجعةٍ قضائيّةٍ كانت تكشف عن واقعٍ جديدٍ في عالم التّطبيقات. ولفت إلى أنّ الحكمين السّابقين في عامي 2021 و2022 لم يذكرا حتّى اسم تيك توك، الّذي أصبح اليوم المنافس الأشدّ لميتا في فضاء التّواصل الاجتماعيّ. واستشهد القاضي بقول الفيلسوف الإغريقيّ هيراقليطس: "لا يمكن للإنسان أن يعبر النّهر نفسه مرّتين"، مضيفاً أنّ الأمر ذاته ينطبق على عالم الإنترنت، حيث تتبدّل موازين القوّة باستمرارٍ وبسرعةٍ تفق الطّاقة على التّوقّع.

وأوضح بوازبيرغ أنّ البيئة الّتي كانت قائمةً قبل خمس سنواتٍ عندما رفعت لجنة التّجارة الفيدراليّة هٰذه الدّعوى تغيّرت تغيّراً جوهريّاً، مشيراً إلى أنّ الفصل التّقليديّ بين شبكات التّواصل الاجتماعيّ ومنصّات الوسائط الاجتماعيّة لم يعد موجوداً، إذ تداخلت الحدود بين الاثنين بشكلٍ كاملٍ.

من جانبها، قالت المحلّلة في شركة إيماركيتر ميندا سميلي إنّ فوز ميتا لم يكن مفاجئاً بالنّظر إلى الجهود الكبيرة الّتي بذلتها خلال السّنوات الأخيرة لمجاراة تيك توك. لكنّها حذّرت من أنّ الشّركة لم تتجاوز بعد المخاطر التّنظيميّة، إذ من المتوقّع أن تواجه شبكات التّواصل الكبرى العام القادم محاكماتٍ تتعلّق بتأثيرها على الصّحّة النّفسيّة للأطفال. وأضافت: ومع ذٰلك، فإنّ هٰذا الانتصار يمثّل دفعةً معنويّةً كبيرةً للشّركة في وقتٍ تواجه فيه أسئلةً حول عائدات استثماراتها الضّخمة في الذّكاء الاصطناعيّ على المدى البعيد.

وتاريخيّاً، اشترت فيسبوك تطبيق إنستغرام عام 2012، وكان آنذاك مشروعاً ناشئاً لمشاركة الصّور بلا إعلاناتٍ وبعددٍ محدودٍ من المستخدمين، مقابل صفقةٍ بلغت قيمتها مليار دولارٍ نقداً وأسهماً. وقد تراجعت القيمة لاحقاً إلى نحو 750 مليون دولارٍ بعد انخفاض سعر سهم فيسبوك عقب طرحه للاكتتاب العامّ. وكانت تلك أول عمليّة استحواذٍ كبيرةٍ تحتفظ فيها الشّركة بالتّطبيق مستقلّاً، بعد أن اعتادت في السّابق شراء الشّركات النّاشئة بهدف ضمّ فرقها التّقنيّة فقط. وبعد عامين، استحوذت على تطبيق واتساب مقابل 22 مليار دولارٍ، في خطوةٍ نقلت أعمالها من الحواسيب إلى الهواتف الذّكيّة وأبقتها على اتّصالٍ بالأجيال الشّابّة رغم ظهور منافسين مثل سناب شات وتيك توك.

ورغم أنّ لجنة التّجارة الفيدراليّة حدّدت نطاق المنافسة بشكلٍ ضيّقٍ، مستبعدةً شركاتٍ كتيك توك ويوتيوب وخدمة الرّسائل التّابعة لآبل من اعتبارها منافسين مباشرين لميتا، فإنّ واقع السّوق أظهر أنّ المنافسة في هٰذا القطاع أصبحت أوسع بكثيرٍ وأكثر تنوّعاً.

أمّا في الأسواق الماليّة، فلم يبد المستثمرون مفاجأةً تجاه الحكم، إذ تراجع سهم ميتا بمقدار 1.52 دولارٍ ليغلق عند 600.49 دولارٍ خلال جلسة الثّلاثاء، وهو تراجعٌ طفيفٌ يعكس استقرار ثقة السّوق بالشّركة، لا سيّما أنّ الحكم جاء منسجماً مع التّوقّعات العامّة.

وهكذا، يؤكّد هٰذا الحكم أنّ البيئة التّقنيّة لم تعد تدار بعقليّة الاحتكار كما كانت تتّهم ميتا سابقاً، بل أصبحت تقوم على منافسةٍ متجدّدةٍ تغيّر ملامحها التّطبيقات والابتكارات يوماً بعد يومٍ. ويبدو أنّ ميتا، رغم التّحدّيات المستمرّة، قد نجحت في إثبات أنّها ليست مجرّد شركةٍ مهيمنةٍ، بل كيانٌ ديناميكيٌّ يتكيّف مع التّحوّلات ويواصل الدّفاع عن شرعيّة وجوده في سوقٍ لا يتوقّف عن التّغيّر.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: